(الجزء الثاني)
الأخلاق
( وإنك لعلى خلق عظيم ) قرآن كريم
كان محمد بن عبد الله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رجل أمي من قريش ، ورغم أميته لوحظت عليه الصفات السامية ورفعة الأخلاق
ومنها الصدق لذا لقب بالصادق الأمين .
وهكذا كان الأنبياء يتحلون بمكارم الأخلاق والفضيلة فمهّد ذلك لنشر رسالاتهم،ولولا تميزهم من باقي الناس بالخلق العظيم لما صدّقوهم، وآمنوا بما أنزل عليهم .
أرى أن البشر من أي جنس أو طائفة تمثل الأخلاق ركنا ً أساسيا ً من ثقافتها وتراثها ، ولذلك اعتنت الفلسفات المختلفة المؤمنة والمشركة أو الملحدة بها ونالت نصيبا ً وافرا ً من كتاباتهم ورؤاهم ، ولم يفت ذلك العلماء والفلاسفة المسلمين كالفارابي والكندي وابن رشد وابن سينا والغزالي وجابر بن حيان ، ولا شك أن الأخلاق تعدعلما ًمن علوم الفلسفة العملية التطبيقية الهادفة إلى تحقيق السعادة ( وذلك عن طريق رسم المثاليات الواجب اتباعها في مجال الشؤون الفردية والعائلية والعلاقات الإجتماعية ) وتهدف من جهة أخرى إلى ( إصلاح الفاسد وابعاد الخلل ) 12
(( ميادين العقل في الفلسفة الإسلامية الموسعة / علي زيعور ))
الأخلاق ليست دين وإنما الدين أخلاق بدليل وجود الملايين من البشر دون رابط ديني وهم على مستوى عال من الخلق ، ومحاولة ربط الأخلاق بالطقوس والشعائرفقط محاولة غير مقنعة إذا لم يصاحبها السلوك القويم التي من أجله تتم الممارسات الدينية وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتسعى لنيل العلم وطلب مستجدات الحضارة في تأسيس الدولة المدنية التي تحترم حقوق البشر ، فالأخلاق تخرج عن مفهوم الفضيلة الضيق إلى مفهوم الفضيلة الواسع في النزاهة والتربية والعلم وتطبيقاته ، والتطبيق يعني السلوك ، وتعمد المؤسسات التربوية التابعة للسلطات والدول والمؤسسات الدينية إلى الحث عليها ، ولكن لا يشترط هذا عن طريق الوعظ والإرشاد التقليدي فقد أصبحت التربية علم قائم بذاته ، ولا يستطيع المرء أن معرفة نفسه بنفسه فيعرف سيئاته فيبتعد عنها ويعرف حسناته فيوطدها وهي دعوة سقراط ففي الحالة هذه تنتفي حاجة المؤسسات التربوية والدينية ، المدرسة والجامع ، المختبر والمكتبة ...إلخ
معروف أن البشر قد وضعوا مواصفات معينة للسلوكيات الإجتماعية سميت الأخلاق ، وقد اشتركت الحضارات جميعا ً في عدد كبير منها ، وعدّ الخروج عنها غير مقبول ويستحق العقوبة على قدر نوعها .
كما ذكرت سابقاً رأيي بأن غريزة المطعم أولى الغرائز الكثيرة تليها غريزة الجنس هنا أذكر رأيي في أن الكذب يفوق الزنا وهما صفتان من بين الصفات الكثيرة المشينة التي تراها المجتمعات من مساوىء الأخلاق .
إن الأخلاق مراتب ومنازل تتدرج من أصغرها مستوى إلى أعظمها عند خاصة الخاصة ولذلك وصف تعالى النبي الكريم بعظمة الخلق ، وهناك ما يعرف بالأخلاق الحميدة يقابلها الأخلاق غير الحميدة وهي تتشكل لدى الإنسان تشكيلا ً وتختلف عن الغريزة التي تخلق في طبع الكائن ، فالأخلاق نتاج البيئة والمجتمع والإرادة الإنسانية، فهو (يولد ولديه امكانية تشكيلها حسب الإرادة الإنسانية ) 13
(( فلسفة الأخلاق والسياسة عند كونفوشيوس /هالة عبد الفتاح أحمد )) .
إن ربط الأخلاق بالشرف ربط وهو ربط أفرزته المجتمعات الذكورية غير صحيح ، فالشرف غير الزنا إنما الزنا من مساوىءالأخلاق ، والشرف يتعدى ذلك إلى قيم مجتمعية كثيرة ، لذاعندما قال رجل للرسول الكريم :
أنا أستس بخلال أربع : الزنا والسرق وشرب الخمر والكذب فأيهن أحببت تركته، قال صلوات الله عليه : دع الكذب .14
(( ربيع الأبرار /الزمخشري .
نثر الدر /الآبي .
الأضداد / الجاحظ .
التذكرة الحمدونية / ابن حمدون .
يعتقد أبوحيان التوحيدي أن الأخلاق من طبع الأنفس وعلى هذا فهي مقسمة على ( أنفس الإنسان الثلاثة ، النفس الناطقة ، والنفس الغضبية ، والنفس الشهوانية ، وسمات هذه الأخلاق مختلفة بعرض واسع )15
(( الإمتاع والمؤانسة / أبو حيان التوحيدي ))
وهذا يعني أن الأخلاق تولد مع الكائن وتخلق معه (فكما لا سبيل إلى تبديل الخلق لا قدرة على تحويل الخلق )16
(( المصدر السابق ))
ويستدرك فيقول (لكن على إصلاح الخلق وتهذيب النفس لم يقع من العلماء بالعبث والتجزيف ) . 17
(( المصدر نفسه )) ، ويضرب مثالا ًبالبشرة السوداء فهي لا تبيض بعد الإغتسال ولكنه تصبح أنقى وأطهر ، ومما ألاحظه تداخل ماهو روحي وما هو مادي في عامة أقوال الفلاسفة المسلمين متأثرين بالفلسفة الفارسية واليونانية والهندية .
وأرى أن قول البيت :
إن مازت النفس أخلاق يعاش بها = فإنهم عند سوء الطبع أسواء .18
(( البيت للمعري )) لا يخرج من هذا النطاق .
في قول ينسب للإمام علي عليه السلام فيه تفصيل للمكارم و يطلق عليها صفة الأخلاق المطهرة وهذا يعني أن ثمة أخلاق غير مطهرة :
إن المكارم أخلاق مطهرة فالدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل ساديها والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين باقيها .
وفيها ينظر الأخلاق نظرة عريضة واسعة مبتداها الدين ويجلله بالفضل والشكر وإن كان الشعرتقريريا ًهنا دون تحليل .
في حين تضيق النظرة عند غيره من الدنيويين كما في النظرة عند أبي نواس إذ يقول :
أرى الخمر تربي في العقول = كوامن أخلاق تثير الدواهيا
تزيد سفيه القوم فضل سفاهة = وتترك أخلاق الكريم كما هيا .
على أية حال البحث هو ليس بحث صرف في الأخلاق ، وقد اقتضى التطرق لها لأن الممارسة الجنسية غير السليمة ما ينافي صفة الخلق الكريم وما يجافي أخلاق البشر عامة.
.
علـى ضفـاف البحيـرة - للفنان الياباني سايكـي كـورودا
الأخلاق
( وإنك لعلى خلق عظيم ) قرآن كريم
كان محمد بن عبد الله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رجل أمي من قريش ، ورغم أميته لوحظت عليه الصفات السامية ورفعة الأخلاق
ومنها الصدق لذا لقب بالصادق الأمين .
وهكذا كان الأنبياء يتحلون بمكارم الأخلاق والفضيلة فمهّد ذلك لنشر رسالاتهم،ولولا تميزهم من باقي الناس بالخلق العظيم لما صدّقوهم، وآمنوا بما أنزل عليهم .
أرى أن البشر من أي جنس أو طائفة تمثل الأخلاق ركنا ً أساسيا ً من ثقافتها وتراثها ، ولذلك اعتنت الفلسفات المختلفة المؤمنة والمشركة أو الملحدة بها ونالت نصيبا ً وافرا ً من كتاباتهم ورؤاهم ، ولم يفت ذلك العلماء والفلاسفة المسلمين كالفارابي والكندي وابن رشد وابن سينا والغزالي وجابر بن حيان ، ولا شك أن الأخلاق تعدعلما ًمن علوم الفلسفة العملية التطبيقية الهادفة إلى تحقيق السعادة ( وذلك عن طريق رسم المثاليات الواجب اتباعها في مجال الشؤون الفردية والعائلية والعلاقات الإجتماعية ) وتهدف من جهة أخرى إلى ( إصلاح الفاسد وابعاد الخلل ) 12
(( ميادين العقل في الفلسفة الإسلامية الموسعة / علي زيعور ))
الأخلاق ليست دين وإنما الدين أخلاق بدليل وجود الملايين من البشر دون رابط ديني وهم على مستوى عال من الخلق ، ومحاولة ربط الأخلاق بالطقوس والشعائرفقط محاولة غير مقنعة إذا لم يصاحبها السلوك القويم التي من أجله تتم الممارسات الدينية وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتسعى لنيل العلم وطلب مستجدات الحضارة في تأسيس الدولة المدنية التي تحترم حقوق البشر ، فالأخلاق تخرج عن مفهوم الفضيلة الضيق إلى مفهوم الفضيلة الواسع في النزاهة والتربية والعلم وتطبيقاته ، والتطبيق يعني السلوك ، وتعمد المؤسسات التربوية التابعة للسلطات والدول والمؤسسات الدينية إلى الحث عليها ، ولكن لا يشترط هذا عن طريق الوعظ والإرشاد التقليدي فقد أصبحت التربية علم قائم بذاته ، ولا يستطيع المرء أن معرفة نفسه بنفسه فيعرف سيئاته فيبتعد عنها ويعرف حسناته فيوطدها وهي دعوة سقراط ففي الحالة هذه تنتفي حاجة المؤسسات التربوية والدينية ، المدرسة والجامع ، المختبر والمكتبة ...إلخ
معروف أن البشر قد وضعوا مواصفات معينة للسلوكيات الإجتماعية سميت الأخلاق ، وقد اشتركت الحضارات جميعا ً في عدد كبير منها ، وعدّ الخروج عنها غير مقبول ويستحق العقوبة على قدر نوعها .
كما ذكرت سابقاً رأيي بأن غريزة المطعم أولى الغرائز الكثيرة تليها غريزة الجنس هنا أذكر رأيي في أن الكذب يفوق الزنا وهما صفتان من بين الصفات الكثيرة المشينة التي تراها المجتمعات من مساوىء الأخلاق .
إن الأخلاق مراتب ومنازل تتدرج من أصغرها مستوى إلى أعظمها عند خاصة الخاصة ولذلك وصف تعالى النبي الكريم بعظمة الخلق ، وهناك ما يعرف بالأخلاق الحميدة يقابلها الأخلاق غير الحميدة وهي تتشكل لدى الإنسان تشكيلا ً وتختلف عن الغريزة التي تخلق في طبع الكائن ، فالأخلاق نتاج البيئة والمجتمع والإرادة الإنسانية، فهو (يولد ولديه امكانية تشكيلها حسب الإرادة الإنسانية ) 13
(( فلسفة الأخلاق والسياسة عند كونفوشيوس /هالة عبد الفتاح أحمد )) .
إن ربط الأخلاق بالشرف ربط وهو ربط أفرزته المجتمعات الذكورية غير صحيح ، فالشرف غير الزنا إنما الزنا من مساوىءالأخلاق ، والشرف يتعدى ذلك إلى قيم مجتمعية كثيرة ، لذاعندما قال رجل للرسول الكريم :
أنا أستس بخلال أربع : الزنا والسرق وشرب الخمر والكذب فأيهن أحببت تركته، قال صلوات الله عليه : دع الكذب .14
(( ربيع الأبرار /الزمخشري .
نثر الدر /الآبي .
الأضداد / الجاحظ .
التذكرة الحمدونية / ابن حمدون .
يعتقد أبوحيان التوحيدي أن الأخلاق من طبع الأنفس وعلى هذا فهي مقسمة على ( أنفس الإنسان الثلاثة ، النفس الناطقة ، والنفس الغضبية ، والنفس الشهوانية ، وسمات هذه الأخلاق مختلفة بعرض واسع )15
(( الإمتاع والمؤانسة / أبو حيان التوحيدي ))
وهذا يعني أن الأخلاق تولد مع الكائن وتخلق معه (فكما لا سبيل إلى تبديل الخلق لا قدرة على تحويل الخلق )16
(( المصدر السابق ))
ويستدرك فيقول (لكن على إصلاح الخلق وتهذيب النفس لم يقع من العلماء بالعبث والتجزيف ) . 17
(( المصدر نفسه )) ، ويضرب مثالا ًبالبشرة السوداء فهي لا تبيض بعد الإغتسال ولكنه تصبح أنقى وأطهر ، ومما ألاحظه تداخل ماهو روحي وما هو مادي في عامة أقوال الفلاسفة المسلمين متأثرين بالفلسفة الفارسية واليونانية والهندية .
وأرى أن قول البيت :
إن مازت النفس أخلاق يعاش بها = فإنهم عند سوء الطبع أسواء .18
(( البيت للمعري )) لا يخرج من هذا النطاق .
في قول ينسب للإمام علي عليه السلام فيه تفصيل للمكارم و يطلق عليها صفة الأخلاق المطهرة وهذا يعني أن ثمة أخلاق غير مطهرة :
إن المكارم أخلاق مطهرة فالدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل ساديها والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين باقيها .
وفيها ينظر الأخلاق نظرة عريضة واسعة مبتداها الدين ويجلله بالفضل والشكر وإن كان الشعرتقريريا ًهنا دون تحليل .
في حين تضيق النظرة عند غيره من الدنيويين كما في النظرة عند أبي نواس إذ يقول :
أرى الخمر تربي في العقول = كوامن أخلاق تثير الدواهيا
تزيد سفيه القوم فضل سفاهة = وتترك أخلاق الكريم كما هيا .
على أية حال البحث هو ليس بحث صرف في الأخلاق ، وقد اقتضى التطرق لها لأن الممارسة الجنسية غير السليمة ما ينافي صفة الخلق الكريم وما يجافي أخلاق البشر عامة.
.
علـى ضفـاف البحيـرة - للفنان الياباني سايكـي كـورودا