صفاء عبدالمنعم

ظللتُ أعد سيناريوهات عديدة فى رأسى، عن أصول التعامل والبرتوكول المتبع فى هذه الحالات، وانا أرتدى المعطف الجديد، واضع قدمى المتعبتين داخل حذاء قديم ذو كعب عالى كنتُ قد أهملته منذ سنوات طويلة، ولكن مازال به رونق جذاب. فالأول مرة أحضر لقاء بهذا الشكل. وهى تمرر أصبع الروج الأحمر القانى فوق شفتى،...
كان تدفقا جميلا للغبطة التى أشعر بها، عندما سمعت صوت الموسيقى أتيا من بعيد من أحد المراكب السيارة على صفحة نهر النيل، وأم كلثوم تشدو برائعتها(شمس الأصيل) أنا وحبيبى يا نيل نولنا أمانينا، مطرح ما يسرى الهوى، ترسى ما مراسينا. شعرت بنشوة الوجد، وأنا فى حضرة الموسيقى لا يسعنى إلا أن أندمج كاملة...
إلى / سهى زكى مشهد خارجى : الشمس ساطعة بعنف أغسطس، ولكنها تحاول أن تكون فى حنان سبتمبر. امرأتان تعبران الرصيف، كل منهما تتكئ على كتف الأخرى. الميدان يقترب. عند مقهى على ناصية باب اللوق تدخلان. من الداخل المكان رطب، رغم رعونة الشمس. الأرض قديمة وقذرة، رغم المحاولة المستميتة من عامل المقهى فى...
لم تكن تدرك تماما، مدى اندهاشها، وبهجتها، وشغفها بطفولية.. لرؤية الأشياء عندما شاهدت الصحراء الممتدة في وقار ووحشة أمامها. ومن آن لآخر تخرج رأسها من شباك السيارة (الشروكي) وتشير بإصبعها: شوف بابا، الصحراء واسعة. يهز رأسه تلقائيا دون أن ينظر: آه طيب. ثم تواصل هي نظراتها وفرحها بالإمتداد، والرمل...
بالأمس ذهبت إلى نادى القصة، وكنت لم أذهب إليه منذ سنوات طويلة، وأنا فى طريقى إلى هناك، مررت بميدان التحرير، وتحديدا أمام المجمع، وسمعت عن بعد صوت أم كلثوم تشدو برائعة بليغ حمدى( ليلة حب) كنت أود ان أجلس بجوار بائع الشاى والذى قام بذكاء شديد برفع صوت المسجل عاليا، فملأ المكان بعبير رائحة الشاى...
كان عليها أ ن تمشي من بين مبنى الاهرام إلى أخبار اليوم . الجيب الضيق المصنوع بحنكة , أضاف إلى جسدها تماسكا , وأعطاها انسيابية وتحكم فى خطواتها . المسافة .. شارع قصير . ولكن : كان عليها ان تقطعها بصعوبة وإمتاع , لأن حركة الجيب ضيقة , وخطواتها بطيئة , تحمل فرحا خاصا , داخل جسدها الذى بدأ يتحرر من...
شعاعا خفيفا ظهر فجأة من بين شقوق السقف،حين فتحت جدتى الرزونة العالية. أطلت الشمس ناشرة أشعتها الدافئة فى برد يناير،ونحن نجلس أسفلها نضحك وعمى الكبير يشير نحو النخلة العالية السامقة أمام باب الدار ويضحك وهو يحكى لنا عن طفولته البعيدة،وكيف كان يطلع العالية وتقف جدتى أسفل النخلة تتوسل إليه أن يهبط...
عندما تتداخل الصور، وترتبك الرؤية، يصبح من حق السيدة العجوز أن تزيح بعصاها كل الأشياء المحيطة بها، وتصرخ بأعلى صوتها فى الصباح الباكر، الباكر جدا(يامعين)ثم تخرج من حجرتها الداخلية متجهة نحو البهو الواسع للبيت وتنادى بعلو صوتها مرة أخرى(يامعين) لا أحد فى البيت الآن مستيقظا كى يمنع خروجها المباغت...
البيانو([1]) " لسعت النار كفيها . زمجر العجوز صارخا : أرفعى البيانو جيدا . كان عليها أن تحمل بيانو العجوز من الدور الأرضى إلى الدور العلوى صاعدة به السلم وهى مرهقة ومتعبة وبيديها لسع النار من أثر الحريق . كان البيت ..بيتا خرافيا . بناه العجوز فى منفاه الطويل سابحا فى أحلامه خالقا أسطورة حول...
أمسكت عن الكلام حين طلب منى أخى والذى يصغرنى بخمس سنوات ( طبق بامية ) وقال وهو يهز رأسه فرحا وسعادة : عارفه صديقى ماتيوس الخبير الألمانى الذى جاء معى بالأمس ، أعجب أشد الأعجاب بالبامية التى أكلها عندنا أمس ، وهو يريد أن يأكل منها مرة ثانية . ثم خفض أخى صوته ، وأصبح يشبه الوشوشة : ماتيوس صديقى...
ليلة حب. كان صوت أصالة المدهش يأتى إليها من الهول الواسع، البارد، يصدح بأغنية(يامجنون مش أنا ليلى ..) وهى فى المطبخ، تقوم بتنظيف البوتجاز، وغسل المواعين، وصنع الطعام الطازج واللذيذ لأولادها. ولكنها فجأة، سمعت صوت رنين الهاتف يأتى إليها من على الرخامة المجاورة لها، فتحت الموبايل، وسمعت صوته...
الكتابة هى دولابى الكبير، أقف أمامه طفلة بضفيرتين عقصتهما لها أمها بشدة، ووضعت فيهما شريطتين بيضاء كبيرة، وتوجت كل ذلك بربط إيشارب من القماش الناعم حتى أنام، واستيقظ فى الصباح، وشعرى مازال ملموما ومرتبا، كى أذهب إلى المدرسة، والأطفال كانوا دائما يزفوننى فى المرواح وهم يرددون( يا تخينة) كنتُ أبكى...
- أمنا الغولة. (يا منا الغولة طقطقى الفولة) الآلهة سخمت هى صورة ذهنية لأمنا الغولة فى الحكايات الشعبية. (رضعت من بزى اليمين،أصبحت زى أبنى عبد الرحيم. رضعت من بزى الشمال،أصبحت زى أبنى عبد الرحمن). فى حكاية اليوسفى و لول بنت الغول. تحكى لنا الحكايات الشعبية أو الحواديت كما نسميها عن صورة أمنا...
فى المساحات الشاسعة من عقلى وقلبى، كنتُ أخزن تلك الصور البعيدة التى رأيتها بالفعل أو سمعتُ بها فى جلسات العائلة والتى كانت تزداد غرابة وشوقاً عندما تحضر جدتى لأمى من القرية فى إحدى زيارتها الموسمية، وأحياناً فى زيارة خاطفة للقاهرة، وتجتمع الجدتان، وتعيدان وصل ما أنقطع من حوار فى آخر لقاء كان...
أحب النظر إلى المارة، والشارع ، والبنات الصغيرات فى نهاية اليوم الدراسى، وهن عائدات، تحمل كل منهن على كتفيها نهاية يوم طويل من الأسئلة، وشنطة مليئة بالكراسات، وأصابع باردة من كثرة الوضوء. كل هذا يجعلنى أشعربلذة الحياة فى نهاية القرن العشرين، وسطوة الموت خطف أخى الصغير ، ثم أختى الصغيرة، التى...

هذا الملف

نصوص
39
آخر تحديث
أعلى