صفاء عبدالمنعم

بداخلى جرح لا يندمل أبداً، وثمة موسيقى تبحث عن عازف! هكذا بدأت كلماتها وهى تلوح لى بيدها البضة الصغيرة، ثم جلست أمامى على الكرسي الهزاز المجاور للنافذة، وأخذت تنظر طويلا نحو السماء الغائمة فى منتصف النهار . أخذت تنظر وتتمعن فى الغيوم ، وبعض السحابات السوداء تسير ببطء شديد فتخفى وراءها ضوءً...
غمرني الحزن وأنا أخطو بخطوات بطيئة خارج المحل، محاولة في تثاقل الصعود إلي الرصيف. منذ شهور وأيام طويلة لم أقم بزيارة بائع الجرائد العجوز. أصبحت أمر من أمامه في كل مرة أذهب فيها إلي السوبر ماركت مرور الكرام. لم أعد أصعد إلي الرصيف، أتأمل جيدا الجرائد والكتب المتراصة فوق بعضها والأتربة تغطيها...
هذه صورة الست. أم كلثوم. كانت معلقة أمام عيني بجوار جهاز المونوجرام بمركز صحة للأشعة بشارع محي الدين أبو العز. كادت عيناني أن تبكي بحرقة الوحدة والألم،و أنا أخلع ملابسي للمرة الثانية، خلف الستارة الحمراء. عندما رفعت الممرضة صوتها وهي تمد يدها لى من وراء الستارة:يا مدام،هنخلع ملابسنا كلها،ونلبس...
كل يوم يراها ، والكتب تحت إبطها وهى خارجة من الدرس . ينظر إليها بعينه اليمنى الزجاجية ، ويناديها : ياست الناظرة .. أتفضلى . تسير بخطوات بطيئة حذرة وهى تضحك : بخير الحمد لله . تقترب المسافة بينهما ، تنظر إلى عينه المصنوعة من الزجاج ، وتتعجب ، كيف يرى بها ؟ ينظر إليها بشكل واضح : والله نظرة...
” بس قلبى لسه خايف من الليالى ، وأنت عارف قد إيه ظلم الليالى “ كان صوت ( محمد الحلو ) وهو يشدو بهذه الأغنية العاطفية ، للفنان الراحل عبد الحليم حافظ صادقا ، ونابعا من القلب ، وإحساسه بكل كلمة أضاف إلى أداءه روعة على روعة صوته الصافى الحنون . كانت وهى صغيرة من عشاق صوت ( عبد الحليم حافظ ) وكانت...
واحدة من بنات القاهرة ، ممن أصابتهم حرفة الكتابة عن موهبة عرفت طريقها للتحقق بداية الثمانينيات (مجموعتها الأولى 1984) ، مما يعني رحلة من الكتابة عمرها يتجاوز الثلاثين عاما، تشارك جيلها الكتابة ، وتشارك تلاميذها أحلامهم ، وتشارك الحياة الثقافية كثيرا من أنشطتها ، تعمل بالتدريس غير أنك تراها خارج...
كانت الأم كل يوم بعد تناول طعام العشاء، تقدم إلى أولادها أطباق الحلوى اللذيذة، خصوصاً فى فصل الشتاء، لأن السكريات تعطى طاقة ودفء فى البرد .. وكانت دائما تصنع لهم أطباق الأرز باللبن الشهي وتضيف عليه رائحة المورد الفواحة العطرة، وتضع على وجه الأرز بعد أن يبرد المكسرات اللذيذة والشهية، مثل الذبيب...
إلى ابتهال سالم تعبت البنت ( المكتنزة البيضاء ) من السير بمفردها فى شوارع المهندسين الداخلية الهادئة ، وظلت تبحث بعينيها المجهدتين عن مكان آمن تستريح فيه حتى أنتهاء موعد العمل ، فتعود مغسولة من حزنها ، وتدعى كذبا أنها ذاهبة لتصلى ركعتين فى مسجد السيدة نفيسة رحمة ونور على روح صديقتها الغالية -...
امرأة عجوز تسير الهوينا وهى تتلفت يمنه ويسره فى رعب شديد من العربات المارقة والتى لا تلتزم بأى قاعدة من قواعد المرور. الشارع واسع وفسيح، يجعل العربات تمرق فى سرعة مرعبة دون وضع المارة فى الأعتبار. تصعد فوق الرصيف بصعوبة بالغة، بسبب خشونة الركبة. ترى رجلا عجوزا يبيع سبح ومناديل ورق، هى لا تشترى...
أعرف أن أمى لا تحب الصور أو اللوحات أو أى تمثال صغير أشتريه واضعه أمامى على المكتب وأنا أذاكر دروسى، وإذا رأته وأنا فى المدرسة أو خارج البيت، تقوم بوضعه فى سلة المهملات وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وعندما أسأل عن تماثيلى الصغيرة ولوحاتى الجميلة، تردد بقسوة وعنف وغضب شديد : أنت عايزة...
جلست المرأة العجوز خلف النافذة اليوم تحتسى الشاى. وتتأمل مشاهد الحلم الذى رأته بالأمس. لقد تعرفت على الشخصيات جيدا، وتذكرت الأحداث والحوارات التى دارت بينهم. المدهش فى الحلم. أنه كان يوجد شخصيات لا يمكن لها أن تجتمع فى الحقيقة، أو الواقع، ولا فى الحياة نفسها، لأن منهم الصغار والكبار...
كل مساء ، كنت اذهب إلى هناك ، أحمل كتبى تحت أبطى ، وأدخل إلى محراب العلم والهدوء . كانت تفتح لى الباب وتضحك : أدخلى يابنت الكلب ، وأوعى تعملى صوت ، الأستاذ لسه نايم . أدخل ، وأجلس إلى جوارها مثل قط أليف . وهى تطبق الغسيل وتضحك : أتعلمى يابنت الكلب كويس ، أوعى تطلعى خايبة ، سيبك من الهم اللى...
أصبحت الشوارع تنادينى! ما إن مررت مرة منها حتى عرفت رائحتي ولوني وشكلي،فصرنا صديقين. فى البدء نلتقى على أستحياء مثل مراهقين، ثم مرة فى مرة نصبح عاشقين، تجرجرني أقدامي المتعبة نحوها أستريح قليلا على مقهى من مقاهيها. فى كل شارع أصبح لى مقهى أستريح عليه نتبادل الخبرات والحوارات والشكوى. هى تشكو من...
. كان علىّ أن أقول له : لقد تأخرت كثير..!. وأغنى بحماس شديد، أغنية جورج واسوف(أتأخرت كتير ياحبيبي). كانت دموعها الحارة والتى تجرى على خديها مجرى النيل، وكادت أن تصنع أخدودا صغيرا على خديها، لم تستعطفه. وهى تمد يدها تودعه برداءها الأسود الحالك والذى أعتادت عليه كثيرا فى الفترة الأخيرة. كانت كلما...
ظللتُ أعد سيناريوهات عديدة فى رأسى، عن أصول التعامل والبرتوكول المتبع فى هذه الحالات، وانا أرتدى المعطف الجديد، واضع قدمى المتعبتين داخل حذاء قديم ذو كعب عالى كنتُ قد أهملته منذ سنوات طويلة، ولكن مازال به رونق جذاب. فالأول مرة أحضر لقاء بهذا الشكل. وهى تمرر أصبع الروج الأحمر القانى فوق شفتى،...

هذا الملف

نصوص
38
آخر تحديث
أعلى