خليل حمد - فالج لا تعالج: مؤشرات تفتح الأبواب على كل الاحتمالات.

وصلت رسالة نصية لصديقي الاديب إبراهيم جوهر وهو من سكان جبل المكبر، تقول انت "مخالط عليك بالتزام الحجر" استغرب الاستاذ إبراهيم الرسالة وكتب مستهجنا على صفحته على الفيس، انه لا يمكن ان يكون مخالط فهو لم يغادر المنزل منذ اندلاع الحرب الكورونية، ويقدم الدليل على ذلك طول شعر ذقنه وشعر رأسه.
حتما وصول رسالة عن طريق الخطأ لشخص لم يغادر المنزل منذ اندلاع غضب الرب الكوروني مؤشر على تخبط الجهات المسؤولة كنتيجة لضخامة البيانات التي بين يديها، والاحتمال الاخر ان السلطات تلك اصبحت تعود في تحديد المخالطين الى المكالمات التلفونية الصادرة والواردة من و الى هاتف المصاب وتعتبر ان أي اتصال مع شخص يعني احتمالية ان يكون ذلك الشخص مخالط، وهذا يعني ان قواعد الاشتباك مع الكورونا قد تغيرت وان الانتشار الوبائي لم يعد مزحه وهو حتما خارج عن السيطرة حتى عند أجهزة متطورة ولديها كل الإمكانيات، فكيف يكون الحال لدينا ونحن نعتاش على الفتات.
لا بد ان هذا كان مؤشرا واضحا على تبدل قواعد اللعبة، وبدء الانتشار الانفجاري او فقدان السيطرة. لكنه ليس المؤشر الوحيد، فبالأمس القريب كنا نتلصص لسماع اخبار المصابين ومعرفة اسمائهم، ونادرا ما كانت القوائم الصادرة تشتمل على اسم شخص قريب او معرفه او زميل. ومرة واحدة صارت قوائم الأسماء الكورونية تشتمل على العديد من أسماء الناس الذين نعرفهم شخصيا او نخالطهم ونتعامل معهم. وتدريجيا انكسرت الحواجز النفسية، وكودات العيب والخجل السخيفة، والتي كانت تمنع الناس من التصريح بإصابتها بالفايروس وتستعر من ذلك، وتبدل الحال وصار كل مصاب يعلن ويجاهر بإصابته طوعا وأحيانا قصرا على صفحته على الفيس، وانه يطلب ممن خالطوه اجراء الفحص اللازم.
وازدادت اعداد الناس الذين صارت تظهر عليهم الاعراض حتى ان تجاربهم مع العدوى صارت حكايات تروى للناس لعلهم يتعظون، وقد ساهمت شخصيا بكتابة ونشر بعض هذه الحكايات للموعظة كان اخرها يوم أمس حكاية زميلي وليد دويكات الذي أعلن اصابته واخاه وبعض افراد العائلة.
واليوم صباحا شعرت بان سيل الكورونا الخفيف قد أصبح فجأة طوفانا، فقد أرسل لي صديقي محمد الردايدة يخبرني ان الفايروس اللعين تسلسل لابنه المهندس عدي وزوجته وهم من سكان عمان الأردن. وفي نفس الوقت كتب لي صديقي عدي أبو عمشه ابن زواتا، وهو صديق مشترك مع الردايدة، ليخبرني بأن ابنه عادل قد أصيب هو وزوجته أيضا، حتى انني كتبت مقولة على صفحتي متأثرا بهذه الاخبار التي تشي بانتشار انفجاري قلت فيها " اشعر بأنني شجرة في بستان تشتعل فيه النيران".
نعم الكورونا أصبحت مثل نار تنتشر بقوة متسارعة، وأصبحت خارجة حتما عن السيطرة، لتصيب الذي لا يرتدي كمامة، ولا يتباعد اجتماعيا ولا يأخذ بأسباب الوقاية، لكنها تصل أيضا بقدرة قادر الى ابو كمامة، فمعظم الذين يعلنون اصابتهم يدعون انهم أصيبوا على الرغم من حرصهم الشديد واتخاذ كافة أدوات الوقاية، واليوم كان من بينهم زميل اخر من زملاء الدراسة في جامعة بيت لحم أبو أشرف الذي غرد على صفحته بان "ليل مصاب الكورونا طويل"، وهو ما يشي باصابته بالعدوى، وقد تواصلت معه على الخاص حيث بين لي انه يعتقد بأنه مصاب رغم اتخاذه كافة الإجراءات الضرورية للوقاية.
هذه العبارة " ليل مصاب الكورونا طول" كان الأستاذ حسن حمودة، ابن عمتي، قد قالها لي منذ أيام رغم ان اصابته كانت خفيفة مقارنة مع ما نسمع من اعراض عند البعض تصل بهم الى حافة الموت. لكنه اعترف بأنه كان يشعر بالرعب، وهو كما اعرفه ذلك الرجل الصلب قوي الشكيمة، خاصة في ساعات الليل حتى انقضت أيام الحجر.
حتى لا نطيل، اليوم أيضا وفي مؤشر اخر جلي كعلم على رأسه نار يؤشر الى تردي الوضع الكوروني، كتبت احدى الصفحات على الفيس بأن فلسطين دخلت طور "الانتشار المجتمعي" للكورونا؟؟؟!!
صراحة لم يسعفني كل ما تعلمته وقرأته وتراكم لدي من معارف عن المجتمعات، ومن ذلك ما تيسر من مقدمة ابن خلدون، معرفة ما المقصود "بالانتشار المجتمعي" للكورونا، لكنه حتما يبدو شيئا مخيفا، حتى دون ان نعرف ما يوحي اليه من حيث انتشار الوباء وما يرتبط بذلك من الام ومخاطر واحتمالات مقاسة بالأرقام والبيانات الدقيقة.
وعندما طلبت مساعدة الأصدقاء على صفحتي لمعرفة المقصود من العبارة " الانتشار المجتمعي" جاءت الردود ساخرة عبثية، لكن واضح ان اصحابها استشعروا ما استشعرت به انا أيضا من مخاطر ومعاني واحتمالات كارثية تحملها العبارة المذكورة.
اما التعليق الساخر المدوي من بين تلك التعليقات فقد جاء من صديقي، دكتور رامز الخياط، طبيب الانف والاذن والحنجرة والذي يقف على رؤوس أصابعه منذ اندلاع الجائحة ويشاهد الفايروس اللعين وهو يقتحم أجساد مرضاه كنار كاوية، والذي عبر فيه عن احباطه لما الت اليه الأمور وجاء في تعليقه " بهنيكم، الله أكبر، والنصر صار قاب قوسين او أدني" ليؤكد على تعليقي، وهو الطبيب العليم بأمر الفايروس ويراه رؤيا العين كل يوم أكثر من مرة بان الأمور "ولعت " فعلا من زمان "بس ستر الله هو الي مانع وقوع الكارثة".
رغم سوداوية الموقف وقتامة الصورة و"الانتشار المجتمعي" للفايروس، بغض النظر عن معنى هذه العبارة المخيفة، وعلى الرغم من طوفان الإصابات المعلن بشكل رسمي، ونيران الالم والاعراض الرهيبة التي صرنا نرى ونسمع لهيبها من الأصدقاء والأحبة، الا اننا نجد بان الاستهتار ما يزال سيد الموقف، فحين طلبت اليوم من شاب في الفرن ارتداء الكمامة رد بقوله " وكلها للله يا مواطن".
وقد أكد على كلامي هذا صديقي عزام خلف والذي علق على العبارة أعلاه بأنه لم يجد وهو في طريقه الى الصيدلية والسوق حتى شخص واحد يرتدي كمامة مضيفا و"كان الناس تعيش في كوكب اخر حيث ان اللامبالاة سيدة الموقف".
الوضع كارثي وحالة ميؤوس منها وافضل ما يمكن قوله هو عبارة " فالج لا تعالج". للاسف فان الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات لكنها احتمالات كارثية حصرا . والله يستر من الجاي.
يا بتاع النعنع يا منعنع


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى