عبد الهادي شعلان

فتح حارس المقبرة الباب، رائحة الموت كادت تعيدهم للمقهى مَرَّة أخرى، فللأموات كرامة و الوقت ليل، و لكن عناد خلف و إصراره على أن يستمر ( الهزار ) قلبها جد و مجلسهم: غاية الانسجام والأنس ككل يوم على المقهى المواجه للمقبرة، حَتَّى أنَّ المارة يحسبونهم سكاري، لأنَّ قهقهاتهم تصل لجدران القبور. وما...
إ سحبها إلى مقبرة فرعونية.. نعم تحبه.. لو لم تكن تحبه لما أعطته أي شيء. اليوم، قلَّما يأتي أحد لمشاهدة المقابر. صمت قاتل. طنين الذُّباب هنا عال. دارا في غرف المقبرة يشاهدان (التصاوير) على الجدران (بنات فرعون في الحمام) استيقظت في داخله أشياء نائمة. اخترقته نظراتها وهو يحدق تحت...
للصَّوت صوت آخر في أذني لا يفارقني. أسمعه آتياً من كل ركن في الشَّقة، منبعثاً من مرتبة السَّرير، معششاً تحت طلاء الجدران، متسرباً داخل مصباح النَّجفة، نائماً في أواني الطَّعام، محبوساً بين شحم أذني – الذي تراكم بسبب عدم الغسيل من مدَّة طويلة – والطَّبلة. رُبَّما تكون حبسة الصَّوت بين الشَّحم...
أحاول أنْ أفسرَ ما حدث، فلا أجد له تفسيراً، ولا أتمنَّي أنْ أجد له تفسيراً. كل ما أتمناه أن تعود اللحظة بكل ما فيها.. برغيف العيش والملح والغرفة العارية، ممزقة الطلاء. تعود بذهاب أموالي وأحوالي التي أنا فيها الآن. فطعم عصير الليمون في فمي حَتَّى الآن مقطوف من فِردوس الكون. أنا الْمَاء، أحتضنها...
شارع الفراعنة متشح بالسَّواد وأنا مرهق، تردد الهمس " بس....بس" خُيِّل لي ما بعد قميص نومها. اشتبكتُ بعينيها المغموستين في كلام مربوط. بتوتر، رفعتْ قضيباً من قضبان الشِّباك. أذهلتني حين مدَّت يدها تطلب دخولي بدمعة في قلب العين. وجهها جميل ممسوك تحت طبقات شمع غرفة بلا ضوء. فَرَّت دمعة القلب...
عبد الهادي شعلان- رَشاش الْمَاء حرارة الجو تنفذ في نخاعة فتهدّ جسده هدَّاً. ارتمى على المقعد اللَّيِّن لعله يمتص أشعة الكسل المخزونة في جسده. نزع قميصه وألقاه فداعب الهواء حبات العرق المتناثرة على جسده فنشط من عقال أسلمه للُزُوجة باردة اجتاحت خلاياه. نهض في تراخ صوب الحمام ليزيل تراكمات...
ببطنها المنتفخ، نزلت تشتري ملحاً للطعام. عندما رآها وفيق الحلواني اندفع نحوها عارضاً عليها أنْ يحضر لها ما تريد. شكرته. نَهَر الحلواني العيال الثلاثة وهم يتقاذفون أمامها بالكرة الشَّراب المنبعجة. ابتسمت من رعبهم الطفولي... من وراء الشيش كانت تنظر إليهم وتتحسس بطنها. تمسح بعينيها الشَّارع الملعب...
عيناها متوترتان، ساهمتان، لا تتزحزحان عن الفتحة المؤدية إلى سلم الطائرة. طار قلبها عند رؤية انحناءة جسده، قبل أنْ يعتدل. هبوطه لدرجات السُّلم: قفزات قلبها خارج جسدها. "لك وحشة يا عفريت" لحظات عبوره الممر الضيق بالحقائب كلابيش تطوق عنقها، تحبسها في غرفة غاز أعصاب توتر جسدها كله،...
الدودة الحية الكبيرة سأضعها في منتصف دائرة فخاخي، ثم أذهب بالبندقية أصطاد العصافير بالرش الذي تعطيه لي أمي. هي تعشق العصافير المشوية, تدسها في الأرز وتظل تمصمصها بلذة. أنا أصطاد العصافير ولا أحب أكلها. سأنتظر تحت الشجرة فرحا بتحليق العصافير في السماء. أغني لها “ذهب الليل, طلع الفجر, والعصفور...
تأتيني جسدا طيفا, فأحكم باب غرفتي الظلام وأستلقي على السرير. ترقص بثوب فضي شفاف, تكشف جسدا مضاء من داخله بمشكاة بنفسجية، وأتجرد قطعة قطعة مع اهتزازها. تقترب فأشب إليها وتكمل طقسا غنائيا مصحوبا بطبول إفريقية تثير تفاصيلي. تشير فأقوم, أرقص معها وحواليها أحاول احتضانها فتهرب للشاطئ وترشرش الماء علي...
أنفخ، فأعيش مع حورياتى وملائكتى، ألملمهم على شاطئ بحرى المالح.. نغنى، نتقافز على الرمال، أُدْخِلهم سفنى الفضية اللامعة، أكون أمير البحار وملك الملائكة.. أنزلهم قاع بحرى فتجتمع بأمرى أسماكى الحلوة الملونة.. تأتينى عروسة بحرى ترقص وتغازلنى، أطيرهم للسماء، أريهم الملكوت وسحر عالمى الأزرق الربانى...
حين تجيئني الأزمات أفتح قلبي لأستخرج فستانك الذي تركته عندي قبل رحيلك. أريحه فوق سريري, أتنفس منه عطر جسدك وأحتضنك يا نعمة الروح فتدفعينني بحنان رقيق وتقولين “لا, ليس الآن”. أقوم وأدور معك في منتصف غرفتي, أراقصك مع الموسيقي التي سبحنا عليها من زمن. تطيرين فرحا وتعلنين أنك تحبين أشيائي البسيطة...

هذا الملف

نصوص
12
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى