نشأت في بيت أكثر ما فيه الكتب، فقد كان أبي المرحوم أحمد تيمور ولوعًا بجمع ما تمخضت عنه القرائح العربية في كل علم وفن، ولا يكاد يدع منها مطبوعًا أو مخطوطًا في الشرق والغرب.. ولعله كان بالمخطوطات أشد ولعًا وحرصه على اقتنائها أبعد مدى...
ومرت الأيام تباعًا، والخزانة التيمورية - التي تحتل الآن...
كان الفن القصصي في نهضة أدبنا الجديد أطيب ما أثمر وأينع في إنتاج الأدباء المحدثين؛ ولا ريب في أن القاص المصري المشهور محمود تيمور كان سباقاً لمغارس القصة ومجانيها، ولا يزال في طليعة أدبائها الذين توفروا على إنشائها وممارستها على ضوء القواعد التي اجمع على مراعاتها قادة الأدب وأهل الفن.
إن في قصص...
ظاهرة في فن محمود تيمور تتكشف للناقد الذي يتتبع آثاره القصصية بعين لا تنام، فهو في آثاره الأولى غيره في آثاره الأخيرة. . . ولو تناولت إحدى قصصه الطويلة أو القصيرة في بدء حياته الأدبية، لرأيتها تختلف اختلافاً واضحاً عن مثيلتها فيما يكتب من قصص في هذه الأيام. قصاص اليوم يختلف عن قصاص الأمس؛ يختلف...
الإنسانية في القصة لا تكبر أو تصغر بما تحفل به من نوع الشخصيات وطراز الحوادث، وإنما تقوى الإنسانية في القصة بمقدار نصيبها من الصدق في تقمص المشاهد والمرئيات، سواء أكانت حيواناً أم جماداً أم من النبات، وسواء أكانت من سنة الطبيعة أم من الخوارق والمعجزات والأساطير.
فما دام الكاتب يتقمص الموضوع،...
(تحية للأستاذ يحيى حقي)
في أصيل يوم من الأيام، كان (الشيخ حابي) في بستانه الصغير، أمام داره المتواضعة، يتعهد تخيلاته ويستريض. فاسترعى انتباهه خفق أقدام، فالتفت نحو مصدر الصوت، فإذا بفتى يسير صوبه، وهو يدفع - في جهد - قدميه المتعبتين، وقد علاه الغبار، فاختفت ملامحه؛ بيد أن الناظر إليه يستطيع أن...
حين مات عنها زوجها، وزفت ابنتها الوحيدة إلى عروسها من بعد، تخلّت هي عن مسكنها في العاصمة، واختارت لها شقة صغيرة في ضاحية «الزيتون»، فكانت تحيا هناك في شبه عزلة، لا مؤنس لها إلا ذكريات أيامها الخوالي.
ولعل ذكرى واحدة بين ركام ذكرياتها المختلفة، ذكرى فريدة غالية، هي التي احتلّت من نفسها أعز مكان...
كنتُ وصديقى "عزوز " إذا طالت جَلْستُنا في القهوة، ورغبنا في تناول العشاء، قصدنا "مطعم فورفاتلي " بشارع "عدلي " ...نفضله على سائر المطاعم ـ بالرغم من صغره وتواضعه، لعنايته بإعداد بعض الألوان الإيطالية الأصيلة. وأعلن "السنيور فورفاتلي " أنه سيحدثُ انقلاباً في مطعمه، يتناول كل شيء فيه بالتجديد...
إني على يقين بأن العمل الفني إذا توافر له جوهر الأدب من إثارة العاطفة، ومنادمه الوجدان، ومن تناول العناصر الحية في المجتمع البشري، ومن تصور النزعات النفسية النابعة من موارد إنسانية أصيلة، فإن هذا العمل الفني صالح لأن يكون شعبياً يستمرئه الناس على اختلاف مراتبهم من المعارف والمدارك؛ وأنهم...
جرى الاصطلاح بإطلاق صفة (الشعبي) على الوضيع والرخيص أو ما دون المستوى الرفيع.
نقول: فكرة شعبية، أي أنها مشوبة بمطاوعة الأهواء والنزوات، لا سلامة فيها ولا سداد.
ونقول: نكتة شعبية: نريد أنها لا تخلو من تبذل وإسفاف.
ونقول: طعام شعبي، نعني أنه ساذج في مظهره، غير متقن ولا مستساغ.
ونقول: ثوب شعبي،...
يجمل بي قبل الشروع في الموضوع أن أشيرَ إلى أن الكتابةَ القصصية يجب أن يتوافرَ فيها ركنان: الأولُ: الموهِبة، والآخر: جريُ القصة على قواعدَ وأساليبَ متعارَفة. شأنها في ذلك شأنُ الشعر، لابد من توافر ركنين فيه: الشاعرِية، وصحةِ النظم
ومما لا جدالَ فيه أننا قد نجد الشاعر الموهوب، أعنى من يَلْهم...
ذهبت إليه، وسألته أن يعطيها الكتاب الذي وعدها به فوقف هنيهة يفكر: أين وضعه؟. . . ثم تمتم:
لعله في حجرة البيان!
وتقدمها إلى الحجرة، فدخلاها. إلا أنها تنبهت إلى شأن غير عاديّ بدر منه. لقد أقفل الباب بالمفتاح!. . . فتسارعت دقات قلبها، واختلست إليه النظر، فوجدته قد اتجه إلى الخزانة، واندفع يقلب...
تلقيت يوماً دعوة من إحدى الهيئات العلمية، ولا أدري متى جرى ذلك على وجه التحقيق. وكانت الدعوة لسماع محاضرة لغوية لبحّاثة معروف، سمعت به؛ ولكني لم أره بعد.
فذهبت، وقد تخليتُ لهذا المحاضر صورة تتفق مع موضوع محاضرته. . . رجلاً أشرف على الخمسين، بشارب مهدَّل، وعينين مجهودتين، وصوت متآكل. فما كدت...
حدثني صديقي، قال:
منذ عشرين عاماً كنت أسكن جهة درب سعادة. ذلك الحي القديم ذو الشارع الضيق والمباني المتزاحمة الأثرية. وكنت إذ ذاك في التاسعة عشرة من عمري أحضر لإمتحان الشهادة الثانوية. وفي أوقات فراغي كنت أجلس أمام البوابة أتفرج على الرائح والغادي. وكان يمر أمام الدار (من وقت لآخر) شيخ بملابس...
حدثني الراوي قائلاً:
عندما كنت طالباً في مدرسة الزراعة بالجيزة كنت أتردد في أوقات فراغي على قهوة صغيرة بالقرب من الشارع العمومي يجري بجوارها جدول صغير وتتهدل فوقها أغصان شجرة عتيقة. وكنت أعتبرها حلقة الاتصال بين الحضر والريف أو بين المدنية والحياة الساذجة البدائية. فبينما تكون جالساً في مقعدك...
الأصل في الديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لا رئيس ولا مرءوس، ولا قاض ولا محكوم؛ فقد ابتدع بعض مفكري الإغريق هذا النظام كأنه حلم خيالي لتحقيق العدالة، وإيجاد نوع من المدينة الفاضلة، حيث يعرف كلُّ حقه لنفسه، ويؤدي واجبه لغيره، فيرتفع الظلم، ويعيش الناس أخواناً
وقد تطور هذا المعنى للديمقراطية...