لقد استطاعت الثقافةُ العربية إنتاج منظومتي قواعد في إدارة الجنس هما : منظومة الزواج، ومنظومة الرغبات، بيد أنها لم تفصل بينهما؛ فمن الناحية التطبيقية مُنح مجتمعُ الذكور الحقَّ في المزاوجة بين النظامين عبر الزواج والتسرّي الناجم عن فيض النساء الذي غمر المجتمع العربيّ والإسلاميّ نتيجة اتّساع رقعة الحضارة والبلاد، وتعدّد الثقافات، وتنوّع الأعراق والأجناس البشرية. ومن الطبيعيّ أنْ تقوم الثقافة باستيعاب هذه المكوّنات وإخضاعها لمفاهيمها الشاملة، وتطوير أنظمتها الجنسية، والإفادة من تجارب الوافدين، وخبرات المنضوين في الثقافة العربية، وذلك كلّه بهدف استيعاب الحالات البشرية والانفجار الجنسيّ الهائل في مستويي النوع والكيفية؛ إذ تشير الروايات إلى أنّ الجواري الوافدات من بلدان العالم القديم (أفريقيا وآسيا وأوروبا) أحضرن معهنّ سِحْرًا دخيلاً من جهة الأشكال والألوان(1) والهيئات والأحجام ومن جهة الثقافات؛ إذ أنّ الإماء أسهمن بقدر كبير في تطعيم الثقافة العربية بمختلف ثقافات العالم(2). ونتيجة لهذه التحوّلات والتنوّعات الجنسانيّة أصبح هناك ما يستدعي الخطاب إلى تنظيم مفاهيمه الجنسية، ويمكّن المنظومات من تطوير برامجها لتطويق الممارسات الجنسية وفرض وصاية عليها.
وممّا شكّ فيه أنّ الإسلام تمكّن من إدماج الجنس في الحياة بوصفه تجربة حياتية يوميّة، دون أنْ يُقيّده بقيود تحول دون تفاعل القوى البشرية والدينية والمادية. بيد أنَّ هذه الرحابة أفسحت المجال لقيام أنماط متعددة من العلاقات التي كانت تدّعي توافقها مع روح الإسلام وسماحته رغم التناقض القائم بين هذه الأنماط المختلفة(3).
وقد أسفرت هذه الأوضاع عن منح المرأة مكانة اجتماعية مزدوجة؛ الزوجة والجارية. وسوف يقع في مجتمع النساء شرخٌ هائل تولّدت عنه ثائية ضدية هي: الحرائر والجواريّ، ويمتدّ الانقسام بدءا من المستوى الفيلولوجيّ لطرفيّ الثنائية، وانتهاء بالواقع العملي؛ إذ أصبحت الجوراي في وضع مُضادٍّ للزوجات الحرائر، وبتن يشكلن خطرًا عليهنّ ناجمًا عن المنافسة والمزاحمة الشديدتين في أنْ يحظين بالرجل والاستيلاء على عاطفته، وعطاياه، والفوز بملذّاته وإمتاعه. ونتيجة لهذا التنافس الشديد طوّر كلّ طرف آليات الفتنة والدهاء والإغواء(4).
ونتيجة هذه الوفرة والصخب الجنسيين تكاثرت الخطابات الجنسية التي لا تُشخَّصُ بوصفها ظاهرة كمّيةً لا تستحقُّ الاهتمام والرعاية، بل إنها تُحلَّل انطلاقًا من كونها خطاباتٍ معرفيةً تحاولُ كشف آليات الثقافة العربية في التعامل مع ظاهرة الانفجار الجنسيّ الهائل وعلاقتها بأشكال العلاقات الاجتماعية، وأنماط الإنتاج، وقوى الاقتصاد، وأنظمة السلطة وعلاقات السيطرة واستراتيجيات الهيمنة(5).
وتعود السيطرة والتعددية الجنسية التي حظيت بها المجتمعات العربية وسادت في نظامها إلى ما قبل الإسلام؛ إذ تُشير أيّام العرب في الجاهلية إلى أنّ سبي النساء كان دافعًا للإغارات بين القبائل، فكانت النساء قيمة نفيسة في وجدان المجتمع الجاهليّ، ومطلبًا مهمًّا في فعل الإغارة الذي كانت النساء أحد ثماره. ففي "يوم جِزْع ظِلال" أغارت بنو فزارة على "التّيم وعديّ وثور أطحل من بني عبد مَناة، فملئوا أيديهم غنائم وإبلاً ونساء"، ولما حاول سادة التّيم التحالف مع "بني سعد بن زيد مناه وضبّة" لطلب النصر على بني فَزارة عاود الفزاريون، وعلى رأسهم عيينة بن حِصْن، الإغارة على التّيْم "فقتلوهم قتلا لم يقتلوه أحدًا، وأخذوا مئة امرأة من التّيم، فقسّمهن عيينة بين بني بدر، وأخذوا سبيًا كثيرًا فقتلوهم". ويبدو أنّ النكبة التي حلّت بـ"التّيم" شجعت قبيلة أخرى على الإغارة عليها؛ إذ "إنّ بني مُرّة أغاروا على التّيم ورئيس بني مرة يومئذ سنان بن سنان بن أبي حارثة، فقتلوا التّيم وعديًّا وعُكلا، وأخذوا سبيًا كثيرًا، فلم يُعتقوا منهنّ شيئًا واستخدموهنّ"(6). ولعلّ المفارقة التي تجليها أيام العرب في الجاهلية أنّ فعل سبي النساء يصاحبه قتل الرجال؛ بمعنى أنّ فعل الإغارة لا يكتمل، في المستوى المجازي، إلاّ إذا تكلّل بقتل الرجال وسبي النساء؛ ذلك أنّ الاستمتاع بالنساء المسبيّات لا يتحقّق إلاّ بعد إلغاء صور رجالهنّ من وعيهنّ؛ ففعل قتل الرجال هو تدشين للإغارة والسبي معًا. ليس هذا فحسب بل إنّ فعل السبيّ فيه منفعةٌ لبعض النساء اللواتي كنّ يطمح في أنْ يعشن في أكناف السادة الفرسان الذين يتمتعون بمنازل رفيعة. لقد وردت إشارات كثيرة تؤكد حاجة القبائل العربية في المجتمع الجاهليّ إلى النساء؛ من أجل توسيع دائرة المتع، واستخدامهنّ جنسيًّا. ويرى ناصر الدين الأسد أنّ العرب عرفوا نظام الرقّ منذ جاهليتهم عن طريق السبي والتجارة؛ أما السبي فكان ينتج عن إغارات القبائل بعضها على بعض وما ينجم عنه من سبي النساء، وأسر الرجال، وأما التجارة فكانت تحصل نتيجة تنقّل العرب في تجاراتهم وشرائهم الرقيق، ثمّ توسّع الأمر وأصبح للرقيق رواجٌ في أسواق العرب القديمة وحواضرها الكبرى، فقد كانت تُباع، في هذه الأسواق والحواضر، الإماءُ العربيات والجلائب. ليس هذا فحسب بل إنّ "كثرة الرقيق جعلت منهم طبقة اجتماعية لها معالمها المميزة وسماتها الواضحة وأثرها الاجتماعيّ البيّن"(7).
لقد شهدت الثقافة العربية انفتاحًا بشريًّا هائلاً أفضى إلى شيوع الجنسانيات التي أسهمت في إنتاج خطابات تعلن ما كان مستترًا، وتُسفرُ عمّا كان محجوبًا، وتُبيحُ ما كان محظورًا. وعلاوة على زيادة الرأسمال الجنسيّ وفيوضاته فإنّ إحساسَ الثقافة العربية بتفوّق برامجها اللغوية، والدينية، والعسكرية، والاقتصادية، والجغرافيّة مكّنها من ممارسة ضروبٍ من الهيمنة والتحكم الجنسيين، حيث تعاملت مع العناصر البشرية الوافدة بوصفها أدواتٍ، ورعيةً يجبُ أنْ تظل خاضعة، وممتثلة. بيان ذلك في ما أورده ابن قيّم الجوزيّه (ت 751 هـ) في رأي الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان في الجواري إذ قال: "من أراد أن يتّخذ جاريةً للمتعة، فليتّخذها بربريّةً ومن أرادها للولد فليتّخذها فارسيّةً؛ ومن أرادها للخدمة فليتّخذها روميّةً"(8).
لا يكشف هذا النص عن الانتخاب الجنسيّ الذي مورس في الثقافة العربية تجاه المرأة غير العربية، بل يصوّر حدّة الرقابة التي اتُّبعت في تداول النساء اللائي يحضرن بوصفهن محض أدوات لممارسة المتع والرغبات. فقد ورد في أحد المدونات "أن عبد الملك بن مروان بعث كتاباً إلى الحجاج بن يوسف يقول فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الحجاج بن يوسف، إذا ورد عليك كتابي هذا وقرأته فسيّر لي ثلاث جوار مولّدات نُهدًا بكار يكون إليهن المنتهى في الجمال، واكتب لي بصفة كل واحدة منهن ومبلغ ثمنها من المال. فلما ورد الكتاب على الحجاج دعا بالنخّاسين، وأمرهم بما أمر به أمير المؤمنين، وأمرهم أن يغوصوا في البلاد حتى يقعوا على الغرض، فلم يزالوا من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم حتى وقعوا على الغرض، ورجعوا إلى الحجّاج بثلاث جوار نهد بكار مولدات ليس لهن مثيل"(9).
وهذا يعني أنّ الفيض الذي شهدته أسواق الجواري والقيان(10) دفع من هم في موقع السلطة إلى البحث عما يناسب حاجات العرب الجنسية المتجددة من ناحية والمتكاثرة من ناحية أخرى، كما أنه جعل من يقومون على أسواق الجواري يزاولون ضربًا من ممارسة الاتجار بالرقيق وهي الممارسة التي ستحظى برعاية مؤسسة السلطة ومباركتها، فالنخّاسون فئة من التجار وظيفتها ترويج الجواري، وإذكاء الشهوات في نفوس من يبحث عنها. ومن المؤكّد أنّ هذه الفئة تتمتع بتأهيل ثقافيّ رفيع وامتيازات كبيرة ناجمة عن الخدمات التي تقدمها لرجالات السلطة في أشدّ مراتبها علوّا. بيان ذلك النص الآتي:
"كان هشام بن عبد الملك يقبض الثّياب من عِظَم أيره، فكتب إلى عامله في المدينة: "أما بعد فاشتر لي عِكاكَ النيك". قال: وكان له كاتبٌ مدينيٌّ ظريفٌ، فقال له: ويحك، ما عِكاكُ النيك؟ قال الوصائف. فوجّه إلى النخّاسين فسألهم عن ذلك. فقالوا: عِكاكُ النيك الوصائفُ البيضُ الطِّوال. فاشترى منهن حاجته، ووجه بهنّ إليه"(11).
إنّ المتبصّر في هذا النصّ لا يفاجأ برغبة الخليفة الأمويّ هشام بن عبد الملك بن مروان ورغبته الجارفة فحسب، بل إنّ عنصر المفاجأة كامن في تسخير عامل الخليفة على المدينة من أجل تأمين مُتع الخليفة ورغباته، ولمّا كان عامل المدينة جاهلاً بمدلول طلب الخليفة "عكاك النيك" ارتأى أنْ يستعين بكاتبه لحلّ لغز المدلول من أجل الوصول إلى المطلوب. وهكذا فإنّ النص يحيل إلى تراتبية السلطة التي يقع في رأسها الخليفة ثم يأتي بعده عامل المدينة ثمّ كاتب عامل المدينة ثم النخاسون الذين يرتبطون بعامل الخليفة بعلاقة الخضوع والامتثال حيث يتعين عليهم الاجتهاد وبذل الجهود الكبيرة في سبيل العثور على طلب الخليفة. ومن المؤكد أنّ النصّ الذي يستثمره الجاحظ لا يَرِدُ في إطار الانتصار للجواري مقابل الغلمان بل إنه يكشف عن دلالتين مهمتين؛ الأول: نهم الخليفة الجنسيّ، والأخرى : انبراء رجال السلطة لتأمين رغبات الخلفاء الأمويين. والجاحظ، بذلك، يمارس إدانة حادة للنظام الأموي وهي ممارسة لا تنفصل عن موقف الجاحظ في مهاجمة الأمويين الذين نعتهم في رسالة له بـ"النابتة"، ومواجهة الـمُحدثين الذين كانوا يقفون خلف الأمويين ويحالفونهم. بيد أنّ هذه الإدانة لا تكشف عن انحياز الجاحظ للعباسيين وسلطتهم فحسب بل إنها تبيّن عدم مقدرته على كشف مفاسد العباسيين الجنسية، واستغلال مواقعهم في السلطة، ذلك أنّ الدولة العباسية شهدت انتهاكات جنسية أشدّ فداحة من انتهاكات الأمويين، لكنّ انضواء الجاحظ في برامج العباسيين منعه من التعريض بها وكشفها(12).
كما تكشفُ مدوّنةُ الخطاب الجنسيّ عن طبيعة الجنسانيّات وأشكالها في الثقافة والمجتمع العربيين، إذ إنّ العرب كانوا يرفضون تزويج نسائهم من الموالي؛ لخسّتهم ووضاعتهم العرقية قياسًا بالعرب، ليس هذا فحسب بل إنهم كانوا يسمحون لأنفسهم التمتع بنساء الموالي والزواج منهنّ، في حين أنهم رفضوا زواج رجال الموالي العجم من النساء العربيات حتى إنهم استبعدوا هذه الفكرة في الجنة التي يتعين عليها أنْ تخضع لمواصفات العرب وشروطهم الثقافية. يقول ابن حمدون (495 ـ 562 هـ): "وزعم الأصمعيُّ أنه سمع أعرابيًّا يقول لآخر: أتُرى هذه العجمُ تنْكِحُ نساءنا في الجنة؟ قال: أرى ذلك والله بالأعمال الصالحة، قال: توطأُ رقابُنا والله قبل ذلك"(13). إنّ هذا النصّ لا يتضمنُ مفارقة بقدر ما يُظهر مركزية الثقافة العربية ونظرتها الدونية إلى الموالي العجم، فضلا عن رفضها الإقرار بأنّ النساء العربيات خُلقن لينكحن غير العرب حتى عندما يتعلّق الأمر بالجنة وملذّاتها الجنسية؛ فالجنة تقصر الاستمتاع بالنساء العربيات ونكاحهنّ على العرب دون سواهم من المسلمين حتى وإنْ فاقوهم تقىً وصلاحًا.
لقد أنتجت الثقافةُ العربيةُ جهازًا معرفيًّا كبيرًا لإنتاج الخطاب الجنسيّ الذي يقدّم خلاصة التجارب والخبرات في الجنسانيّات. وحسب ميشيل فوكو فإنّ هناك نظامين في إنتاج الخطاب الجنسيّ؛ الفنّ الشبقيّ Erotic Art، والعلم الجنسيّ Study Sexual. ويندرجُ المجتمع العربي، حسب فوكو، ضمن المجتمعات التي خصّت نفسها بفنّ شبقيّ. وتستخرج الحقيقة، في نظام الفنّ الشبقيّ، من اللذة بنفسها، أي أنّ حقيقة اللذة تتحصّل بوساطة الممارسة والتجربة المتفاتتين، وليس إلى قانون معياريّ يُحدد الحقيقة، ولا إلى معيار يقيس المنفعة(14). إنّ مقياس اللذة الوحيد يكمن في قوّتها وصفتها النوعية ومدتها وانعكاسها في الجسد والنفس ومدى تعميقها للوعي الإنسانيّ(15). إنّ اللذة الفعلية تُفضي إلى معرفة تؤدي إلى تطوير الممارسة الجنسية ومضاعفة نتائجها.
الهوامش:
1- انظر: جلال الدين السيوطي، نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسُّمر، ط1، الانتشار العربيّ، بيروت، 2005.
2- انظر: عبد الوهّاب بوحديبة، الإسلام والجنس، ترجمة: هالة العوري، رياض الريّس للكتب والنشر، 2001، ص 160 ـ 163.
3- انظر: نفسه، ص 157.
4- انظر: سمير عبده، المنزلة الجنسية للمرأة العربية، ط1، دار النصر، دمشق، 1985، ص 33.
5- يعزو ري تاناهيل Reay Tannahil سبب تعاظم انتشار التعددية الجنسية في العالم الإسلامي إلى تكاثر الحروب، واتساع الفجوة بين الطبقات، وتزايد تدفّق العبيد، وتكاثر الثروات الوافدة. انظر: قصة الجنس عبر التاريخ، ج1، ص 218.
6- محمد أحمد جاد المولى، وعلي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، أيام العرب في الجاهلية، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2009، ص 373 ـ 374.
7- انظر: القيان والغناء في العصر الجاهليّ، ط3، دار الجيل، بيروت، 1988، ص 30 ـ 36، 42. ورأي الأسد يدحض ما ذهب إليه ري تاناهيل الذي يرى "أنّ التعددية الجنسية لم تكن منتشرة على نطاق واسع بين القبائل العربية في عصور ما قبل الإسلام". قصة الجنس عبر التاريخ، ج1، ص 218.
8- ابن قيّم الجوزيه أبو عبد الله شمس الدين محمد بن بكر الزّرعيّ الدمشقيّ الحنبليّ، أخبار النساء، شرح وتحقيق: نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979، ص 11 ـ 12 .
9- محمد بن دياب الإتليديّ، نوادر الخلفاء المُسمّى إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العبّاس، ط1، تحقيق: أيمن عبد الجابر الجهيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، 1998، ص 63 ـ 64.
10- لقد شهد العالم الإسلاميّ، حسب آدم متز، فيضًا في تداول الجواري، حيث راحت قوافل الجواري والرقيق تتوافد على حواضر العالم الإسلامي ومدنه الكبرى بدءًا بالحجاز، ومرورًا بالعراق والشام، وانتهاء بالأندلس والمغرب ومصر؛ نظرًا لما تحظى به هذه الصناعة من رواجٍ، ولأنّ أنظمة العالم الإسلاميّ الدينية والثقافية تسمح بالتسرّي واقتناء الجواري فضلا عن الرخاء الاقتصادي الذي شهده العالم الإسلاميّ في العصور الوسطى. ليس هذا فحسب بل إنّ هناك عددًا من المصادر والبلاد التي كانت تُصدّر الجواري إلى العالم الإسلامي أسهمت في إشاعة الإقبال على اقتناء الجواري، فقد توافدت الجواري، من السودان، وأفريقيا، وخراسان، وتركيا، وسمرقند، وأوروبا الشرقية، وألمانيا. ويشير آدم متز إلى أنّ أغلب تجار الرقيق، وبخاصة تجار أوروبا، كانوا من اليهود. انظر: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجريّ، ج1، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، وتقديم: مصطفى لبيب عبد الغني، المركز القومي للترجمة (سلسلة ميراث الترجمة)، القاهرة، 2008، ص 263 ـ 275.
11- الجاحظ، مفاخرة الجواري والقيان، ضمن: رسائل الجاحظ، م1، ج2، ص 133.
12- ورغم ذلك عرّض الجاحظ بعيسى بن موسى، ابن أخي الخليفة المنصور، الذي خلعه المنصور من العهد ليجعل ابنه المهدي مكانه. انظر: كتاب النساء، ضمن رسائل الجاحظ، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 155. وهذا يدلّ على براغماتية الجاحظ وفطنته؛ فهو يتخذ من العباسيين المُبعدين من السلطة مجالا للتدليل.
13- أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن عليّ بن حمدون، التذكرة الحمدونية، ج6، تحقيق: إحسان عباس وبكر عباس، ط1، دار صادر بيروت، 1996، ص 381.
14- انظر: ميشيل فوكو، تاريخ الجنسانية، إرادة المعرفة، ص 71 ـ 72.
15- انظر: كولن ولسن، أصول الدافع الجنسيّ، ط2، ترجمة: يوسف شرورو وسمير كتّاب، دار الآداب، بيروت، 1972 ص 96.
* عن موقع الأوان
.
وممّا شكّ فيه أنّ الإسلام تمكّن من إدماج الجنس في الحياة بوصفه تجربة حياتية يوميّة، دون أنْ يُقيّده بقيود تحول دون تفاعل القوى البشرية والدينية والمادية. بيد أنَّ هذه الرحابة أفسحت المجال لقيام أنماط متعددة من العلاقات التي كانت تدّعي توافقها مع روح الإسلام وسماحته رغم التناقض القائم بين هذه الأنماط المختلفة(3).
وقد أسفرت هذه الأوضاع عن منح المرأة مكانة اجتماعية مزدوجة؛ الزوجة والجارية. وسوف يقع في مجتمع النساء شرخٌ هائل تولّدت عنه ثائية ضدية هي: الحرائر والجواريّ، ويمتدّ الانقسام بدءا من المستوى الفيلولوجيّ لطرفيّ الثنائية، وانتهاء بالواقع العملي؛ إذ أصبحت الجوراي في وضع مُضادٍّ للزوجات الحرائر، وبتن يشكلن خطرًا عليهنّ ناجمًا عن المنافسة والمزاحمة الشديدتين في أنْ يحظين بالرجل والاستيلاء على عاطفته، وعطاياه، والفوز بملذّاته وإمتاعه. ونتيجة لهذا التنافس الشديد طوّر كلّ طرف آليات الفتنة والدهاء والإغواء(4).
ونتيجة هذه الوفرة والصخب الجنسيين تكاثرت الخطابات الجنسية التي لا تُشخَّصُ بوصفها ظاهرة كمّيةً لا تستحقُّ الاهتمام والرعاية، بل إنها تُحلَّل انطلاقًا من كونها خطاباتٍ معرفيةً تحاولُ كشف آليات الثقافة العربية في التعامل مع ظاهرة الانفجار الجنسيّ الهائل وعلاقتها بأشكال العلاقات الاجتماعية، وأنماط الإنتاج، وقوى الاقتصاد، وأنظمة السلطة وعلاقات السيطرة واستراتيجيات الهيمنة(5).
وتعود السيطرة والتعددية الجنسية التي حظيت بها المجتمعات العربية وسادت في نظامها إلى ما قبل الإسلام؛ إذ تُشير أيّام العرب في الجاهلية إلى أنّ سبي النساء كان دافعًا للإغارات بين القبائل، فكانت النساء قيمة نفيسة في وجدان المجتمع الجاهليّ، ومطلبًا مهمًّا في فعل الإغارة الذي كانت النساء أحد ثماره. ففي "يوم جِزْع ظِلال" أغارت بنو فزارة على "التّيم وعديّ وثور أطحل من بني عبد مَناة، فملئوا أيديهم غنائم وإبلاً ونساء"، ولما حاول سادة التّيم التحالف مع "بني سعد بن زيد مناه وضبّة" لطلب النصر على بني فَزارة عاود الفزاريون، وعلى رأسهم عيينة بن حِصْن، الإغارة على التّيْم "فقتلوهم قتلا لم يقتلوه أحدًا، وأخذوا مئة امرأة من التّيم، فقسّمهن عيينة بين بني بدر، وأخذوا سبيًا كثيرًا فقتلوهم". ويبدو أنّ النكبة التي حلّت بـ"التّيم" شجعت قبيلة أخرى على الإغارة عليها؛ إذ "إنّ بني مُرّة أغاروا على التّيم ورئيس بني مرة يومئذ سنان بن سنان بن أبي حارثة، فقتلوا التّيم وعديًّا وعُكلا، وأخذوا سبيًا كثيرًا، فلم يُعتقوا منهنّ شيئًا واستخدموهنّ"(6). ولعلّ المفارقة التي تجليها أيام العرب في الجاهلية أنّ فعل سبي النساء يصاحبه قتل الرجال؛ بمعنى أنّ فعل الإغارة لا يكتمل، في المستوى المجازي، إلاّ إذا تكلّل بقتل الرجال وسبي النساء؛ ذلك أنّ الاستمتاع بالنساء المسبيّات لا يتحقّق إلاّ بعد إلغاء صور رجالهنّ من وعيهنّ؛ ففعل قتل الرجال هو تدشين للإغارة والسبي معًا. ليس هذا فحسب بل إنّ فعل السبيّ فيه منفعةٌ لبعض النساء اللواتي كنّ يطمح في أنْ يعشن في أكناف السادة الفرسان الذين يتمتعون بمنازل رفيعة. لقد وردت إشارات كثيرة تؤكد حاجة القبائل العربية في المجتمع الجاهليّ إلى النساء؛ من أجل توسيع دائرة المتع، واستخدامهنّ جنسيًّا. ويرى ناصر الدين الأسد أنّ العرب عرفوا نظام الرقّ منذ جاهليتهم عن طريق السبي والتجارة؛ أما السبي فكان ينتج عن إغارات القبائل بعضها على بعض وما ينجم عنه من سبي النساء، وأسر الرجال، وأما التجارة فكانت تحصل نتيجة تنقّل العرب في تجاراتهم وشرائهم الرقيق، ثمّ توسّع الأمر وأصبح للرقيق رواجٌ في أسواق العرب القديمة وحواضرها الكبرى، فقد كانت تُباع، في هذه الأسواق والحواضر، الإماءُ العربيات والجلائب. ليس هذا فحسب بل إنّ "كثرة الرقيق جعلت منهم طبقة اجتماعية لها معالمها المميزة وسماتها الواضحة وأثرها الاجتماعيّ البيّن"(7).
لقد شهدت الثقافة العربية انفتاحًا بشريًّا هائلاً أفضى إلى شيوع الجنسانيات التي أسهمت في إنتاج خطابات تعلن ما كان مستترًا، وتُسفرُ عمّا كان محجوبًا، وتُبيحُ ما كان محظورًا. وعلاوة على زيادة الرأسمال الجنسيّ وفيوضاته فإنّ إحساسَ الثقافة العربية بتفوّق برامجها اللغوية، والدينية، والعسكرية، والاقتصادية، والجغرافيّة مكّنها من ممارسة ضروبٍ من الهيمنة والتحكم الجنسيين، حيث تعاملت مع العناصر البشرية الوافدة بوصفها أدواتٍ، ورعيةً يجبُ أنْ تظل خاضعة، وممتثلة. بيان ذلك في ما أورده ابن قيّم الجوزيّه (ت 751 هـ) في رأي الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان في الجواري إذ قال: "من أراد أن يتّخذ جاريةً للمتعة، فليتّخذها بربريّةً ومن أرادها للولد فليتّخذها فارسيّةً؛ ومن أرادها للخدمة فليتّخذها روميّةً"(8).
لا يكشف هذا النص عن الانتخاب الجنسيّ الذي مورس في الثقافة العربية تجاه المرأة غير العربية، بل يصوّر حدّة الرقابة التي اتُّبعت في تداول النساء اللائي يحضرن بوصفهن محض أدوات لممارسة المتع والرغبات. فقد ورد في أحد المدونات "أن عبد الملك بن مروان بعث كتاباً إلى الحجاج بن يوسف يقول فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الحجاج بن يوسف، إذا ورد عليك كتابي هذا وقرأته فسيّر لي ثلاث جوار مولّدات نُهدًا بكار يكون إليهن المنتهى في الجمال، واكتب لي بصفة كل واحدة منهن ومبلغ ثمنها من المال. فلما ورد الكتاب على الحجاج دعا بالنخّاسين، وأمرهم بما أمر به أمير المؤمنين، وأمرهم أن يغوصوا في البلاد حتى يقعوا على الغرض، فلم يزالوا من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم حتى وقعوا على الغرض، ورجعوا إلى الحجّاج بثلاث جوار نهد بكار مولدات ليس لهن مثيل"(9).
وهذا يعني أنّ الفيض الذي شهدته أسواق الجواري والقيان(10) دفع من هم في موقع السلطة إلى البحث عما يناسب حاجات العرب الجنسية المتجددة من ناحية والمتكاثرة من ناحية أخرى، كما أنه جعل من يقومون على أسواق الجواري يزاولون ضربًا من ممارسة الاتجار بالرقيق وهي الممارسة التي ستحظى برعاية مؤسسة السلطة ومباركتها، فالنخّاسون فئة من التجار وظيفتها ترويج الجواري، وإذكاء الشهوات في نفوس من يبحث عنها. ومن المؤكّد أنّ هذه الفئة تتمتع بتأهيل ثقافيّ رفيع وامتيازات كبيرة ناجمة عن الخدمات التي تقدمها لرجالات السلطة في أشدّ مراتبها علوّا. بيان ذلك النص الآتي:
"كان هشام بن عبد الملك يقبض الثّياب من عِظَم أيره، فكتب إلى عامله في المدينة: "أما بعد فاشتر لي عِكاكَ النيك". قال: وكان له كاتبٌ مدينيٌّ ظريفٌ، فقال له: ويحك، ما عِكاكُ النيك؟ قال الوصائف. فوجّه إلى النخّاسين فسألهم عن ذلك. فقالوا: عِكاكُ النيك الوصائفُ البيضُ الطِّوال. فاشترى منهن حاجته، ووجه بهنّ إليه"(11).
إنّ المتبصّر في هذا النصّ لا يفاجأ برغبة الخليفة الأمويّ هشام بن عبد الملك بن مروان ورغبته الجارفة فحسب، بل إنّ عنصر المفاجأة كامن في تسخير عامل الخليفة على المدينة من أجل تأمين مُتع الخليفة ورغباته، ولمّا كان عامل المدينة جاهلاً بمدلول طلب الخليفة "عكاك النيك" ارتأى أنْ يستعين بكاتبه لحلّ لغز المدلول من أجل الوصول إلى المطلوب. وهكذا فإنّ النص يحيل إلى تراتبية السلطة التي يقع في رأسها الخليفة ثم يأتي بعده عامل المدينة ثمّ كاتب عامل المدينة ثم النخاسون الذين يرتبطون بعامل الخليفة بعلاقة الخضوع والامتثال حيث يتعين عليهم الاجتهاد وبذل الجهود الكبيرة في سبيل العثور على طلب الخليفة. ومن المؤكد أنّ النصّ الذي يستثمره الجاحظ لا يَرِدُ في إطار الانتصار للجواري مقابل الغلمان بل إنه يكشف عن دلالتين مهمتين؛ الأول: نهم الخليفة الجنسيّ، والأخرى : انبراء رجال السلطة لتأمين رغبات الخلفاء الأمويين. والجاحظ، بذلك، يمارس إدانة حادة للنظام الأموي وهي ممارسة لا تنفصل عن موقف الجاحظ في مهاجمة الأمويين الذين نعتهم في رسالة له بـ"النابتة"، ومواجهة الـمُحدثين الذين كانوا يقفون خلف الأمويين ويحالفونهم. بيد أنّ هذه الإدانة لا تكشف عن انحياز الجاحظ للعباسيين وسلطتهم فحسب بل إنها تبيّن عدم مقدرته على كشف مفاسد العباسيين الجنسية، واستغلال مواقعهم في السلطة، ذلك أنّ الدولة العباسية شهدت انتهاكات جنسية أشدّ فداحة من انتهاكات الأمويين، لكنّ انضواء الجاحظ في برامج العباسيين منعه من التعريض بها وكشفها(12).
كما تكشفُ مدوّنةُ الخطاب الجنسيّ عن طبيعة الجنسانيّات وأشكالها في الثقافة والمجتمع العربيين، إذ إنّ العرب كانوا يرفضون تزويج نسائهم من الموالي؛ لخسّتهم ووضاعتهم العرقية قياسًا بالعرب، ليس هذا فحسب بل إنهم كانوا يسمحون لأنفسهم التمتع بنساء الموالي والزواج منهنّ، في حين أنهم رفضوا زواج رجال الموالي العجم من النساء العربيات حتى إنهم استبعدوا هذه الفكرة في الجنة التي يتعين عليها أنْ تخضع لمواصفات العرب وشروطهم الثقافية. يقول ابن حمدون (495 ـ 562 هـ): "وزعم الأصمعيُّ أنه سمع أعرابيًّا يقول لآخر: أتُرى هذه العجمُ تنْكِحُ نساءنا في الجنة؟ قال: أرى ذلك والله بالأعمال الصالحة، قال: توطأُ رقابُنا والله قبل ذلك"(13). إنّ هذا النصّ لا يتضمنُ مفارقة بقدر ما يُظهر مركزية الثقافة العربية ونظرتها الدونية إلى الموالي العجم، فضلا عن رفضها الإقرار بأنّ النساء العربيات خُلقن لينكحن غير العرب حتى عندما يتعلّق الأمر بالجنة وملذّاتها الجنسية؛ فالجنة تقصر الاستمتاع بالنساء العربيات ونكاحهنّ على العرب دون سواهم من المسلمين حتى وإنْ فاقوهم تقىً وصلاحًا.
لقد أنتجت الثقافةُ العربيةُ جهازًا معرفيًّا كبيرًا لإنتاج الخطاب الجنسيّ الذي يقدّم خلاصة التجارب والخبرات في الجنسانيّات. وحسب ميشيل فوكو فإنّ هناك نظامين في إنتاج الخطاب الجنسيّ؛ الفنّ الشبقيّ Erotic Art، والعلم الجنسيّ Study Sexual. ويندرجُ المجتمع العربي، حسب فوكو، ضمن المجتمعات التي خصّت نفسها بفنّ شبقيّ. وتستخرج الحقيقة، في نظام الفنّ الشبقيّ، من اللذة بنفسها، أي أنّ حقيقة اللذة تتحصّل بوساطة الممارسة والتجربة المتفاتتين، وليس إلى قانون معياريّ يُحدد الحقيقة، ولا إلى معيار يقيس المنفعة(14). إنّ مقياس اللذة الوحيد يكمن في قوّتها وصفتها النوعية ومدتها وانعكاسها في الجسد والنفس ومدى تعميقها للوعي الإنسانيّ(15). إنّ اللذة الفعلية تُفضي إلى معرفة تؤدي إلى تطوير الممارسة الجنسية ومضاعفة نتائجها.
الهوامش:
1- انظر: جلال الدين السيوطي، نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسُّمر، ط1، الانتشار العربيّ، بيروت، 2005.
2- انظر: عبد الوهّاب بوحديبة، الإسلام والجنس، ترجمة: هالة العوري، رياض الريّس للكتب والنشر، 2001، ص 160 ـ 163.
3- انظر: نفسه، ص 157.
4- انظر: سمير عبده، المنزلة الجنسية للمرأة العربية، ط1، دار النصر، دمشق، 1985، ص 33.
5- يعزو ري تاناهيل Reay Tannahil سبب تعاظم انتشار التعددية الجنسية في العالم الإسلامي إلى تكاثر الحروب، واتساع الفجوة بين الطبقات، وتزايد تدفّق العبيد، وتكاثر الثروات الوافدة. انظر: قصة الجنس عبر التاريخ، ج1، ص 218.
6- محمد أحمد جاد المولى، وعلي البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، أيام العرب في الجاهلية، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2009، ص 373 ـ 374.
7- انظر: القيان والغناء في العصر الجاهليّ، ط3، دار الجيل، بيروت، 1988، ص 30 ـ 36، 42. ورأي الأسد يدحض ما ذهب إليه ري تاناهيل الذي يرى "أنّ التعددية الجنسية لم تكن منتشرة على نطاق واسع بين القبائل العربية في عصور ما قبل الإسلام". قصة الجنس عبر التاريخ، ج1، ص 218.
8- ابن قيّم الجوزيه أبو عبد الله شمس الدين محمد بن بكر الزّرعيّ الدمشقيّ الحنبليّ، أخبار النساء، شرح وتحقيق: نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979، ص 11 ـ 12 .
9- محمد بن دياب الإتليديّ، نوادر الخلفاء المُسمّى إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العبّاس، ط1، تحقيق: أيمن عبد الجابر الجهيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، 1998، ص 63 ـ 64.
10- لقد شهد العالم الإسلاميّ، حسب آدم متز، فيضًا في تداول الجواري، حيث راحت قوافل الجواري والرقيق تتوافد على حواضر العالم الإسلامي ومدنه الكبرى بدءًا بالحجاز، ومرورًا بالعراق والشام، وانتهاء بالأندلس والمغرب ومصر؛ نظرًا لما تحظى به هذه الصناعة من رواجٍ، ولأنّ أنظمة العالم الإسلاميّ الدينية والثقافية تسمح بالتسرّي واقتناء الجواري فضلا عن الرخاء الاقتصادي الذي شهده العالم الإسلاميّ في العصور الوسطى. ليس هذا فحسب بل إنّ هناك عددًا من المصادر والبلاد التي كانت تُصدّر الجواري إلى العالم الإسلامي أسهمت في إشاعة الإقبال على اقتناء الجواري، فقد توافدت الجواري، من السودان، وأفريقيا، وخراسان، وتركيا، وسمرقند، وأوروبا الشرقية، وألمانيا. ويشير آدم متز إلى أنّ أغلب تجار الرقيق، وبخاصة تجار أوروبا، كانوا من اليهود. انظر: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجريّ، ج1، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، وتقديم: مصطفى لبيب عبد الغني، المركز القومي للترجمة (سلسلة ميراث الترجمة)، القاهرة، 2008، ص 263 ـ 275.
11- الجاحظ، مفاخرة الجواري والقيان، ضمن: رسائل الجاحظ، م1، ج2، ص 133.
12- ورغم ذلك عرّض الجاحظ بعيسى بن موسى، ابن أخي الخليفة المنصور، الذي خلعه المنصور من العهد ليجعل ابنه المهدي مكانه. انظر: كتاب النساء، ضمن رسائل الجاحظ، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 155. وهذا يدلّ على براغماتية الجاحظ وفطنته؛ فهو يتخذ من العباسيين المُبعدين من السلطة مجالا للتدليل.
13- أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن عليّ بن حمدون، التذكرة الحمدونية، ج6، تحقيق: إحسان عباس وبكر عباس، ط1، دار صادر بيروت، 1996، ص 381.
14- انظر: ميشيل فوكو، تاريخ الجنسانية، إرادة المعرفة، ص 71 ـ 72.
15- انظر: كولن ولسن، أصول الدافع الجنسيّ، ط2، ترجمة: يوسف شرورو وسمير كتّاب، دار الآداب، بيروت، 1972 ص 96.
* عن موقع الأوان
.