نظر إلى صورته في المرآة طويلاً. ورغم احتراق أغلب لمبات النجفة التي تتوسط سقف الحجرة إلا أنه لم يفشل في ملاحظة اتساع مساحة البقعة فاتحة اللون علي ياقة سترته الداكنة. تحسس موضع البقعة بأنامله برفق دون أن يكون لديه أمل حقيقي أن تزول. دخلت للحجرة زوجته بخطوات وئيدة حاملةً رصةً من الملابس وضعتها برفق...
كان رئيس الخدم "ستيڨنسون"، بطل رواية "بقايا اليوم"، يحظى بثقة سيده "لورد دارلنجتون" الكاملة. ففضلاً عن ظهوره الدائم بمظهر أنيق جعله أشبه بأبناء الطبقة الارستقراطية الذين أمضى عمره في خدمتهم، كان "ستيڨنسون" يؤدي عمله بنوع من التفاني الذي لا يسمح بارتكاب الأخطاء. وبفضل دقته وأمانته ومراعاته لمصالح...
إستقبله سكرتير العيادة بالحفاوة المعهودة. تبادل معه بعض عبارات المجاملة ونقده قيمة الكشف والبقشيش المعتاد. "ستدخل بعدهما فوراً". قال السكرتير ذلك وهو يشير لرجل وشاب يجلسان متجاورين في ركن بهو الانتظار. لم يكن هناك غيرهما فاطمئن أنه لن ينتظر طويلاً. إتجه لأحد المقاعد الوثيرة المواجهة للنافذة...
كانت ساحة السجن التي تتوسط عنابره الرمادية لا تزال غارقةً في ضباب الفجر. فتح رئيس الحرس نافذة حجرته على مصراعيها ووقف يستقبل الهواء البارد بجسده العاري. بدا المشهد أمام عينيه التي لم تتخلصا بعد من أسر النوم أشبه بحقلٍ يحاول التنفس بعد حريقٍ مدمر. أوقد النار تحت براد الشاي الضخم ثم أشعل سيجارة...
ضمَّ لفة الشواء الساخنة إلى صدره كما تضم إمرأةٌ عاقر رضيعاً باعتهُ لها قوادة. كادت عيناه المذعورتان أن تقفزا من وجهه وهو يسترق بهما النظر إلى وجه كل عابرٍ في الطريق. ورغم خشيته أن تثير خطواته المتسارعة انتباه المارة، إلا أنه لم يقوَ على الإبطاء. فرائحة الشواء المتسللة إلى أنفاسه اللاهثة من بين...
كان في المدينة رجل يصنع أشياءً عديدة. كان يحرث الأرض ويبذر البذور، وكان يشق القنوات لكي يروي الماء العذبُ الحقول. وكان يجري المعادلات الكيمائية ويدون في مفكرة صغيرة ما كان يراه من حركة الأفلاك في السماء مستعيناً بمنظار صنعه بيديه. كان ينسخ المخطوطات القديمة ويرمم اللوحات التي أذهب الزمن ألوانها،...