المجاهرة وفحش الكلام
مساحة البلاغة في اللغة العربية واسعة وفيها اللفظ الصريح لمعنى على سبيل الحقيقة وفيها ما يفهم على سبيل المجاز وهناك الإستعارة والتعريض والكناية و( هي أن يعبر المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن وعن الفاحش بالطاهر ) 33 ، كقوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا ً رابياً ) 34 فكنى عن العلم بالماء وعن القلوب بالأودية وعن الضلال بالزبد .
والتعريض ( يختص باللفظ المركب ، ولا يأتي في اللفظ المفرد البتة ، لأنه لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ، ولا من جهة المجاز ، بل من جهة التلويح والإشارة )35 فالبيت : فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت أي اذلال . 36 يفهم الجماع من عرضه فلا الحسنى ولا رقة الكلام يدلان على الجماع لا بالحقيقة ولا بالمجاز .
ومن الكنايات ( لا يحل لك تفض الخاتم إلا بحقه ) . معناه فض غشاء البكارة غير جائز إلا بالزواج وبعقد . ومنها قول رجل ( حولت رحلي ) بمعنى الممارسة الجنسية من دبر. ومن الكنايات المستقبحة قول الرضي يرثي امرأة :
( إن لم تكن نصلا فغمد نصول. ومن الكنايات المستحسنة قول الرسول الكريم "رفقا ًبالقوارير" .وهكذا فالتعريض هو اللفظ الدال على الشيء من خلال المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا بالمجازي ، ولو قلت لامرأة: أنت خلية وأنا عزب (لا يدل على طلب النكاح بالحقيقة ولا بالمجاز، والتعريض أخفى من الكناية، لأن دلالة الكناية وضعية من جهة المجاز، ودلالة التعريض من جهة المفهوم المركب )37
33 تحرير التحبير في صناعة الشعروالنثر /ابن أبي الإصبع .
34 الرعد 17 .
35 نهج البلاغة / شرح عبد الحميد بن أبي الحديد .
36 بيت امرى القيس .
37 شرح نهج البلاغة المصدر السابق .
- 12 –
ومن الكناية وصف امرأة بالعفة :
يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها = إذا ما بيوت بالملامة حلت .38
المواضيع الجنسية وممارستها ضرورة أكدتها الأديان، ووضعت لها قوانين وشروط إذ لاتكون سائبة وحيوانية الطابع وحددتها، في الممارسة الحلال عن طريق الزواج، كما وضعت حدودا لتلك الممارسة فلم تجوّز الشذوذ كالإتيان من الدبر، والكلام في هذا يحتاج إلى توضيح وتفصيل ولأن الدين ينأى عن الفحش والبذاءة وينهى عنهما إتخذ البلاغة سبيلا ً واستعمل عبارات عفيفة من مجاز وكناية.
وهنا سرد لتلك الإستعمالات :
قال تعالى: ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )39 .
وهنا كنى عن الجماع بالإفضاء .
الإكبار كناية عن الحيض عند النساء فقول تعالى في قصة يوسف ( فلما رأينه أكبرنه ) أن ابن عباس قال: حضن. ويؤيد ذلك قول الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهن ولا = نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا . 40
وكنى تعالى عن الجماع : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) 41
وقد كنى باللباس الشاعر بقوله:
إذا ماالضجيع ثنى عطفها = تثنت فكانت عليه لباسا . 42
وللشعراء في ذلك نصيب ، فقال ابن الرقيات :
لا أشم الريحان إلا = بعيني إنما يشم الكلاب .
فكنى عن النظر للنساء دون ارتكاب محرم .
38 البيت للشنفرى الأزدي .
39 النساء 21 .
40 تهذيب اللغة / الأزهري .
41 البقرة 187 .
42 البيت للنابغة الجعدي .
وقال حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحة مالك = على كل أفنان العضاة تروق
فيا طيب ريّاها وبرد ظلالها = إذا حان من حامي النهار وديق .43
ومن الكنايات عن حرائر النساء وصفهن بالبيض فورد في القرآن الكريم :
( كأنهن بيض مكنون) 44
وهي نفس وصف الشاعر :
وبيضة خدر لايرام خباؤها = تمتعت بها من لهو غير معجل .45
امرىء القيس
ومن مليح الكنايات قول الشاعر :
ألا يانخلة ذات عرق = عليك ورحمة الله السلام
سألت عنك انس فخبروني = هناً من ذاك تكرهه الكرام
وليس بما أحل الله بأس = إذا لم يخالطه الحرام . 46 قيل للاحوص
( فإن هذا الشاعر كنى عن امرأة بالنخلة وبالهناءة عن الرفث ) 47
ومن ملح الكنايات عن البكر :
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم = أشهى المطي إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة = لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب .
وقد ناقضه من قال :
إن المطية لا يلذ ركوبها = حتى تذلل بالزمام وتركبا
والدر ليس بنافع أصحابه = حتى يعالج بالسموط ويثقبا . 48
ورأيي في التناقض هذا أنهما يفصحان عن نفسيتين ورؤيتين متناقضتين للعذرية .
43 الشعر لحميد بن ثور الهلالي
44 آية 49 الصافات .
45 البيت للشاعر امرىء القيس .
46 الشعر لمجهول وقيل للأحوص .
47 خزانة الأدب / عبد القادر البغدادي .
48 رسائل الثعالبي / الثعالبي .
*******************
ومن الكنايات العويصة أن العذرية أو غشاء البكارة يكنى ببنت سعد، وبنت سعد هذه اسمها عذرة . قال الشاعر :
أبوك أراد أمك حين زفت = فلم يوجد لأمك بنت سعد .49
ويحكى أن بوران بنت الحسن بن سهل حين زفت للمأمون حاضت في غير وقتها من هيبة الخلافة فلما أراد مضاجعتها، قال:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه. ففطن لحالها .
ومن ملح كنايات الشواذ أن قحبة قالت لسحاقة : ما أطيب الموز، قالت: نعم ولكنه ينفخ البطن
فكنّت الأولى عن الأير وكنت الثانية عن الحبل . 50
ومن الملح أيضا ً أن قينة نباها صديقها لخشونة شعر فيها أرسلت له تقول :
فديتك سهلت الطريق الذي اشتكى = جوادك فيه للحفى من خشونته
فأصبح بعد الحزن ميدان لذة = يجول كميت اللهو فيه للذته
فإن كنت ذا عزم على أن تزورنا = فبادر وعجل فالهلال ابن ليلته .51
بينما نجد في مصادر كثيرة أن الرسول الكريم لم يتحدث بالتصريح واستعمل كنايات بلاغية رفيعة مدللا ً على خلقه العظيم ، ومنها :
أن امرأة جاءت الرسول تطلب الطلاق من زوجها وقالت أنه ليس معه إلا مثل ( هدبة الثوب ) فتبسم صلوات الله عليه وقال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . 52
ومن هذا قوله ( أقبل وأدبر واتق الدبر و الحيضة )53
وليس معنى أدبر الإتيان من الدبر، فهذا محرم بنص بل المقصود به الإتيان من موضع الحرث من جهة الدبر، وعلى هذا النهج سار من بعد الرسول الكريم الصحابة فنأوا عن التصريح ولجأوا إلى التلميح عفافا ً، فقد سأل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
زياد عند شهادته على المغيرة بن شعبة ( أرأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة )54
ويبدو أن ذلك صار كالعرف المجتمعي حتى في المجتمعات المصغرة والأحاديث الخاصة فمما يحكى عن جارية استعرضها رجل، فاستقبح قدميها، فقالت: لا تبال فإني أجعلها وراء ظهرك .
49 و 50 و51 المصدر السابق .
52 محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني، رسائل الثعالبي / الثعالبي، المستقصى في أمثال العرب / الزمخشري .
53 المثل السائر / ابن الأثير .
54 الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني
التذكرة الحمدونية / ابن حمدون .
وقال الرشيد لجارية له: إنك لدقيقة الساقين، قالت: أحوج ما تكون إليهما لا تراهما . 55
وبرغم وجود مساحة واسعة في حرفة ومهنة الكتابة نثرا ً وشعرا ًلكن الأدباء كتبوا بالتصريح وبألفاظ مستهجنة لا تقبلها الذائقة المجتمعية وعدّت بذيئة ونابية فرفضتها الأسماع والأنفس بالرغم من أنها مجرد الفاظ تدل على معان محددة، ورأيي أن دلالاتها في الممارسات الجنسية المحرمة وغير المقبولة قد ارتبطت بها وإن هي لم تختلف البتة في المعنى المقصود، فقبلت لفظة زواج أكثر من قبول لفظة نكاح، وقبلت لفظة نكاح أكثر مما قبلت به لفظة نيك ، ومهما يكن فإن أول ما يتبادرلذهن الذكر أو الأنثى أو الذكرعند الزواج هو العملية الجنسية المحللة شرعا ً ، وبقدر ما تكون منفرة ومكروهة في حالة الممارسة غير المحللة فإنها تكون مفرحة ومبهجة في حالة الزواج الشرعي وفي الحالة الأولى قد يصار إلى القتل أو الجلد كعقوبة شرعية بينما يصار إلى الزغردة والتهنة، لا سيما عند فض البكارة في الحالة الثانية، وفي الحالة الأولى تجري المطاردة أوالإفراد، وفي الثانية يجري تهيئة الأنثى نفسيا ً وجسديا ً وتزيينها لتغدو أول ممارسة منطبعة في الذهن لسنين، ومن هنا فإن الممارسة بشكلها الأول ارتبطت بكلمات وألفاظ معينة ولذا عدّت نابية مثل لفظة نيك ولفظه أير وغيرها من الألفاظ بذيئة بينما عدّت لفظة نكاح وتغشي وإتيان نيابة عن كلمة نيك وكلمة الميل نيابة عن الأير وكلمة موضع الحرث والفرج وما بين الأرجل نيابة عن الكس والمهبل علما ً أن المعنى واحد .
لم يترفع الشعراء والناثرون عن استعمال هذه الألفاظ ولا نأوا عنها ووظفوها حيث اقتضى الحال وهناك شواهد كثيرة علي ذلك فعندما هاجى النابغة الجعدي ليلى الأخيلية قال :
ألا حييا ليلى وقولا لها هلا = فقد ركبت أيرا ً أغر محجلا
وبرذونة بل ّ البراذين ثفرها = وقد شربت في أول الصيف أيّلا
وقد أكلت بقلا ً وخيما ًنباته = وقد أنكحت شر الأخايل أخيلا .
فردت عليه بشكل فيه من العفة الشيء الكثير كما فيه من الحقيقة شيء أكثر:
55 نهاية الأرب في فنون الأدب / النويري
وعيرتني داء بأمك مثله = وأي جواد لا يقال له هلا
وكيف أهجي شاعرا ًرمحه أسته = خضيب البنان مايزال مكحلا .
وعندما دخلت ليلى مجلس الحجاج جرت بينهما حوار، فقال لها: ماذا قلت في توبة بن حمير ؟
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ = قلائص يفحصن الحصى بالكراكر
فقال لها الحجاج : هل كان بينك وبينه سوء؟ قالت: لا والله ألا أنه أرسل رسولا ً مرة ، فنادى :
عفا الله عنها هل أبيتن ليلة = من الدهر لا يسري إلي خيالها
فظننت أنه جنح لبعض الأمر فناديت :
وعنه عفا ربي وأصلح باله = فعز ّ علينا حاجة لا ينالها
وقيل أنها قالت لتوبة عندما خضع بعض الأمر :
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها = فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه = وأنت لأخرى صاحب وخليل .
وعندما أنكر عليها رجل سماعها لتوبة، سألته إن رآه، قال: لا، فقالت للحجاج: أصلح الله الأمير، فوالله لو رأى توبة فود أن كل عاتق في بيته حامل منه . 56
لي رأي في هذه المحاورة ، فأجد فيها امكانية دراسة نفسية وتربوية قد غابت عن الكثيرفضلا ً عن أنها توضح قوة المرأة العربية في تحملها ومشاعرها النقية وبلاغتها فهي قد ردت بخير رد على تجنيات المجتمع الذكوري وتسفيهه الأنثى ومحاولة تقليل قيمتها .
في مجال التهكم بمسيلمة الكذاب وهو برأيي اصطناع واضح ، أنه قال مخاطبا ً سجاح التميمية :
ألا قومي إلى النيك = فقد هيء لك المضجع
فإن شئت ففي البيت = وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك = وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه = وإن شئت به أجمع .57
وقيل أن ابن عباس تلفظ بها في الحرم بعيد الحج فقال :
وهن يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطير ننك لميسا
فقيل له أترفث وأنت في الحرم قال: إنما الرفث عند النساء .58
56 أشعار النساء / المرزباني .
57 نهاية الأرب في فنون الأدب / النويري .
المرقصات والمطربات / ابن سعيد الأندلسي .
58 كتاب الرسائل ، كتاب الحيوان / الجاحظ .
العقد الفريد / ابن عبد ربه الأندلسي .
محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني .
العمدة في محاسن الشعر وآدابه / ابن رشيق القيرواني .
نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب / المقري التلمساني
ومما يذكر أن رجلا ً سئل: أتحب أن يكون لك أير كبير؟ قال: لا، لأن منفعته تكون لغيري وثقله علي.
.
مساحة البلاغة في اللغة العربية واسعة وفيها اللفظ الصريح لمعنى على سبيل الحقيقة وفيها ما يفهم على سبيل المجاز وهناك الإستعارة والتعريض والكناية و( هي أن يعبر المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن وعن الفاحش بالطاهر ) 33 ، كقوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا ً رابياً ) 34 فكنى عن العلم بالماء وعن القلوب بالأودية وعن الضلال بالزبد .
والتعريض ( يختص باللفظ المركب ، ولا يأتي في اللفظ المفرد البتة ، لأنه لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ، ولا من جهة المجاز ، بل من جهة التلويح والإشارة )35 فالبيت : فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت أي اذلال . 36 يفهم الجماع من عرضه فلا الحسنى ولا رقة الكلام يدلان على الجماع لا بالحقيقة ولا بالمجاز .
ومن الكنايات ( لا يحل لك تفض الخاتم إلا بحقه ) . معناه فض غشاء البكارة غير جائز إلا بالزواج وبعقد . ومنها قول رجل ( حولت رحلي ) بمعنى الممارسة الجنسية من دبر. ومن الكنايات المستقبحة قول الرضي يرثي امرأة :
( إن لم تكن نصلا فغمد نصول. ومن الكنايات المستحسنة قول الرسول الكريم "رفقا ًبالقوارير" .وهكذا فالتعريض هو اللفظ الدال على الشيء من خلال المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا بالمجازي ، ولو قلت لامرأة: أنت خلية وأنا عزب (لا يدل على طلب النكاح بالحقيقة ولا بالمجاز، والتعريض أخفى من الكناية، لأن دلالة الكناية وضعية من جهة المجاز، ودلالة التعريض من جهة المفهوم المركب )37
33 تحرير التحبير في صناعة الشعروالنثر /ابن أبي الإصبع .
34 الرعد 17 .
35 نهج البلاغة / شرح عبد الحميد بن أبي الحديد .
36 بيت امرى القيس .
37 شرح نهج البلاغة المصدر السابق .
- 12 –
ومن الكناية وصف امرأة بالعفة :
يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها = إذا ما بيوت بالملامة حلت .38
المواضيع الجنسية وممارستها ضرورة أكدتها الأديان، ووضعت لها قوانين وشروط إذ لاتكون سائبة وحيوانية الطابع وحددتها، في الممارسة الحلال عن طريق الزواج، كما وضعت حدودا لتلك الممارسة فلم تجوّز الشذوذ كالإتيان من الدبر، والكلام في هذا يحتاج إلى توضيح وتفصيل ولأن الدين ينأى عن الفحش والبذاءة وينهى عنهما إتخذ البلاغة سبيلا ً واستعمل عبارات عفيفة من مجاز وكناية.
وهنا سرد لتلك الإستعمالات :
قال تعالى: ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )39 .
وهنا كنى عن الجماع بالإفضاء .
الإكبار كناية عن الحيض عند النساء فقول تعالى في قصة يوسف ( فلما رأينه أكبرنه ) أن ابن عباس قال: حضن. ويؤيد ذلك قول الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهن ولا = نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا . 40
وكنى تعالى عن الجماع : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) 41
وقد كنى باللباس الشاعر بقوله:
إذا ماالضجيع ثنى عطفها = تثنت فكانت عليه لباسا . 42
وللشعراء في ذلك نصيب ، فقال ابن الرقيات :
لا أشم الريحان إلا = بعيني إنما يشم الكلاب .
فكنى عن النظر للنساء دون ارتكاب محرم .
38 البيت للشنفرى الأزدي .
39 النساء 21 .
40 تهذيب اللغة / الأزهري .
41 البقرة 187 .
42 البيت للنابغة الجعدي .
وقال حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحة مالك = على كل أفنان العضاة تروق
فيا طيب ريّاها وبرد ظلالها = إذا حان من حامي النهار وديق .43
ومن الكنايات عن حرائر النساء وصفهن بالبيض فورد في القرآن الكريم :
( كأنهن بيض مكنون) 44
وهي نفس وصف الشاعر :
وبيضة خدر لايرام خباؤها = تمتعت بها من لهو غير معجل .45
امرىء القيس
ومن مليح الكنايات قول الشاعر :
ألا يانخلة ذات عرق = عليك ورحمة الله السلام
سألت عنك انس فخبروني = هناً من ذاك تكرهه الكرام
وليس بما أحل الله بأس = إذا لم يخالطه الحرام . 46 قيل للاحوص
( فإن هذا الشاعر كنى عن امرأة بالنخلة وبالهناءة عن الرفث ) 47
ومن ملح الكنايات عن البكر :
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم = أشهى المطي إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة = لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب .
وقد ناقضه من قال :
إن المطية لا يلذ ركوبها = حتى تذلل بالزمام وتركبا
والدر ليس بنافع أصحابه = حتى يعالج بالسموط ويثقبا . 48
ورأيي في التناقض هذا أنهما يفصحان عن نفسيتين ورؤيتين متناقضتين للعذرية .
43 الشعر لحميد بن ثور الهلالي
44 آية 49 الصافات .
45 البيت للشاعر امرىء القيس .
46 الشعر لمجهول وقيل للأحوص .
47 خزانة الأدب / عبد القادر البغدادي .
48 رسائل الثعالبي / الثعالبي .
*******************
ومن الكنايات العويصة أن العذرية أو غشاء البكارة يكنى ببنت سعد، وبنت سعد هذه اسمها عذرة . قال الشاعر :
أبوك أراد أمك حين زفت = فلم يوجد لأمك بنت سعد .49
ويحكى أن بوران بنت الحسن بن سهل حين زفت للمأمون حاضت في غير وقتها من هيبة الخلافة فلما أراد مضاجعتها، قال:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه. ففطن لحالها .
ومن ملح كنايات الشواذ أن قحبة قالت لسحاقة : ما أطيب الموز، قالت: نعم ولكنه ينفخ البطن
فكنّت الأولى عن الأير وكنت الثانية عن الحبل . 50
ومن الملح أيضا ً أن قينة نباها صديقها لخشونة شعر فيها أرسلت له تقول :
فديتك سهلت الطريق الذي اشتكى = جوادك فيه للحفى من خشونته
فأصبح بعد الحزن ميدان لذة = يجول كميت اللهو فيه للذته
فإن كنت ذا عزم على أن تزورنا = فبادر وعجل فالهلال ابن ليلته .51
بينما نجد في مصادر كثيرة أن الرسول الكريم لم يتحدث بالتصريح واستعمل كنايات بلاغية رفيعة مدللا ً على خلقه العظيم ، ومنها :
أن امرأة جاءت الرسول تطلب الطلاق من زوجها وقالت أنه ليس معه إلا مثل ( هدبة الثوب ) فتبسم صلوات الله عليه وقال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . 52
ومن هذا قوله ( أقبل وأدبر واتق الدبر و الحيضة )53
وليس معنى أدبر الإتيان من الدبر، فهذا محرم بنص بل المقصود به الإتيان من موضع الحرث من جهة الدبر، وعلى هذا النهج سار من بعد الرسول الكريم الصحابة فنأوا عن التصريح ولجأوا إلى التلميح عفافا ً، فقد سأل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
زياد عند شهادته على المغيرة بن شعبة ( أرأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة )54
ويبدو أن ذلك صار كالعرف المجتمعي حتى في المجتمعات المصغرة والأحاديث الخاصة فمما يحكى عن جارية استعرضها رجل، فاستقبح قدميها، فقالت: لا تبال فإني أجعلها وراء ظهرك .
49 و 50 و51 المصدر السابق .
52 محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني، رسائل الثعالبي / الثعالبي، المستقصى في أمثال العرب / الزمخشري .
53 المثل السائر / ابن الأثير .
54 الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني
التذكرة الحمدونية / ابن حمدون .
وقال الرشيد لجارية له: إنك لدقيقة الساقين، قالت: أحوج ما تكون إليهما لا تراهما . 55
وبرغم وجود مساحة واسعة في حرفة ومهنة الكتابة نثرا ً وشعرا ًلكن الأدباء كتبوا بالتصريح وبألفاظ مستهجنة لا تقبلها الذائقة المجتمعية وعدّت بذيئة ونابية فرفضتها الأسماع والأنفس بالرغم من أنها مجرد الفاظ تدل على معان محددة، ورأيي أن دلالاتها في الممارسات الجنسية المحرمة وغير المقبولة قد ارتبطت بها وإن هي لم تختلف البتة في المعنى المقصود، فقبلت لفظة زواج أكثر من قبول لفظة نكاح، وقبلت لفظة نكاح أكثر مما قبلت به لفظة نيك ، ومهما يكن فإن أول ما يتبادرلذهن الذكر أو الأنثى أو الذكرعند الزواج هو العملية الجنسية المحللة شرعا ً ، وبقدر ما تكون منفرة ومكروهة في حالة الممارسة غير المحللة فإنها تكون مفرحة ومبهجة في حالة الزواج الشرعي وفي الحالة الأولى قد يصار إلى القتل أو الجلد كعقوبة شرعية بينما يصار إلى الزغردة والتهنة، لا سيما عند فض البكارة في الحالة الثانية، وفي الحالة الأولى تجري المطاردة أوالإفراد، وفي الثانية يجري تهيئة الأنثى نفسيا ً وجسديا ً وتزيينها لتغدو أول ممارسة منطبعة في الذهن لسنين، ومن هنا فإن الممارسة بشكلها الأول ارتبطت بكلمات وألفاظ معينة ولذا عدّت نابية مثل لفظة نيك ولفظه أير وغيرها من الألفاظ بذيئة بينما عدّت لفظة نكاح وتغشي وإتيان نيابة عن كلمة نيك وكلمة الميل نيابة عن الأير وكلمة موضع الحرث والفرج وما بين الأرجل نيابة عن الكس والمهبل علما ً أن المعنى واحد .
لم يترفع الشعراء والناثرون عن استعمال هذه الألفاظ ولا نأوا عنها ووظفوها حيث اقتضى الحال وهناك شواهد كثيرة علي ذلك فعندما هاجى النابغة الجعدي ليلى الأخيلية قال :
ألا حييا ليلى وقولا لها هلا = فقد ركبت أيرا ً أغر محجلا
وبرذونة بل ّ البراذين ثفرها = وقد شربت في أول الصيف أيّلا
وقد أكلت بقلا ً وخيما ًنباته = وقد أنكحت شر الأخايل أخيلا .
فردت عليه بشكل فيه من العفة الشيء الكثير كما فيه من الحقيقة شيء أكثر:
55 نهاية الأرب في فنون الأدب / النويري
وعيرتني داء بأمك مثله = وأي جواد لا يقال له هلا
وكيف أهجي شاعرا ًرمحه أسته = خضيب البنان مايزال مكحلا .
وعندما دخلت ليلى مجلس الحجاج جرت بينهما حوار، فقال لها: ماذا قلت في توبة بن حمير ؟
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ = قلائص يفحصن الحصى بالكراكر
فقال لها الحجاج : هل كان بينك وبينه سوء؟ قالت: لا والله ألا أنه أرسل رسولا ً مرة ، فنادى :
عفا الله عنها هل أبيتن ليلة = من الدهر لا يسري إلي خيالها
فظننت أنه جنح لبعض الأمر فناديت :
وعنه عفا ربي وأصلح باله = فعز ّ علينا حاجة لا ينالها
وقيل أنها قالت لتوبة عندما خضع بعض الأمر :
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها = فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه = وأنت لأخرى صاحب وخليل .
وعندما أنكر عليها رجل سماعها لتوبة، سألته إن رآه، قال: لا، فقالت للحجاج: أصلح الله الأمير، فوالله لو رأى توبة فود أن كل عاتق في بيته حامل منه . 56
لي رأي في هذه المحاورة ، فأجد فيها امكانية دراسة نفسية وتربوية قد غابت عن الكثيرفضلا ً عن أنها توضح قوة المرأة العربية في تحملها ومشاعرها النقية وبلاغتها فهي قد ردت بخير رد على تجنيات المجتمع الذكوري وتسفيهه الأنثى ومحاولة تقليل قيمتها .
في مجال التهكم بمسيلمة الكذاب وهو برأيي اصطناع واضح ، أنه قال مخاطبا ً سجاح التميمية :
ألا قومي إلى النيك = فقد هيء لك المضجع
فإن شئت ففي البيت = وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك = وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه = وإن شئت به أجمع .57
وقيل أن ابن عباس تلفظ بها في الحرم بعيد الحج فقال :
وهن يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطير ننك لميسا
فقيل له أترفث وأنت في الحرم قال: إنما الرفث عند النساء .58
56 أشعار النساء / المرزباني .
57 نهاية الأرب في فنون الأدب / النويري .
المرقصات والمطربات / ابن سعيد الأندلسي .
58 كتاب الرسائل ، كتاب الحيوان / الجاحظ .
العقد الفريد / ابن عبد ربه الأندلسي .
محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني .
العمدة في محاسن الشعر وآدابه / ابن رشيق القيرواني .
نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب / المقري التلمساني
ومما يذكر أن رجلا ً سئل: أتحب أن يكون لك أير كبير؟ قال: لا، لأن منفعته تكون لغيري وثقله علي.
.