جودت جالي

أعود الى البيت ولا يبدر مني إعتراف بأني متأخرة. أعود الى البيت ومثل أي أم صالحة أعد العشاء، وأرتب المائدة، وأطعمهم، وأغسل الصحون، وأضع الأطفال في فراشهم، وأجلس على الأريكة مع الرجل الذي هو شريكي في البيت. أنظر اليه. إنه والد أطفالي، بشعر ملحي فلفلي اللون ووجه مرهق. لم أتوصل الى معرفته أبدا، ولم...
آه ياحبيبتي... أجل. ها نحن نجلس هنا أمام النار، على ألواح أرضية واسعة دافئة فيما يتناول الأطفال طعامهم بيننا جالسين على شكل هلال. أنا والبنت نتقاسم نصف بينت من البطاطا المقلية على الطريقة الفرنسية وأنت والولد تتقاسمان آخر. وفي الوسط، الطفل الرضيع الذي لا يشاركنا شيئا، وقد وُضع في مهده الهزاز،...
تقول اللوحة المثبتة على البوابة "شيان ميشان!"* إحذر. كلب عقور!، و الكلب "عقور" دون شك، فكلما مرت به يرمي بنفسه على البوابة نابحا بضراوة وكله رغبة في أن يصل اليها ويمزقها إربا. إنه كلب كبير، كلب خطير، من نوع كلاب الرعاة الألمانية أو الروت وايلر (هي تعرف القليل عن سلالات الكلاب). عندما يندفع نحوها...
قبل أيام مات (تكليف). أشهد أنه عاش حياته فقيرا، ومع فقره كان صابرا دون شكوى، ودون رضا أيضا. مع ذلك لم تكن حياته خالية من المتع والمسرات التي يحسن التكتم عليها. عندما يكون قد قضى وقتا ممتعا ألاحظ إنشراح المتعة على ملامح وجهه وطريقة كلامه الأكثر مرحا من المعتاد وربما زين مرحه بلازمة كأن يردد بصوت...
قال (ثويني) لعمال المجارف الذين يعملون داخل القبر الواسع: - لا تنزلوا بالحفر عميقا .. أوشكت على الظهور ولا نريد إلحاق الضرر بها. كانت نبرة صوته تشي بما يعتمل في صدره من إنزعاج حتى أنه لم يطق أن يلفظ كلمة جثث. تلفت يمنة ويسرة يراقب العمال وهم يرفعون التراب بمجارفهم ويلقونه خارج الحفرة الطويلة...
أحدثكم عن مجمع الكيف الذي شهد صعودا حينا من الدهر فغدا كأنه مدينة ألعاب ضاجة نهارا ومزدانا بالأضواء الملونة ليلا تملأ الأرجاء منه أصوات الغناء وموسيقى الطرب ثم ضربه هادم اللذات ومفرق الجماعات فصار أثرا بعد عين، وسُلب ونُهب وهدمت بيوته وتفرق أهله أيدي سبأ. شاءت الأقدار لي، حالي حال من ضاقت به...
الى روح الكاتب التركي العظيم عزيز نسين في ذلك المعسكر الصغير المهجور، وعلى أنقاض القاعات التي هدمتها مجاميع من الناس أتت من حيث لايعلم أحد وباعت حديدها وطابوقها ثم مضت الى حيث لايعلم أحد، بنيت عشرات البيوت الشوهاء فبدت مثل رقع مختلفة المساحات، متراصة على شكل صفوف متعرجة، من خلفها ويمينها أرض...
كل ما يستطيع قوله هو أن نظرته اليه كانت نظرة استخفاف.. استخفاف حيواني خالص، استخفاف يمتد نحوه عبر الأمتار القليلة مع برد الفجر من وقفته، المتفرسة، الجانبية، الكالحة، الصنمية. فهمه... تفاهما، وكل في عالمه المتوحد، بتلك النظرة المخيفة التي كان يوجهها اليه، بسماجة الغريزة وثبات الوحشية. كان ضبعا...
أطل بلال برأسه على الفِناء مرهفا السمع. أحس بالهواء المعتم المتخم بالأنفاس وروائح البيت الرطبة، يتصاعد ، يلفح أنفاسه دفقات، ويحيط برأسه كثيف الشعر، أشعثه، وينفلت في الفضاء مع كل نسمة. أصغى جيدا... لا شيء، لا صوت ينم عن أحد مستيقظ. لا بد له، إذا أراد النزول والذهاب الى الغرفة المجاورة التي تنام...
انشغلت عن أمري بالتطلع الى إغتمام يتهافت من النافذة المحصنة بالقضبان المتقاطعة. إنفراج مطري يهيئ أبعاده للوميض. كنت الوحيد في القاعة. شعرت بالبرد وسط الدفء واقشعر جسدي بين جدران كسيت برفوف خشبية فارغة. حاولت أن أستعيد تفاصيل خارجية جئت منها ضاعت في عتمة الممر الذي يفضي، بعد أبواب وجدران أعلاها...
نعود عصر كل يوم أدراجنا على الدرب الذي يتلوى بأشكاله الترابية بين تلال ومجاري سيول جافة متشققة وبين سماء استنفدت الظهيرة غبرتها وقلقها فبدت جديدة وناصعة غسلتها الشمس بنور مفاجيء. لم نكن مستعدين لتأمل أي شيء مرئي، نحن الثمانية المرهقون من الحفر والدم وعريفنا المرهق من حثنا عليهما طوال النهار،...
كانوا يعطون كلا منا علبة سجائر أسبوعيا، تنتهي خلال يومين أو ثلاثة ونحن آنذاك في معسكر، ربما شغله حراس الحدود سابقا، في مكان منقطع عن كل شيء على الحدود البلغارية مع صربيا. يجهزوننا ببعض الطعام ومستلزمات النظافة، ولدينا من الوقت أكثر من اللازم، نحن القادمون من بلدان عربية وأفريقية شتى، لنقضي الوقت...
لم تغمض له عين طوال الليل ، ولم ينهض من الكرسي الحديدي، وكل ما كان يفعله هو التحرك في جلسته قليلا وتغيير اتجاهها، أو وضع ذراعيه على المنضدة الخشبية وإسناد رأسه عليهما. لم يفتح أحد الباب منذ أن غادر آخرهم بالأمس ليلا. خشي أن يفاجئه أحدهم وهو يتمشى في الغرفة فيكون قد أعطاهم الحجة لتوجيه الصفعات...
في زمن الطفولة حين كنا نلعب على أطراف قريتنا لم يكن يوجد بيننا فرق في الفهم، فإن وجد لم نشعر به، وإنما إختلفت الأفهام فيما بعد. لم نكن نعرف عنه في الطفولة غير رعونة نخشاها وسرعة رضا نستغلها. إختلفنا في النشأة بمرور الزمن، ففي حين تدرجنا في الصفوف الدراسية لم يفلح عبود في اجتياز الصف الأول، بل لم...
أظنك ناقما علي ، وأظنك الساعة ، لما عهدته فيك من غباء ، تستعجل يوم فراقي وحري بك أن لا تستعجله لأنه سيكون ، إذا حل ، يوم ضياعك . مشكلتك هي أنك لا تستطيع العيش بعدي . من يطعمك أو يكسوك إذا مت أو حدث لي مكروه ؟ ما دمت أنا حيا معافى فأنت مطمئن البال ليلك ونهارك ، ضامن لكسوتك وطعامك . أنا وأنت...

هذا الملف

نصوص
19
آخر تحديث
أعلى