كان الإنسان رحالة قبل أن يكون ذا وطن: كان يهجر جماعات جماعات بقاع الأرض الشحيحة ويقصد أصقاعها الخصيبة ووديانها الكريمة، طلباً للقوت والتماساً للغنم؛ فلما استقر في الأوطان والمساكن لم يستغن في حياته عن الرحلة، بل ظل يحفزه إليها ابتغاء الرزق تارة، وحب الاستطلاع والمتعة أخرى، وشهوة الغلب والفتح...
البطل فرد يمتاز عن غيره من أفراد مجتمعه بمواهب عقلية أو خلقية أو جسدية، يظهر بها بينهم وينال من أجلها إجلالهم ويبذلها في خدمتهم ويتولى قيادتهم في معترك الحياة ردحاً من الزمن، ويترك في تاريخهم أثراً يطول عهده أو يقصر؛ فالبطل لا يكون إلا في مجتمع، وهو عادة نموذج لصفات أبناء ذلك المجتمع ومثل أعلى...
حب الحياة كائن في طبيعة كل حي، والرضى بها والاطمئنان إليها والإقبال عليها شيمة جميع الأحياء مادامت بنياتهم صحيحة وحاجاتهم حاضرة، والمرح واللعب غاياتهم الأخيرة مادامت غرائزهم مقضية اللبانات مشعبة المطالب. ولما كان الإنسان يمتاز بالخيال والفكر فإن له مطالب نفسية غير مطالب جسده الغريزية؛ يرضى...
إذا ما استقر الإنسان في موطن آمن، وارتقت عقليته، لم يعد يكتفي بتوفير حاجاته الجسدية واتقاء قوارع الطبيعة، بل بدأ يفكر في نفسه ومنشئه وغايته؛ لم يعد يكتفي بقبول الحياة على علاتها ومداراة غوائلها، بل راح يتساءل عن ماهيتها وغايتها وما بعدها، وأجاب عن تساؤله ذاك بما تتيح له عقليته البدائية من...
من أقوى الدلائل على حيوية أدب أمة وصدق ترجمته عن المشاعر الإنسانية احتفاء الأمم الأخرى به، وعنايتها بدرسه، وتأثرها بنتاجه، واصطناعها وسائله، واشتهار فحوله بينها؛ فإن الأدب إذا كان حياً صادق التعبير عن النفس الإنسانية، عميق النظرة في مشاهد الكون، تخطى حدود أمته واجتاز حوائل اللغة والتقاليد...
الجمال هو مادة الفن، والتأثر به هو وحي الأديب، والتعبير عنه هو رسالة الأدب، سيان جمال الطبيعة والجمال الإنساني؛ وأصدق مقياس لرقي الأدب وحيويته حسن تعبيره عن الفتنة بهذين الضربين من الجمال، وأدق برهان على رقي المجتمع وصحة بنيته حفول أدبه بالتعبير الصادق عن الشعور الحار بفتنة الجمال في مظهريه...
بداوة الأمة هي عهد طفولتها؛ فيها يكون أدبها ساذجاً على صدق عاطفته، ضئيل الحظ من الفكر المستقيم على قوة شعوره؛ ويشبه دخول الأمة طور الحضارة والثقافة بلوغ الناشئ الحلم؛ إذ تنضج أفكارها ويتنبه وعيها بما يحيط بها من مظاهر الكون ويزداد تأملها فيها واتصالها بها؛ ومن ثم يزداد اثر الفكر السليم والنظر...
تبدأ العلوم والفنون الإنسانية كلاًّ مختلطاً كالسديم، فإذا ما ارتقت وتطورت تبينت أجزاؤها وانفصلت، ووضحت أشكالها وتميزت، وتعددت مناحي كل علم وفن، وتوفر بعض ممارسي تلك العلوم أو الفنون على ناحية من نواحي العلم أو فرع من فروع الفن وتوفر غيرهم، كلٌّ يتبع ما هو أقرب إلى طبعه وأوفق لعبقريته وأتمُّ...
للمرأة أثرها البين في كل مجتمع وبالتالي في أدب ذلك المجتمع، بل إن مكانتها في المجتمع وأثرها في الأدب أوضح دليل على مدى رقي الأمة. وأول ما نصادف من فرق بين تاريخي المرأة العربية والمرأة الإنجليزية أن مكانة الأولى تبدأ رفيعة وتظل كذلك حيناً ثم تسير في انحلال مستمر، بينما تاريخ الثانية هو تاريخ رقي...
الخيال - وهو القدرة على انتزاع شتى الصور من الواقع المشاهد واستحضارها في الذهن في أي وقت، والتصرف فيها على مختلف الأشكال والأوضاع - عنصر من أهم عناصر الأدب مهما اختلفت أنصبة الأدباء منه، وهو أسس التشبيهات والمجازات، ولولاه لالتزم الفكر الإنساني الواقع المتحجر أيما التزام.
وللخيال في الأدب وظائف...
التعبير عن خوالج النفس الإنسانية وتأثراتها بمظاهر الكون المحيطة بها هو غرض الفنون جميعاً ومن بينها الأدب. ولا يرقى الأدب إلى مرتبة الفن السامي حتى يكون ذلك التعبير عن المشاعر النفسية غرضه الوحيد، منزهاً عن كل غرض خارجي أو مطلب مادي؛ فإذا خالطه شيء من ذلك هبط إلى مرتبة الصناعة، ولم يعد له في...
تمر الأمم في استقرارها وتحضرها بثلاثة أطوار عامة من أنظمة الحكم: ففي الطور الأول تكون أزمة الأمور بأيدي رؤساء القبائل الرحالة أو القريبة العهد بالاستقرار، وهو ضرب من الحكم أرستقراطي؛ وفي الطور الثاني تتجمع مقاليد الحكم في يد حاكم فرد يوحد أجزاء مملكة ذات مساحة يعتد بها وتخوم طبيعية، وهو نظام...
ليس النقد إلا ميلاً طبيعياً في الإنسان إلى الحكم على ما يحس وما يرى، واختيار الأحسن من ذلك. ونشاط النقد دليل على نشاط الفكر، وهو مصاحب لارتقاء الأدب وانتشار الثقافة في كل أمة؛ بل هو ضروري لتقدم الأدب: يقفه على مواضع إحسانه ويظهره على مواقع تقصيره، ويجلو أمامه غاياته وطرائقه، ويستحثه على دوام...
طبائع الإنسان ومواهبه متماثلة حيثما حل من بقاع الأرض، ومجتمعاته متشابهة الظواهر أينما قامت. تتشعب بين أفراد كل مجتمع إنساني عوامل التعاون والتنافس والتحاب والتباغض والمطامع والمخاوف، غير أن للبيئة أثرها في تشكيل المجتمع الإنساني الذي تحيط به، بما تعرض أمام أبصاره وأذهانه من مناظر ومسائل تحجب عنه...
يكثر التشابه بين أفراد الجنس الواحد في عالم الطبيعة في الطبقات الدنيا من الأحياء، وكلما ارتقى الجنس في سلم الحياة ازداد الاختلاف في المظهر والصفات بين أفراد الجنس؛ وكذلك الحال في المجتمعات البشرية: يتشابه الناس ويتقاربون في المشارب والأغراض في عصور الانحطاط، ويختلفون خلقا وعبقرية في عصور...