تمام حسين طعمة - رواية المبنى 21

تمهيد
رواية المبنى 21 من روايات الأدب الصيني وتأليف الكاتب والروائي الصيني الشهير تشو دا شين الذي ولد في عام 1952م، في مقاطعة هنان في جمهورية الصين الشعبية، وفي عام 1988م انضمَّ الكاتب إلى اتحاد الكتاب الصينين، وفي عام 1999م أصبح رئيس أكاديمية هنان للأدب، وحصل على عدة جوائز أدبية منها: جائزة أفضل قصة قصير عام 1979م، جائزة ف"نغ مو"، جائزة "لاو شه" للآداب وغيرها، وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات حول العالم.

اللغة في رواية المبنى 21
بدأتُ بالحديث عن اللغة في الرواية لأنَّها مترجمة وصادرة حديثًا، فقد قام الدكتور والأستاذ محمد أنور الشيخ بترجمتها إلى اللغة العربية، وهي أوَّل عمل روائي يقوم بترجمته، وقد سبق له وأن ترجم العديد من الكتب في السياسة والتاريخ، ورغم ذلك فقد جاءت الترجمة متقنة بشكل كبير، ورغم وجود بعض العبارات القليلة التي توحي بأن الترجمة كانت أكاديمية في بعض الأحيان، إلا أنَّ قلَّة تلك العبارات ذابت في سياق الرواية، فقد ظهرت الترجمة متينة السبك وبلغة عالية، ولن يخفى على القارئ المتمكِّن الدقة التي توخَّاها المترجم في نقل التعابير والكلمات كأنَّه يقوم بنسخ النص ولصقه، وقد ظهرت الأحداث في معظم الرواية ملتصقة باللغة والأحداث التي تصوِّرها، ولم يظهر ذلك الفارق أو الاختلاف بين اللغة والحدث الذي يظهر أحيانًا نتيجة الترجمة، وكثيرًا ما كنت أنسى أنني أقرأ رواية مترجمة عن اللغة الصينية الصعبة، وقد تكون أكاديمية المترجم هي التي ساعدته على نقل النص بحذافيره، أو قد تكون لغة الرواية الأصلية نفسها بعيدة عن اللغة الشعرية التي تزداد معها صعوبة الترجمة وتزداد الهوة بين النص الأصلي والنص المترجم.
وعلى جميع الأحوال فإنَّ الترجمة جاءت على غير ما توقَّع المترجم الدكتور محمد أنور الشيخ، فرغم أنها أول رواية يترجمها فقد جاءت بمستوى رفيع جدًّا، ولن يجد الناقد أو القارئ المخضرم فروقًا كبيرة بين هذه الرواية وبين الروايات المترجمة الأخرى الشهيرة.

السرد في رواية المبنى 21
يعدُّ السرد في الرواية الطريقة التي ينقل من خلالها الكاتب تفاصيل حياة أخرى يعمل على خلقها بالكلمات التي يختارها، وينسج أحداثها وتفاصيلها في مخيلته التي قد تعتمد على شذرات عالقة في الذاكرة لأحداث بعيدة أو قريبة، ولذلك تشبه الرواية الحياة الواقعية في بدايتها وتطورها ونموها بما فيها من أحداث يومية ومشاكل واختلاف وثقافات متعددة وغير ذلك، وقد عمل الكاتب تشو دا شين على طريقة السرد المتسلسل في الرواية حيثُ بدأ بقصته من الحدث الأول متدرجًا بالأحداث شيئًا فشيئًا، وقد ظهرت الأحداث فيه تقريبًا مرتبة زمنيًا بشكل لا يُدخل التشويش إلى ذهن القارئ، غير أنَّه في جزء من الرواية استخدم تقنية الفلاش باك من خلال طرح يوميات لإحدى شخصيات الرواية وهي الدكتورة جينغ مينع، حيث حصل بطل الرواية على بعض مذكراتها بعد أن انتحرت، وعند قراءتِها رجعَ بالأحداث إلى الخلف، وبتلك الطريقة استخدم الكاتب تقنية السرد المتقطع لمعرفة تفاصيل حياة الدكتورة وأسباب انتحارها، وقد عمل الكاتب على تنويع السرد في الرواية من خلال اعتناق عدة أساليب سردية أتاحت له الكشف عن مقاصد كثيرة قد لا تتوضح بطريقة واحدة، وفيما يأتي سيتم إدراج تلك الطرق بشكل موجز:

السرد الإخباري
اعتمد الكاتب على السرد الإخباري بشكل كبير في الرواية، وذلك على لسان البطل الذي كان لسان حال الرواية وشخصيتها من أولها إلى آخرها، والذي من خلاله تعرف القارئ على أجواء الرواية ومختلف تفاصيلها.

السرد الحواري
لم يكتفِ الكاتب بالسرد الإخباري لإيصال الأحداث إلى القارئ بل اتبع أيضًا أسلوب السرد الحواري، والذي يمنح الرواية واقعيةً أكثر، ويجذب انتباه القارئ ويشعل في ذهنه الأفكار والخيالات والتصورات المباشرة عن الأحداث، كما أنَّ السرد الحواري يكون أكثر قدرة على الإقناع، بالإضافة إلى أنَّه يبعد الملل الذي قد يبعثه السرد الطويل، لذلك ركَّز على الحوار بين مختلف شخصيات الرواية.

الوصف
ركَّز الكاتب على الوصف في الرواية بشكل كبير ولا بدَّ أن نقول بأنه برع في ذلك، فقد وصف المكان والزمان والشخصيات والأجواء عمومًا بشكل كان أقرب للتصوير الفوتوغرافي في بعض الأحيان.

اليوميات
استخدم الكاتب في جزء من الرواية أسلوب اليوميات في السرد من خلال يوميات الدكتورة التي قضت منتحرة، وقد كان ذلك تنويعًا منه يزيد في إثارة الأحداث في الرواية وينفض عن ذهن القارئ وطأة السرد الإخباري والحواري على حد سواء، ويزيد من التشويق لمعرفة مضمون تلك اليوميات.

سيل الوعي
ويسمى أيضًا تيار الوعي أو تداعي الذاكرة، وتشير هذه التقنية في السرد إلى الحوار الداخلي الذي تجريه إحدى شخصيات الرواية للإخبار عن تفاصيل وأحداث أو أفكار ومشاعر معينة، ويطلق عليه اسم المونولوج الداخلي، وقد لجأ إليه الكاتب كثيرًا وخصوصًا في شخصية بطل الرواية.

الحذف
استخدم الكاتب تقنية الحذف من خلال اختصار شهور عديدة وسنوات أحيانًا، وذلك بغية الوصول إلى الحدث المراد أو المقصود، وفي هذا اختصار للأحداث التي لا يريد الكاتب أن يتحدث عنها، وتخفيفًا على القارئ من السرد الطويل دون جدوى، وقد لجأ الكاتب إلى ذلك أكثر من مرة من خلال تخطي البطل للعديد من السنوات خلال أحداث الرواية.

التلخيص
في هذه التقنية يقوم الكاتب بسرد أحداث كثيرة بكلمات قليلة، وقد لجأ الكاتب إلى ذلك في رواية المبنى 21 كثيرًا، من خلال ذكر سيرة شخص ما بكلمات قليلة على لسان البطل مثلًا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى