لا أدري. هكذا هبط النصيب فجأة من السماء في شكل رجل طويل ونحيل وقد جاء خاطبا يدها. أسبلت عينيها بحركة لا إرادية; حين سألها أبوها عن رأيها في العريس.
- لقطة.
أجابت أمها نيابة عنها. أما هي; فلم تتب عيناها من هذا الفعل المنكر أو أنها أدمنت الانكسار في مواجهة سطوة الجسد ومتطلباته البيلوجية. كررت...
وأنت تمشي وحدك في العتمة مختالا كشمعة; تتلاعب بك ريح النشوة وعلى شفتيك يسيل طعم القبلة التي ارتشفتها خلسة من فم العدم. لا تكترث بالكلب الذي كشر عن أنيابه وبدأ متأهبا للدفاع عن حرمة الشارع. ذلك الكلب المتحفز عندما مررت به وسمعك تترنم بمقطع أنشودة الجن( قم يا طرير الشباب غني لنا غني وأعصر لي...
ها نحن أخيرا. أنا وأنت فقط وسط هذا الصمت المهيب. لقد رحلوا جمعيا وتركونا وحدنا. لا. لسنا كذلك; ثمة أجساد ممددة في أسرتها الباردة الخالية من الأحلام. لا تقلقي حبيبتي لن يسببوا لنا أي ازعاج; أعدك بذلك. هم منشغلون الآن في عالم ثان. لا داعي للعجلة سننضم إليهم بعد قليل. بعد أن أرتشف رشفة من...
الجنسانية كمصطلح يعتبر حديث نوعا ما مع بداية التحليل النفسي والنظريات الفرويدية. بالطبع الجنس كغريزة طبيعية خلقها الله في الكائنات الحية لاسيما الانسان. فالجنس يمثل الحياة البناء والنماء والوفرة وهو بعكس الموت الذي يمثل الهدم والفناء. ربما من هنا صار ينظر اليه كنوع من السر الالهي يحمل ملمحا من...
كنت كمن ينقب عن كنز ثمين في أعماق نفسي; أحفر ذاكرتي أزيل ركام الماضي; أبحث عن نقاط مشرقة في حياتي. وأنا في أوائل الخريف أجدني روحا هائمة في دهاليز جسد متصدع آيل للسقوط. ومع أن أعماقي تشع نورا ولا تزال نابضة; إلا أن تلك الغلالة السوداء التي انسدلت على حواف العمر تحجب عني الرؤيا. بعد أن نبش ذلك...
الأفكار الشريرة تطّن في رأسه كذبابة مزعجة; لم تفلح الريح التي صفقت النافذة في طردها. يفصله عن تجرع طعم المرارة غصة وقفت في حلقه. كلمات أمه المواسية ( أنسها يا ولدي; غدا سأجد لك أجمل منها). تزيد من حنقه على الدنيا.
لماذا تفعل الحياة هكذا معي؟ يتساءل و الأحاديث القديمة التي كان يسمعها وهو صغير...
في القرية المنسية منذ زمن سحيق داخل جيب من جيوب جبة التاريخ القديم. تقبع طاحونة اللبيب في ركن قصي على حواف الذكرى الداخلية لأهل القرية كعلامة الصانع التجارية. مثل رسم باهت بقطعة قماش بالية لم تفلح مساحيق الزمن في غسله من الوجود.
ينتصب عمودها لأعلى ينفث الدخان في الهواء مثل محارب قديم يسترجع ذكرى...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
حين كانت كافتريا هافانا بالخرطوم تقدم عصير جوز الهند بنفس طعم رقصة السالسا في شوارع هافانا. ويقدم مطعم بابا كوستا النبيذ اليوناني الفاخر بنفس نكهته المعتقة في حانات أثينا. وتعزف فرقة جاز الديم معزوفة (جيني كي) أقبل الليل من ردهة مطعم الهابي لاند العائم على سطح النيل الأزرق فيطرب سكان مدينتى كوبر...
(حالما تحضر الممرضة آن الأوراق; سأضع توقيعي عليها; وينتهي كل شيء).
قال وهو يتهاوى على المقعد ونظر بأسى لوجه زوجته الشاحب المغطى بأجهزة التنفس الاصطناعي.
( لا. لن أتركها تتعذب أكثر من ذلك. الموت راحة لها). وربما فكر في أن التشبث بجدار الأمل الزلق هو العذاب بعينه لكليهما و لن يصمدا طويلا. أو ربما...
( أبوك النذل أجبرني على فعل ذلك. سامحني. لن أسامح نفسي. كيف طاوعني قلبي على فعل ذلك ). الشيطان يهمس بأذنها.
- الأمر سهل جدا. إن كنت لا تستطيعين تقطيع أوصاله. أكتمي أنفاسه بيدك.
- لا لن أقدر على تحمل نظراته.
- اذن أحشري قطعة قماش في فمه الصغير وسوف يصمت عارك للأبد.
- أخرس. حسنا.. حسنا سوف أضع...
صرخة الصبي ايفان المدوية; روعت سرب غربان القيظ الرابض بالشاطئ في انتظار هبوب رياح الخريف لتسوقه معها في هجرتها الموسمية غربا الى سهول أوربا العطشى; و التي تنتظر وصولها في كل موسم بفارغ الصبر.
وهرول نجار المراكب العجوز ميخائيل برفقة مجموعة من الصيادين الذين كانوا منهمكين منذ الصباح الباكر في...
في محطة سير القطار المتجه من جنوب فرنسا لجبهة القتال الشرقية; توقف القطار المعبأ بالجنود والآت القتل. الرجال على الرصيف يهتفون. والنساء ينثرن صلواتهن ودموعهن مع حبات الأرز وزهور الفل. والجنود من النوافذ يلوحون بقباتعهم بيد; وبأصابع اليد الأخرى يرفعون علامة النصر. وأسلحتهم قلادة قتل تتدلى على...
بخيوط الظلام سحب أنفاس الفاجعة الثقيلة وهال فوق جثة صديقه التراب. ثم جلس فوق قبره يقرأ عبارات الشوق التي بعثتها له فتاته في خطابها الأخير الذي لم يستلمه سوى الآن. كانا يحتسيان الخمر البلدي في الحانة الشعبية; وكلما ارتشف كأسا من الغيرة; كان يشعر بوخز الألم في جدار رحم الثأر وتتفجر صرخة مكتومة من...
كانوا يبحثون عنه بالرصاص; واليوم يزورون قبره بالشموع. يضعون على ضريحه الورود بآلية. ثم يؤبون منكسي الرؤوس. وكنت على يقين أنهم سيندمون. تاه الدرب; سلك فراغا عريضا يؤدي إلى مألات العدم. رياح النسيان محت آثاره من على الخارطة.
كنت أرعى غنم أبي عند التل قرب الجرف; ومع أن أمي حذرتني مرارا من الذهاب...
لا أدري. هكذا هبط النصيب فجأة من السماء في شكل رجل طويل ونحيل وقد جاء خاطبا يدها. أسبلت عينيها بحركة لا إرادية; حين سألها أبوها عن رأيها في العريس.
- لقطة.
أجابت أمها نيابة عنها. أما هي; فلم تتب عيناها من هذا الفعل المنكر أو أنها أدمنت الانكسار في مواجهة سطوة الجسد ومتطلباته البيلوجية. كررت...
فكر أن يقتلها ويغسل بدمائها لطخة العار التي علقت بثوب شرفه الأبيض الشفاف.
(نعم .. نعم لابد من ذلك.
سيكون قبرها في تلك الزاوية; عند التقاء الجدارين القديم والجديد; يسار النافذة المطلة علي الحديقة).
تمتم قائلا وهو يرسم أفكاره وخططه أمام المرآة المثبتة إلى الجدار; فتنعكس صورة وجهه الشاحب الحزين...
اعتصر قميصه ونفضه في الهواء; فتطاير الرذاذ على وجهي; فادرته نحو الشط. بصق في وجه البحر وقال.
- ألديك خطة؟.
- خطة؟!
- نعم. خطة لحياتك الجديدة. بعد أفلحت في عبور البحر.
أي أحمق هذا؟ تساءلت في سري. التفت ناحيته وبصقت على حياتي السابقة التي كانت في الجانب الآخر من الشط; فأكتشفت أني بصقت على وجه...
( الآن كل شيء بات معدا كما يجب). قال وهو يفرك كفيه وتراجع ثلاثة خطوات للوراء عن الطاولة; كان قد حسبها من قبل في مرات سابقة وعدته بالمجيء ولم توفي بوعدها; و بحركة مسرحية تدرب عليها كثيرا هي أيضا انحنى مادا يده وباسطا كفه
( تفضلي سيدتي). ابتسم كنادل يدعي الظرف( هذا الورد اخترته بنفسي).
ولما لم...
جلست وأسندت مرفقيها إلى طاولة مكتبها واضعة كفيها على خديها محدقة في نقاط هلامية كانت تتساقط من ذهنها وترتطم بسطح المكتب محدثة دويا هائلا; قلبت تصرفاتها الأخيرة في مقلاة العقل مثل فطيرة; لم تكن هكذا أبدا لقد كانت تتسم بالرزانة والود ومع أنها كانت توصم من بعض زملائها في العمل بالجدية وربما...
(محكمة).
في اللحظة التي صرخ فيها الحاجب بصوت جهور بتلك الكلمة المقدسة; دخل القاضي إلى قاعة المحكمة; و جلس بوقار; و أخذ يقلب في أوراق القضية التي أمامه; بينما وقف ود المبارك ساهيا وأخذ يجول ببصره في القاعة المكتظة بالأنفاس. ذهنه كان شاردا من عقال عقله في الفضاء الزمني الممتد إلى تخوم القرية.
في...
قعر البئر سحيق; الظلام دخان أسود كثيف غطى جدران الصمت وصلت خيوطه لسقوف الأمل ; والجو كله خانق يحبس الأنفاس. بمعول يصم أذن الزمن القاسي و ويجفل سكينة الأرواح; أرواح الأسلاف; يحفر الفأر البائس قلب حلمه أو شبر قبره بموالة نملة لا تعرف الشفقة طريقها الى جسدها المنهك. ومع كل ضربة معول يخرج زفير من...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
في القرية المنسية منذ زمن سحيق داخل جيب من جيوب جبة التاريخ القديم. تقبع طاحونة اللبيب في ركن قصي على حواف الذكرى الداخلية لأهل القرية كعلامة الصانع التجارية. مثل رسم باهت بقطعة قماش بالية لم تفلح مساحيق الزمن في غسله من الوجود.
ينتصب عمودها لأعلى ينفث الدخان في الهواء مثل محارب قديم يسترجع...
في عالم البرزخ الروحاني جلست روح الشاب مع مجموعة من الأرواح التي فارقت أجسادها في لحظة انفصال العقل عن الجسد جراء نزاع قوي ونقاش مثير و معاناة طويلة مع داء الغرام الروحي انتهى بصعود الأرواح الى السماء وهبوط الجسد الى الأرض. بدأت كل روح تحكي عن تجربتها المثيرة والفريدة وكيف أنها قررت مفارقة الجسد...
كان الوقت هزيع ليل والظلام قد أنهى للتو لف القرية بثوبه الأسود. وكان السكون الواقف على أهبة يصب مزيدا من العتمة كلما تناهي الى مسامعه شخيب الطلمبات وهي تشفط مياه النيل بتواطو تام مع القمر الذي غاب عن الحضور متحججا بسوء الاحوال الجوية. في هذا الجو الكئيب المنذر بقدوم العاصفة يقاتل حميدة وحده...
تمددت على ظهري بالشط محدقا في السماء. وماخوذا بالسكون القادم من ضوء القمر و النجوم دون أن أفكر بأي شيء. كنت وحيدا بين النيل والليل. وكان القمر يسبح في الفضاء بلا هدف. فراحت عيناي المأخوذتين تراقبانه. يشدهما اليه بخيط رفيع من النور. أذناي ترهفان السمع لضرباته علي سطح السماء. فلا تبصر عيناي سوى...
.....في الغرفة المنزوية مثل جمل أجرب يقبع هو كقط بري عجوز . غارق في بحر العتمة تتقاذفة أمواج السكون. تعلو ضحكته ثم ما تلبث أن تتكسر على شفتيه مثل موجة واهنة وصلت للشط بآخر مدات بحر الحزن السرمدي. هذه الجدران المصمتة تسجن رؤاه. جفناه شرفتان أثريتان مغمضين على منظر واحد. وقلبه حجر بصدر تمثال يضخ...
التقيت بها عند المرفأ القديم. كنت ذاهبا لتفقد قاربي بعد العاصفة التي ضربت بقوة في الليلة الفائتة. فقد ظل البحر طوال الليل يتقيأ غضبه بالشط. حين قابلت العجوز شارلي جالسا مع خمسة أو ستة بحارة خارج الحانة أدركت سوء يومي. هتف العجوز وكحة كحة جافة نفثها من صدره الملي بالدخان كافراغك كيس تبن أمام...
كنت متكئة على جدار الغرفة الخارجي. أسفل النافذة المطلة على الزقاق حين سمعت صراخ البنت الصغرى. وكان صباح مثالي لممارسة رياضة المشي أو الركض أو ركوب الدراجة لذا أغمضت عيني ورحت أسترجع شريط ذكرياتنا معا. قبل سنوات في مثل هذا الوقت من كل يوم كنت أكون على أهبة الاستعداد. جسدي لامع و نظيف مثل مهرة...
حين صحوت من النوم ذات صباح وجدتني يابس بلا ماء. مثل جلد أضحية مكرمش ومقدود زهد فيه الذباح فتركه معلق بإهمال على الجدار. جلدي جاف ومشقق و مشدود من أطرافه بعظامي ومقعر بالوسط كبحيرة كانت نادية بالحياة فجففتها أشعة الشمس في موسم الجفاف. فتحت عيوني على حجم الكارثة. ترى ماذا حصل لي؟. أاندلق مائي...
ذات يوم صنعت لي أمي دمية صغيرة من سيقان الذرة اليابسة . صممت الهيكل كما يجب . رأس مستدير ومرفوع لأعلى . اليدان مشرعتان والساقان طويلان ومستديران . انتزعت أمي خصل من شعر رأسها كانت ملتصقة بالمشط وثبتتها برأس الدمية فأصبح لها شعر طويل . بقلم الفحم رسمت أمي على رأس الدمية عينين سوداوين واسعتين . و...