تماضر الطاهر - أبجدية سعيد عقل

"يسكن الألق بباطن الفنون الإنسانية، ويدوم في وجود الاسطورة"
قصيدة رائعة النظم، مكتملة الاركان، جمعت بين جمال القوافي وعمق إيمان الشاعر، اتت بعنوان (غنيت مكة)، تتحدث عنمكة وحجيجها وأهلها والبيت الحرام، رمزه ومعناه، سمعتها ذات مرةٍ كأغنية، ثم ضاعت مني او ضعت منها لسنوات، ثم عدنا عندما عاودني الحظ بالاستماع إليها في بداية البث التجريبي لإحدى القنوات، أحببتها وصادقت بعض أبياتها لدرجة التشبع، وانطلقت ابحث عن شاعرها بنهم وشوق.
رسمت له صورة في خيالي، مسلم متصوف من بلاد الشام، ربما يعمل بالزراعة او هو رسام، او معلم يدرس اللغة العربية او التربية الإسلامية في المدارس.
ولد سعيد عقلﻓﻲ ﻗﻀﺎﺀ ﺯﺣﻠﺔ ، ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺍﻟﺒﻘﺎﻉ ﺑﻠﺒﻨﺎﻥ، وعاش حياة حافلة بالعطاء في شتى المجالات في الفترة من ( 4 ﻳﻮﻟﻴﻮ 1912 ﻡ ) وحتى (28 ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2014 ﻡ ‏)ﻋﻤﻞ خلالها ﻓﻲ مجال ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ، توجد أعماله -كاملة- في مجلدات، كما نشر الكثير كتاباته واشعاره في عدد من الصحف والمجلات مثل (الصياد)، (لسان الحال) و(البرق)، مسيحي متبحر في علوم دينه ، وصاحب حياة طالت سنواتها بالمعارف والاطلاع، وقد كان كل مبحث في حياته وتجربته الكتابية يسلمني لآخر أوسع واعمق.
شبهت تلك القصيدة واخريات من تأليفه بأنها مثل نعمة تلحق بي لتفتح لخيالي بوابات العبور نحو عوالم تسير فيها الأسطورة بجانب القافية الأنيقة، التي تضع التاريخ مثل شال على كتفيها، يلفها فيحفظ جمالها، او تجلس عليه فيمنح الشعر أزمنة أخرى، يغوص فيها ويخرج بروعة لا تنتمي لزمان أو مكان، فقط تشبه قصائد (سعيد عقل) ، المشبعة بعلوم اللاهوت والفلسفة والحضارات، وتاريخ الشرق قديمه وحديثه، إضافة لثقافته الواسعة، ومواكبته لكل جديد برؤية مختلفة، ولغة متمعنة ونظرة فاحصة سكب بمشاهدها آراءه ومعتقداته التي اوقفته بين مطرقة النقد وسندان التناقض.
نادى بدولة لبنانية فينيقية خالصة لا تنتمي إلا لذاتها، واعتمد لغتها العامية للتحدث والكتابة،حتى انه خصص لها ابجدية رسم حروفها بالاتينية.
اشتهر بتعصبه للبنان وعدائه للفلسطينيين، و قد جرت عليه اقليميته ومواقفه المؤيدة للاجتياح الإسرائيلي للبنان، الكثير من الآراء الناسفة حتى لتجربته الشعرية، والالسن والاقلام المعادية، التي تستنكر خروج الأدب الرفيع، والاشعار الجميلة من شخصية حادة متطرفة تجاه القضايا السياسية التي تعايشها منطقة الشام وما حولها.
شبه البعض صموده ودفاعه عن افكاره بالاستعلاء والعنصرية، لكنه وبرغم كل شيء ، استطاع ان ينتزع اعتراف الجميع بانه يمثل مدرسة شامية عريقة، احتوت على معانٍ متفردة عبر عنها في مجلدات وكتيبات خلدت اعماله، فاتاح لي بما بناه عبرها من جسور ، الكثير من سبل التنقل بين الممكن المتناغم والمستحيل المتناقض.
كان يعتقد (بلبننة) العالم مستنداً إلى روايات قديمة واسماء وصراعات بين الآلهة وحروبات ينتصر فيها الحب بالقرب من الأرز والنور والسنديان والماء والجبال، وكل ما يخرج من ارض لبنان من أنسان وطبيعة وتضاريس.
مزج الالم والأمل في كتابته عن المجدلية، واتى حديثة عن قصتها معبراً عن نظرة مختلفة للتحول من الخطيئة للطهر وصولاً لرتبة القديسية، وتميزت لغته بالتمرد حتى في استخدامه للقواعد المتعارف عليها.
بحثت عنه، ثم توقفت عند حدود الصراع بين الانتماء الجغرافي لبلاد الشام، ونفي الهوية العربية لدرجة امتناعه عن إيراد كلمة عرب بمشتقاتها في كل مؤلفاته من شعر ونثر إلا في موضع او موضعين، وبين الانفجار الذي هز ارض لبنان وبعثر نسيجها، وتاثيراته المختلفة على دولته الجميلة ومحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي.
دفعتني كتابته بمحبة وتجرد عن الإسلام ،وكيف أنه والمسيحية يلتقيان في الكثير من القيم و المعتقدات التوحيدية،لإعادة النظر في المؤلفات التي قد نختلف مع أصحابها في البعض ونتقبل البعض الآخر.
وحتى فرضية البعث بعد الموت. التي رأى فيها (سعيد عقل) انسجاماً واضحاً بين الديانتين، وجدتُ فيها الدافع لإحياء ما يدفع للحياة، ونبذ ما يجعلها موؤودة، تعاني ظلم الرأي الشخصي في الكاتب، ميوله ودينه ومعتقده.
قل التفكر والمفكرون في عالمنا المعاصر، وما عادت الصدور تتسع للراي الآخر بسماحة وروية، وقبل ان يكتب كل منا ابجديته، اغفلت السطور المتعصبة والمواقف المتناقضة التي وُجدت فيما كتبه سعيد عقل، وتغنيت معه في دعوته المشبعة بالرجاء، حتى يكون الأدب الاسطوري، والشعر البديع وجميع الفنون هي ما نرجو رؤيته في العالم المختلف كانعكاس لوجه الله الجميل،
وكل سواه مردودا.




L’image contient peut-être : 1 personne, texte

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى