طالما شغلني المشروع الصهيوني، ليس نشأته ولا دولته لكن هدفه الأسمى الذي خلق نوعًا من التفكير الجمعي سعيًا لاختراق المكان والزمان، والذي يعمل على إنجاحه واستمرار وجوده أناس من كل مكان، وعلى الدوام..
ما الذي يجعل أحدهم يعمل -بكل همة وإنكار للذات- من أجل تحقيق هدف قد لا يرى بأم عينيه بشائره؟...
لقد ظهر للعيان، ومع ظهوره تغير مجرى الأحداث، هائل الحجم، شديد القوى، لا يخضع لقوانين المادَّة؛ يفعل ما يريد، يختفي فجأة كما يظهر فجأة، لا أحد يعلم حقيقته..
يدين الجميع له بالفضل؛ بعد أن تصدى بمفرده للمحتلين بقيادة الأجوف، أولئك الذين يعبثون بقريته، لقد طردهم شر طردة، ومحا ما خلفوه وراءهم من فساد...
الحنينُ الذي ضربَ أوصالَه قد امْتزجَ بدهشةٍ عارمة، لم يستطعْ معهما المقاومةَ أكثرَ من ذلك؛ أعلنَ استسلامه؛ وأغلق الكتابَ الذي بين يديه، وإن بقِيَ جالسًا خلف مكتبِه - القريب من باب الحجرة - دون حراك..
راح عقلُه يحلِّقُ في سماءِ المُمْكِن تارةً، ويطوف أُخْرَى حولَ اللامُمْكِن؛ يبحثُ عن أجوبةٍ...