المتوكل طه

... ومات أبو فيروز، ذلك الرجل الذي جاء جريحًا وحيدًا إلى قريتنا، عشيّة النكبة، فقد وقعت قنبلةٌ على اللاجئين الذين خرجوا من يافا هربًا من المذابح، فَفقد أبو فيروز سَمعَه، إذ فجّر قيزان القنبلة طبلتيْه، مثلما مزّقت عائلته برمّتها. كان لأبي فيروز بدلة سوداء، تبذّ أيّ طقم رسمي أو "تاكسيدو" يتزيّن...
كنتُ على الزِّئبقِ صورةَ رجلٍ ، يتَزَيّا بالعينينِ الثاقِبَتينِ... ولم أرَ نَفْسي! لا أعلمُ! لكنّي مثل هواءٍ يدخلُ في كلِّ الغُرفِ، وبين الأشجارِ، وأبحثُ عن صورةِ شخصٍ ضاعَ قديمًا منّي. وبحثتُ لعلّي ألقاهُ هنا، أو بين الغيمِ، وفوقَ البَرْقِ، وتحتَ البحرِ، وفي النّرجسةِ الذهبيّةِ، ثمّ سمعتُ...
أكتبُ لأمَزَّقَ ! مثل الخالقِ أُحيي وأُمِيت. قد يحملُ أحدٌ أوراقي للنارِ، تمامًا، مثل نهايةِ كلِّ روائيٍ، مَثّالٍ، رسّامٍ، زِريابٍ، قَصّاصٍ، ساحِرْ... وحتى لو ظلَّ قليلٌ من مِزَقِ الصفحاتِ، سيلقيها العاملُ في جوفِ الحاويةِ، كما نحنُ الآن بقلبِ الأوساخِ... فأين الجَنّةُ كي أودِعَها...

هذا الملف

نصوص
3
آخر تحديث
أعلى