لم أكن أؤمن بذلك القفص البلاستيكي الذي تروِّج له بعض صديقاتي في الخفاء أثناء جلساتنا في العصرية.. أو ذلك القيد الذهبي الذي ألمحه يومض في عينيّ أمي الشاردتين بي، وهي توشوش قريبتنا.. أو حتى بـ “الموت فوق دفاتر أشعار” أحدهم.. كل ما آمنت به يومها كان عبثًا بالنسبة لكل هؤلاء..!
غابت الوشوشة لتصدح...
لفَّتْ جسدها الصغير بعباءة سوداء، أخفتْ شفاهً متشققة وأنفاً مُلتهباً تحت وشاح بالٍ، حامت حول المبنى بإصرار، دلفت بهدوء وحذر، أوغلت السير، تنقـَّـلت بين المكاتب دون أن تحصل على ما تنشد، البرد ماردٌ يطاردها في الأروقة، الجوع ضار ٍ ينهش أحشاءها، التصقت عباءتها الرثـَّة بحائط علي العجوز بائع...