كثيرا ما يبدو أن قراءة قصة مضى على ظهورها مئة عام أمر قليل الجدوى، غير شيق، لأنها من زمن ولى وغرب، وتطرح قضايا لم يعد لها مكان في حياتنا. لكن الأمر يتوقف على كيفية قراءة ما مضى، وعلى بحثنا عما يمكن أن نستخلصه من ذلك. انظر مثلا قصة" ثريا" لعيسى عبيد أحد رواد القصة القصيرة والتي ضمتها مجموعته"...
تسرح الغزلان في الغابات وتعاشر بعضها بعضا من غير أن تطرح أي سؤال عن تلك العلاقة، أما الانسان المبتلى بالوعي، رجلا كان أم امرأة، فإنه إذا أقام علاقة تساءل: هل هو الحب حقا أم أنها معاشرة؟ فإذا تيقن ن أنه العشق سأل: وهل الحب ضرورة؟ فإذا قلت له إنه ضرورة نظر إليك بتشكك وقال: وهل ينطبق ذلك على...
" ربما "
قصة قصيرة أحمد الخميسي
يمكن القول إنه نسيها، تماما، ولم يعد يتذكرها إلا أحيانا قليلة، في الصباح عندما يقف أمام مرآة الحمام يدعك أسنانه بالفرشاة ويقول لنفسه:" ادعك أسنانك جيدا، ربما تتصل وتأتي اليك فنجلس صامتين نحدق ببعضنا البعض، تتشابك أيادينا بعصبية ولهفة ، وفي غمضة عين قد نندفع بشوق...
توقف بي الميكروباص عند الكيلو 21 من الاسكندرية حيث تصطف السيارات المتجهة إلى القاهرة. هبطت تتأرجح على ظهري حقيبة صغيرة خفيفة، وامتد أمامي ميدان تنفتح عليه مثل الأسهم عدة شوارع غاصة بالحركة. لبثت أتلفت بحثا عن موقف سيارات القاهرة، فوقعت عيني على رجل نحيف في حوالي الأربعين في سروال ضيق مهترئ،...
أتاحت لي المصادفة أن أعيش جزءا من حياتي في زمن نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وأن ألتقي مرارا بكل منهما، في موضع كاتب شاب يتطلع إلى الأساتذة وليس موضع الصديق، حينذاك، في الستينيات، أدهشتني" ثلاثية " محفوظ، ولم أكن قد قرأت قبلها في الأدب العربي صرحا أدبيا بهذا العلو، وحدثت أخي جمال الغيطاني فقال لي ...
تحل في الأول من ديسمبر الذكرى السابعة لرحيل الأديب إدوار الخراط في عام 2015، وقد ربطتني به محبة وثيقة منذ أن قرأت مجموعته القصصية الأولى" حيطان عالية"، وكان قد كتب قصص المجموعة عام 1943، حين كان مازال ملتزما بالرؤية اليسارية وعضوا في منظمة يسارية، ولهذا راوحت قصصها ما بين الواقعية النقدية وما...
أحيانا يبقي الضيف العجول وراءه سيجارة متوهجة عند حافة مطفأة، أحيانا ينسى الراحلون شعورا في غور النفس ولا يعودون لإطفائه . في التاسعة من عمري كنت صغيرا في عالم عجوز ، جديدا في دنيا قديمة . وكنت نحيفا بسروال قصير وقميص خفيف حين أسندت رأسي على ذراع أمي ونحن جالسين متلاصقين على دكة خشبية بغرفة مأمور...
خفق قلبي بالحب لأول مرة وأنا صبي في الثالثة عشرة. خفق بحب شريفة، التي كان للفيلا الخاصة بوالدها شرفة مفتوحة على الشارع الطويل المعتم، وكانت تجلس وحدها كل مساء في الشرفة تحت ضوء مصباح صغير معلق ينشر هالة من النور الخفيف حول رأسها ويتفرق في هواء الشارع الصامت. لم أحدثها قط، لم أقترب منها، والأرجح...
للطفل الصغير ذاكرة كبيرة وقد لا يبقى منك للأجيال القادمة سوى ما وعته ذاكرته عنك، فلا تستهن بطفل يلهو حولك. أعطه كلما رأيته حلوى وشيكولاطه واجلس أمامه متوددا بأدب وحذر. لسوء حظ جدي أنه لم يفعل معي شيئا من هذا، بينما كنت قادرا على تذكر كل شيء وأنا في السادسة. لم يخطر على باله أن أحد أحفاده قد يصفه...
نجلس أنا وأنتِ إلى المنضدة التي تجمعنا كل يوم، صامتين، كعادتنا منذ سنوات. نستعد للإفطار. أنا وأنتِ. تمدين بصركِ إلى الجدار الأزرق الفاتح خلف ظهري. أتملى وجهكِ بعمق وحب ويأس. أروح وأجيء أجلب أطباق الطعام من المطبخ. يجلد قلبي أمل لا يموت. أجلس أمامكِ. أنا وأنتِ. عيناكِ تنظران بشرود خلف ظهري. لا...