فارس الرفاعي - زمان الوصل
يمتاز تراث حوران بتعدد جوانبه وتنوعه وارتباطه بواقع الحياة التي يعيشها أبناء المدينة، وظل الحورانيون يحافظون على هذا التراث ويحفظونه على مر السنين حتى وصل إلينا بعضها اليوم، وإن كان الكثير من هذه المظاهر قد اختفى في ظل الحرب.
ومن مظاهر شهر رمضان الذي يحظى بالكثير من الاحترام والشوق لدى أهالي "بصرى الشام" تحري رؤية الهلال.
ويروي الكاتب "محمد فتحي المقداد" لـ"زمان الوصل" إن أهل المدينة كانوا يتهيؤون ويتجمعون عند الغروب في المناطق المرتفعة محاولين رؤية الهلال، ومن ثم ينتظرون الخبر من الراديو.
ومن العادات التي ارتبطت برمضان في مدينة "بصرى الشام" –كما يقول محدثنا- الزيارات بين الأهل والأصدقاء وإقامة الولائم الرمضانية كل يوم عند أحد أفراد العائلة، وهكذا على مدار أيام الشهر الكريم.
وكان الناس -كما يقول- ينتظرون أول يوم جمعة يأتي في رمضان ليرسلوا بالطعام والهدايا للأرحام والأهل، وفي اليوم 27 من الشهر الكريم كان الناس يطبخون (أذان الشايب) وهو ما يسمى (شِشْ بَرَكْ) ويوزعونها على الأهل والأقارب.
ومن العادات المحببة التي ارتبطت برمضان وبغيره من الأشهر ما يسميه أهل الشام بـ"السكبة" وهي إرسال كل جار لجاره صحناً مما طبخ في هذا اليوم، والصحن الذي يأتي من العيب إرجاعه فارغاً، وعلاوة على المائدة الحورانية العامرة بأطايب الطعام عند الإفطار اعتاد بناء المدينة على صنع شراب القمردين (شرائح مجففة من فاكهة المشمش) الذي يُشرب على السحور، وكذلك صنع الخبز عند فترة السحور ليأكلوه ساخناً، وأحياناً يخبزون العجين وهو (عويص) غير مكتمل التخمير.
وأردف "المقداد" أن الشوق لا زال يحدوه للذكريات الرمضانية الجميلة، ومنها انتظار الفطور وجلوس الأسرة كلها، متحلقة حول المائدة تنتظر انطلاق نداء "الله أكبر" من مئذنة العروس بصوت الجد "محمد الحسن" المتهدج الذي يثير ما استكن في القلوب المؤمنة من شذرات إيمانية ويهيج الأشواق، ويكون صوته -كما يقول- إيذاناً لترطيب الحلق بالماء والتمر وصلاة المغرب، ومن ثم تناول الطعام، والاستراحة استعداداَ لصلاة التراويح التي تقام في المساجد، وكلٌ يصلي على مقدرته، إما 28 ركعة، ولا حرج في إثارة الخلاف.
وتقام في المساجد الموعظة من قبل العلماء والمشايخ كل يوم من بعد صلاة العصر حيث يتجمع الناس لسماع الحديث وأحكام الدين ويكون الوقت لا عمل فيه حتى الإفطار.
وكغيرها من المدن عرفت "بصرى الشام" شخصية المسحراتي، تلك الشخصية المشبعة بالروحانية في ليالي رمضان، وارتبط المسحراتي برمضان وعودته كل عام مما أضفى عليها نوعاً من التركيز الذي عشعش في قلوب أبناء المدينة وداعب أرواحهم كباراً وصغاراً.
ويروي محدثنا جوانب من شخصية المسحراتي كما عايشها في طفولته وشبابه إلى ما قبل سنوات الحرب، إذ كانت روحه –كما يقول- تتراقص طرباً مع نقرات أصابع المسحراتي على الطبل ونبرات صوته الذي يشق سكون الصمت الرهيب وغفوة الكون وهدأته "يا نايم، وحّد الدايم".
ويستذكر ابن "بصرى الشام" صورة المسحراتي "أبو راغب" الذي أطلق عليه الأهالي اسم (كرزون) وكان يأتي كل موسم من دمشق وينزل في أحد بيوت القرية، واعتاد هذا الأمر حتى أواخر عمره، وحاز أبو الراغب -حسب المقداد- على محبة الجميع بشخصيته الدمثة حسنة الخلق، مضيفاً أن مجيئه كان منبهاً لنا أن رمضان اقترب وكان يتلقى على عمله الموسمي هذا صدقات أهل القرية مما تجود به نفوسهم المؤمنة دون أن يُعرف العمل الذي كان يمارسه خلال بقية العام في العاصمة.
وأردف محدثنا أن المسحراتي أبو راغب "كان يتمتع بشجاعة نادرة حيث يجوب أزقة القرية كثيرة العتمة وقليلة الإنارة وكانت مهمته تزداد تعقيداً عندما يأتي رمضان في فصل الشتاء والأمطار والثلوج والبرد القارس والضباع والذئاب والكلاب الضالة التي يمكنها أن تهدد حياة الإنسان" .
وما إن تنقضي أيام الشهر المبارك ويسمع أطفال بصرى الشام صوت التكبير (الله أكبر) من أعالي المآذن حتى ينطلقون لارتداء الملابس الجديدة ويذهبون إلى الجامع لصلاة العيد ويخرجون بعدها –كما يروي المقداد- لمعايدة الأقارب وجمع العيديات لشراء ما يشتهون من مفرقعات وألعاب اليانصيب وأشياء لا يروها ولا تظهر في المحلات إلا أيام العيد والأراجيح التي تُنصب أيام العيد.
أما الكبار فيؤدون صلاة العيد ويخرجون إلى زيارة المقابر للسلام على الأموات وقراءة الفاتحة، والعودة إلى أحد بيوت الأقارب فيتناولون طعام الإفطار وينطلقون للذهاب إلى العائلات التي فقدت أحد أشخاصها في الأشهر التي سبقت العيد فيجلسون لمواساتهم، ومن ثم ينطلقون لمعايدة الأقارب بشكل جماعي، وكثيراً ما تنتهي الخصومات بين الأفراد في العيد، حيث تدخل الوساطات، وكثيراً ما يحل الود والمحبة مكان العداوة والبغضاء
يمتاز تراث حوران بتعدد جوانبه وتنوعه وارتباطه بواقع الحياة التي يعيشها أبناء المدينة، وظل الحورانيون يحافظون على هذا التراث ويحفظونه على مر السنين حتى وصل إلينا بعضها اليوم، وإن كان الكثير من هذه المظاهر قد اختفى في ظل الحرب.
ومن مظاهر شهر رمضان الذي يحظى بالكثير من الاحترام والشوق لدى أهالي "بصرى الشام" تحري رؤية الهلال.
ويروي الكاتب "محمد فتحي المقداد" لـ"زمان الوصل" إن أهل المدينة كانوا يتهيؤون ويتجمعون عند الغروب في المناطق المرتفعة محاولين رؤية الهلال، ومن ثم ينتظرون الخبر من الراديو.
ومن العادات التي ارتبطت برمضان في مدينة "بصرى الشام" –كما يقول محدثنا- الزيارات بين الأهل والأصدقاء وإقامة الولائم الرمضانية كل يوم عند أحد أفراد العائلة، وهكذا على مدار أيام الشهر الكريم.
وكان الناس -كما يقول- ينتظرون أول يوم جمعة يأتي في رمضان ليرسلوا بالطعام والهدايا للأرحام والأهل، وفي اليوم 27 من الشهر الكريم كان الناس يطبخون (أذان الشايب) وهو ما يسمى (شِشْ بَرَكْ) ويوزعونها على الأهل والأقارب.
ومن العادات المحببة التي ارتبطت برمضان وبغيره من الأشهر ما يسميه أهل الشام بـ"السكبة" وهي إرسال كل جار لجاره صحناً مما طبخ في هذا اليوم، والصحن الذي يأتي من العيب إرجاعه فارغاً، وعلاوة على المائدة الحورانية العامرة بأطايب الطعام عند الإفطار اعتاد بناء المدينة على صنع شراب القمردين (شرائح مجففة من فاكهة المشمش) الذي يُشرب على السحور، وكذلك صنع الخبز عند فترة السحور ليأكلوه ساخناً، وأحياناً يخبزون العجين وهو (عويص) غير مكتمل التخمير.
وأردف "المقداد" أن الشوق لا زال يحدوه للذكريات الرمضانية الجميلة، ومنها انتظار الفطور وجلوس الأسرة كلها، متحلقة حول المائدة تنتظر انطلاق نداء "الله أكبر" من مئذنة العروس بصوت الجد "محمد الحسن" المتهدج الذي يثير ما استكن في القلوب المؤمنة من شذرات إيمانية ويهيج الأشواق، ويكون صوته -كما يقول- إيذاناً لترطيب الحلق بالماء والتمر وصلاة المغرب، ومن ثم تناول الطعام، والاستراحة استعداداَ لصلاة التراويح التي تقام في المساجد، وكلٌ يصلي على مقدرته، إما 28 ركعة، ولا حرج في إثارة الخلاف.
وتقام في المساجد الموعظة من قبل العلماء والمشايخ كل يوم من بعد صلاة العصر حيث يتجمع الناس لسماع الحديث وأحكام الدين ويكون الوقت لا عمل فيه حتى الإفطار.
وكغيرها من المدن عرفت "بصرى الشام" شخصية المسحراتي، تلك الشخصية المشبعة بالروحانية في ليالي رمضان، وارتبط المسحراتي برمضان وعودته كل عام مما أضفى عليها نوعاً من التركيز الذي عشعش في قلوب أبناء المدينة وداعب أرواحهم كباراً وصغاراً.
ويروي محدثنا جوانب من شخصية المسحراتي كما عايشها في طفولته وشبابه إلى ما قبل سنوات الحرب، إذ كانت روحه –كما يقول- تتراقص طرباً مع نقرات أصابع المسحراتي على الطبل ونبرات صوته الذي يشق سكون الصمت الرهيب وغفوة الكون وهدأته "يا نايم، وحّد الدايم".
ويستذكر ابن "بصرى الشام" صورة المسحراتي "أبو راغب" الذي أطلق عليه الأهالي اسم (كرزون) وكان يأتي كل موسم من دمشق وينزل في أحد بيوت القرية، واعتاد هذا الأمر حتى أواخر عمره، وحاز أبو الراغب -حسب المقداد- على محبة الجميع بشخصيته الدمثة حسنة الخلق، مضيفاً أن مجيئه كان منبهاً لنا أن رمضان اقترب وكان يتلقى على عمله الموسمي هذا صدقات أهل القرية مما تجود به نفوسهم المؤمنة دون أن يُعرف العمل الذي كان يمارسه خلال بقية العام في العاصمة.
وأردف محدثنا أن المسحراتي أبو راغب "كان يتمتع بشجاعة نادرة حيث يجوب أزقة القرية كثيرة العتمة وقليلة الإنارة وكانت مهمته تزداد تعقيداً عندما يأتي رمضان في فصل الشتاء والأمطار والثلوج والبرد القارس والضباع والذئاب والكلاب الضالة التي يمكنها أن تهدد حياة الإنسان" .
وما إن تنقضي أيام الشهر المبارك ويسمع أطفال بصرى الشام صوت التكبير (الله أكبر) من أعالي المآذن حتى ينطلقون لارتداء الملابس الجديدة ويذهبون إلى الجامع لصلاة العيد ويخرجون بعدها –كما يروي المقداد- لمعايدة الأقارب وجمع العيديات لشراء ما يشتهون من مفرقعات وألعاب اليانصيب وأشياء لا يروها ولا تظهر في المحلات إلا أيام العيد والأراجيح التي تُنصب أيام العيد.
أما الكبار فيؤدون صلاة العيد ويخرجون إلى زيارة المقابر للسلام على الأموات وقراءة الفاتحة، والعودة إلى أحد بيوت الأقارب فيتناولون طعام الإفطار وينطلقون للذهاب إلى العائلات التي فقدت أحد أشخاصها في الأشهر التي سبقت العيد فيجلسون لمواساتهم، ومن ثم ينطلقون لمعايدة الأقارب بشكل جماعي، وكثيراً ما تنتهي الخصومات بين الأفراد في العيد، حيث تدخل الوساطات، وكثيراً ما يحل الود والمحبة مكان العداوة والبغضاء