صابر رشدي

كل ما فى الغرفة وثير ومؤثث على نحو مبهر ومبالغ فيه ، جميع القطع المرصوصة بعناية تتألق ببذخ واضح لا تخطئه أعين الناظرين ، ربما غاص الزائرون في مقاعدهم وراحوا فى استرخاء لايستطيعون معه التحاور عن تلك الاشياء التى جاءوا من اجل الحديث عنها، فجميع مايحيط بهم يدعو الى الاستهانة بالاخرين والقضاء على...
كان الميدان يئن تحت وطأة ظهيرة قائظة، ورطوبة لاتحتمل، فشمس أغسطس تتعامد فوق المبانى وأسفلت الطرقات، تلهب رؤوس البشر وكافة الأشياء . رغم هذا، كان هناك بشر كثيرون، وحركة دائبة، وثمة رجل يمشى بطيئا فى هذا الزحام، جذبنى إليه المعطف الصوفى الثقيل الذى يرتديه فى هذا التوقيت من العام . كان يمشى وحيدا،...
البنت االجميلة، التى لا تزيد عن تسعة عشر ربيعا، قوامها النموذجى مخفى عن عمد مدروس تحت زى يحاول طمس هذا التكوين السحرى وطمس أنوثتها. كانت تحمل حقيبة متوسطة، وبين يديها ألعاب صينية. وقفت قبالتنا. - مساء الخير. - مساء الخير . قمت بالرد، فهذه عادتى مع مندوبى المبيعات . بادرتنا با لحديث عن بضاعتها،...
الطعام كان شهيا وأنا أمضغه بتمهل، شاردا كعادتي وراء حكايات متصارعة تدور في ذهني وتلغي كل المرئيات حولي، مع ذلك، لمحته وهو يلج المكان مترددا، حذرا. ثم وهو يجلس بهدوء إلى إحدى الموائد، طنين الأفكار يشاغلني، ويطغى على صوت الموسيقا المتصاعد كأزيز جنادب لاتعرف التوقف . كنت وحيدا، متروكا في عزلتي،...
لمحته قادما، يمشى منفرجا، بتؤدة وتمهل، ممسكا بمقدمة جلبابه الفضفاض، مباعدا به عن نصفه الاسفل، كنت اظنه شخصا آخر، رجل مسن ضارب فى شيخوخته، فهو، عادة ، يسير متقافزا، ويجعلنا نلهث وراءه، مثل طائر رشيق، مع اقترابه لاحظت عليه انحناءة بسيطة، وأنه يباعد بين ساقيه، متألما مع كل خطوة، حتى توقف امامى...
من حين إلى آخر ،كان يذهب إلى بيت الزواحف ، لاينطلق سوى فى اتجاه وحيد اعتادت عليه قدماه ، هو قاعة الثعابين ، يلج هذا المكان ذا الضوء الخافت ، والهدوء المريب ، شاعرا بهذا التيار الخفى الذى يسرى فى أجواء القاعة. إنه إحساس مقبض يخترق أعصاب بعض الحضور ، الذين يتجمدون أمام الصناديق الزجاجية وهم...
كنت جالسا مع جمع من الأصدقاء، نثرثر فى أشياء فارغة, حتى لمحته يقترب منى, ويسحبني بيدي ـ تعال معي . مشيت إلى جواره فى هدوء، مستجيبا له، لم يكن أريحيا مطمئنا كعادته. ثمة انكسار، وأسى دفين، يطويه بين جوانحه، كان يبدو متأثرا وحزينا، هذا ما ألاحظه عليه منذ فترة غير قصيرة ـ أنظر إلى هذه الباحة ! قال...
لا شمش ولا قمر ، لابحر ولا نهر ، ، لا وردة و لا سنبلة ، لا جبل ولا سهل لاوجه ولا جسد ، لا شئ ، لا شئ تطل عليه عيناك المطفأتان . ولدت بين نور ، و فراش لين ، ، لكن الضوء ، كان ينسحب من حياتك ، رويدا رويدا ، يهرب من مقلتيك ، هاربا الى قلبك ، ماتفقده امامك تجده داخلك ، كنت تر ى مالم نر ، تبصره ،...
قط يطارد قطة فى مداخل البنايات، على الدرج المظلم، فوق الأسطح المهجورة، والأنثى لاتستقر قبل مرور ساعات طويلة، ربما تستسلم على مضض، على تخوم مدينة أخرى، بعد جرى متقطع لعدة أميال. حينها، يتقدمان، كغريبين، أجبرتهما الطبيعة على أفعال غير ضرورية، شطح بلا شوق ولا رواء، فعل معذب. يتفرقا بعدها بجدية...
تخبرنى، بنوع من القلق، عن اشياء غريبة، تقول وهى تدارى حرجا بالغا. _ لا أخاف دخول المطبخ! رنت ضحكتى قى الفضاء. قلت مندهشا _ ماذا؟!! لكنى تذكرت، من الفور، هذه الأفكار السوداء، التي تخايل النساء عند وقوفهن أمام احواض غسل الصحون، والحوارات الداخلية المتشائمة، وتوترهن هناك بدون اسباب مفهومة. انكمشت...
الولد الشاحب، مطفأ العينين، المخدردائما بأحلامه المحرمة، كان يجلس بالمقعد الأخيربغرفة الدراسة، مشتتا، وشبه غائب عن الوعى، كفيلسوف للغرائز المحتقرة. كان وجهه يضئ مرة واحدة فى اليوم، فقط، عند حضورمدرسة اللغة الإنجليزية، تلمع عيناه بالفرح المفاجئ، والإنتعاش المخالف لطبيعته. إنه يجلس وحيدا بعدما هرب...
كان يذوى يوما بعد يوم ، يتلاشى متحولا إلى شبح ، كنا نلاحظ ذلك بسهولة ، ربما لانه الوحيد بيننا الذى يملك جسدا عفيا متناسقا ، وعضلات مفتولة ، تبرز بدقة تحت تي شيرتاته الضيقة التى يرتديها متعمدا ، كان الذبول يضرب ملامحه أيضا ، ويطفئ هذا البريق اللامع فى نظرات عينيه ، لم نكن نعرف سببا قويا وراء هذ...
زحام وصخب وتفاهات يومية تمتصّ من العمر، وتجعل مرور الزمن أمراً مقضيًّاً، تجعله يمرّ سريعاً وبلا ثمن في صيرورة تتشابه فيها الساعات المتبخِّرة وهي تتضافر بكل ما هو سخيف وسطحي، هي أشياء كابية، إحباطات لا حصر لها قلَّصت لديه مساحة الأمل، وجعلته يبحث عن ركن يأوي إليه، يعيش داخله لحظات من التأمُّل...

هذا الملف

نصوص
88
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى