إنْ كان الموت حقًا أم باطلًا، فإنّ رحيل طيب تيزيني يُثير الحزن بشدّة، كما أثاره قبل فترة رحيل صادق جلال العظم، لأنّ غياب هذين العلمين يثير فينا، نحن الذين ما زلنا أحياء، مشاعر اليُتم، لا لأن الحياة أصيبت بالعقم جرّاء غيابهما، بل لكونهما مثَّلا، إلى جانب كبار المفكّرين السوريين، عبد الكريم...
في الكتابة عن هذا الموضوع يتعين علينا أولاً أن نثبت حقيقة لا سبيل إلى الشك فيها، وهي الإقرار باختلاف الحضارات والثقافات، وخصوصاً بين الإسلامية العربية والأخرى الغربية. ولكن هذا الاختلاف أمر طبيعي ولا يُضعف مصداقية المسألة. لكن هنتنغتون يتحدث عن اختلاف ذي طابع إبيستيمولوجي (معرفي) بين النمطين...
أبي، أينما تحركت في المنزل أراكَ وأشعرُ بك..
في غرفة الجلوس حيث كنتَ تجلس وتتكور على نفسك في زاويتك المفضلة، ومثل طفلٍ يمسك دميته المفضلة كنت تمسكُ كتاباً تقرأه، أو تشاهد الأخبار على التلفاز وعيناك تفيضان بالحزن والدموع
في المطبخ حيث كنتَ تدخل محمّلاً بأكياس الخضار والفواكه والخير يطفّ من يديك...
وما كان قيس هلكه هلك واحد = ولكنه بنيان قوم تصدعا
لعل هذا البيت الخالد يصدق كثيرا على الراحل الدكتور الطيب تيزيني-رحمه الله- كما يصدق على القليلين من المثقفين من أبناء أمتنا العربية الذين صدقوا ما عاهدو الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، لقد عرفت الدكتور الطيب كقارئ...
كنّا مجموعة طلاب دراسات عليا في جامعة حلب، نتحدث بأصوات مرتفعة مع أحد الأساتذة، ونغلق الممر أمام القاعة برؤوس منفوخة خيلاء، وكأننا سنقلب النقد والدراسات الأدبية رأساً على عقب ونأتي بما لم تستطعه الأوائل، عندما ظهر عجوز صغير البنية قصير القامة بشعر أبيض وحقيبة جلدية عتيقة، وبهدوء لا نظير له راح...
سبق لي أن اخترت مقاطع منتقاة وبقصد من كتاب د. طيب تيزيني " من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني " ووضعتها على صفحتي دون أي تدخل من قبلي ، إِنْ بالشرح ، أو بالتعليق ، وواضح لمن قرأ تلك المُجْتثّات أن د. تيزيني قد تنبأ منذ عام 2000 باحتمال اندلاع النار في سوريا ، وأنه حدد بشكل قاطع الأسباب...
( مقدمة قابلة للتجاوز )
بمثل هذا العنوان أعلاه الباحث عن الدكتور تيزيني ، أو قريباً منه ، كتبتُ مقالة نُشرت منذ أكثر من ثلاثين سنة ، اعترضتُ فيها على عقد ندوة في دمشق ، برعاية جريدة "الثورة" السورية ، تتناول كما هو مُفترض العلاقة الجدلية بين تراثنا وواقعنا ، ولم يُدْعَ إليها الدكتور طيب تيزيني...
( لا أملك الكلمات المناسبة لأشكركم على كل هذه المحبة الغامرة، وهذا الوفاء للطيب التيزيني الحبيب.
أعتذر عن عجزي على الرد على كل الكلام الطيب الذي يقال بحقه، والرسائل المعزية، فما زالت الصدمة تهز كياني، والحزن يكبّل يدي، ويصعب عليّ تصديق ذلك. لم يكن أبي فقط كان أباً لكل من يعرفه، وكان شجرتي...
حاولنا في المقالات الأخيرة تبيان ما تتحمله فكرة أو أفكار الحضارة العربية من استخلاصات منهجية. وفي عصرنا الذي يقدم نفسه كحصيلة للأحداث العظمى التي مرت على التاريخ العربي، فإن هموم العالم العربي «ممتزجة» بما واجهه من صعوبات واضطرابات وانكسارات. وعلينا أن نشير إلى أن مثل هذه البنية المركّبة الخاضعة...
ثمة ملاحظة تاريخية منهجية يُستحسن التقيّد بها في حال التحدث عن ظاهرة منصرمة، ولم يبق منها سوى ما يوحي بها كظاهرة منصرمة، وهذا ما يفرض علينا القيام بعملية مركّبة ربما تُعيد ترتيب عناصرها على نحو يعيد لها وحدتها وكينونتها، كما تشكّلت في سياقها التاريخي.
وبالطبع، فإن ذلك قد يجسد عملية معقدة، خصوصاً...
إذا كانت مسألة الحداثة والتنوير تجسد حالة تاريخية مشخصة، فإنها حالة مفتوحة وفق خصوصيتها المحددة اجتماعياً وتاريخياً، وتخرج من كونها حالة عامة ذات حيثيات عمومية مفتوحة، ومن ثم نجد أنفسنا أمام حالات عدة تتصل بالحقول الإنسانية المجتمعية التي تظهر وتبرز فيها المسألة المذكورة وفق ما تسمح به الأوضاع...
هناك محاولات لإيجاد استراتيجية للبحث العلمي في تاريخ الفكر العربي الإسلامي انطلاقاً من خارجه، وهو أمر يحرّف البحث عن سياقه الحقيقي.
ونلاحظ هنا أن المسألة المركزية الأولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلت في إشكالية السلطة؛ تأسيساً وانتقالاً واستمراراً. وقد برز التجسيد الأول على هذا الصعيد...
ما من باحث إلا ويستخدم آلية «التأويل»، خصوصاً حين يجد نفسه أمام واجب علمي يضبط بموجبه القراءة حرفاً ودلالة واحتمالاً، لكن ينشأ التعقيد والحساسية حين يكون أمام القداسة. ونستطيع متابعة احتمالات أخرى وفق واقع الحال، مما لا يُعد ولا يُحصى أو لا يُفصح عنه. وأهمية التأويل تتعلق بكينونة المسألة...
يعيش العالم العربي حالياً مرحلة قد تكون طريقاً إلى التصدع، إن هذا الاقتراض راح يتعاظم مع تعاقب الأيام السوداء، التي قد تكون أصبحت المعصم الحاسم في حياتها، فهي ليست أياماً سوداء فحسب، وإنما هي كذلك متاريس تأخذ مداها نحو تفكيك الوطن المعني، هذه المرة تفكيكاً لا يتوقف.
والمفارقة العظمى، التي تنسل...
تزداد الاضطرابات في المجتمعات العربية الراهنة على نحو يهددها، بصيغة جارفة أحياناً، ومن مظاهر ذلك بروز الشارع العربي بعد فترات متباعدة من الركون والسكون الحذرين. والسبب الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في أن المنتخبين ينتمون إلى شعوب تتسم بسمة خاصة وملازمة، وهي أنها شعوب عربية ستبقى أمداً من الزمن خارج...