منفيّون ولا منفى؛ فكل المنافي سجون. كان وطنهم معتقلاً فغدا مقبرة، مع ذلك فإنهم يحملون أوطانهم تميمة في صدورهم المختنقة بوجع الفقد والغياب؛ يسمّونه الأمل وقد يطرزونه بقصب الحلم، لكنه لا يغادر كونه سراباً يفضي إلى سراب.
كان فراراً من الجحيم، ليس بحثاً عن فردوس لم يعد له من وجود؛ ففي جغرافيا هذا...
ليس أكثر من برهةٍ
يقتنصْها غريبانِ في رَدهةٍ للتثاؤبِ
والاِنتظار المريبْ
ليس أبعدَ من قبلةٍ
وعناقِ أليفين في شارعٍ متربٍ
ليس إلاّ المدينةُ والعابرون بغير اكتراثٍ
إلى صمتِ آشورَ
مستغرقاً في رَقيم الغروبْ
نينوى
لم أكن عاشقاً
قبل أن ألمح الفستق الحلبيّ
على زهرتيكِ
ويأخذني إلى ضفتيك طريق الحريرْ...
ثمة دائماً ما لا تعرفه وما لم تفكر به أو تمسسه حواسّك المتوفّزة، أماكن لم تزرها وإنسان ينتظر مصافحة قلبك، غيمة لم تغتسل بها روحك وهواء لم تتنفسه بعد.
يكفي أن تتجرّد من سلاسل القلق والريبة والخوف وأن ترتدي حرير الحلم، أن تتزّنر بالرغبات اليانعة وبصورة عتيقةٍ لحياةٍ كانت خضراء ذات ولادة، أن تغادر...
لم يدّع مرّة ولعاً بالقصص القصيرة، أدرك مبكّراً أنّ حياته العريضة المجلّلة بالسواد الكثيف، المكشوفة مثل بطنه المترهـّلة، هي وحدها القصيرة وربّما القصيرة جدّاً، لهذا السبب فضّل لها أن تمرّ بلا ضجيج ودون أن تحدث التلوّث البيئي الذي يرافق عادةً مرور عربات نقل الخضار الطازجة، ومواكب أصحاب الياقات...
الدولة ليست مخلوقاً سماويّاً ولا معبداً كهنوتيّاً كذلك لن تكون مزرعةً لحاكم أو عقاراَ له أو لعائلته يتصرف فيه تصرف المالك رهناً وبيعاً وتبديداً وتدميراً. فالدولة كائن مؤنسن بطبيعة نشأته وتكوينه إذ إنّ أحد أهم مقوماتها هو البشر الذين تجمعهم أواصر وروابط مشتركة تجعلهم قادرين وراغبين في الحياة...