861 - تهنئة بإسلام
عيون الأخبار: كتب رجل من الكتاب إلى (صديق له) قد اسلم يهنئه:
الحمد لله الذي أرشد أمرك، وخص بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك، ورجاحة رايك، فما كانت الآداب التي حويتها، والمعرفة التي أوتيتها لتدوم بك على غواية وديانة شائنة لا تليق بلبك، ولا يربح ذوو الحجى من موجبي حقك ينكرون إبطاءك عن حظك، وتركك البدار إلى الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره، ولا يثيب إلا به، فقال: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وقال: (إن الدين عند الله الإسلام)، والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرفه بولاء خليفته، وهنأك الله نعمته، وأعانك على شكره، فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودته وموالاته، بعد التأثم من خلطتك، ومخالفة الحق بمشايعتك، فإن الله (عز وجل) يقول: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
862 - بالعدل قامت السماوات والأرض
مفاتيح الغيب للرازي: العدل واجب الرعاية في جميع الأحوال، ومن الكلمات المشهورة: (بالعدل قامت السماوات والأرض) ومعناه أن مقادير العناصر لو لم تكن متعادلة متكافئة بل كان بعضها أزيد بحسب الكمية وبحسب الكيفية من الآخر لا ستولى الغالب على المغلوب، ووهى المغلوب، وتنقلت الطبائع كلها إلى طبيعة الجرم الغالب. ولو كان بعد الشمس من الأرض أقل مما هو الآن لعظمت السخونة في هذا العالم واحترق كل ما هذا العالم، ولو كان بعدها أزيد مما هو الآن لاستولى البر والجمود على هذا العالم، وكذا القول في مقادير حركات الكواكب ومراتب سرعتها وبطئها، فإن الواحد منها لو كان أزيد مما هو الآن أو كان أنقص مما هو الآن لاختلت مصالح هذا العالم. فظهر بهذا السبب الذي ذكرناه صدق قولهم: بالعدل قامت السماوات والأرض.
863 - عللاني وعللا صاحبيا
عمرو بن الإطنابة:
عللاني وعللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريَّا
إن فينا القيان يعزفن بالدف (م) ... لفتياننا وعيشاً رخيا
يتبارين في النعيم ويصبن (م) ... خلال القرون مسكا ذكيا
إنما همهن أن يتحلين (م) ... سموطاً وسنبلاً فارسيا
من سموط المرجان فصل بالشذر (م) ... فأحسن بحليهن حليا!
864 - الغيبة
شرح النهج لابن أبي الحديد: أن الغيبة ليست مقصورة على اللسان فقط بل كل ما عرفت به صاحبك نقص أخيك فهو غيبة، فقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بالإشارة والإيماء وبالمحاكاة نحو أن يمشي خلف الأعرج متعارجاً، وبالكتاب فإن القلم أحد اللسانين. واخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين، وذلك نحو أن يذكر عندهم إنسان فيقول قائلهم: الحمد لله الذي لم يبلنا بدخول أبواب السلطان والتبذل في طلب الحطام، وقصده أن يفهم الغير عيب ذلك الشخص فتخرج الغيبة في مخرج الحمد والشكر لله تعالى. فيحصل من ذلك غيبة المسلم، ويحصل منه الرياء وإظهار التعفف عن الغيبة وهو واقع فيها، وكذلك يقول: لقد ساءني ما يذكر به فلان نسأل الله أن يعصمه. ويكون كاذباً في دعوى أنه ساءه وفي إظهار الدعاء له، بل لو قصد الدعاء له لأخفاه في خلوة عقب صلواته، ولو كان قد ساءه لساءه أيضاً إظهار ما يكرهه ذلك الإنسان. وأعلم أن الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب كالغيبة بل أشد لأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيها، وإذا كان السامع الساكت شريك المغتاب فما ظنك بالمجتهد في حصول الغيبة.
865 - قليل الراح صديق الروح
خاص الخاص للثعالبي: حنين بن إسحاق المترجم أتفق له هذه اللفظة الوجيزة الشريفة البديعة التي لم أسمع للبغاء مثلها في الجمع بين التجنيس والطباق والترصيع مع حسن المعنى وجودته وصحته وهي قليل الراح صديق الروح، وكثيرة عدو الجسم.
866 - أسد همذان
معجم البلدان: من عجائب همذان صورة أسد من حجر على باب المدينة منحوت من صخرة واحدة غير منفصلة عن قوائمه كأنه ليث غابة. وكان المكتفي يهم بحمله من باب همذان إلى بغداد، وذلك أنه نظر إليه فاستحسنه، وكتب إلى عامل البلد يأمره بذلك فأجتمع وجوه أهل الناحية، وقالوا: هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة، ولا يجوز نقله فتهلك البلد، فكتب العامل بذلك، وصعب حمله في تلك العقاب والجبال، وكان قد أمر بحمل الفيلة لنقله على العجلة، فلما بلغه ذلك فترت همته في نقله فبقي في مكانه إلى الآن.
قال محمد بن أحمد السلمي المعروف بابن الحاجب يذكر الأسد على باب همذان:
إلا أيها الليث الطويل مقامه على نوب الأيام والحدثان.
أقمت فما تنوي البراح بحيلة ... كأنك بواب على همذان
أطالب ذحل أنت من عند أهلها؟ ... ابن لي بحق واقع ببيان
أراك على الأيام تزداد جدة ... كأنك منها آخذ بأمان
أقبلك كان الهر أم كنت قلبه ... فنعلم أم ربيتما بلبان
وهل أنتما ضدان، كل تفردت ... به نسبة أم أنتما أخوان
بقيت فما تفنى وأفنيت عالماً ... سطا بهم موت بكل مكان
فلو كنت ذا نطق جلست محدثاً ... وحدثتنا عن أهل كل زمان
ولو كنت ذا روح تطالب مأكلا ... لا فنيت أكلا سائر الحيوان
أجنبت شر الموت أم أنت منظر ... وإبليس حتى يبعث الثقلان
فلا هرماً تخشى ولا الموت تتقي ... بمضرب سيف أو شباة سنان!
تتنفس النفوس بقدر هممها
اللمحة البدرية في الدولة النصرية للسان الدين بن الخطيب: تذكر يوماً بحضرته - يعني محمد بن إسماعيل من ملوك بني نصر في الأندلس - معنى قول المتنبي:
ايا خدد الله ورد الخدود ... وقد قدود الحسان القدود
وقول أمرؤ القيس: وإن تك قد ساءتك مني خليقة=فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقول إبراهيم بن سهل:
إني له من دمي المسفوك معتذر ... أقول حملته من سفكه تعبا
فقال (رحمة الله) بديهاً - على حداثته -: بينهم ما بين نفس ملك عربي وشاعر عربي، ونفس يهودي تحت الذمة، وإنما تتنفس النفوس بقدر هممها.
مجلة الرسالة - العدد 711
بتاريخ: 17 - 02 - 1947
عيون الأخبار: كتب رجل من الكتاب إلى (صديق له) قد اسلم يهنئه:
الحمد لله الذي أرشد أمرك، وخص بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك، ورجاحة رايك، فما كانت الآداب التي حويتها، والمعرفة التي أوتيتها لتدوم بك على غواية وديانة شائنة لا تليق بلبك، ولا يربح ذوو الحجى من موجبي حقك ينكرون إبطاءك عن حظك، وتركك البدار إلى الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره، ولا يثيب إلا به، فقال: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وقال: (إن الدين عند الله الإسلام)، والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرفه بولاء خليفته، وهنأك الله نعمته، وأعانك على شكره، فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودته وموالاته، بعد التأثم من خلطتك، ومخالفة الحق بمشايعتك، فإن الله (عز وجل) يقول: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
862 - بالعدل قامت السماوات والأرض
مفاتيح الغيب للرازي: العدل واجب الرعاية في جميع الأحوال، ومن الكلمات المشهورة: (بالعدل قامت السماوات والأرض) ومعناه أن مقادير العناصر لو لم تكن متعادلة متكافئة بل كان بعضها أزيد بحسب الكمية وبحسب الكيفية من الآخر لا ستولى الغالب على المغلوب، ووهى المغلوب، وتنقلت الطبائع كلها إلى طبيعة الجرم الغالب. ولو كان بعد الشمس من الأرض أقل مما هو الآن لعظمت السخونة في هذا العالم واحترق كل ما هذا العالم، ولو كان بعدها أزيد مما هو الآن لاستولى البر والجمود على هذا العالم، وكذا القول في مقادير حركات الكواكب ومراتب سرعتها وبطئها، فإن الواحد منها لو كان أزيد مما هو الآن أو كان أنقص مما هو الآن لاختلت مصالح هذا العالم. فظهر بهذا السبب الذي ذكرناه صدق قولهم: بالعدل قامت السماوات والأرض.
863 - عللاني وعللا صاحبيا
عمرو بن الإطنابة:
عللاني وعللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريَّا
إن فينا القيان يعزفن بالدف (م) ... لفتياننا وعيشاً رخيا
يتبارين في النعيم ويصبن (م) ... خلال القرون مسكا ذكيا
إنما همهن أن يتحلين (م) ... سموطاً وسنبلاً فارسيا
من سموط المرجان فصل بالشذر (م) ... فأحسن بحليهن حليا!
864 - الغيبة
شرح النهج لابن أبي الحديد: أن الغيبة ليست مقصورة على اللسان فقط بل كل ما عرفت به صاحبك نقص أخيك فهو غيبة، فقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بالإشارة والإيماء وبالمحاكاة نحو أن يمشي خلف الأعرج متعارجاً، وبالكتاب فإن القلم أحد اللسانين. واخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين، وذلك نحو أن يذكر عندهم إنسان فيقول قائلهم: الحمد لله الذي لم يبلنا بدخول أبواب السلطان والتبذل في طلب الحطام، وقصده أن يفهم الغير عيب ذلك الشخص فتخرج الغيبة في مخرج الحمد والشكر لله تعالى. فيحصل من ذلك غيبة المسلم، ويحصل منه الرياء وإظهار التعفف عن الغيبة وهو واقع فيها، وكذلك يقول: لقد ساءني ما يذكر به فلان نسأل الله أن يعصمه. ويكون كاذباً في دعوى أنه ساءه وفي إظهار الدعاء له، بل لو قصد الدعاء له لأخفاه في خلوة عقب صلواته، ولو كان قد ساءه لساءه أيضاً إظهار ما يكرهه ذلك الإنسان. وأعلم أن الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب كالغيبة بل أشد لأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيها، وإذا كان السامع الساكت شريك المغتاب فما ظنك بالمجتهد في حصول الغيبة.
865 - قليل الراح صديق الروح
خاص الخاص للثعالبي: حنين بن إسحاق المترجم أتفق له هذه اللفظة الوجيزة الشريفة البديعة التي لم أسمع للبغاء مثلها في الجمع بين التجنيس والطباق والترصيع مع حسن المعنى وجودته وصحته وهي قليل الراح صديق الروح، وكثيرة عدو الجسم.
866 - أسد همذان
معجم البلدان: من عجائب همذان صورة أسد من حجر على باب المدينة منحوت من صخرة واحدة غير منفصلة عن قوائمه كأنه ليث غابة. وكان المكتفي يهم بحمله من باب همذان إلى بغداد، وذلك أنه نظر إليه فاستحسنه، وكتب إلى عامل البلد يأمره بذلك فأجتمع وجوه أهل الناحية، وقالوا: هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة، ولا يجوز نقله فتهلك البلد، فكتب العامل بذلك، وصعب حمله في تلك العقاب والجبال، وكان قد أمر بحمل الفيلة لنقله على العجلة، فلما بلغه ذلك فترت همته في نقله فبقي في مكانه إلى الآن.
قال محمد بن أحمد السلمي المعروف بابن الحاجب يذكر الأسد على باب همذان:
إلا أيها الليث الطويل مقامه على نوب الأيام والحدثان.
أقمت فما تنوي البراح بحيلة ... كأنك بواب على همذان
أطالب ذحل أنت من عند أهلها؟ ... ابن لي بحق واقع ببيان
أراك على الأيام تزداد جدة ... كأنك منها آخذ بأمان
أقبلك كان الهر أم كنت قلبه ... فنعلم أم ربيتما بلبان
وهل أنتما ضدان، كل تفردت ... به نسبة أم أنتما أخوان
بقيت فما تفنى وأفنيت عالماً ... سطا بهم موت بكل مكان
فلو كنت ذا نطق جلست محدثاً ... وحدثتنا عن أهل كل زمان
ولو كنت ذا روح تطالب مأكلا ... لا فنيت أكلا سائر الحيوان
أجنبت شر الموت أم أنت منظر ... وإبليس حتى يبعث الثقلان
فلا هرماً تخشى ولا الموت تتقي ... بمضرب سيف أو شباة سنان!
تتنفس النفوس بقدر هممها
اللمحة البدرية في الدولة النصرية للسان الدين بن الخطيب: تذكر يوماً بحضرته - يعني محمد بن إسماعيل من ملوك بني نصر في الأندلس - معنى قول المتنبي:
ايا خدد الله ورد الخدود ... وقد قدود الحسان القدود
وقول أمرؤ القيس: وإن تك قد ساءتك مني خليقة=فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقول إبراهيم بن سهل:
إني له من دمي المسفوك معتذر ... أقول حملته من سفكه تعبا
فقال (رحمة الله) بديهاً - على حداثته -: بينهم ما بين نفس ملك عربي وشاعر عربي، ونفس يهودي تحت الذمة، وإنما تتنفس النفوس بقدر هممها.
مجلة الرسالة - العدد 711
بتاريخ: 17 - 02 - 1947