البغاء والزنا
منذ بدء الحضارات عد الزنا ممارسة غير مقبولة سواء أكان مقابل ثمن ويمارس كمهنة أم لا ، وإذا كان كمهنة مقابل ثمن يسمى البغاء أي الفجور وتسمى الأمة بالبغي فاجرة كانت أو غير فاجرة وقيل البغي الفاجرة حرةكانت أم حرة 60
والعرف السائد عند الجاهلية أن الحرة لاتزني وكانت في المدينة بغايا مسافحات يكرين أنفسهن ،وكان مالك الجارية يقاسمها الأموال المستحصلة وهن معروفات وصاحبات رايات كأم غليط ومرية وعمثلة وأم سويد وغيرهن 61
ولا توجد أمة أو مجتمع يخلو من وجودهن في أي وقت وزمان، وبسبب الفكر الذكوري ركز على الممتهنات وأطلقت عليهم هذه التسمية ، والحق أن البغايا لا يمارسن الزنا مع خيال أوكائنات مجهولة بل مع ذكورلذلك فتسليط الضوء على البغايا دون البغاة الذكور أمر فيه اجحاف للأنثى ومناصرة للذكورة ، والبغاء حلل في بعض المجتمعات إذا لم يكن بثمن بدعوى الحب أوالحاجة الفسلجية أو إشباع الجوع الجنسي أو بدعاوى وحجج أخرى تعدّها أغلب المجتمعات واهية وغير مقبولة ونهت عنها الأديان كونها فاحشة تؤدي إلى سوء السبيل .
في أولى الحضارات وأقصد بها حضارة وادي الرافدين ، ليس أمامنا غيرالرُقم الطينية والملاحم الخالدة كوثائق يمكن الإستناد عليها في رؤية موضوع الزنا وممارسة الفاحشة، وأترك لعلماء النفس تحليل الظواهر ولعلماء الفلسفة والجدل والمنطق ولعلماء الدين الوعظ وتحديد العقاب على وفق نهجهم.
أعتقد أن الممارسة الجنسية كآلية وكعملية ميكانيكية لا تختلف في حالة البغاء والزنا عنها في حالة الزوجين ، ولكنها في حالة الزوجية تكون مقننة بشروط وخاضعة لعقد غير سائبة فضلا ً عما يصاحبها من راحة نفسية تتخللها المودة
59 محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني .
60 لسان العرب / ابن منظور .
61 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام / جواد علي
والحب الحقيقي والعاطفة النقية لذلك كانت الممارسة الجنسية في حالة الزواج مقبولة بل ومفرحة للناس سواء كانوا من أهل الذكر أو أهل الأنثى وربما يكون أكثر بهجة وفرحا ً لأهل الأنثى في بعض المجتمعات التي ترى فيه صيانة للأنثى من العار وسترا ً في حين يرى صيانة للذكر من الفواحش والزلل والشطط، والأديان حتى في الممارسات الجنسية الزوجية حددت بعض الممنوعات مثل الإتيان وقت المحيض ومن الدبر في أي وقت وهذا دليل كاف على هذه الممارسات موجودة وقد اكتشفها البشر وإلآ لماذا تذكر وتذم وتعد غير مقبولة، لأي سبب كان .
عملية ممارسة الأنثى الجنس من الدبر قبل الزواج لا دليل مادي يكشفها للعريس ،ويمكن ذلك للمتخصصين في الطب مثلا ً،وهناك ممارسات مختلفة تؤدي الغرض نفسة دون استعمال الفرج لذلك كان غشاء البكارة والدم السائل منه ليلة الزواج الدليل على عدم ممارسة الفتاة للجنس لكن لا دليل على الرجل الممارس للجنس قبل الزواج أو بعده ، وتبقى مسألة مهمة وهي ربط غشاء البكارة فقط بالشرف كارثة وغباء فكيف يتثبت الذكر بأن الأنثى لم تمارسه، لذا فالأمرمنوط بالتربية والتفهم أو بالتدين .
الممارسات الجنسية في المجتمع الذكوري لا يحاسب عليها الذكر كالأنثى ولا ينظر له بالسوء نفسه ،وكثير من الإناث اللواتي يدافعن عن القيم ويلتفعن بعباءة الشرف لو سئلن عن الممارسة الجنسية لن يخرج مفهوم إجابتهن عن مفهوم الشرف وتنسى مئات المثالب الأخرى التي هي في حقيقتها من الشرف بل الشرف الرفيع ، والبعض منهن لا تسمح لإناثها ممارسة الجنس في حين تسمح به للذكر ،فالذكر له حرية الخروج من المنزل والعودة متى شاء بينما لا يسمح ذلك للأنثى فلا يعرف إن كان الذكر في أثناء خروجه وقضاء وقت كاف خارج المنزل قد مارس الجنس كزنا أو لواط أو مع الحيوانات .وفي المجتمعات التي فيها حرية الحركة متاحة للأنثى لن يكون من الصعب عليها الممارسة الجنسية لذلك لا تدعي هذه المجتمعات ممارسة الأنثى عيبا ً ولا يسأل الذكر عند الزواج عن غشاء البكارة أو يأبه له إذا كان موجودا ً أو غير موجود إذ لا رابط له بالشرف عنده.
كل الأديان والفلسفات تدعو لمكارم الأخلاق لكن ليست كلها تربط غشاء البكارة بالشرف وتعده في صدر قائمة هذه المكارم .
لم أعرف فيلسوفا ً أوكلاميا ً واحدا ً لم يتحدث أو يكتب كتابا ً في الأخلاق مع تفاوت في تناول موضوعاتها ، لكن المجتمع كلما كان موغلا ً في ادعاء الأخلاق كلما كان أكثر ربطا ً للممارسات الجنسية قبل الزواج بالقيم والشرف .
تعد بعض المجتمعات الممارسة الجنسية الأنثوية زنا بينما لاتعدها أخرى من الزنا ، فالزنا هو مايكون بثمن ويتخذ كحرفة ومهنة ، أما كحاجة فسلجية مثله مثل الحاجات الفسلجية الأخرى هو ليس زنا والدليل على ذلك عدم السؤال عن الممارسات قبل الزواج متى كانت أو كم هو عددها .
في المجتمعات الشرقية لها أهمية ، والسؤال عن الأنثى أو الذكر وسلوكهم يشترك فيه الأهل فضلا ً عن الزوج .
تخبرنا ملحمة جلجامش عن موضوعة الزنا وتذمر أهل مدينة أوروك من تصرفات جلجامش وسلوكياته :
لازم أبطال اوروك حجراتهم متذمرين شاكين
...
...
إن جلجامش لم يترك عذراء لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل .62
وهذا نص صريح على أن ممارسات جلجامش غير مقبولة اجتماعيا ً. ولكن لأن جلجامش يستمد قوته من السلطة الدينية التي أضيفت لسلطته المدنية والتي تجعل الناس غير مؤهلين ولا يملكون الكفاءة لمحاسبته فما عليهم إلآ الإلتجاء للقوى الخارقة الخالقة لصد طغيانه وهذا ما حصل بخلق انكيدو ، ولكن انكيدو المخلوق من قبل الآلهة تأنسن بعد الممارسة الجنسية مع بغي .
وبعد خلق انكيدو وكان كالحيوان ويعيش معهم كان لابد أن يكتشف إنسانيته والسبيل إلى ذلك ممارسة الجنس مع أنثى من البشر تحديدا ً ، وكان بممارسته الجنس مع البغي :
فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عورتها
فتمتع بمفاتن جسمها
نضت ثيابها فوقع عليها
62 ملحمة جلجامش / ترجمة طه باقر .
وعلمت الوحش الغر فن المرأة، فانجذب إليها وتعلق بها ولبث انكيدو يتصل بالبغي سته أيام وسبع ليال ٍ .63
مما يسترعي في هذا النص الصريح والموثق أن البغاء موجود منذ العصورالسالفة وليس وليد عصر بذاته كما يستدعي أمر مهم آخر وهو أن معرفة الإنسان لإنسانيته لاتتم إلآ بالممارسة الجنسية مع أنثى من جنسه.
في أسطر أخرى يتبين سلوك الطاغية جلجامش في اضطهاد البشر إقتصاديا ً وجنسيا ً :
لقد أحل في المدينة العار والدنس
وفرض على المدينة المنكودة المنكرات وأعمال السخرة
لقد خصصوا الطبل إلى ملك أوروك الكبيرة الأسواق
ليختار على صوته العروس التي يشتهيها
إلى جلجامش ملك اوروك الكبيرة الأسواق
يخصصون الطبل ليختار العرائس قبل أزواجهن
فيكون هو العريس الأول قبل زوجها .64
أيضا ً لابد من وقفة عند هذا النص الشعري الجريء ففضلا ً من الإستهجان لسلوك جلجامش غير السوي ، فإن التأكيد على أن الزواج كانت له أهمية و عرفته الحضارات الأولى وقد تختلف شروطه عن الزيجات اليوم لكن وجوده يعني تقنين للممارسة الجنسية المشروعة وما يفعله جلجامش انتهاك لقيم و عُرف ذلك المجتمع الموغل في القدم .
في الفصل الثاني من الملحمة التي تسرد قتال خمبابا للإستيلاء على غابة الأرز نرى سطراً وضح وجود البغي ويصفهن بلفظة ( مقدسات ) ولا أفههم مدى مقبولية البغايا وكيف أنهن مقدسات سوى أن معنى ذلك أنهن يمارسن الجنس لوجه الآلهة بلا ثمن ، ومهما كان ذلك فهو يعني وجود الممارسات الجنسية خارج نطاق بيت الزوجية ، وأرى أن الكهنة يسروا ممارستهم الجنسية باستحداث فكرة البغايا المقدسات لتكتسب شرعيتها :
ثم أطفأت البخور وعوذت وأحضرت الكاهنات والبغايا ( المقدسات ) والمتبتلات .65
بعد عودة جلجامش وانكيدو من قتال خمبابا والإنتصار عليه ، نجد نصا ً
63 المصدرالسابق .
64 المصدر السابق .
65 المصدر نفسه .
غزليا ً تدعو فية الربة عشتار جلجامش لممارسة الجنس بعد أن أثيرت بزينته وجماله ، ولكن دعوتها لم تكن إباحية في الممارسة بل بالزواج وكانت إباحية بالكلام فقط بصورة واقعية جدا ً، فهي تطلب منه الممارسة الجنسية بلفظ مؤدب وباستعارة شعرية وبلاغية جميلة بقولها : هبني ثمرتك أتمتع بها ، وكامل النص الشعري كما ورد هو :
تعال يا جلجامش وكن عريسي
وهبني ثمرتك أتمتع بها
كن زوجي وأكون زوجك .66
ثم يلي ذلك نص غريب غاية في الأناقة الشعرية المتسلسلة يظهرسلوكيات المرأة غير السوية ومنه يظهر مايريده الذكر من الأنثى جنسيا ً وهو حرارة المرأة في ممارسة الجنس وما تزال هذه الفكرة سائدة إلى يومنا هذا فتصنف النساء إلى باردات وساخنات ،وفي بيت آخر يصفها بما لايروق للذكريين خاصة في كبر منزلتها مكانتها فيصفها جلجامش بأنها ( باب ) و( قصر ) و (فيل ) ويصف صلابتها بقوله بشطرين ( أنت حجر وحجر مرمر) .
في تفسير العهد القديم تطالعنا صورة أولى أن أبناء الآلهة وهم كما مفهوم يقصد به البشر الذين من المفترض أن يتوجه سلوكهم وعملهم بحب الآلهة فإنهم انجذبوا إلى بنات قايين الشريرات لجمالهن الجسدي 67
والمهم هنا فكرة انجذاب الذكور للإناث وسواء أكان انجذابا ً يفضي للزواج أو لا فإنه يعني الممارسة الجنسية ولأهميتها وردت سببا ً في عقاب الرب وهو الطوفان ولا يعنيني التفسير الديني أو صحته من عدمه انما يعنيني ان الفكر الديني يؤكد اهتياج الغريزة برؤية الأناث الفاتنات جسديا ً .
من القصص المعروفة في محاولة الزنا قصة امرأة العزيز مع سيدنا النبي يوسف ، ووردت في الكتب المقدسة لتبيان أمر مهم وهو العفة التي يفترض أن يتحلى بها المرء وإن تيسرت له الفرصة والجو المناسب للممارسة، ومهما كان نتيجة الرفض ، كما حصل ليوسف إذ فضل السجن على اغضاب ربه فقال ( السجن أحب إلي ).
66 المصدر نفسه .
67 تفسير اصحاح 6 سفر التكوين.
ومن الغريب ذكر حادثة لا يستسيغها العقل وهي من زنا المحارم وهو مضاجعة ابنتا لوط لأبيهما في ليلتين متتاليتين بعد ان سقتاه خمرا فحبلتا منه سفر التكوين اصحاح 19 من 30 الى 36 وفي الإصحاح 20 عن قول ابراهيم للملك أن زوجته هي أخته كذباًوكاد يتزوجها الملك فأعلم في الحلم أنها متزوجة ولا يجوز أن تتزوج بآخر فقال أنه قال ذلك بحسن نية مخافة القتل )
في إصحاح 24 رقم 16 نص فيه كناية عن عدم ممارسة الجنس :
وكانت الفتاة حسنة المنظر وعذراء لم يعرفها رجل تذكر قصة يوسف وما جرى بين زوجة سيده حين طلبت منه الزنا
قال تعالى في القرآن الكريم :
(ولقد همت به وهم بها لولاأن رأى برهان ربه . يوسف / 24 )
وفي التوراة وردت في :
ومن قصة مريم عليها السلام يفهم أن البغاء كان مكروها ً ومذموما ً منذ أقدم العصور بدليل قول الناس لها :
(يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا)
وقد شكك الناس بولادة طفل من غير أب ، وإن لم يكن العلم بعد قد فسر أن عملية تلقيح البيضة لا يمكن أن يتم إلآ بوساطة الحيامن ،وهم لا يعرفون سوى امتزاج ماء الذكر بماء الأنثى ، وزاد الشك بعد تقدم العلم ،وأرى أن هناك نظرتان ، فالنظرة المشككة مادية صرف ، والنظرة الروحية المؤمنة بالغيب وبقدرات الله عز وجل والتي تراها من باب آخر لا يعتقد به المشككون .
برغم وجود الدين الذي سبق الإسلام وهو الدين المسيحي وقبله اليهودي فلم يستطعيا كبح البغاء في الأرض العربية ومنعة ، فقد كان البغاء منتشرا ًفي الجاهلية لحين ظهور الإسلام الذي حرمه واستطاع لمدة وجيزة النجاح في تطويقه ومنعه لكن ذلك لم يمنع من وجود حالات شاذة ، وبعد تأسيس الدول ومعاشرة العرب للفرس والروم والهنود وجد الناس لا سيما المتمكنين منهم ماديا ً أو سلطويا ً من خلال المقارنة مع العربيات مواصفات وفنونا ً لم يعهدوها من قبل فعاد البغاء وكثر الشذوذ .
في الكتب والمصادر مادة غنية عنه لا يستوعبها كتاب واحد أوبحث ولكن الشيء الغريب أنه برغم وجود هذه المادة الغنية لم نر البحوث العلمية المناسبة وبقيت كل النصوص تقريرية لا فائدة منها .
*************
من كتاب الحب في التراث العربي للدكتور محمد حسن عبد الله عن الأصمعي :
إذا تقادحت الأخلاق المتشاكلة وتمازجت الأرواح المتشابهة ألهبت لمح نور ساطع يستضيء به العقل وتهتز لإشراقه طباع الحياة ويتصور من ذلك النور خلق خاص بالنفس متصل بجوهريتها يسمى العشق .
في عبارة الأصمعي هذه ربط بين الأخلاق والحب وهنا المقصود بالحب العفيف والبعيد عن الجنس ولا أعلم ان كان يوجد مثل هذا الحب في غير مخيلة الشعراء والرواة او على وجه الحقيقة وقد يروى عن هذاوفي التراث العربي ان ليلى الأخيلية من المحبين العفيفين ولكن صاحبها توبة بن الحمير قد نزغ الشيطان له فجاء يطلب الجنس لكن ليلى صدته – يراجع الشعر –
في الكتاب نفسه خبر عن عمارة بن الوليد الذي ذهب سفيراً الى النجاشي ليرد المسلمين عن الحبشة فعشق زوجة النجاشي أو عشقته ووشى به صاحبه فلقي حتفه
إن التسامي وعدم الانصياع للغرائز بسبب والوصول بالحب إلى مراتب مثالية يعني أن الحب والعشق سلوك يفرضه المجتمع والحضارة وهو السائد لكن ذلك لا يعني عدم وجود النقيض وهو السلوك الذي ينصاع للفسلجة والغريزة وهو ليس سلوك المجتمع عامة أو الدعوة له ولا يعني دراسته وذكره إساءة للفكر أو السلوكيات العامة المرغوبة ودراسة النقيض لا تعني ذلك مطلقا ًفمن يذكر الكفر والكفار لايعني كافر حتى قيل ناقل الكفر ليس بكافر
يذكر الرواة في خبر يرويه ابن الجوزي عن رجل أحب زوجة أخيه في الجاهلية ويذكر أن للحب وجه آخر يسميه بالوجه الجنسي الصريح ويقول ما نصه : العصر الجاهلي عرف الحب في مستوياته جميعا ًالحسية والعذرية الطبيعية والشاذة بين الفتيان والفتيات وبين العشاق من أزواج وزوجات وعواهر .
في هذه الخلاصة عن العصر الجاهلي تصريح واضح على أن العلاقة بين الحب والعشق والجنس واحدة حتى أنه يخلط الأزواج بالزوجات والعواهر معا ًوأرى أن ذلك صحيح في اي مجتمع لا تحده قوانين معينة في ممارسة الجنس بمعنى ان هذه الممارسة مباحة لا يحدها غير أخلاق المجتمع والقبيلة ولكن هذا لا يعني أن الدين يضع شروطا ً قاسية على الزواج ومتفهم لطبيعة الممارسة الجنسية وأولويتها لذلك كانت هناك تسميات للممارسة الجنسية مؤدبة في الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم فسميت بالنكاح والتغشي وغيرها بمعنى آخر أن الأديان لم يخف عليها أن الزواج ممارسة جنسية مقننة في بابها الأول ودليل ذلك الفرحة والإحتفال بالزواج بشكل سمي بالإشهار وليس ممارسة الجنس في الزواج هو لإدامة البشرلأن إدامة الأجناس تتم في الحيوانات دون معرفة أو وعي بشروط الزواج وهي تديم نفسها بزواج الحيوان من أخته أو أمه أو أي حيوان آخر لقضاء حاجته دون شروط أو عقد
أحل الإسلام تعدد الزوجات وحرم تعدد الازواج وفسح المجال للذكور بالزواج بأربع زوجات مرة واحدة اشترط بها العدل والتسري بالإماء والجواري وخلاف ذلك وضع عقوبة الرجم والجلد ولو لم الدين يعلم أن الزنا موجود وسيستمر ويتفاقم لما وضع هذه العقوبة القاسية غير أن ماسمح به للذكور دون الإناث محبب للمجتمع الذكوري وغير محبب للمجتمعات التي تساوي بين الأنوثة والذكورة حتى أن البعض تطرق إلى مسالة وجود الحور العين في الجنة للذكور كهبة وجزاء للمؤمنين هو نوع من أنواع الإجحاف بحق الأنثى إذ تصبح وظيفتها في الدنيا والآخرة هو قضاء حاجة الذكور الجنسية بأي عدد دون اعطاء حق الإناث المؤمنات بتعدد الازواج أو اختيارهم ولا بد من وجود رد مناسب على هذه الإشكالية فكرة عدم اختلاط الأنساب ومعرفة النسل ومخافة التزوج ممن هو محرم دينيا رد على مشكل عدم التعدد في الحياة الدنيا وفي هذا حرية كبيرة مباحة للذكور فعقاب الزنا وفق هذه الحال للذكور ليست كبيرة بسبب هذه الحرية والمساحة الكبيرة وليس فيه من العنف أو المبالغة من شيء نسبة إلى عقوبة الأنثى المحددة الحرية ومساحتها . غير أن فكرة ممارسة المراة للزنا لا تجوز إلا بشروط صعبة جداً ولا يمكن عمليا الوصول لها فشرط رؤية دخول الميل في المكحلة كما يوصف ومن قبل أربعة شهود من المحال تحقيقه أو رؤيته ولو كان الناظر على بعد قريب من الحادثة فكيف إذا عرفنا أن الزناة لا يمارسون الزنا على أعين الناس بل متخفين وفي الحادثة التي جرت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب خير دليل على ذلك
كذلك يتوصل الى مهمة في باب – ثم جاء الاسلام – في الكتاب
ان الموقف من الزنا كان صارما في عهد الرسول الكريم والخلافة الراشدة ثم ( مالبث أن تراخى حتى استرخى ) ويشير الى نقطة مهمة باستحياء وهي ان العامل الاقتصادي والثروة التي سيظهر مردودها السلبي في العصر القادم مكتفيا بهذا التلميح ولم يذكر لنا من سيمتلك الثروة وماذا يعني بالعصر القادم ثم يشير الى ان الاسترخاء قد تخفى في ثياب التسامح ولم يشر الى سبب هذا التسامح وكيف بدأ
هكذا في مجمل الكتاب مزج بين الحب والعشق والجنس دون تصريح بذلك اي انه يريد القول ان الحب مقدمة للجنس واولى صفحاته ويتخفى هو نفسه عن الجنس بثياب الحب وفي فكرة علمية نجد ان الحب شيء يكمن في النفس بينما الجنس تطبيق بالاعضاء الجسمانية وما المقصود بالحب حقيقة سوى المقدمة النفسية والروحية أي التهيئة لممارسة الحاجة الفسلجية وهذا مثل الاحساس بالجوع يتبعة تناول الطعام او الاحساس بالعطش يتبعه شرب الماء وقد يفسر ذلك بان الجوع والعطش والحاجة الجنسية سببها مادي صرف بواسطة افرازات او قلة مواد معينة في الجسم فهذا صحيح تماما ولكن يبقى هناك سؤال مهم وهو كيف يتم الافراز عند الحاجة والشعور بالنقص هل هو مجرد عملية ميكانيكية ام هناك تاثير لعوامل شعورية غير مرئية تحفز الجهاز العصبي ليحفز بدوره الغدد الافرازية التي تدعو الجسم لتلبية الحاجة الفسلجية على انه بعد القضاء من الحاجة مباشرة تعمل غدد افرازية اخرى بالعمل كما هو في افراز المني بعد الجماع والافرازات الهضمية بعد الاكل اي ان الدماغ له مهمتان قبلية في التنبيه للنقص الحاصل وبعدية في التتنبيه لحصول التلبية .
لكن الكاتب يشير إلى مسألة مهمة بوضوح وصراحة أن الفكر الديني في هذا الجانب بقي محصورا ًفي هدف النصوص الدينية المباشرة دون دراسة السلوك الإنساني والعواطف البشرية .
كل ماسبق مستوحاة وبعضها مأخوذة من الفصل الأول من الكتاب
في الفصل الثاني يقرر الكاتب أن الميل الجنسي والتعاطف بين الذكر والأنثى غريزة والشيء المكتسب هو طريقة التعبير عن هذا التعاطف ,
وبالطبع يخشى الكاتب القول بأن هناك حلقة مفقودة بين الغريزة وطريقة التعبير عن التعاطف هو أن الغريزه شيء في تكوين الإنسان الخلقي والتعبير عنه يكون بوسائل أهمها الكلام وهو شيء مكتسب ثم تلي ذلك الممارسة الجنسية التي هي فسلجية غريزية السلوك وليس مكتسبة فطرق الممارسة واحدة عدا الشاذة بدليل ان الحيوان يمارسها بدون ان يتعلمها انما يعرف ان هذا السلوك التطبيقي يفضي الى تلبية مطالب الغريزة تتبعا اللذة واكتفاء وقتي للشهوة ولذلك اشير في الدين له بموضع الحرث الطبيعي باستعارة تناى عن فحش الكلام
إن الظاهرة الحقيقة الجنسية ملازمة للبشر وهي نفسها منذ وجوده على سطح البسيطة ولا يمكن التغافل عنها او اخفاؤها بستر مهما كانت ولكن السلوك المصاحب لهذه الغريزة لا يجوز جعله سائبا ًغير خاضع لمواصفات وطرق مقننة وهذا فيه تاييد للفكر الديني وللعلم الصرف فكما ان الطعام والشراب والتنفس يقننه العلم ويحدد منافعه ومضاره في تناوله كيفما اتفق نوعا ًوكما فإن الدين يحدد ويقنن الممارسة الجنسية ولم يكن الدين قد قنن ذلك وشرط شروطه من أجل تلبية مطالب الشريعة السمحاء في ممارسة الشعائر وإنما لتلبية الحاجة الخلقية أيضا غير أن رجال الدين المتزمتين ووعاظ السلاطين والمسيسين منهم يحاولون جعل البشر يلتفتون إلى جانب ممارسة الشعائر والطقوس ولا يلتفتون الى جانب الحاجة البشرية الغريزية بحجة أن ممارسة الشعائر والطقوس تفضي إلى التمسك بالقيم وتطبيق الممارسة في صورتها السليمة والمثلى وهو قول لا يبتعد عن الصواب كثيراً فيما إذا لم يكن المقصود منه إشغال الخلق والناس بأمور تبعد اهتمامهم بالعلم والعمل والتفكير والبحث في جوانب الحياة ومتطلباتها المتطورة يوما ًاثر يوم فعند ذاك هم أي رجال الدين يدفعون الناس قسرا ًإلى الأخذ بمقولة الصورة الإفيونية للدين وفي ذلك هم المسؤولون والسبب الذي يجعل الناس تنفر من الدين السماوي باتجاه الاديان الوضعية.
.
* سردار محمد سعيد
الجنس في التراث العربي (الجزء الرابع)
منذ بدء الحضارات عد الزنا ممارسة غير مقبولة سواء أكان مقابل ثمن ويمارس كمهنة أم لا ، وإذا كان كمهنة مقابل ثمن يسمى البغاء أي الفجور وتسمى الأمة بالبغي فاجرة كانت أو غير فاجرة وقيل البغي الفاجرة حرةكانت أم حرة 60
والعرف السائد عند الجاهلية أن الحرة لاتزني وكانت في المدينة بغايا مسافحات يكرين أنفسهن ،وكان مالك الجارية يقاسمها الأموال المستحصلة وهن معروفات وصاحبات رايات كأم غليط ومرية وعمثلة وأم سويد وغيرهن 61
ولا توجد أمة أو مجتمع يخلو من وجودهن في أي وقت وزمان، وبسبب الفكر الذكوري ركز على الممتهنات وأطلقت عليهم هذه التسمية ، والحق أن البغايا لا يمارسن الزنا مع خيال أوكائنات مجهولة بل مع ذكورلذلك فتسليط الضوء على البغايا دون البغاة الذكور أمر فيه اجحاف للأنثى ومناصرة للذكورة ، والبغاء حلل في بعض المجتمعات إذا لم يكن بثمن بدعوى الحب أوالحاجة الفسلجية أو إشباع الجوع الجنسي أو بدعاوى وحجج أخرى تعدّها أغلب المجتمعات واهية وغير مقبولة ونهت عنها الأديان كونها فاحشة تؤدي إلى سوء السبيل .
في أولى الحضارات وأقصد بها حضارة وادي الرافدين ، ليس أمامنا غيرالرُقم الطينية والملاحم الخالدة كوثائق يمكن الإستناد عليها في رؤية موضوع الزنا وممارسة الفاحشة، وأترك لعلماء النفس تحليل الظواهر ولعلماء الفلسفة والجدل والمنطق ولعلماء الدين الوعظ وتحديد العقاب على وفق نهجهم.
أعتقد أن الممارسة الجنسية كآلية وكعملية ميكانيكية لا تختلف في حالة البغاء والزنا عنها في حالة الزوجين ، ولكنها في حالة الزوجية تكون مقننة بشروط وخاضعة لعقد غير سائبة فضلا ً عما يصاحبها من راحة نفسية تتخللها المودة
59 محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني .
60 لسان العرب / ابن منظور .
61 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام / جواد علي
والحب الحقيقي والعاطفة النقية لذلك كانت الممارسة الجنسية في حالة الزواج مقبولة بل ومفرحة للناس سواء كانوا من أهل الذكر أو أهل الأنثى وربما يكون أكثر بهجة وفرحا ً لأهل الأنثى في بعض المجتمعات التي ترى فيه صيانة للأنثى من العار وسترا ً في حين يرى صيانة للذكر من الفواحش والزلل والشطط، والأديان حتى في الممارسات الجنسية الزوجية حددت بعض الممنوعات مثل الإتيان وقت المحيض ومن الدبر في أي وقت وهذا دليل كاف على هذه الممارسات موجودة وقد اكتشفها البشر وإلآ لماذا تذكر وتذم وتعد غير مقبولة، لأي سبب كان .
عملية ممارسة الأنثى الجنس من الدبر قبل الزواج لا دليل مادي يكشفها للعريس ،ويمكن ذلك للمتخصصين في الطب مثلا ً،وهناك ممارسات مختلفة تؤدي الغرض نفسة دون استعمال الفرج لذلك كان غشاء البكارة والدم السائل منه ليلة الزواج الدليل على عدم ممارسة الفتاة للجنس لكن لا دليل على الرجل الممارس للجنس قبل الزواج أو بعده ، وتبقى مسألة مهمة وهي ربط غشاء البكارة فقط بالشرف كارثة وغباء فكيف يتثبت الذكر بأن الأنثى لم تمارسه، لذا فالأمرمنوط بالتربية والتفهم أو بالتدين .
الممارسات الجنسية في المجتمع الذكوري لا يحاسب عليها الذكر كالأنثى ولا ينظر له بالسوء نفسه ،وكثير من الإناث اللواتي يدافعن عن القيم ويلتفعن بعباءة الشرف لو سئلن عن الممارسة الجنسية لن يخرج مفهوم إجابتهن عن مفهوم الشرف وتنسى مئات المثالب الأخرى التي هي في حقيقتها من الشرف بل الشرف الرفيع ، والبعض منهن لا تسمح لإناثها ممارسة الجنس في حين تسمح به للذكر ،فالذكر له حرية الخروج من المنزل والعودة متى شاء بينما لا يسمح ذلك للأنثى فلا يعرف إن كان الذكر في أثناء خروجه وقضاء وقت كاف خارج المنزل قد مارس الجنس كزنا أو لواط أو مع الحيوانات .وفي المجتمعات التي فيها حرية الحركة متاحة للأنثى لن يكون من الصعب عليها الممارسة الجنسية لذلك لا تدعي هذه المجتمعات ممارسة الأنثى عيبا ً ولا يسأل الذكر عند الزواج عن غشاء البكارة أو يأبه له إذا كان موجودا ً أو غير موجود إذ لا رابط له بالشرف عنده.
كل الأديان والفلسفات تدعو لمكارم الأخلاق لكن ليست كلها تربط غشاء البكارة بالشرف وتعده في صدر قائمة هذه المكارم .
لم أعرف فيلسوفا ً أوكلاميا ً واحدا ً لم يتحدث أو يكتب كتابا ً في الأخلاق مع تفاوت في تناول موضوعاتها ، لكن المجتمع كلما كان موغلا ً في ادعاء الأخلاق كلما كان أكثر ربطا ً للممارسات الجنسية قبل الزواج بالقيم والشرف .
تعد بعض المجتمعات الممارسة الجنسية الأنثوية زنا بينما لاتعدها أخرى من الزنا ، فالزنا هو مايكون بثمن ويتخذ كحرفة ومهنة ، أما كحاجة فسلجية مثله مثل الحاجات الفسلجية الأخرى هو ليس زنا والدليل على ذلك عدم السؤال عن الممارسات قبل الزواج متى كانت أو كم هو عددها .
في المجتمعات الشرقية لها أهمية ، والسؤال عن الأنثى أو الذكر وسلوكهم يشترك فيه الأهل فضلا ً عن الزوج .
تخبرنا ملحمة جلجامش عن موضوعة الزنا وتذمر أهل مدينة أوروك من تصرفات جلجامش وسلوكياته :
لازم أبطال اوروك حجراتهم متذمرين شاكين
...
...
إن جلجامش لم يترك عذراء لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل .62
وهذا نص صريح على أن ممارسات جلجامش غير مقبولة اجتماعيا ً. ولكن لأن جلجامش يستمد قوته من السلطة الدينية التي أضيفت لسلطته المدنية والتي تجعل الناس غير مؤهلين ولا يملكون الكفاءة لمحاسبته فما عليهم إلآ الإلتجاء للقوى الخارقة الخالقة لصد طغيانه وهذا ما حصل بخلق انكيدو ، ولكن انكيدو المخلوق من قبل الآلهة تأنسن بعد الممارسة الجنسية مع بغي .
وبعد خلق انكيدو وكان كالحيوان ويعيش معهم كان لابد أن يكتشف إنسانيته والسبيل إلى ذلك ممارسة الجنس مع أنثى من البشر تحديدا ً ، وكان بممارسته الجنس مع البغي :
فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عورتها
فتمتع بمفاتن جسمها
نضت ثيابها فوقع عليها
62 ملحمة جلجامش / ترجمة طه باقر .
وعلمت الوحش الغر فن المرأة، فانجذب إليها وتعلق بها ولبث انكيدو يتصل بالبغي سته أيام وسبع ليال ٍ .63
مما يسترعي في هذا النص الصريح والموثق أن البغاء موجود منذ العصورالسالفة وليس وليد عصر بذاته كما يستدعي أمر مهم آخر وهو أن معرفة الإنسان لإنسانيته لاتتم إلآ بالممارسة الجنسية مع أنثى من جنسه.
في أسطر أخرى يتبين سلوك الطاغية جلجامش في اضطهاد البشر إقتصاديا ً وجنسيا ً :
لقد أحل في المدينة العار والدنس
وفرض على المدينة المنكودة المنكرات وأعمال السخرة
لقد خصصوا الطبل إلى ملك أوروك الكبيرة الأسواق
ليختار على صوته العروس التي يشتهيها
إلى جلجامش ملك اوروك الكبيرة الأسواق
يخصصون الطبل ليختار العرائس قبل أزواجهن
فيكون هو العريس الأول قبل زوجها .64
أيضا ً لابد من وقفة عند هذا النص الشعري الجريء ففضلا ً من الإستهجان لسلوك جلجامش غير السوي ، فإن التأكيد على أن الزواج كانت له أهمية و عرفته الحضارات الأولى وقد تختلف شروطه عن الزيجات اليوم لكن وجوده يعني تقنين للممارسة الجنسية المشروعة وما يفعله جلجامش انتهاك لقيم و عُرف ذلك المجتمع الموغل في القدم .
في الفصل الثاني من الملحمة التي تسرد قتال خمبابا للإستيلاء على غابة الأرز نرى سطراً وضح وجود البغي ويصفهن بلفظة ( مقدسات ) ولا أفههم مدى مقبولية البغايا وكيف أنهن مقدسات سوى أن معنى ذلك أنهن يمارسن الجنس لوجه الآلهة بلا ثمن ، ومهما كان ذلك فهو يعني وجود الممارسات الجنسية خارج نطاق بيت الزوجية ، وأرى أن الكهنة يسروا ممارستهم الجنسية باستحداث فكرة البغايا المقدسات لتكتسب شرعيتها :
ثم أطفأت البخور وعوذت وأحضرت الكاهنات والبغايا ( المقدسات ) والمتبتلات .65
بعد عودة جلجامش وانكيدو من قتال خمبابا والإنتصار عليه ، نجد نصا ً
63 المصدرالسابق .
64 المصدر السابق .
65 المصدر نفسه .
غزليا ً تدعو فية الربة عشتار جلجامش لممارسة الجنس بعد أن أثيرت بزينته وجماله ، ولكن دعوتها لم تكن إباحية في الممارسة بل بالزواج وكانت إباحية بالكلام فقط بصورة واقعية جدا ً، فهي تطلب منه الممارسة الجنسية بلفظ مؤدب وباستعارة شعرية وبلاغية جميلة بقولها : هبني ثمرتك أتمتع بها ، وكامل النص الشعري كما ورد هو :
تعال يا جلجامش وكن عريسي
وهبني ثمرتك أتمتع بها
كن زوجي وأكون زوجك .66
ثم يلي ذلك نص غريب غاية في الأناقة الشعرية المتسلسلة يظهرسلوكيات المرأة غير السوية ومنه يظهر مايريده الذكر من الأنثى جنسيا ً وهو حرارة المرأة في ممارسة الجنس وما تزال هذه الفكرة سائدة إلى يومنا هذا فتصنف النساء إلى باردات وساخنات ،وفي بيت آخر يصفها بما لايروق للذكريين خاصة في كبر منزلتها مكانتها فيصفها جلجامش بأنها ( باب ) و( قصر ) و (فيل ) ويصف صلابتها بقوله بشطرين ( أنت حجر وحجر مرمر) .
في تفسير العهد القديم تطالعنا صورة أولى أن أبناء الآلهة وهم كما مفهوم يقصد به البشر الذين من المفترض أن يتوجه سلوكهم وعملهم بحب الآلهة فإنهم انجذبوا إلى بنات قايين الشريرات لجمالهن الجسدي 67
والمهم هنا فكرة انجذاب الذكور للإناث وسواء أكان انجذابا ً يفضي للزواج أو لا فإنه يعني الممارسة الجنسية ولأهميتها وردت سببا ً في عقاب الرب وهو الطوفان ولا يعنيني التفسير الديني أو صحته من عدمه انما يعنيني ان الفكر الديني يؤكد اهتياج الغريزة برؤية الأناث الفاتنات جسديا ً .
من القصص المعروفة في محاولة الزنا قصة امرأة العزيز مع سيدنا النبي يوسف ، ووردت في الكتب المقدسة لتبيان أمر مهم وهو العفة التي يفترض أن يتحلى بها المرء وإن تيسرت له الفرصة والجو المناسب للممارسة، ومهما كان نتيجة الرفض ، كما حصل ليوسف إذ فضل السجن على اغضاب ربه فقال ( السجن أحب إلي ).
66 المصدر نفسه .
67 تفسير اصحاح 6 سفر التكوين.
ومن الغريب ذكر حادثة لا يستسيغها العقل وهي من زنا المحارم وهو مضاجعة ابنتا لوط لأبيهما في ليلتين متتاليتين بعد ان سقتاه خمرا فحبلتا منه سفر التكوين اصحاح 19 من 30 الى 36 وفي الإصحاح 20 عن قول ابراهيم للملك أن زوجته هي أخته كذباًوكاد يتزوجها الملك فأعلم في الحلم أنها متزوجة ولا يجوز أن تتزوج بآخر فقال أنه قال ذلك بحسن نية مخافة القتل )
في إصحاح 24 رقم 16 نص فيه كناية عن عدم ممارسة الجنس :
وكانت الفتاة حسنة المنظر وعذراء لم يعرفها رجل تذكر قصة يوسف وما جرى بين زوجة سيده حين طلبت منه الزنا
قال تعالى في القرآن الكريم :
(ولقد همت به وهم بها لولاأن رأى برهان ربه . يوسف / 24 )
وفي التوراة وردت في :
ومن قصة مريم عليها السلام يفهم أن البغاء كان مكروها ً ومذموما ً منذ أقدم العصور بدليل قول الناس لها :
(يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا)
وقد شكك الناس بولادة طفل من غير أب ، وإن لم يكن العلم بعد قد فسر أن عملية تلقيح البيضة لا يمكن أن يتم إلآ بوساطة الحيامن ،وهم لا يعرفون سوى امتزاج ماء الذكر بماء الأنثى ، وزاد الشك بعد تقدم العلم ،وأرى أن هناك نظرتان ، فالنظرة المشككة مادية صرف ، والنظرة الروحية المؤمنة بالغيب وبقدرات الله عز وجل والتي تراها من باب آخر لا يعتقد به المشككون .
برغم وجود الدين الذي سبق الإسلام وهو الدين المسيحي وقبله اليهودي فلم يستطعيا كبح البغاء في الأرض العربية ومنعة ، فقد كان البغاء منتشرا ًفي الجاهلية لحين ظهور الإسلام الذي حرمه واستطاع لمدة وجيزة النجاح في تطويقه ومنعه لكن ذلك لم يمنع من وجود حالات شاذة ، وبعد تأسيس الدول ومعاشرة العرب للفرس والروم والهنود وجد الناس لا سيما المتمكنين منهم ماديا ً أو سلطويا ً من خلال المقارنة مع العربيات مواصفات وفنونا ً لم يعهدوها من قبل فعاد البغاء وكثر الشذوذ .
في الكتب والمصادر مادة غنية عنه لا يستوعبها كتاب واحد أوبحث ولكن الشيء الغريب أنه برغم وجود هذه المادة الغنية لم نر البحوث العلمية المناسبة وبقيت كل النصوص تقريرية لا فائدة منها .
*************
من كتاب الحب في التراث العربي للدكتور محمد حسن عبد الله عن الأصمعي :
إذا تقادحت الأخلاق المتشاكلة وتمازجت الأرواح المتشابهة ألهبت لمح نور ساطع يستضيء به العقل وتهتز لإشراقه طباع الحياة ويتصور من ذلك النور خلق خاص بالنفس متصل بجوهريتها يسمى العشق .
في عبارة الأصمعي هذه ربط بين الأخلاق والحب وهنا المقصود بالحب العفيف والبعيد عن الجنس ولا أعلم ان كان يوجد مثل هذا الحب في غير مخيلة الشعراء والرواة او على وجه الحقيقة وقد يروى عن هذاوفي التراث العربي ان ليلى الأخيلية من المحبين العفيفين ولكن صاحبها توبة بن الحمير قد نزغ الشيطان له فجاء يطلب الجنس لكن ليلى صدته – يراجع الشعر –
في الكتاب نفسه خبر عن عمارة بن الوليد الذي ذهب سفيراً الى النجاشي ليرد المسلمين عن الحبشة فعشق زوجة النجاشي أو عشقته ووشى به صاحبه فلقي حتفه
إن التسامي وعدم الانصياع للغرائز بسبب والوصول بالحب إلى مراتب مثالية يعني أن الحب والعشق سلوك يفرضه المجتمع والحضارة وهو السائد لكن ذلك لا يعني عدم وجود النقيض وهو السلوك الذي ينصاع للفسلجة والغريزة وهو ليس سلوك المجتمع عامة أو الدعوة له ولا يعني دراسته وذكره إساءة للفكر أو السلوكيات العامة المرغوبة ودراسة النقيض لا تعني ذلك مطلقا ًفمن يذكر الكفر والكفار لايعني كافر حتى قيل ناقل الكفر ليس بكافر
يذكر الرواة في خبر يرويه ابن الجوزي عن رجل أحب زوجة أخيه في الجاهلية ويذكر أن للحب وجه آخر يسميه بالوجه الجنسي الصريح ويقول ما نصه : العصر الجاهلي عرف الحب في مستوياته جميعا ًالحسية والعذرية الطبيعية والشاذة بين الفتيان والفتيات وبين العشاق من أزواج وزوجات وعواهر .
في هذه الخلاصة عن العصر الجاهلي تصريح واضح على أن العلاقة بين الحب والعشق والجنس واحدة حتى أنه يخلط الأزواج بالزوجات والعواهر معا ًوأرى أن ذلك صحيح في اي مجتمع لا تحده قوانين معينة في ممارسة الجنس بمعنى ان هذه الممارسة مباحة لا يحدها غير أخلاق المجتمع والقبيلة ولكن هذا لا يعني أن الدين يضع شروطا ً قاسية على الزواج ومتفهم لطبيعة الممارسة الجنسية وأولويتها لذلك كانت هناك تسميات للممارسة الجنسية مؤدبة في الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم فسميت بالنكاح والتغشي وغيرها بمعنى آخر أن الأديان لم يخف عليها أن الزواج ممارسة جنسية مقننة في بابها الأول ودليل ذلك الفرحة والإحتفال بالزواج بشكل سمي بالإشهار وليس ممارسة الجنس في الزواج هو لإدامة البشرلأن إدامة الأجناس تتم في الحيوانات دون معرفة أو وعي بشروط الزواج وهي تديم نفسها بزواج الحيوان من أخته أو أمه أو أي حيوان آخر لقضاء حاجته دون شروط أو عقد
أحل الإسلام تعدد الزوجات وحرم تعدد الازواج وفسح المجال للذكور بالزواج بأربع زوجات مرة واحدة اشترط بها العدل والتسري بالإماء والجواري وخلاف ذلك وضع عقوبة الرجم والجلد ولو لم الدين يعلم أن الزنا موجود وسيستمر ويتفاقم لما وضع هذه العقوبة القاسية غير أن ماسمح به للذكور دون الإناث محبب للمجتمع الذكوري وغير محبب للمجتمعات التي تساوي بين الأنوثة والذكورة حتى أن البعض تطرق إلى مسالة وجود الحور العين في الجنة للذكور كهبة وجزاء للمؤمنين هو نوع من أنواع الإجحاف بحق الأنثى إذ تصبح وظيفتها في الدنيا والآخرة هو قضاء حاجة الذكور الجنسية بأي عدد دون اعطاء حق الإناث المؤمنات بتعدد الازواج أو اختيارهم ولا بد من وجود رد مناسب على هذه الإشكالية فكرة عدم اختلاط الأنساب ومعرفة النسل ومخافة التزوج ممن هو محرم دينيا رد على مشكل عدم التعدد في الحياة الدنيا وفي هذا حرية كبيرة مباحة للذكور فعقاب الزنا وفق هذه الحال للذكور ليست كبيرة بسبب هذه الحرية والمساحة الكبيرة وليس فيه من العنف أو المبالغة من شيء نسبة إلى عقوبة الأنثى المحددة الحرية ومساحتها . غير أن فكرة ممارسة المراة للزنا لا تجوز إلا بشروط صعبة جداً ولا يمكن عمليا الوصول لها فشرط رؤية دخول الميل في المكحلة كما يوصف ومن قبل أربعة شهود من المحال تحقيقه أو رؤيته ولو كان الناظر على بعد قريب من الحادثة فكيف إذا عرفنا أن الزناة لا يمارسون الزنا على أعين الناس بل متخفين وفي الحادثة التي جرت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب خير دليل على ذلك
كذلك يتوصل الى مهمة في باب – ثم جاء الاسلام – في الكتاب
ان الموقف من الزنا كان صارما في عهد الرسول الكريم والخلافة الراشدة ثم ( مالبث أن تراخى حتى استرخى ) ويشير الى نقطة مهمة باستحياء وهي ان العامل الاقتصادي والثروة التي سيظهر مردودها السلبي في العصر القادم مكتفيا بهذا التلميح ولم يذكر لنا من سيمتلك الثروة وماذا يعني بالعصر القادم ثم يشير الى ان الاسترخاء قد تخفى في ثياب التسامح ولم يشر الى سبب هذا التسامح وكيف بدأ
هكذا في مجمل الكتاب مزج بين الحب والعشق والجنس دون تصريح بذلك اي انه يريد القول ان الحب مقدمة للجنس واولى صفحاته ويتخفى هو نفسه عن الجنس بثياب الحب وفي فكرة علمية نجد ان الحب شيء يكمن في النفس بينما الجنس تطبيق بالاعضاء الجسمانية وما المقصود بالحب حقيقة سوى المقدمة النفسية والروحية أي التهيئة لممارسة الحاجة الفسلجية وهذا مثل الاحساس بالجوع يتبعة تناول الطعام او الاحساس بالعطش يتبعه شرب الماء وقد يفسر ذلك بان الجوع والعطش والحاجة الجنسية سببها مادي صرف بواسطة افرازات او قلة مواد معينة في الجسم فهذا صحيح تماما ولكن يبقى هناك سؤال مهم وهو كيف يتم الافراز عند الحاجة والشعور بالنقص هل هو مجرد عملية ميكانيكية ام هناك تاثير لعوامل شعورية غير مرئية تحفز الجهاز العصبي ليحفز بدوره الغدد الافرازية التي تدعو الجسم لتلبية الحاجة الفسلجية على انه بعد القضاء من الحاجة مباشرة تعمل غدد افرازية اخرى بالعمل كما هو في افراز المني بعد الجماع والافرازات الهضمية بعد الاكل اي ان الدماغ له مهمتان قبلية في التنبيه للنقص الحاصل وبعدية في التتنبيه لحصول التلبية .
لكن الكاتب يشير إلى مسألة مهمة بوضوح وصراحة أن الفكر الديني في هذا الجانب بقي محصورا ًفي هدف النصوص الدينية المباشرة دون دراسة السلوك الإنساني والعواطف البشرية .
كل ماسبق مستوحاة وبعضها مأخوذة من الفصل الأول من الكتاب
في الفصل الثاني يقرر الكاتب أن الميل الجنسي والتعاطف بين الذكر والأنثى غريزة والشيء المكتسب هو طريقة التعبير عن هذا التعاطف ,
وبالطبع يخشى الكاتب القول بأن هناك حلقة مفقودة بين الغريزة وطريقة التعبير عن التعاطف هو أن الغريزه شيء في تكوين الإنسان الخلقي والتعبير عنه يكون بوسائل أهمها الكلام وهو شيء مكتسب ثم تلي ذلك الممارسة الجنسية التي هي فسلجية غريزية السلوك وليس مكتسبة فطرق الممارسة واحدة عدا الشاذة بدليل ان الحيوان يمارسها بدون ان يتعلمها انما يعرف ان هذا السلوك التطبيقي يفضي الى تلبية مطالب الغريزة تتبعا اللذة واكتفاء وقتي للشهوة ولذلك اشير في الدين له بموضع الحرث الطبيعي باستعارة تناى عن فحش الكلام
إن الظاهرة الحقيقة الجنسية ملازمة للبشر وهي نفسها منذ وجوده على سطح البسيطة ولا يمكن التغافل عنها او اخفاؤها بستر مهما كانت ولكن السلوك المصاحب لهذه الغريزة لا يجوز جعله سائبا ًغير خاضع لمواصفات وطرق مقننة وهذا فيه تاييد للفكر الديني وللعلم الصرف فكما ان الطعام والشراب والتنفس يقننه العلم ويحدد منافعه ومضاره في تناوله كيفما اتفق نوعا ًوكما فإن الدين يحدد ويقنن الممارسة الجنسية ولم يكن الدين قد قنن ذلك وشرط شروطه من أجل تلبية مطالب الشريعة السمحاء في ممارسة الشعائر وإنما لتلبية الحاجة الخلقية أيضا غير أن رجال الدين المتزمتين ووعاظ السلاطين والمسيسين منهم يحاولون جعل البشر يلتفتون إلى جانب ممارسة الشعائر والطقوس ولا يلتفتون الى جانب الحاجة البشرية الغريزية بحجة أن ممارسة الشعائر والطقوس تفضي إلى التمسك بالقيم وتطبيق الممارسة في صورتها السليمة والمثلى وهو قول لا يبتعد عن الصواب كثيراً فيما إذا لم يكن المقصود منه إشغال الخلق والناس بأمور تبعد اهتمامهم بالعلم والعمل والتفكير والبحث في جوانب الحياة ومتطلباتها المتطورة يوما ًاثر يوم فعند ذاك هم أي رجال الدين يدفعون الناس قسرا ًإلى الأخذ بمقولة الصورة الإفيونية للدين وفي ذلك هم المسؤولون والسبب الذي يجعل الناس تنفر من الدين السماوي باتجاه الاديان الوضعية.
.
* سردار محمد سعيد
الجنس في التراث العربي (الجزء الرابع)