خليل حمد - فالج لا تعالج: الكورونا الفتاكة ومتلازمة النعامة.

اياكم ان تتركوا مواقعكم في الجبل قبل ان تنتهي المعركة. كانت هذه توجيهات الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الى الصحابة المقاتلين في معركة أحد، لكنهم وما ان شاهدوا بدايات الانتصار حتى تركوا مواقعهم خلافا لما طُلب منهم، طمعا في ان ينالهم حصة من الغنائم، فانقلب السحر على الساحر وتحول النصر الاولي الى هزيمة ساحقة كادت ان تنهي الإسلام في تلك الموقعة.
وكأننا في حالة تشبه تلك كثيرا، وكأن الناس تركت مواقعها في حربها مع فايروس الكورونا، وعادت الى حياتها الطبيعية ما قبل الكورونا.
او اننا في حالة تشبه ما تفعله النعامة حينما تشعر بالخطر، حيث تدفن رأسها في الرمال، ظنا منها انها ستكون في منأى عن الخطر.
أحد الأصدقاء اتصلت به اليوم لأطمئن عليه، كونه مثلي ستيني، أي من افراد الشريحة المهددة بالانقراض بحكم السن، فأخبرني انه شال الكورونا من راسه تماما وما عادت تشغل باله، وانه عاد الى حياته العادية الخالية من الكورونا.
شخص اخر تحدثت معه هاتفيا فأخبرني انه عاد للدوام في مؤسسته بعد انقطاع طويل بدأ مع الاغلاقات، وكأن الكورونا ما عادت موجودة.
وقد غابت فعلا منذ أيام ضجة الكورونا الإعلامية، التي ظلت مدوية منذ اندلاع الوباء، وازدادت بشكل كبير بعد ارتفاع عدد الإصابات الى 2000 إصابة وأكثر، وتساقط العشرات صرعى كنتيجة للوباء.
وتزامن هذا التراجع، سواء كان بقصد او من غير قصد، مع الإعلان عن اجراء انتخابات في المستقبل القريب، لتحل اخبار الانتخابات الموعودة محل اخبار الكورونا اللعينة.
والاشاعة تقول ان الناس قد عزفت عن اجراء الفحوص. والبعض يقول ان الناس صاروا خبراء في التعامل مع العدوى، ويمكنهم ببساطة إبقاء امر الإصابة سريا واخذ الادوية التي صارت معروفة للجميع، من الصيدليات دون التورط في كل تلك الإجراءات المزعجة، التي كان يخوض فيها المصاب من فحوص ومتابعات وحجر.
لكن بغض النظر عن الأسباب التي غيبت اخبار الكورونا وضجتها، وجعلتها في أدني قائمة اهتمامات الناس، لا شك ان هذا العزوف عن الاهتمام في موضوع الكورونا، سيؤدي الى تراخي كبير في إجراءات مقاومة العدوى، وانتشار الوباء، سواء بصورة واعية او غير واعية، وما هي الا أيام حتى يتكرس شعور زائف بالأمان، فيتخلى الناس عما تبقى من اجراءات وقائية، ولو انها كانت في حدها الادنى أصلا، ونعود الى دائرة الألم من جديد.
وهو ما سيوفر الفرصة للفايروس اللعين ان يعاود الكر، ويعود لينقض على الناس من جديد ليفتك بهم بعد فترة وجيزة لن تطول، مستفيدا من حالة التراخي التي لا نعرف الى أي حد يمكن ان تصل قبل ان تعاود ارقام الإصابات الى الارتفاع الى مستويات شاهقة ومخيفة، تدفع الناس الى معاودة الاهتمام في الموضوع كما يحصل الان في لبنان مثلا، خاصة إذا ما تسرب لنا وكنتيجة لحالة التراخي النسخة البريطانية من الفايروس السريع الانتشار والفتاك الذي يقال انه وصل الى لبنان.
وسوف يدفع الناس ثمنا غاليا ومرتفعا، وقد ازالوا دروعهم الواقية، وكماماتهم، واستعجلوا ترك أماكنهم وعزلتهم، وعلى الاغلب سينخرطون في تصرفات مجنونة، بمقاييس الزمن الكوروني، توفر الفرصة للفايروس بأن يعود لينتشر بصورة كبيرة.
هناك حقيقة ثابتة عن هذا الفايروس اللعين وهي انه إذا ما التزم الناس بالإجراءات وطبقت السلطات إجراءات العزل والاغلاقات تنخفض ارقام الإصابات، والعكس صحيح، ولا جدال في ذلك فهذا مثبت وحقيقي.
منذ قليل اذاعت محطة السي ان ان بالإنجليزي خبر يقول ان نسبة 60% من الإصابات في الولايات المتحدة وقعت بعد اجراء الانتخابات. يا للهول؟! هذا يعني انه في مدة شهرين تقريبا كان عدد الإصابات في أمريكا اعلى من عدد الإصابات التي وقعت في الولايات المتحدة قبل 3/11/2020 أي خلال مدة عشرة أشهر.
والتفسير الوحيد لهذه الزيادة ان تصرفات الناس والتجمعات والتقارب الاجتماعي وتلك المهرجانات الانتخابية المجنونة والتي لم يلتزم الناس فيها بالكمامات او بالتباعد الاجتماعي أدت الى هذا الارتفاع المهول في عدد الاصابات، والذي تسبب هناك الى ارتفاع هائل في عدد القتلى اليومي أيضا حتى وصل الى 4000 قتيل بعد ان كان قبل الانتخابات بحدود 70 قتيل كأقصى حد.
وعلى الناس ان تدرك بأن انحسار اعداد الإصابات لدينا لا يعني ان الوباء قد اختفى، كما ان اختفاء الضجة لا يعني ان الوباء صار اقل فتكا واقل خطرا.
فها هو الأستاذ الجامعي جهاد عوادJihad Awad
(أبو هشام) ابن قرية قيره، يسقط اليوم ضحية جديدة لهذا الوباء اللعين. وقد نشرت صفحة كفل حارس أولا بأول اخر كلمات مرعبة له قبل وفاته، وقد وصلتني عبر المسنجر قبل قليل، وهذا نصها:
" يا قاتل الاحباب، ابي وأخيه منذ أيام، وكثير قبلهم وبعدهم مجهول. مالي اراك متربصا هل يثنيك قوة بدن...ام فرق في الازمان. والذي بعثك مجندا لا اخشاك، ما دامت المنايا بقدر الانفاس محصاة، فها هو الليل الطويل بيننا، ما بالي اراني اصارعك وعين القدير شاهدة، ان لا جزع، فمرحبا بالمكتوب ما دام لا مستأخر في الميعاد ولا مستقدم ...ولا منة، فسلام على الديار بطولها وعرضها وأهلها الكرام ان استوفى الحساب، فالموت لا يسرعه طول الامل".
وكان المرحوم أستاذ جامعة خضوري، قد نشر هذه الكلمات المرعبة على صفحته الشخصية Jihad Awad في تاريخ 2/1/2021 لينتقل الى رحمة الله تعالى هذا اليوم، لاحقا والده وعمه حسب كلامه، وبعد كل ذلك الصراع المرير مع المرض الذي يعجز الكثير من المصابين عن وصفه.
ونحن نعرف ان الإصابات ما تزال مستمرة والمستشفيات ما تزال مليئة بالمصابين في غرف العناية الحثيثة يصارعون من اجل البقاء، وان تراجعت اخبارهم، واهتمام الناس بهم.
وعلى الناس ان يدركوا بأن أي تراخي سيوفر الفرصة للفايروس لكي يعاود الكرة وسوف يضرب من جديد بقوة ويفترس اعداد إضافية من الناس، ولن يقتصر الموت والاعراض الشديدة المؤلمة على عنصر العواجيز، والضعاف، فها هو هذا الأستاذ شاب ويبدو انه كان في صحة جسدية جيدة ولياقة بدنية جلية واضحة.
ان موت هذا الانسان يمثل جرس انذار، وعلم احمر، لكل الواهمين بأن الوباء قد اختفى وان خطره قد زال.
على الناس ان تستمر في التزام الإجراءات والعزل وعدم التهاون في التعامل مع الفايروس وحماية أنفسهم.
فالحرب لم تضع اوزارها بعد، وهذا فايروس لعين، سوف يستثمر أي تراجع في الإجراءات ليعاود الانتشار.
وارجو ان لا تكون الانتخابات المزمع عقدها باب جديد للتجمعات والتقارب الاجتماعي المحرم زمن الجوائح، وهو الامر الذي سيتسبب في كوارث على شاكلة ما جرى في الولايات المتحدة والمثبت بالأرقام.
لا يمكننا ان نفعل ما تفعله النعامة، ونحن نعرف ان الخطر مقيم وجسيم.
ولا يمكننا ان نترك مواقعنا قبل ان تضع الحرب اوزارها وتنتهي تماما، ولا سنوفر للفايروس فرصة عظيمة ليتلف علينا، ويفتك بنا في جولة لا تشبه ما سبق.
وان غدا لنظاره قريب.
اللهم ان قد بلغت اللهم فاشهد.


مشاهدة المرفق 15723


مشاهدة المرفق 15724


مشاهدة المرفق 15725






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى