خليل حمد - فالج لا تعالج: الكورونا والمدينة الفاضلة

وصلني قبل قليل على المسنجر من صديق صدوق، خبر هذا نصه" مدير الصحة العالمية: كورونا لن تكون الأخيرة وعلى العالم الاستعداد".
يا الهي!!
سألت صديقي المرسل عن المصدر، فأخبرني بان الخبر ورد من أكثر من مصدر، وأضاف بأن الرئيس الأمريكي المنتخب يحذر الشعب الأمريكي بقوله "انتظروا أيام سوداء العام القادم".
زغرتي يا انشراح!
لا اظن ان صديقي صاحب نكته، او انه يحمل كاميرا خفية. وان صدق الحديث وعلى الاغلب هو صداق من واقع الارهاصات التي سمعناها خلال الأيام الماضية، عن وجود فصيلة جديدة متحورة من الفايروس الكورني اللعين، فهذا يعني ان أبواب جهنم ما تزال مفتوحة، وستظل مشرعة الى ما شاء الله. وتوشر الى ان أحلام الخلاص من خطر الكورونا، بسبب اللقاح كانت متفائلة جدا وأكثر من اللازم، وربما تتبخر قريبا، ناهيك عن الفشل في محاصرة الفايروس ووقف انتشاره.
فقد ورد أيضا صباحا خبر اخر من صديق اخر، يقول بأن وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية، أوقفت حملة التطعيم بسبب وفاة خمسة اشخاص واصابة أكثر من 400 شخص بأعراض مرضية خطيرة كنتيجة لتلقيهم اللقاح، ولا نعرف أي لقاح هو المقصود في هذه الحملة، وهل هو الصيني او الروسي او الامريكي، كما ولا نعرف مدى صحة هذا الخبر، رغم انه يبدو موثوقا، ونقلا عن عبد الله البرقاوي من الرياض. فان كان المقصود اللقاح الأمريكي فسلامة اتسلمكم. زغرتي يا حلمية.
إذا كان هذا الوصف والتشخيص لواقع الحال ولما هو قادم في انابيب الكورونا اللعينة، في قادم الأيام صحيح، فأننا سنكون بأمس الحاجة لانتفاضة مجتمعية عارمة، واعية، ومتماسكة، وملتزمة، وصلبة لمواجهة الكورنا.
ومثل هذه الانتفاضة تتطلب وعي عام، وتعاون والتزام جميع افراد المجتمع بلا استثناء، ذلك لان فرد واحد من افراد المجتمع، يمكن ان يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وان يغرق السفينة، ويمكن حتما لفرد واحد ان يتسبب في انتشار الوباء بصورة تجعل من المستحيل السيطرة عليه، وهذا الاستنتاج مبني على سابقة حصلت فعلا في بدايات الجائحة.
فلقد ورد في الاخبار في بدايات الهجوم الفيروسي اللعين، والذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم جائحة كوفيد -19، وحيث ان الناس لم يكونوا على دراية بالكثير من التفاصيل بخصوص الفايروس وطرق انتشاره ومدى خطورته ...الخ، تناقلت الاخبار بأن امرأة واحدة في كوريا الجنوبية، نقلت العدوى للمئات ان لم يكن الالاف، بسبب تنقلها للصلاة في عدة كنائس في عدة مناطق من كوريا، وربما سافرت حينها سياحة الى بيت لحم، وهي تحمل الفايروس، حيث خالطت المشاركين في تلك الصلوات وتسببت في نقل العدوى لهم، وقد استحقت كنتيجة لذلك لقب بطلة انتشار.
هذه الرواية تعني انه في غياب التعاون المجتمعي الواعي والصارم والشامل ومشاركة الجميع دون استثناء في مقاومة العدوى، والوقوف على رؤوس الأصابع لمحاربة الفايروس، فأننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، وسوف تتحقق نبوة ذلك الرئيس ذو الحظ التعيس، بان العالم يواجه أيام سوداء فعلا وليس فقط امريكا.
فحتى لو تم كسر حدة الانتشار للفايروس اللعين، وانحسر عدد الإصابات الى أدني حد ممكن، فلا يمكننا ان نحتفل ونقيم الافراح والليالي الملاح، ذلك لان بطل انتشار واحد مصاب بالعدوى الكورونية، على شاكلة تلك المرأة الكورية، كفيل بان يعيدنا الى النقطة صفر، فيشتعل الدوري من جديد وهكذا.
يا له من مأزق! ان يكون العالم رهينة لوعي كل فرد فيه بلا استثناء.
يقال في كتب التاريخ ان المدينة تأسست أساسا بسبب وعي الناس الجماعي بضرورة التجمع ضد مخاطر الطبيعة، ومن اجل الفوز في معركة وصراع البقاء. ولا بد ان عوامل الطبيعة في تلك الازمان، أي زمن المشاعية الأولى وبداية تشكل المجتمعات المتحضرة، كانت قاسية ومؤلمة، الى حد انها أوصلت الناس الى الوعي بضرورة التعاون والتكاتف، بهدف خلق بيئة مجتمعية مشتركة، تحمي الناس من الانقراض وتحقق لهم الامن والامان. وقد أصبحت المدينة فيما بعد رمز من رموز الحضارة والتطور الحضاري، كما أصبحت مع الأيام أحد اركان قيام الدول الأساسية، وبغيابها تنتفي الدول ذات السيادة بمفهومها الحديث.
وحتما تقدم المدينة، تلك الوحدة الأساسية في تشكل الدولة، خدمة هائلة وحاسمة للأفراد تساعدهم على البقاء والعيش بأمان، وهي خدمة أصبحت من المسلمات مع الأيام، ولا يدرك او يستشعر قيمتها الناس، ولن يدركوا قيمتها الا إذا ما زالت المدينة، وحل الخراب، وانتفى الجهد الجماعي المجتمعي الحضاري الداعم، الذي يقدم الامن والأمان والحماية للجميع ضمن منظومة المجتمع المتكاملة والداعمة.
وحيث اننا الان أصبحنا في صراع قاتل، في معركة، في حرب، مدمرة لها ابعاد كارثية عدة، نفسية، واجتماعية واقتصادية، وصحية، وهذه الحرب تتطلب معرفة العدو، والوعي بما هو قادر على فعله، وإدراك مدى ما يمكن ان يوقعه من ضرر، ثم خوض المعركة معه دون تهاون، لأننا رأينا بأم اعيننا حجم الضرر الذي يمكن ان يوقعه، وأصبح الكثير من الناس اموات ومنهم من ينتظر، في هذه المعركة المصيرية والتي قد تؤدي الى ما هو اسوأ.
وبما ان المخاطر القائمة حاليا من عدوى الكورونا، تطلبت جهد جماعي وتعاون مجتمعي لكبحها، فكيف سيكون الجهد المطلوب، إذا كنا موعودين بفصائل جديدة من الفايروس الملكي، كوفيد 20- ومن بعده كوفيد -21، وايام سوداء، وأخرى كحلية، ربما؟!
كل ما قيل يؤشر الى ان بقاء الناس، ونجاتهم من خطر الانقراض، أصبح يتطلب وعي وتعاون الجميع، وان تلعب المدينة دورها المناط بها، والذي أنشئت من اجله في الأساس.
بل لقد أصبح الخطر داهم ولا يقتصر على الحيوانات المفترسة واخطار الطبيعة، والحروب البدائية بالسيف والرمح، التي اوجبت تجمع الناس في تجمعات وقلاع سكنية طلبا للحماية.
وحيث ان العالم من أقصاه الى أقصاه، أصبح يواجه جائحة لا يمكن ان يتوقف القتل فيها الا بالقضاء التام على العدوى قضاء مبرما، فان الامر صار يتطلب قيام المدينة الفاضلة، وليس اقل من ذلك، تلك التي نادى بها افلاطون في زمن الاغريق، وتتطلب الوصول الى الانسان السوبرمان المثالي، الملتزم، والواعي والذي يمتثل امتثالا مطلقا لإرادة المجتمع، ولما فيه المصلحة المجتمعية، التي تحقق مصلحة الفرد كتحصيل حاصل.
ولكن تلك المدينة لم تتحقق ابدا، وقد اعتبرت يوتوبيا خيالية، مجرد أحلام لا يمكن تحقيقها رغم جمالية فكرتها.
نعم للأسف، لقد أصبح التحدي كبيرا جدا والخطر عظيم، والقادم يحمل في طياته من الوجع اضعاف ما وصلنا في البريد الكوروني. وحيث ان كل فرد من افراد المجتمع، يعتبر رقم صعب في المعادلة الصعبة، معركة الكورنا، وحيث اننا صرنا في مهب الريح، اصبحنا بحاجة لتلك المدينة الفاضلة. فمن دون الوعي الفردي والمجتمعي الشامل، الموصل الى التزام كل فرد من افراد المجتمع الصارم بكل ما هو مطلوب من اجل السيطرة على الوباء، سواء في مرحلته هذه او مراحله اللاحقة والمتطورة، والتي لا نعرف سر تتابعها السريع حتى الان، وعلى غير العادة في تاريخ الفيروسات، وهو ما يفتح الباب واسعا لاحتمالات أخرى خطيرة في وقت قريب. من دون ذلك الوعي المجتمعي الشامل والالتزام المطلق من قبل كل افراد المجتمع، ستحل الكارثة والطامة الكبرى لا محالة في وقت قريب، وقد ينقرض الناس في نهاية المطاف إذا ما خسروا حربهم ضد الفايروسات، خاصة اذا ما خسرت البشرية معركة اللقاحات.
فهل يدرك الناس اننا امام منعطف انساني تاريخي خطير للغاية يهدد مصير البشرية، وهو أخطر بكثير من مخاطر الطبيعة في زمن المشاعيه الاولى، والتي دفعت اسلافهم للتجمع في تجمعات مجتمعية تطورت لاحقا لمدن متحضرة ليحتموا بأسوارها وقلاعها وامكانياتها.
وهل يمكن للمجتمعات ان تتقبل وتصل الى حالة وعي تكون فيها أقرب الى ما توقعه افلاطون من سكان المدينة الفاضلة؟
هل يمكن ان نصل الى الانسان السوبرمان الذي توقعه نيتشه، من اجل الانتصار على الفيروسات في حربها المدمرة ضد الإنسانية.
كيف يمكن تحقيق ذلك ونحن نكاد نلاحظ تمرد جماعي وفردي ضد السلطة، التي تحاول تطبيق الحد الأدنى من الإجراءات الوقائية؟ ورفض جنوني شبه شامل لما يقوله العلماء والعقل والمنطق؟
فكيف بنا نتوقع من كافة افراد المجتمع ان يصلوا الى درجة عالية من الوعي وسماع والامتثال للتعليمات الوقائية والالتزام بها؟
انها مهمة مستحيلة، وتتطلب جهد توعوي خارق وتقبل مجتمعي من واقع ما يواجه البشرية من خطر الانقراض، وحتى يصل الناس الى حالة وعي تؤهلهم ليكونوا مثالين، مواطنين صالحين، ليكونوا من بين سكان مدينة افلاطون الفاضلة...
لكن الامل معقود ان يدرك الناس وقبل فوات الأوان، اننا نواجه خطرا يهدد مصير البشرية، خطر الانقراض، وان يهبوا جميعا لردع هذا الدخيل الغازي الفضائي، بكل ما تتطلبه المعركة من وعي وجهد والتزام. فقد أصبح الألم الكوروني انهارا وبحورا. والموت المستعجل بعدد الأشجار، وهذا كفيل كما يقول عالم النفس كارل يونج بأن يوقظ الوعي ويستفزه، ويشحذ الهمم، ويدفع الناس للتصرف الصحيح في معركة وصراع البقاء.
وان لم يتحقق ذلك فلنقرأ الفاتحة على اروح الناس.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى