خليل حمد - فالج لا تعالج: وفتحت أبواب جنهم الاعلامي.

يا لها من ليلة مرعبة. موت مزلزل، واخبار تصب الزيت على نار الخوف والالم.
المتابع لصفحتي منذ اندلاع الجائحة اللعينة، يعرف انني كنت من أوائل من حمل لواء التحذير من مخاطر الجائحة، ودعوت مرارا وتكرار لضرورة الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية لكي لا نصل الى وضع كارثي ينهار فيه النظام الصحي بسبب خطورة ما يمكن ان ينتج عن مثل ذلك الانهيار من مآسي وآلام.
وحاولت بكل ما اوتيت من حيلة، ومعرفة، وقوة، اقناع الناس بضرورة التعامل مع خطر الجائحة بجدية مطلقة، وعدم الاستهتار او التهوين منها، ومن احتمالات الإصابة ونقل العدوى. وكنت بكل تأكيد من القلائل الذين طالبوا بكل شجاعة وإصرار وباستمرار بالإغلاق الشامل، ما دام مؤشر ومنحنى الإصابات يتجه نحو الأعلى وبهدف كسر سلسلة الانتشار، والإبقاء على عدد الإصابات تحت السيطرة.
وقد تعرضت لكثير من الانتقاد من الأصدقاء والاحباب واتهمت من قبل البعض بأنني احمل لواء التشاؤم والتهويل الإعلامي والسلبية، رغم انني صاحب مدرسة تعلم الناس الإيجابية، والتفكير الإيجابي.
حتى ان البعض اتهمني بإضعاف مناعة القطيع، بسبب حديثي الدائم عن ضرورة الالتزام بالتعليمات والتخويف والترهيب من الجائحة. واقترح صديقي الدكتور محمود زغيري التوقف عن استخدام كلمات رنانة تثير الفزع لدى الناس. وقد وصل الامر الى ان اتهمني صديق من العالم الافتراضي في وقت مبكر من اندلاع الجائحة وقبل تراكم الأدلة على كارثية النتائج المترتبة على انكار العدوى، بأنني وان كنت أدرى او لا أدرى، ناطق باسم من خطط ودبر ونفذ تلك المؤامرة العالمية، وعلى اعتبار ان الفايروس كذبة تهدف الى غايات سياسية واقتصادية، وأننا لا يجب ان ننساق وراء تلك المؤامرة.
وكنت استغرب ردود فعل الناس المهونة من مخاطر الجائحة، في ظل وجود ادلة عارمة على تلك المخاطر. وكنت أحيانا اشعر بالاشمئزاز من طروحات البعض، ولكنني كنت دائما اقتدي بالرسول الكريم في هذه واردد في نفسي " اللهم اهدي قومي فانهم لا يعلمون" فالمعرفة تجعل الانسان أحيانا يشعر بوحدة قاسية.
وانا ما أزال أرى ان الجائحة خطيرة جدا، وان لها تبعات كارثية، خاصة إذا ما استمر الناس بالعزوف عن الالتزام باتباع الإجراءات الضرورية كما هو حاصل الان، والتي اوصت بها الجهات الصحية العالمية. وحتما أرى بان الوضع خطير ويزداد خطورة بسبب ارتفاع نسبة الإصابات الى حدود تفوق قدرة المستشفيات على الاستيعاب والنظام الصحي على التحمل.
وقد شاهدنا اليوم مقابلة مع الأستاذ المحامي وائل الحزام مع تلفزيون المدينة، والذي قص فيها على الناس حكايته مع المرض اللعين، وكيف انه لم يجد، بينما كان على حافة الموت ويعاني من آلام لا تطاق وارتفاع حاد في درجة الحرارة وصلت الى 40.6 درجة، لم يجد له سرير في المستشفى العسكري ولا أي مستشفى، رغم انه لجأ، وكما قال، الى واسطة نائب المحافظ للمساعدة، واضطرت الطواقم الطبية الى علاجه في المنزل مرارا وتكررا الى ان شفي وعاد من الموت.
وفي كل يوم نسمع صرخات مكتومة من الطواقم الطبية تحذر بأن النظام الطبي على حافة الانهيار. نعم كل ذلك صحيح. والدعوة الى الحذر والاستمرار في اتباع الإجراءات امر في غاية العقل والوعي والإنسانية، لان أي اهمال قد يتسبب في الألم والموت للناس.
لكنني لاحظت هذه الليلة، حالة غير مسبوقة من الياس والإحباط والخوف والرعب والذعر، فيما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وعزز وللأسف الشديد أجواء الخوف والرعب تلك وفاة اثنان فاضلان من شباب المدينة، رحمهما الله، عرفات والنابلسي. ويبدو ان كثيرين تفاجأوا بوفاتهم إثر اصابتهم بالعدوى اللعينة. فما يزال عدد هائل من الناس للآسف ينكر وجود الجائحة، او على الأقل يهون ويقلل من مخاطرها. اما ان تتسبب في وفاة شابين بهذه السرعة، والفجائية، وهم شباب، فقد أدى ذلك الى هزة وجدانية وعصبية هائلة، انعكست على شكل تسونامي من البوسات المخيفة والمحزنة والنادبة والمهولة والمحذرة مما هو ات.
والصحيح انني لا أجد مبرر لهذا الضجيج الهائل، وكأن أبواب جهنم قد فتحت على مصارعها، والذي ترافق مع انتشار الاخبار العاجلة من أوروبا، وخاصة من لندن إثر انتشار سلالة جديدة من الفايروس. وانا، مرة أخرى، لا اقلل من خطورة الفايروس كوفيد -19 ، فكيف لي ان اقلل من خطورة الفايروس المتحور والذي لم يجد له اسم بعد وعلى الاغلب سيمنح اسم كوفيد -21؟!.
انا اعرف تماما خطورة وسائل الاعلام، وأثرها الرهيب في التأثير على عقول وقلوب ومعنويات الناس. لقد درست الاعلام في الجامعة، واطلعت على اسرار لا يطلع عليها غير الدارس لخطورة دور الاعلام. ولذلك أقول بأنني وجدت بأن الظروف المأساوية قد توفر الفرصة للناس بأن يغردوا بصورة غير شفافة، قد تتسبب في الفزع والذعر غير المبرر.
مثلا عندما قرأت الخبر عن الفايروس الجديد في لندن بالأمس، وجدت ان الذي نقل الخبر يقول بأنه "تم اكتشاف فايروس جديد متحور في لندن سريع الانتشار بنسبة 70% وأخطر من الفايروس كوفيد 19 بنفس النسبة". فورا نقرت على الرابط باللغة الإنجليزية المرفق مع الخبر وكوني عملت مترجم في جزء من حياتي قرات ما هو منشور عن الفايروس الجديد وإذا بالمغرد أضاف من عندياته الشق الثاني من الخبر، وهو الذي يصف خطورة الفايروس الجديد بالمهولة والمرعبة. لم يقل النص الإنجليزي ذلك ابدا.
والمشكلة ان اول تغريده تمثل كرة ثلج بحجم صغير جدا، وما ان تتدحرج كرة الثلج تلك حتى تبدأ تكبر شيئا فشيئا، وكل مغرد يضيف من عنده متبرعا لخدمة البشرية، بعض البهارات والمبالغات على الخبر الأصلي.
ومن معرفتنا بما كان يجري تاريخيا عند وقوع الجوائح والكوارث، نقول اننا سنجد اناس تبالغ وتبهر وتولف الى حد ان البعض في مثل هذه الظروف قد يهذي ويدعي بأنه المهدي المنتظر، جاء ليخلص العالم، وسوف تسمعون في الأيام القادمة عن اوناس حلموا بوصفات لعلاج الكورنا بنسختها الجديدة كوفيد 2021.
دعونا نصرخ سويا....لا للمبالغة. لا للأوهام والجنون. لا لفقدان السيطرة. لا للتهويل. لا للتخويف غير المبرر. لا للتبهير والتنميق. لا للتبرع بمعلومات ما انزل الله بها من سلطان.
نعم لا يمكننا ان نستسلم في خضم معركة خطيرة. لا يمكننا ان نفقد توازننا. لا يمكننا ان نفقد عقولنا، ورشدنا وصبرنا وسيطرتنا على امرنا. صحيح علينا ان نرتقي في وعينا ونترجم ذلك الى إجراءات عملية تساهم في كسر سلسلة انتشار العدوى وتعكس اتجاه المنحنى الوبائي، لكن لا يمكننا ان ننكسر نحن امام الهجوم الفايروسي اللئيم مهما اشتد وتحور وتطور.
لا بد ان نتحلى بأقصى درجات الوعي والعزم والصبر والإصرار على الحياة. لا بد ان نختار الحياة، ولكن بحذر شديد فنحن ما نزال في ميمعة الوباء القاتل. وحتما نحن مضطرون للتحول الى نمط اخر من الحياة، ونتكيف مع الإجراءات المطلوبة، التي فرضها زائر الكورنا اللعين من كوكب المشتري. ولا يمكننا ان نتوقف عن العيش لحين رحيل الفايروس اللعين. وعلينا حتما ان نعترف بأننا نواجه جائحة وليس مجرد ازمة عابرة وهذه لها مدياتها، وعلينا ان نتكيف مع هذا الظرف القاسي بكل اريحية وعقل وصبر.
لقد دأبت منذر فترة على نشر صور لنباتات صغيرة جدا وضعيفة تنمو في قلب صخرة صلدة تحت عنوان "إرادة الحياة". فان كانت هذه النباتات الضعيفة تعيش في ظل مثل تلك الظروف المستحيلة، فالأجدر بنا ان نتمتع نحن البشر اصحاب العقول والسمع والنطق، بإرادة الحياة، ونقاتل بشراسة من اجل العيش والبقاء، وهزيمة شر هذا الفايروس الدخيل اللعين.
لم يكن استخدامي لتعبير هذا الفايروس القادم من المشتري اعتباطيا ولا عشوائيا، وانما اردت به ان اشير ومن خلاله الى منشور قرأته هذه الليلة وقبل قليل. وأتصور انه مدمر، ويقدم مثال عن خطورة الإعلام ، وسينتشر كالنار في الهشيم، وسوف يتسبب بالهلع للناس دون مبرر ومسوغ، وجاء فيه :
" الاقتران العظيم!
زواج زحل من المشتري...هذا المساء...
كل 800 سنة يحدث...
وينتج عنه كوارث ودمار...
يا له من بوست مدمر ينشره صديق وزميل دراسة سابق للأسف. ولا اظنه خبير فلكي، ولا يشير الى مصدر الخبر، ولا اي مُنَجِم تبرع ليزفه مع نهاية العام مبشرا بعام اشد لعنة. وخطورة المنشور تكمن في صياغته المنمقة، فهو يفترض (زواج) كواكب ولا اعرف ان كانت الكواكب تتزاوج؟! وان يحدث مثل هذا التزاوج مرة كل 800 عام، وينجب كوارث ودمار...؟؟؟!!!
يا إلهي ...
على الاغلب ان مثل هذه التغريده هرطقة إعلامية ليس لها أساس علمي ابدا، وهي التي سينتج عنها كوارث ودمار لأنها دعوة لليأس والاستسلام لكل ما هو ات من الفضاء.
وانا أدعوكم لاختيار الحياة، وعدم الاستسلام مطلقا، مهما انتشر الفايروس وتغول الاعلام وتهور.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى