ذهب الرفاق
منذ سنين طوال ..
ذهب الرفاق
و تركوا أشلاءهم
و قناني الليالي الفارغات
و قصائدهم المهربة
و كؤوسهم المترعة
بالغياب ..
ذهب الرفاق
ذات صباح معمد
بالاناشيد
ذهبوا دون سابق إعتذار
ذهبوا و خلفوا وراءهم
مناديل وداع
مغتال ...
عبد السلام بنفينة - شاعر ومسرحي مغربي من آسفي
الدخان أذكى من النار
هي تشتعل لتغيب
و هو يخبو
ليشتعل من جديد ..
النافذة المتسللة
نحو الغرفة الموصدة
هي أيضا تنحت في الزجاج
مزامير الدم المكسور ...
الأدراج المختبئة
خلف الخطوات
هي أيضا
مثلي
تربي جحافل الندم ..
عيناك تركضان
خلف سراب
و قلبي بيت مهجور ..
قدماك المخضبة
برذاذ الجسر
و نبضي
آيل...
قد تجوع القصيدة
وقد تأكل أبناءها
كلما شاخ الغمام ..
على صفحات الملح
بقدمين داميتين
و حلم معقوف
ينحت أسفاره
طائر النحام ..
و قد تقبض على جمر القبيلة
بكف من عطش مقوى
أيها المسافر المفلس
و قد تنزع رصاصات صديقة
من على ظهرك
لتزرعها في حقيبة صدرك
صماما لقلبك المفتوح ..
لكنك
رغم ذلك ..
و مهما سقت...
الشعر يا صديقي مغامرة :
بلح البحر حين يرتشف زبد العواصف
ليحيك طوفا للغرق ..
طائر النحام بساقين معقوفتين
يكتب سيرة الملح ..
رسالة أخيرة في قلادة جندي :
" ذهبت كي لا أعود "
أسير يخوض إضرابا يوميا
عن الأحلام ..
الشعر يا صديقي :
قطيع خرفان
ترعى قطيع ذئاب ..
الشعر معادلة من درجة الانتحار
يا صديقي ...
بساق واحدة، وذراع مبتورة؛ سأغزو العالم..
أتسلق أسوار الشمس،
لأقطف حبة سفرجل
من شجرة العائلة ..
أحارب طواحين الماء،
لأغرس ابتسامة
في شفاه سنبلة..
بساق واحدة، و ذراع مبتورة؛
أركض نحو العطش
و ألوح للمطر...
الحكاية لا تزال معلقة بالمشجب
مثل قفير في الخلاء ..
المشجب صائغ خردوات
و نخاس ملابس مهملة :
ربطات العنق وفية
لتمرينها اليومي
على الانتحار،
السراويل تركض
بجيوب مثقوبة
دون خط وصول،
القمصان المقفعة
شاحبة
مثل أمسيات صفراء،
الجدار ظهر القصص
المقوس
بندوب الندم،
الغرفة المظلمة
مختبر تصوير
مصاب بعمى...
للنقطة الأخيرة
التي أفاضت
كأس الموت
للقشة الأولى
التي قصمت
ظهر الجبل
لكل المداشر
التي حفظت
اسماء الضوء
عن ظهر قلب
لكل المغيبين
المبعدين
لكل المغربين
لكل السجناء
للمحكوم عليهم
و المنفيين
للمختطَفين
لكل الموتى
الأحياء
هاهم يعبرون
خفافا
تُرى أي وداع
يليق بك
ايها
الوداع ...
صورة الله
المعلقة
على الجدار
كانت خطأ
غير مقصود
لطالما اقترفته
زوجة جندي
خاض كل حروبه
جنبا الى جنب
مع الوطن
و مات
هي الان تعرض
نياشينه
للبيع بالتقسيط
صورة الله
المعلقة
على الجدار
كانت لبحار
أدمن كل البحار
هو الان ثمل
يبحث بين الرياح
لركبتيه
عن مرهم للنسيان
صورة الله
المعلقة
على الجدار
وصية...
مثل غابة
مثخنة بالفخاخ،
مثل رقعة ملغّمة
بالخسارات ؛
مثل صدر أعزل ..
ها أعترف :
تعبتُ أحرسُ
أحلامكَ ..
أيّها النّهر
الطّريد ..
هَبْ
أنّك النّاجي الوحيد،
أنّك آخر منتصر؛
أنّكَ السّهم الأخير ..
ربّما لديك ما يكفيكَ
من قشّ و غناء ،
لكن ؛
ليس ما يكفي
كلّ
الأعشاش ...
أنا أيضا حزين
مثل الحزن
أو أكثر
أصلّي لأجل
القبور الشّاغرة
أحمل معولي
كل صباح
مثل حفّار
عبثا أدلي
بهوّيتي
في نقط التفتيش
لا أحد يعرفني
لا أحد يريد
أن يعرفني
وحدها ربطة عنقي السوداء
و الطّوابير الممدّدة هنا و هناك
ستنتظرني
حين أعود
و على كتفي
راية بيضاء
حين تقفل المقابر
كلّ أبوابها
و...
أحقا كان عليك أن تمضي باكرا
ذاك الصباح ؟
أن ترمي كل شباكك
ليصطادها كل هذا
الماء ؟
مثل شاعر مخفور بالصدور
مثل رجل دلق حياته
لأجل الموتى الذين
ينتظرون على الطوار
كان عليك
أن ترفع اللحن
الى أبعد زاوية في الليل
و تخفي الدمع في الأكمام
أن تفتح نافذة أخرى
لقيثار عجوز
و تضرم النار في حبل
ليلنا القصير...
الشّعر رقَبة
تحت سيف جلّاد
الشّعر مرمى الرّصاص
في قلب عاشق
الشّعر وجبة الفقراء
الشّعر جُبّة الأغنياء
الشّعر مواسم
الّشّعر طلاسم
الشّعر ماخور
الشّعر دمعة
في عين نهر
يتيم
الشّعر بيت
الشّعر نار
الشّعر دار
الشّعر كُفّار
الشّعر جرائد
الشّعر جرذان
الشّعر بيانات
الشّعر بهتان
الشّعر مالك
الشّعر مملوك...
نكاية في الموت
سأشرب نخب
الحياة
أبني قصورا
من ثمالة الطين
أشيد أحلاما
من نسغ البراكين
نكاية في الموت
سأقتني من بائع البخور
كل الرياحين
أدعو الشعراء الموتى
لحفلة نبيذ معتق
نكاية في الموت
سأستجدي من ضابط الحالة المدنية
توقيعه الأخير
و أراسل فقيه الحي
و سيارة الموتى
كي أناشدهم
أن اعذروا
جسدي...