د. عبدالجبار العلمي - "الأدب العربي في المغرب الأقصى " لمحمد بن العباس القباج

يضم هذا الكتاب مختارات شعرية لنخبة من الشعراء المغاربة الذين يمثلون بداية النهضة الأدبية في المغرب. وعددهم سبعة وعشرون شاعراً. ولا يخفى على قارئ هذه المختارات تأثر أصحابها بالدعوة الإصلاحية التي كانت تتردد أصداؤها بين أروقة جامعة القرويين، كما لا يخفى عليه كذلك مدى أثر الاتجاه الإحيائي الشعري في المشرق العربي، وكذا بصمات الشعر الأندلسي.
ويؤكد وجود الاتجاه النهضوي والإحيائي في هذه المجموعة الشعرية المختارة ، الشاعر والمحقق الأستاذ حسن كامل الصيرفي بعد أن أتيح له الاطلاع عليها وقراءة مقدمة مؤلفها ، في عرض موجز لكتاب القباج نشره في أحد أعداد مجلة «أبولو»، فبعد حديث مركز عن الصراع بين القديم والجديد، وضرورة مسايرة العصر، والابتعاد عن التحجر والتزمت، وبعد أن أكد الكاتب أن الزمن هو الذي يحول ويجدد، وأن الأدباء المحافظين والمتزمتين لن يستطيعوا أن يوقفوا الزمن عن دورته، أو يرغموه على التقيد بأغلالهم ، يقول :
" عندما تمشيت مع ما اختاره في جزئه الأول حتى بلغت الجزء الثاني، فوجدت تدرجاً في الروح الشعرية ورغبةً في التحرر والنهوض حتى إذا جاوزت بضع صفحات من الجزء الثاني كانت صور اليقظة تطل علي من خلال ما أقرأ. فهناك شباب متحمس للجديد ويخطو في طريقه وإن كان لا يزال فيه من أصداء الأمس قليل يجيش، على أن هذا القليل من تلك الأصداء لابد أن ينزل عاجلاً عن مكانه لصوت الجيل. ويوم يعلو هذا الصوت بين ربوع المغرب الأقصى سيكون الجزء الثالث من ذلك الكتاب صورة من أروع الصور، فإن في نفوس أهل المغرب أوتاراً باقية خافية من آثار الأندلس الضائعة حملها أجدادهم معهم ، فإذا عثر شباب تلك البلاد على هذه الأوتار وحركوها بدقة بعيدين عن الجناس اللفظي والتشبيهات العتيقة ودققوا في الرنين، فإنهم لاشك سيعيدون عصراً ذهبياً لم يكد يتلألأ حتى غاب».
والحقيقة أن الذي يتصفح هذه المنتخبات الشِّعرية المغربية الرائدة لا بد أنه سيلاحظ هذه الروح المتطلعة إلى إحياء الشعر في هذا الجناح القاصي من الوطن العربي، والمشرئبة إلى الجديد لاسيما لدى شعراء الجزء الثاني من الكتاب الذين يعتبر بعضهم مثل الشاعر علال الفاسي من الممهدين للشعر الجديد في المغرب، ولابد أنه سيلاحظ كذلك أن قصائدها يهيمن عليها على وجه العموم ثلاثة محاور أساسية :
أ ـ الدعوة إلى النهوض والسعي إلى العلم والتقدم، واستنهاض همم الشباب المغربي لمواجهة التحدي الاستعماري. ويدخل في هذا الإطار الشعر الوطني. ويدلنا على ذلك عناوين العديد من قصائد المجموعة نذكر منها على سبيل المثال «بني وطني» لأحمد سكيرج ، ج.1 ، ص: 60 ـ 61. «يا معشر الشبان» لأحمد النميشي، ج.1 ، ص : 78 ؛ «أفيقوا واستعدوا» لمحمد كنون، ج.1 ص: 124 ؛ «إيه أيها الشباب الثاقب» لعلال الفاسي، ج. 2، ص : 6؛ « نحو النهوض » لمحمد المهدي الحجوي»، ج. 2، ص: 20 ؛ « ما لقومي » لمحمد القري ج. 2 ، ص : 49 .
ب ـ قصائد ذات طابع ديني تربوي إصلاحي، يتحدَّثُ بعضها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، باعتباره المثل الأعلى الذي على الناس أن يحتذوه في الأخلاق والقيم النبيلة، وتدعو الشباب المغربي إلى تمثلها والتشبع بها قصد تقوية العزائم ودعم الهوية. ويدعو بعضها الآخر إلى التشبث بالعقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب مستنيرين بكتاب الله الذي ينبغي أن يتخذ منهاجاً وسبيلاً. نذكر من بين هذه القصائد على سبيل المثال : « ذكرى المولد النبوي » لأحمد النميشي ؛ ج.1 ، ص : 79 ، وأخرى في نفس الموضوع لعبدالرحمان بن زيدان، ج.1 ، ص: 82 ؛ « هذا كتاب الله مصباح الهدى» لمحمد المكي الناصري ،ج.2، ص : 82 ـ 83 .
ج ـ التعبير عن العاطفة والوجدان وذكريات الصبا، ويدخل في هذا الإطار بعض قصائد الغزل. نذكر منها مثلاً : « ذكرى أيام الصبا» لمحمد غريط، ج.1، ص : 4 ؛ «نسيب» و«نسيب من قصيدة» لأحمد بن المامون البلغيثي، ج.1، : 16 و 18 على التوالي ؛ من « نسيب في وصف حبيب» لمحمد بــن جندار، ج 1، ص: 75 ؛ « أيام الصبا» لجعفر الناصري، ج 1، ص : 112 ؛ « بين معرض الجمال ومصارع الغرام « لعبد الرحمان حجي، ج 2 ص : 26 ؛ «الغرام الصحيح «للحسن الداودي، ج 2 ، ص: 117.
وتضم هذه المختارات الشعرية : 132 قصيدة إذا ما أدخلنا في الاعتبار المقطعات التي لا يبلغ عدد أبياتها سبعة أبيات، فالقطعة من الشعر لا تسمى قصيدة إلا إذا بلغت أبياتها سبعة أو عشرة)، كما ورد في كتاب العمدة لابن رشيق : « وقيل : إذا بلغت الأبيات سبعة، فهي قصيدة، ولهذا كان الإيطاء بعد سبعة أبيات غير عيب عند أحد من الناس. ومن الناس من يَعُدُّ القصيدة إلا ما بلغ العشرة»، وذلك مثل قصيدة :« فاس السعيدة»، ص : 54 ؛ «سلا والرباط»، ص : 54 ؛ «شوقي»، ص : 55، وكلها تتكون من بيتين. و«مكناس الجميلة» ص : 54 ، وتتألف من 5 أبيات. و« شذرات » ص : 13 ـ 14 . وتتكون من ثمان شذرات: بلغت إحداها 6 أبيات، وبلغت أخرى 5 أبيات، أما الباقي فلم تتجاوز بيتين، وقد توزعت قصائد هذه المجموعة الشعرية أحد عشر بحراً.
وكل قصائد هذه المجموعة الشعرية هي من الشعر العمودي القائم على أساس البيت ذي الشطرين ووحدة القافية والروي إلا قصيدة واحدة جاءت على شكل الموشح بعنوان:«نشيد مدرسي »، للشاعر محمد غريط، ص : 7، وهي لا تدخل في مجال دراستنا هنا ، وإن كان ورودها في هذه المجموعة الشعرية لا يخلو من دلالة. فورودها يتيمةً بين 132 قصيدة بشكل مختلف، يؤشر على ضيق الشاعر المغربي بالقالب الشعري التقليدي الصارم النظام، ومحاولته الانفلات منه إلى قالب شعري أكثر طواعية وقابلية للتنويع والتلوين، ولكن يبدو أن هذه المحاولة كانت مازالت حيية، ينقصها الجرأة على الخروج عن التقاليد والثورة على السائد المألوف.
ولعلنا لن نجد هذه الجرأة على اقتحام الجديد، والتخلص من الشكل التقليدي إلاَّ مع ظهور الاتجاه الرومانسي الذي يمثله شاعرنا عبدالمجيد بن جلون إلى جانب رفاق آخرين له وعلى رأسهم الشاعر عبدالكريم بن ثابت. إحالة : * الطبعة الأولى، سنة 1347 هـ ـ 1929 م .
والكتاب في جزأين جمع في مجلد . الجزء لأول من 128 صفحة ، والجزء الثاني من 129 صفحة من القطع المتوسط . والجدير بالذكر أن الكتاب قد تمت إعادة طبعه بمبادرة من وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية بمطابع فضالة ـ المحمدية ، في شهر صفر الخير 1400 هـ ـ ( ديسمبر 1979 ) وقد صدر مؤخراً الجزء الأول في حلة أنيقة هدية مع العدد الجديد من مجلة الثقافة المغربية التي تصدرها وزارة الثقافة . وهذه بداية طيبة تعد بكل خير. وبانتظار الجزء الثاني مع العدد الآتي من المجلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى