خليل حمد - فالج لا تعالج: اكتمل سواد الصورة وعبرنا الى جحيم الكورونا

منذ ان أعلنت منظمة الصحة العالمية عن جائحة الكورونا، وأصدرت تحذيراتها واليات التعامل مع الجائحة، حتى لا تتحول الى وباء وعدوى قاتلة، وتفتك بالناس كما فتك بهم من قبل الطاعون والأنفلونزا الاسبانية، كان الهدف الأساسي المعلن من قبل جهات الاختصاص للدعوة للالتزام بالإجراءات الوقائية هو عدم فقدان السيطرة وعدم انهيار النظام الصحي ولم يكن ابد ا الهدف القضاء على الفايروس فهذه تحتاج الى تدخل السماء.
فلا يوجد أوهام لدى العلماء واهل العلم الذين ليدهم دراية ومعرفة بعلم الفايروسات، وحتى الذين عرجوا عليها في مواد الاحياء المدرسية ومروا عليها هنا وهناك مرور الكرام. ليس لدى هؤلاء جميعا اية أوهام حول قدرة الطب على معالجة أي حالة مرضية يكون سببها فايروس، فلا يوجد حتى الان، علاج للحالة المرضية التي يكون قد تسبب بها فايروسن نقطة وأول السطر.
كما لا يوجد لديهم أوهام في موضوع اللقاح. والمعضلة في موضوع اللقاح هو انه ما ان يتمكن العلماء من تطوير لقاح ضد الفيروسات، وهي أصلا مهمة مستحيلة، حتى يتحور الفايروس، وتتغير تركيبته الجينية وخواصه الأخرى، رغم بساطة تركيبته وضاءله حجمه وضعفه وهوانه، حتى انه لا يملك جسدا او روحا، مما يستدعي تطوير لقاح جديد مناسب للنسخة الأخيرة من الفايروس المتحور.
والمشكلة ان تطوير هذا اللقاح بشكله النهائي المأمون، كما نعرف، يتطلب سنوات عديدة، قد تصل الى 15 سنة، حتى يتم التأكد من نجاعة وسلامة وفعالية اللقاح المعجزة، والاهم هنا ان لا يتسبب هذا اللقاح في مشكلة أكبر من التي صنع من اجلها تتمثل في الاثار الجانبية. وهذا يعني ان الباب سيكون مفتوحا لتحور الفايروس العديد من المرات.
واي لقاح يتم سلقه كما فعلوا في لقاح الكورونا الحالي، والذي لم يستغرق تطويره سوى بضعة أشهر فقط، حيث اختصروا المدة المطلوبة، للتأكد من سلامة الاستخدام من 15 عام الى 7 أشهر فقط، سيكون بمثابة لقاح تجريبي في أحسن الأحوال، والناس الذين يتلقونه في محل فئران التجارب. وقد يظهر من خلال الاستخدام الميداني الواسع معلومات وبيانات تدفعهم لاحقا للتوقف عن استخدامه من واقع الاثار الجانبية التي ربما يتسبب بها اللقاح المنشود، وربما هذا هو السبب الذي يفسر عزوف الناس عن اخذ اللقاح في الدول التي وصل اليها.
من هنا أعلنت العدوى الكورونية أصلا جائحة. نعم، بكل تأكيد، من ناحية بسبب غياب العلاج او اللقاح، وبسبب ما تسببه العدوى من الم وموت، ومن واقع سرعة الانتشار، والذي قد يؤدي، إذا ارتفع عدد الإصابات بشكل كبير، الى تجاوز قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى، وبالتالي انهيار النظام الصحي، خاصة ان العدوى فتكت اول ما فتكت في جيش الرداء الأبيض من أطباء ومسعفين وممرضين وعاملين في المجال الطبي سقطوا في الميدان.
ولو ان مثل هذه المواد العلاجية كانت متوفرة لما أعلنت عدوى الكورونا جائحة اصلا، حيث سيتم محاصرة المرض في وقت قياسي، والقضاء عليه كما تم القضاء على امراض عديدة معدية تمكن العلماء من اختراع اما علاج او لقاح لها.
لكل ذلك كان اهل الاختصاص يعلنون حالة الطوارئ، ويحذرون وبقوة من الانكار والاستهتار وعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية المعروفة، وعلى راسها لبس الكمامة، والتباعد الاجتماعي وغسل الايدي والتعقيم المستمر.
ولكل ذلك كانت الاغلاقات ضرورة ملحة أحيانا، حتى يبقى مستوى انتشار العدوى ضمن حدود قدرات الجهاز الطبي، وامكانيات المستشفيات تحديدا التي تقدم العناية الحثيثة لمن تشتد عليهم الاعراض.
ومن واقع التجربة والمعلومات المتوفرة، دفعت الدول التي تهاونت في اتخاذ إجراءات حاسمة، ثمنا غاليا وعاليا جدا من الضحايا، ومنها الولايات المتحدة والبرازيل، بينما في المقابل تمكنت الدول التي تعاملت مع الجائحة على انها امر يهدد الامن القومي، وريما يتسبب في فناء شرائح واسعة من المجتمع وطبقت لذلك إجراءات أقرب الى الأوامر العسكرية الجبرية والإلزامية، تمكنت من السيطرة على الانتشار ليظل ضمن حدود ممكن التعامل معها بأريحية، ومنها دولة الصين أصل البلاء والمكتظة بالسكان، ومنها كوريا الجنوبية. وحتى الأردن، تمكن في مراحل الانتشار الأولى من تطبيق إجراءات منع تجول واغلاقات مشددة وصارمة أتت اوكلها، وحصرت الانتشار وصار يضرب المثل في الأردن، لكنها عادت لاحقا وتهاونت ربما تحت الضغوط الشعبية والاقتصادية ليعاود المرض انتشاره بسرعة واتساع.
والمعروف أيضا ان إيطاليا واجهت حالة فريدة في التعامل مع الجائحة، حتى صار يضرب فيها المثل بعنوان السيناريو الايطالي. ولا نعرف تحديدا الأسباب التي أدت الى الانتشار الواسع للفايروس في ايطاليا في موجته الأولى، حتى وصل الامر الى ما وصل اليه من حالة مأساوية، وعلى الاغلب ان السبب يعود الى تراخي المسؤولين في تطبيق إجراءات صارمة، وتهاون الناس في التعامل مع الجائحة، حتى وصل الامر الى تجاوز قدرة المشافي على الاستيعاب، واضطرار الاطباء الى تطبيق مبدا انتقائي والمفاضلة بين من يعيش ومن يترك ليموت.
مثل تلك الكارثة حصلت في دولة متقدمة ولها إمكانيات ضخمة هي ايطاليا، ويمكنها ببساطة الحصول على دعم الدول الاوربية المجاورة لها، والمتحالفة معها تحالف اتحادي، وعلى الرغم من ذلك دخلت جحيم الكورونا على أشده في موجته الأولى.
ونفس الكلام ينطبق على كل الدول المتقدمة تقريبا، فعلى الرغم من امكانياتها الضخمة الا انها تسارع الى اتخاذ إجراءات العزل والاغلاقات لإبقاء مستوى انتشار العدوى ضمن إمكانيات الجهاز الصحي، ومن يتمنع ويتراخى يسقط في متاهات الكارثة. فها هي سي ان ان تعلن الليلة بأن شخص ما يسقط قتيلا كل 15 دقيقة في محافظة لوس انجلس متأثرا بإصابته بالفايروس. بينما يعلن دكتور فوشي أكبر مسؤول صحي امريكي باحتمالية جعل التطعيم اجباري ويطبق من قبل الحكومة الفيدرالية لضمان تعميم اللقاح حيث وعلى ما يبدو يمتنع الناس عن اخذه فلم تتجاوز نسبة الذين حصلوا على اللقاح 29% كما هو معلن حتى الان.
وهذا ما فعلته بريطانيا بالأمس، حيث أعلنت قرارها بتطبيق اغلاق مشدد وشامل بحيث لا يسمح لاحد مغادرة المنزل الا لأسباب معينة، ومحددة من قبل جهات الاختصاص. وقد جاء هذا الاجراء في ظل تحور الفايروس وانتشار نسخه جديدة منه أسرع في انتشاره بنسبة 70% ، مما سيؤدي إذا ترك الحبل على الغارب الى ارتفاع شاهق في الإصابات، المرتفعة أصلا، والسقوط في جحيم السيناريو الإيطالي او ما هو أسوأ من ذلك بكثير.
فاذا كانت هذه الدول بكل امكانياتها سقطت في متاهات الجحيم الكوروني، ويمثل انهيار النظام الصحي لديها هاجسا مخيفا يدفعها للإغلاق على الرغم من الثمن الباهظ الذي تدفعه اقتصاديا لمثل تلك الاغلاقات، فماذا نقول عن وضعنا ونحن نعتمد على المساعدات في مجابهة الجائحة، وأحيانا نجد أنفسنا عاجزين حتى عن اجراء الفحوصات كنتيجة لنفص المواد اللازمة للفحص.
لا شك اننا ومنذ مدة كنا في تسارع نحو الجحيم الكوروني، وقد سمعنا نداءات تحذر من اقتراب السقوط في الكارثة، منها ما صدر عن المستشفى العسكري، والذي عززه التقرير الصحفي الميداني لمعاذ شريده، الذي أشار الى تجاوز المشفى قدرته على الاستيعاب.
وقد علمنا أيضا بأن أحد الذين احتاجوا سرير عناية مركزة قد تم تحويله الى طولكرم. كما حذر أكثر من طبيب من خطورة الوضع الصحي وأن المشافي على وشك اللجوء الى السيناريو الإيطالي والمفاضلة بين من يعيش ومن يموت، وهو ما يوشر وبشكل جلي ان النظام الصحي على وشك الكارثة والانهيار.
لكن ما جرى ويجري هذه الأيام يؤشر الى اننا عبرنا حقيقة وفعلا الى الجحيم، ولم نعد نراوح على اعتابه. فهها نسبة الإصابات مرتفعة جدا، وعدد الذين ينتقلون الى رحمة الله، مرتفع جدا، ومنهم هذه الليلة والدة زميلي وصديقي اياد دويكات، وهو في تزايد مستمر وموجع، منذ مدة ليست قصيرة.
وما حصل مع ابن بلدتي وصديقي وابن صديقي رجا احمد جبر والذي نشرت قصته بالأمس، مخيف ويوشر ان تماسك النظام الصحي هو صورة زائفة. فهو حقيقة منهار وعاجز عن تقديم المزيد من الخدمة الطبية الضرورية والحثيثة. فقد أخبرني والده منذ قليل بأن ابنه رجا قد أجري الفحص للكورونا ثلاثة مرات ويتم اخباره في كل مره ان النتيجة سلبية على الرغم من وجود اعراض واضحة بأنه مصاب ولا تحتاج لطبيب للتعرف عليها. والكارثة ان كل العائلة اختلطت معه ظنا منها ان نتائج الفحوص موثوقة، ويمكن الركون الى دقتها والاعتماد عليها، ليتبين بعد ان اشتدت الاعراض من ارتفاع في درجة الحرارة حتى 40 درجة مئوية، وانتقال الفايروس الى الرئة، واصابته بالتهاب رئوي حاد بأنه مصاب بالعدوى الكورونية، وهو ما يعرض الاسرة كلها للخطر.
والادهى والامر انه في كل مرة يذهب للمستشفى يتم إعطاؤه ابرة الكيلو ثم يعاد الى البيت رغم وجود التهاب رئوي حاد واعراض شديدة القسوة، ويتطلب رعاية فائقة وأوكسجين صناعي ربما على مدار الساعة.
والاسخم بأنه وبعد تدبير سرير له في مستشفى ترمسعيا اليوم، وذهاب اسعاف لتحميله لنقله الى المستشفى لكن سائق الإسعاف لم ينتظره لارتداء ملابسه وتجهيز حاله، وهو الذي يعاني من وضع صحي صعب، وغادر المكان على عجل دون نقله، مما يعني عمليا ربما تفويت الفرصة عليه للعلاج الحثيث في المستشفى المتخصص.
نعم لقد صدق صديقي اياد دويكات الذي علق على منشوري الحواري هذا المساء وسألت فيه ان كنا نتجه نحو الجحيم، فعلق بأننا فعلا في الجحيم.
واي حال أسوأ من ان نكون في الجحيم؟!
الصحيح ان الأبواب مفتوحة على ما هو اسوأ من الجحيم الكوروني، إذا ما استمر التعامل مع الجائحة بنفس الطريقة والأدوات. فها هم جيراننا يعلنون اغلاق لمدة أسبوعين، وهذا مؤشر خطير على وجود السلالة الجديدة من الفايروس المتحور على مرمى حجر منا، وهو ما يفتح الأبواب على الطامة الكبرى.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى