خليل حمد - فالج لا تعالج: وحَلَّ الفزع الكوروني..

بتاريخ 2/1/2021 أرسل لي صديقي، ابن قرية مادما، الذي يسكن الولايات المتحدة سامر القط Samir Alqot
منشور صادر على الفيسبوك من ملتقى خريجي جامعة النجاح، فيه اعلان عن مرض الأستاذ غسان داود، وانه في حالة خطيرة، على أثر اصابته بفايروس كورونا، وعلق صديقي ادنى المنشور بدعاء هذا نصه" اللهم شافه وعافه...ذكريات رائعة مع المحاسب أبو داوود...في بداية كل فصل في جامعة النجاح...، كان يجب الالتقاء به من اجل دفع الرسوم الجامعية...مهني ودقيق في عمله...".
فهمت من الرسالة ان أقوم على نشرها لحث الناس على الدعاء للأستاذ في محنته، فقمت انا فورا بعمل مشاركة للمنشور، ودعوت له بالشفاء العاجل، ولعل ذلك يكون سنة حسنة يقتدي بها الاخرون، وفعلا انهمرت دعوات الشفاء للأستاذ الذي لا اعرفه شخصيا، ولم التق به ابدا، وطالت قائمة الذين تمنوا الشفاء للأستاذ حتى انني استغربت حب الناس له بتلك الدرجة، ومشاركتهم الغزيرة في الدعاء له.
لكنه وللأسف في صبيحة هذا اليوم انتقل الى رحمته تعالى، رحمه الله، ويبدو واضحا انه كان محبوبا من الجميع، وصاحب سيرة عطرة وحسنة، ودليل ذلك تلك المظاهرة الشعبية القوية التي تداعت لتطلب له الشفاء والتي شارك فيها الاف مؤلفة من الناس.
لكن للأسف وفي ظل هذا الفقد المفزع والمؤلم، نقول وما نيل المطالب بالتمني، ولكن لا بد من الانتباه لهذا الفايروس اللعين وتجنب الاصابة. فواضح انه إذا وقعت الفأس بالراس واستفحلت الإصابة فان الدعاء حتى الدعاء وليس فقط الدواء، لا ينفع معه، فالعبرة إذا في الوقاية وتجنب الإصابة اصلا.
انه امر مفزع حقا، فهذا فايروس لعين، قوي، وماكر، وفتاك، وهو مستمر في خطف مرضاه مسببا الفزع لمن يعرفهم ومن لا يعرفهم، على راي صديقي ، رائد أبو السعود
فهو رغم روحه المرحة، وميله الى المزاح والسخرية من الفايروس، وكان هذا هو حاله اثناء تواصلي معه في الأيام القليلة الماضية، لكنه اليوم يبدو في قمة التشاؤم والفزع.
ففي تغريده على صفحته على الفيسبوك كتب" لم ار في حياتي شيء مفزع أكثر من فكرة غياب الميت، اختفاؤه فجأة لمرة واحدة، هروبه السريع من الحياة، واستحالة عودته، ان العقل البشري بخلاياه الكثيرة وقدرته على الاستيعاب يقف عاجزا امام هذا الغياب، ولولا رحمة الله علينا، ولولا أيمنانا بأنه قدر الله، وعلينا الرضا به لجن عقلنا". وفي تغريدة أخرى كتب رائد أبو السعود" يا لطيف الموت كقعاص الغنم كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام! بينما كتب في اخر تغريدة قبل ستة ساعات من هذه اللحظة، "ربما يفوت الأوان في كل شيء لكن لا يفوت ابدا أوان المرء في اصلاح نفسه".
ما غرد به رائد مؤشر على حالة فزع حتما، وانا اظن انه محق في فزعه، وقد بدى واضحا بأن الفايروس أصبح يخطف من الأحبة في كل حين، الصغير منهم والكبير، وكثر الموت، وليس في الأفق ما يمكن ردع هذا الفايروس، من الفتك في الناس، وهو مستمر في حربة الشرسة، ولا نعرف حقيقة من التالي.
والصحيح انني، وانا اتصفح الفيس هذا الصباح اصبت بدوري بالفزع، حينما وجدت منشورا من شاب لطيف من بلدتي اسمه رجا الجبر، وهو ابن 28 سنة، كما علمت اليوم، وهو ابن صديقي احمد الرجا، ورجا الجد صديق والدي الروح بالروح.
وهذا الشاب يسكن منطقة الرام، ويعمل هناك.
والصحيح انني لم التق به طوال حياتي، ولا اعرفه شخصيا لو التقيت به، لكنه منذ مدة قصيرة توقف في سيارته، وهو خارج من نابلس وفي طريقه الى رام الله عن طريق المربعة –تل-، حينما شاهدني، وانا امارس هواتي بصحبة الدكتور ماهر أبو كشك Dr.maher Abu Keshek
في المسير في درب المحبة، وكنا لحظتها عند المربعة تماما، ولا بد انه عرفني من عصاتي وطاقيتي وشطتني.
وبحكم القرابة والصحبة مع والده، وكونه من أصدقائي على الفيسبوك ومن متابعي فعاليات درب المحبة، مد يده وهو مبتسم ابتسامة عريضة من شباك سيارته لمصافحتي، ولأنني لم أكن اعرف من هو حتى تلك اللحظة، وخجلا من ان يتأثر ان رفضت مصافحته، تجاوبت معه فعلا وصافحته، وكان ذلك تجاوزا ودرأ لإحراجه، ولكنني وبمجرد ان غادر المكان، أخرجت علبة المعقم من الشنطة التي اضعها على ظهري، وقمت على تعقيم يدي، فلا مجال للاحتمالات مع هذه العدوى اللعينة، كما ان الدكتور ماهر لامني على تصرفي الارعن بالمصافحة.
نعم اصبت بالفزع من منشور الشاب رجا احمد، والذي يشتمل على صورته الشخصية وهو يضع الكمامة هذه المرة ويبدو علي وجهه التعب والارهاق، وكأنه شاخ عشرة سنوات، وفي جوار تلك الصورة نشر صورة للرئتين، وعلق على المنشور بما يلي" تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اللهم اصرف عني هذا الوباء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير".
وأضاف بعد هذا الدعاء الموجع والذي يشيء بالفزع، بب شرح سبب الدعاء ولا غرابة ان كانت عدوى الكورونا طبعا فهي لم تعد تقتصر على كبار السن، فكتب يقول "وبعد المعاناة والعذاب من المرض والتعب وكثرة اخذ المسكنات التي كانت تؤخذ بدون عرفان سبب الهزلان الدائم وضيق النفس المستمر ودرجة الحرارة التي لا تقل عن الاربعون درجة...تدهورت حالتي ليكتشفوا مؤخرا ان السبب التهاب حاد في الرئتين وفي القصبات الهوائية".
انه فعلا امر مفزع، شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر، في صحة جيدة، تتدهور حالته الصحية الى هذا الحد فيلجا الى الدعاء وليت الكي ينفع مع الكورونا.
طبع انا لم اورد هذه الحكاية لكي الوم رجا على تقصيره مما أدى الى اصابته، فنحن لا نعرف ظروف اصابته اصلا، ولكنني أحببت ان اشير اليها هنا لتكون رسالة صارخة للشباب تحديدا، تقول لهم انكم لستم في مأمن من الإصابة بالعدوى الكورونية، والمرض. ولستم في مأمن من التعرض للألم الشديد والخطر الشديد، حالكم حال رجا وغيره الكثير من الشباب الذي اقعدهم المرض وفتك فيهم الما ووجع، فلا أحد محصن امام هذا الفايروس اللعين، وهو يفتك بمن ينكره ولا يسارع في مقاومته، ويتوانى عن علاجه، وقد يؤدي الى عواقب لا يحمد عقباها.
أيضا، واضح من كلام منشور رجا الجبر، وشرح الحالة، ان هناك تقصير طبي، فقوله ليكتشفوا مؤخرا انه التهاب حاد في الرئة والقصبة الهوائية تؤشر الى تأخر فاضح في العلاج.
والغريب ان هذه المعلومة أصبح يعرفها الجميع، فكيف تغيب عن الأطباء اذا صح الكلام؟! واذا كان رجا قد طلب العلاج ولم يتوان عن العلاج على افتراض انه شوية رشح وكمان يومين بتروح كما يفعل معظم الخلق! الا إذا لم يعد هناك أطباء قادرين على متابعة كل حالات الإصابة باهتمام، وهذا وارد فعدد الإصابات كبير جدا والارهاق ضارب اطنابه في الجهاز الطبي والشفلقة واردة.
والغريب أيضا ان لا يعرف رجا نفسه، ومن حوله بأن هذا المرض يستفحل إذا وصل الى الرئة، حتى دون انتظار رأي الاطباء، وان ارتفاع درجة الحرارة واستمرارها يكون على الاغلب بسبب وجود التهاب في الرئة.
ان تجربة رجا الجبر، هذا الشاب المحترم، قوي البنيان، ان هذه التجربة المريرة مع عدوى الكورنا، ما هي الا علم احمر في راسه نار، ونداء صارخ للجميع، وخاصة الذين ما يزالون ينكرون المرض، والذين لا يتخذون الإجراءات الوقائية لحماية أنفسهم من العدوى، وعدم نقل المرض القاتل للأخرين، وانه لا استثناء لاحد أين كان فلا أحد محصن ابدا.
ثم هي درس بليغ يستفاد منه في ضرورة عدم انكار الإصابة في حالة ظهور اية اعراض، وضرورة المسارعة في تلقي العلاج والحصول على الرعاية الطبية المناسبة والمباشرة والسريعة واللازمة، لمنع استفحال المرض، ومنع وصول الفايروس الى الرئة، حيث تصبح عملية العلاج طويلة وصعبة ومؤلمة.
وللأسف يبدو ان مثل هذه الواقعة تتكرر مع معظم الناس فالكل لا يريد ان يصدق انه يمكن ان يكون ضحية قد أصيب بالكورونا، رغم ان جميع المصابين تقريبا يدعون انهم كانوا يتخذون الإجراءات الكاملة ولكنهم لا يعرفون كيف وصل لهم الفايروس.
ان اعداد المصابين بالعدوى والذين يتألمون، إضافة الى اعداد الذين يسقطون ضحايا بهذه العدوى اللعينة، أصبح مفزعا حقا، ويدق ناقوس الخطر، وعلى الجميع الانتباه، والحذر والتصرف الصحيح والواجب. فلم يعد هناك مجال للظن وان بعض الظن اثم ومرض والم وربما موت.
وان لم تفعلوا فأذنوا باستمرار حرب الكورونا الشرسة، وتهيأوا لفزع عظيم.
وأخيرا اتضرع الى الله ان يشفى رجا احمد الجبر من هذا الوباء اللعين، وكل المرضى، وان يلطف بنا ويرفع البلاء عنا، انه سميع مجيب الدعوات.
وأتمنى على كل من يقرا هذا المقال الدعاء ل رجا بان يشفيه الله ، لانه اضحى في حالة يحتاج فيها الى مدد وعون السماء .
يا رب.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى