نصوص بقلم جورج سلوم

لا وقت للحب في الزمن الصعب فلنرتدع جميعاً، نحن معشر العشّاق والعاشقين ولنستحِ من خفق القلوب، لأنّ إيقاع النبض صار للحرب والطبول هي نفسها، تلك التي يقرعونها في الأعراس، ها هم يقرعون بها للحرب! للنفير للتجييش، للتهليل والتهويل، والتهديد والوعيد بالتطبيل والتزمير لموسيقى الحرب والأبواق كلّها...
كالوردة تحتاج مَن يسقيها ! في مدينة الجفاف المعبّأ بالزجاجات، وقبيلة القحط المقنّع، وبلاد صلاة الاستسقاء هناك حيث تعلّمتْ السجود للمطر لأنّ المطرَ بعيدٌ كما يبدو في تلك البطاح وقد ينساها المطر في زحمة الأسماء المنتقاة وإن تذكّرها متأخّراً، فلن يأتيها رذاذاً وبرداً وسلاماً، بل قد يأتي تهطالاً...
كفاكم قتلاً للأجساد فلن تستفيدوا شيئاً لن ينقص الزّحام في تلك الأرض المكتظّة تلك الأرض عنيدة ومعنّدة، وستُنبِت الأطفال الحاقدين رغماً عنكم والتربة تلك غنيّة بالبذور المدفونة على ضيم، لأنّ كل قتيل سيتمّ دفنه مع بذرته، والبذرة ستنتش، وتعود لتشقّ وجه الأرض كنباتٍ طفيليّ، رغماً عنكم. رغماً عنكم...
تعالي نقتسم الأرزاق بيننا، فمنّي الخبز ومنكِ الملح، والماء الشّروب يبلبل منّا الريق. كالمتسكّعين في أزقّة الزّحام العمياء والمشرّدين من فراغ اللاعمل واللامأوى واللاهدف والمنتظرين على مقاعد الحدائق العامة يتأمّلون ويأمَلون وينتظرون . والليل إذا أتانا تدريجياً لا يُخيفنا ولا يرهبنا، فنحن...
في خيمتي المعزولة أضمرَتْ أن يكون اللقاء، ووافقتُها، وكنت أظنّ بأني سحبتٌها من قصرها، وأجبرتُها على أن يكون اللقاء بأرضي وبين جمهوري، ولا أرضَ لي، إذ أني اعتزلتُ في البقعة الحديّة بين الحدود، وأيضاً لا جمهور، لأني ارتضيت العزلة عن الخلق. وسارَتْ على قدميها وبكعبها العالي طويلاً حتى نأت عن الطريق...
- إنها معلومات دقيقة وموثّقة، ورسميّة وقانونية، تلك المكتوبة في جواز سفرك. ولذا لا يمكن لجواز السفر أن يكون كاذباَ كما تتّهمه. إنه كالهويّة الشخصية، لا بل هو أقوى من الهوية، إذ يتّخذ صفة العالمية العابرة للحدود، وتبقى البطاقة الشخصية مربوطة الإزار ضمن حدود بلادك. وطعنك الغريب بمعلوماته سيجعله...
-إنّ ما حصلنا عليه لا يسمّى انتصاراً، وإنما هو شكل من أشكال الهزيمة الجزئية، فلا داع للزغاريد والمظاهر الاحتفالية -نهاية الحرب هي بحدّ ذاتها انتصار، وحقنٌ للدماء وإغماد للسيوف المشهَرة -هه هه ، الحرب لم تنته ولن، وما حدث هو نهاية لمعركة من معاركها، وشطب لموقعة من مواقعها، هو فقط تغيير لساحة...
وقيل لنا بأنّ ما ستراه عيوننا وما سيحدث في يومنا ليس غريباً ولا مستغرباً، إذ أنه مكتوبٌ على الجبين! ووقفتُ بالمرآة المقعّرة التي تكبّر دقائق الأمور ولم أستطع قراءة ما كُتب على جبيني، كنت أريد استكشاف طالِعي، ولم أوفَّق رغم تمحيصي في جبيني المعروق، إلا بترجمة خطّين احتفاريّين يزدادان غؤوراً...
متى سيأتي دورك أيها القارئ العربيّ لتصبح لاجئاً؟ مشكلتك تكمن في أنك تقرأ هذا المقال، وهذا يعني أنك عربيّ، وبالتالي فأنت ترقد على بركانٍ خامد وسينفجر بأية لحظة من تحتك، أو أنّ الأرض ستميد من تحتك بزلزالٍ طبيعيّ، أو أنّ حرب داحس والغبراء ستطالك بغبارها، فتنقلب طاولتك وتتبعثر أوراقك، وتشدّ الرّحال...
لا أذكر كيف سرقني النوم، ولكني صحوتُ الآن لأراكِ نائمة بجانبي. أوّاه من خجلي ممّا فعلتُ بكِ! لا .. لا تستيقظي الآن، فأنا أخجل من عيونكِ التي قد تعاتبني عمّا اقترفت، وأخجل من خفق أجفانك التي قد تبكّتني عمّا ارتكبت، وأخجل من دموعك التي تخجل عن أن تسيل، وأخجل من خجلكِ الذي يتوارى ويتخفّى فلا...
وأشرقت شمس اليوم الخامس بعد الزلزال، وليتها لم تشرق! لأن اليوم الأول كان مؤملاً أكثر من الثاني بوجود ناجين يمكن إنقاذهم. وسيتوقف البحث بعد انقضاء يومنا الخامس هذا، فإن كان هناك بشر تحت تلك الجبال من الركام فهم لا شك قضَوا نحبهم، وصارت العملية تسمّى انتشالاً للجثث. ما أطولكِ يا دقائق الانتظار...
الموعد من السادسة إلى التاسعة من ليل الجمعة، اللقاء سيتمّ في مكانٍ يُدعى الجلجلة أو الجلجثة على سفوح أورشليم التي ستكون مظلمة بذلك الوقت، هناك تواعَدْنا عبر هواتفنا الجوّالة، لأنّ الموعد يجب أن يتمّ، والصلْب يجب أن يتم، لماذا؟ ..لا لشيء، إلا لأنه مكتوبٌ في الأسفار المقدّسة. ذهب كلٌّ منّا لوحده،...
عندما أرسل نزار قباني رسالته الشهيرة من تحت الماء، وصدح بها عبد الحليم متغنّياً بكلماتها، إني أتنفّس تحت الماء، إني أغرق، كانا كلاهما على البرّ. وتهيّأ لنزار إنه غاص في البحر، وتذكّر وهو يهوي إلى قاعه الفكريّ بأنه لا يعرف فنّ العوم، وظلّ يردّد، إني أغرق، إني أغرق، منتظراً من حبيبته أن تنتشله من...
كل شيء في غير مكانه، هذا ما تبدّى لي ويتبدّى، وكل نقلة لعبتُها من أحجار الشطرنج اكتشفْتُ غلطَتَها متأخّراً، ولن ينفع الندم لأنّ اللعبة مستمرّة. وحتى في محيطي تقع نقاطي التي أرشقُها على غير حروفها، فيقرؤون تعابيري بمعانٍ غير مقصودة، وقد يسيؤون فهمي، وأعتذر لأصلِحَ ذات البَين، لكنّ بعض البين...
سَمَاعُ صوتِها على الهاتف أعادني خطفاً لعشرين سنة وأكثر من الذكريات، يوم كانت لي بمرتبة العشيقة الفضلى، بل وكانت مشروع الزوجة الحتميّ الذي ينتظر ساعة الصفر للتنفيذ، بعد حلحلة بعض العقد المستعصية، وكنّا كلينا واثقَين كلّ الثقة بأننا وبما يُسمّى الحب الطاغي سنتجاوز التعقيدات المجتمعية الضّحلة...
أعلى