نبهان رمضان عوض - اشكالية رامز جلال بين الطبقية و السادية

آثار برنامج المقالب الشهير الذي يقدمه الممثل رامز جلال كل عام في رمضان منذ عام 2011 حتى هذا العام ٢٠٢٠. حالة متابينة بين الاستفزاز المعارض و المنافي بقوة و بين مؤيد و مشجع لهذا البرنامج تحديدا. في الحقيقة حاول فنان ن آخرون ان يحذوا حذو رامز لكنهم لم يكتب لتجاربهم النجاح و الاستمرارية لوقوعهم في أخطاء كبيرة بين تكرار المواقف و العمل على نفس الشريحة فنانين و مشاهير كرة القدم. هذه الحالة المتابينة فتحت أفق التفكير في هذه الظاهرة ربما كانت علامات او مؤشرات تدل على تكوين المجتمع المصري الحالي و هنا ليس في ذهني او مخيلتي ان احكم على طرف من الأطراف سواء معارض او مؤيد او رامز نفسه ان له الحق في توجهه لكنني اقوم بدور ملاحظ قوي لردود وأفعال كل الأطراف.
كانت بداية هذه النوعية في مصر مع الفنان الكبير فؤاد المهندس عام ١٩٨٣ مستعينا بالمؤلف الشاب في ذلك الوقت يوسف معاطي و الفنان اسماعيل يسري، كانت فلسفة البرنامج إشراك الشعب العادي عمال و صناعية و موظفين و شباب و كبار السن في البرنامج و خلق مواقف توضح اخلاق المجتمع و كيفية تعامله مع حالات انسانية مختلفة و كان المقلب يتوقف مع أول رد فعل للضحية فلا يتمادى الممثل في استفزاز الضحية. كانت اغنية التتر التي قامت المطربة انوشكا بأدائها معبرة عن هذه الفلسفة (اللقطات اللي واخدنها كلها طبيعية ابطالها انا و انت و هي....) توغل البرنامج في فلسفته وتنقل بين المحافظات و اذكر في إحدى مواسمه قاموا بالتصوير في مدينتي المنصورة كنا نجلس أمام شاشة التليفزيون الأبيض و الأسود نحدد اسماء الشوارع و الأماكن التي تم التصوير فيها.
كانت التطور الكبير في هذه النوعية مع الممثل الثانوي ابراهيم نصر تحت عنوان الكاميرا الخفية و ابتكار شخصيات مثيرة للضحك و إطلاق قفشات تم إدخالها في مفردات القاموس اللغة الشعبية و عاشت فترة طويلة مثل( قلبك قلب خساية، هش، بخ ما تبخش، العقل زينة في الباترينة.....). أصبحت شخصية ذكية زكريا كاريكاتورية يضرب بها المثل في القبح و الدانة بين أفراد الشعب. لكن حافظ البرنامج على نفس الفلسفة استهداف الشعب و الغوص في وجدانيات الشعب. استخدم النجم ابراهيم نصر أقصى درجات الاستفزاز و دفع الضحية الي قمة الغضب ليستخرج ردود أفعال قوية. ترى كاترين دوروي ان هناك جانب من هذه البرامج يحاول صاحبها الوصول إلى أعماق النفس البشرية و تظهر هذه البرامج كيف تتمكن من إبراز الغضب و الثورة الذي يمكن أن تتوفر في النفس البشرية. سار برنامج اديني عقلك بقيادة المخرج على العسال و الممثلان حسن مملوك و مكرم منير على خطى ابراهيم نصر مع إضافة بعد ثقافي عميق الي حد كبير مثل ابتكار شخصية احد المماليك الهارب من مذبحة القلعة الشهيرة التي قام بها محمد علي و هكذا.
التحول الكبير في هذه الفلسفة جاء مع سلسلة برامج قدمها الفنان الراحل حسين الإمام ابن مخرج الواقعية حسن الإمام، هذه مفارقة مدهشة حقا، كانت ضحاياه من نجوم الفن و اعتمد على قدرته على اقناع الضحية بصورة كبيرة و قدم شخصية مراسلة صحفية مديحة حاتم من أمام كشك ام عبده. يعد خطوة في البعد عن الشعب في النوعية البرامج الوحيدة التي كانت تعتمد عليه دون نجوم الفن و الرياضة. تمثل ردة الي النخبوية المجتمعية و حرمان الشعب من متعة الظهور على شاشة التليفزيون و مشاركة النجوم.
الطفرة الكبيرة فعلا مع رامز جلال و سلسلة برامجه التي توفر له ميزانية إنتاجية كبيرة يستلزم خطة جذب كبيرة للإعلانات و تزامن مع فتح البث التليفزيون و تعدد القنوات الفضائية و ذهاب المجتمع الي تغيير كبير في فترات زمنية صغيرة ليس فقط ذلك بل ظهور قنوات غير نمطية مثل اليوتيوب و تيك توك و هذا ما عكسته اغنية التتر لهذا الموسم من برنامج رامز جلال نجم اليوتيوب.
نعود للإشكالية الكبيرة التي اقصدها ارثاء الطبقية. اهم ما كان يميز هذه البرامج ان الابطال من الشعب في الشوارع محطات الاتوبيس في المقاهي الشعبية......الخ.
الحقيقة ان مصر تميل الي الطبقية رغم ما مرت به من مراحل و ثورات تبعدها عن هذه النمطية لكن مازال المجتمع يعاني من الطبقية و النخبوية في شتى المجالات سواء السياسية او الأدبية او الفنية.
في القرن الماضي عندما قام الأوربي ن باحتلال الشرق و تصدير ثقافة المجتمع الصناعي عبر انشاء مدارس التي تعد أداة وصل بيننا و بين الثقافة الأوربية العصرية التي بدأت مع عصر النهضة، فأخذنا بقيم جديدة في الحياة و الأخلاق و السلوك المجتمع لكن المجتمع ظل مجتم زراعي لو يتحول إلى مجتمع صناعي مثلما حدث في أوروبا فلم تثبت هذه الثقافة المستحدثة. هذا التباين خلق حالة صراع مكبوت ربما يمثل حرب باردة بين الثقافتين (المجتمع وعادات و تقاليده الطبقية و موروثاته الدينية و عواطفه الشرقية او الثقافة الأوربية المستجدة). تتراوح بين حجاب المرأة و سفورها، بين الحقائق العلمية و العقائد الدينية، الأخلاق الزراعية الاستبدادية و الطبقية و بين الأخلاق الصناعية الديمقراطية. الحرب الباردة بين الثقافات القديمة البالية و الثقافات المستحدثة خلقت هذه الحالة المتابينة الجلدية بين ما هو معارض و مؤيد لنوعية برنامج رامز جلال. اني اؤمن ان كل عصر يخلق المجتمع ثقافة جديدة تختلف عن ثقافة نفس المجتمع في العصور السابقة لكن من الديمقراطية خلق حالة تعايش سلمية بين الثقافتين القديمة و المستحدثة. تمثلت متعة مشاهدة برنامج رامز في ردود أفعال النجوم الغير متوقعة، كشف جانب خفي في شخصية النجم. طول الوقت يراه المشاهد في ثوب الشخصية التي يؤديها في العمل الفني او نشاهده منمقا يطل علينا في البرامج الجادة في كامل اناقته و بريقه. اتاح برنامج رامز فرصة ظهور النجوم خارج الصورة النمطية. اصرار رامز جلال في دفع الضيف الي ثورة الغضب او قمة الخوف او قلق وجودي. فرويد يقول في كتابه ملخص التحليل النفسي لنظرية النزوات و يعتبرها القوى التي تحرك الحاجة الملحة الي اللهو و هي ذات مصدر عضوي داخلي لا يستطيع الشخص مقاومتها. استمرار هذا البرنامج طوال هذه الأعوام مع تكرار نفس النجوم بعينهم و نضب الأفكار مما يجعله يلجأ لأفكار ليست بنفس القوة و أعياد ردود أفعال النجوم يدفع المشاهد الي الملل و النفور. يضطر رامز ان يزيد من جرعة الاستفزاز فتأتي النتيجة عكسية فينصرف المتابع عن المشاهدة و يفقد الكثير من شعبية البرنامج.
كتب: نبهان رمضان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى