سقط الشيخ . سقط فجأة مثل بيت قديم . سقط الشيخ إبراهيم الذي كان يركض في حارات وشوارع الرياض القديمة حافيا . سقط أمام بيت أبن جمعان .
كان قادما من سوق الحمام في حراج أبن قاسم كما قال رفيقه . افترقا هو ورفيقه في مدخل الحارة قبل المغرب بقليل ، ولا أحد يعرف ما الذي جرى لكي يسقط هكذا فجأة بلا مقدمات...
في هذا الليل البري البارد والهادئ والمخيف والممطر بهدوء، كنت أسمعه يأتي خفيفاً من بعيد ، كأنه صوت طائر محبوس ، أو صوت لكائن آخر لا أعرفه ، لكنه صوت أنيس يشبه الموسيقى أحياناً، وأحياناً يشبه الرنين البعيد . أسمعه الآن وأنا أرتجف برداً بعد أن ترجلت من سيارتي التي هوت في منحدر صغير وسط براري...
قالت رأيها و مضت , بعد أن ضغطت على جبهتي بطرف إصبعها الدقيق . قالت ذلك بتعبير وجه محايد لكن فيه جمال . كنت في الغرفة أتأمل عين امرأة تبحلق في وجهي المتعب والغامض . عين والهة , عين واعدة , عين حالمة. تشعر أحيانا أن عيون النساء مثل قطعة ليل , قطعة موسيقى , قطعة فن .
كنت أتأملها حين تذكرت الموقف...
لضحى البيت في الشتاء مذاق خاص ورائحة قوية كأني على وشك لمسها. الوقت ضحى ساطع ونور جديد يغمر البيت في وقت لم أره كثيراً وهو يرسم ملامحه المتميزة على الجدران والأرواح . لم أر أشعة الشمس تسقط علينا من هذا الشرق الجميل فتملأ البيت بهذا الضوء النوراني كأنه الفرح يصب في بيتنا.
لم أر أشعة الشمس تسقط...
نهضت في التاسعة صباحاً وذهبت إلى دورة المياه ، اغتسلت وعدت إلى فراشي، كنت على وشك الدخول في اللحاف الدافئ حين رأيت يدا بجانبي تمتد نحوي وهى تحمل ورقة بيضاء ، مددت يدي وتناولت الورقة لأقرأ : نحن مكتب الحقوق المدنية نطلب منك أن تحضر أمام السيد مدير المكتب في العاشرة صباحا .
الآن بقى ساعة على موعد...
في برودة الحجرة الدراسية المكتظة بالأطفال، الرؤوس المسترخية على الكراسي الخشبية تبدو على وجوهها ملامح كسل صريح ، ورغبات عميقة في النوم، تختبئ خلف ستار ثـقيل من الخوف والحزن .
جدران الحجرة صفراء يتساقط جيرها من آثار المطر، ومن السقف تنزل خطوط حمراء لطين جف منذ زمن، وفي الزوايا تبرز شروخ سوداء...
أظافر صغيرة وناعمة
قصة قصيرة . فهد العتيق
مهموم بنفسك والوقت والناس والحياة ، وطابور من الأطفال ذوي القامات القصيرة جداً والأجساد النحيلة كقردة جميلة ، مهموم بأبيك الذي في الشوارع مثل طير منتوف الريش، يركض بكل ما يستطيع من أحلام قديمة ، مهموم بتاريخك منذ الأزل ، بالبحر الذي لم تره ، وبامرأة...
في الفجر يمد نظره نحو مشهد النساء , يقترب من النافذة ، يطل على السوق ، يرى العباءات تتدفق في الشارع الصاخب ، الشارع الضيق الطويل ، حتى إذا ما اكتملت دقات السادسة صباحا ، كانت النساء قد أخذن أماكنهن صفوفا طويلة على جنبات السوق تحت جدران البنايات القديمة ، يتحدثن بأصوات مرتفعة ، ويثرن الغبار حولهن...
قبل أن أذهب إلى النوم في تلك الليلة الغريبة كانت قنوات الفضاء تبعث رائحة حرب تحرير الكويت ، أغلقت هذا الجهاز وأنا أشعر بشيء جديد يسري مع الدم في عروقي. في الطريق إلى النوم كنت حزينا ومبعثرا ، وقفت أتأمل وجهي في المرآة على جانب من سرير النوم. كنت أتوقع بعبث أن صاروخاً تائها عن دربه سوف يخترق جدار...
في هذا الصباح اللذيذ وبعد رحلة مشي طويلة وجدت رأسي راقدا على صخرة كبيرة أعرفها، والأفكار والأحلام والخيالات تسيل منه مثل حليب قديم، فبعد أن دفنته في تلك الليلة الممطرة، مكثت في غرفتي عدة أيام حتى تعبت ومللت، فخرجت أبحث عن الرؤيا وعن روحي، قلت سوف أذهب لتلك المحطة التي كتبت فيها حكاية وقعت...
قلت في هذه الليلة الممطرة: سوف أدفنه بحب في سطح بيتي، ثم أعود له حين تستقر الأمور. سأحمله بهدوء يليق بتاريخه، سأحمله بيديّ مثل طفل. سأدفنه وسط كومة الرمل الرطبة التي صعدت بها للسطح من أجل زراعة الجوري، سأضع في داخله كل هواجسي، أسئلتي، أحلامي، خيالي، أحزاني الضخمة، أفراحي الصغيرة، كل شيء سوف أضعه...
كنت أتمشى في شوارع شمال الرياض وحيدا، والسيارة تسير بهدوء وكأنها تقودني وتختار لي شوارع ومقاهي الذكريات . بينما نجاة الصغيرة تغني عيون القلب سهرانة، حتى وصلني اتصال يقول لي أنه أصيب بجلطة عابرة وخفيفة وأنه الآن في المستشفى. غيرت الطريق وأنا في حال من القلق والأسئلة المعلقة بلا إجابات واضحة، كنت...
هذا هو المغرب سيد الأوقات وصائد الحكايات ، اللحظة الجوهرة ما بين الليل والنهار، لحظة سرية ما بين النور والظلام ، ارتحت فيها قليلا من تعب يوم كامل ، كنت أشعر بمزيج البهجة والحزن مع حالة مزاج موسيقية عالية وجدت أنها تملأ روحي، ومعها كلمات أعرفها تشبه وخزات سرد خفيفة ، وكنت أرى أرواحا حولي تتمشى في...