عمر سيدي محمد - من قاموس الحسّانيّة.. (66) تأصيل بعض الكلمات من المائة المشهورة.

في الحقيقة كنت قد أصّلت كثيرا من كلمات هذه المائة المشهورة والمتداولة بين النّاس على أنّها من الكلمات الحسّانيّة ذات الأصل المنهاجي ولكنها ليست جميعها كذلك إذ يخلط كثير من الناس في كثير من الكلمات من حيث تأصيلها وتنازع اللغتين الأُمَّيْنِ الكُبْرَيَيْنِ للكلمات الحسّانيّة.
1- آنْژَيْ: الطفل في حدود السابعة من عمره.
ضبطه همزة ممدودة في أوّله بعدها نون ساكنة تليها ژاي مفخمة مفتوحة وآخر حرف هو الياء الساكنة.
جاء في المعاجم الأمازيغية عند كلمة الطفل
أزَّانْ: الصبيّ، الطّفلُ دون الفتى والأنثى تَازَّانْتْ. اهـ
والظاهر أن أصلها صنهاجي.
ومن الدعاء للطفل عندنا "الله ايْكَبّْرَكْ وِينَژِّيكْ" ومن الدعاء عليه "الله لا ايْنَژِّيكْ"
2- آبْرُوخْ: خَلَّاطٌ كالذي يُستخدم لإذابة السكر في الشراب مثلا. والفعل منه ئِبَوْرَخْ والمصدر التّْبَوْرِيخْ.
جاء في القاموس المحيط:
البَرْخُ: النَّماءُ، والزِّيادَةُ، والرَّخيصُ، من الأَسْعارِ، والقَهْرُ، ودَقُّ العُنُقِ والظَّهْرِ، وضَرْبٌ يَقْطَعُ بعضَ اللَّحْمِ بالسَّيْفِ.
ـ والبَريخُ: المَكْسورُ الظَّهْرِ.
ـ والتَّبْريخُ: الخُضوعُ.
وفي المعاجم الأمازيغية:
توبرّخت: الرَّأْسَاءُ، مِنْ الشِّيَاهِ، أي السَّوْدَاءُ الرَّأْسِ. اهـ
أقول: لم أجد تأصيلا واضحا لآبروخ يشفي الغليل ولكنني أرى أن أصلها فصيح.
3- أَسِلَّايْ: قصعة كبيرة جدا وهو أكبر إناء في الخيمة مخصص للَّبن وبالذات للرّائِبِ منه بعد استخلاص زبدته. وواضح أنها صنهاجية.
أورد الأستاذ الكبير محمد شفيق عند كلمة روب
رَابَ اللّبنُ= ئسلْي، الرَّوْبُ، الرُّؤُوبُ= أسلايْ
4- آدْرِسْ: واحدته أَدِرْسَة أو أَدِرْسَايَة...
وهو شَجَرُ البَشَامِ. وهو طيب الرائحة طيب المذاق سِواكُه المشهور ومنه يستخرج اللُّبان الذي نسمِّيه "آمنّاسْ" وإذا جفّ فهو "لِمْبَارْكه"
وتطلق كلمة آدْرِسْ كذلك على مِحْلَبِ الإبل وهو غالبا من هذه الشجرة التي منها كذلك مِحلب البقر والغنم "التّاديتْ"
والكلمة في لغة صنهاجة موريتانبا ضبطها أَذَرَشْ بفتح همزة القطع والذّال المعجمة والراء ثم سكون الشين.
5- أَزَزَّ: والجمع "ئِزِزَّاتِنْ" حَبْلَانِ طُولُ كل واحد منهما ذراعان تقريبا، أحدهما لتثبيت العجل من رقبته إلى قائمة أمه الأمامية اليمنى وذلك بعد أن يرضع منها وقتا يسيرا حتى تدِرَّ ثُمّ يمنع بعد ذلك بهذه الطريقة. وأما الثاني فيستخدم لتثبيت القائمتين الخلفيتين للبقرة من فوق عُرقوبَيْها حتى لا ترفس حالبها ويسمَّى "أَكَفّالْ" والحبلان معا يسمّيان "ئِزِزَّاتِنْ" والواحد منهما "أَزَزَّه"
والفعل زَزَّاهْ، ئِزَزِّيهْ والمصدر اِلتّْزَزِّي أو اِلتِّزِزْيَة والظاهر أن لهذه الكلمة أَصْلًا فَصِيحًا وهو زَجَّ قُلبت الجيم زاياً وهذا مسموع في الحسّانيّة مثل لعزوز بدلا عن العجوز والسرز عن السرج وئِزِزّْ عن يَجُزُّ الصوف.
جاء في لسان العرب: زَجَّيْتُ الشيءَ تزجية إذا دفعته برفق، والريح تزجي السحاب.
وزَجَّى الشيءَ وأزْجَاهُ: سَاقهُ ودفعه
6- أَسِكْرَة: تُطْلَقُ على لِفريگ عندما يستقر في مكان واحد في فترة الصيف في انتظار الأمطار وفي الغالب يكون قد خرج في أنعامه فتية هم "لِعْزِيبْ" بحثا عن مظانّ المرعى، أو كل افريگ قليل الترحال فهو أسكره ينتقل من مكان لآخر قريب منه لتجديد الدار والمُراحِ فقط.
سَكَرَ: بفتح الكاف تدل على السكون في الفصحى وهي في الحسّانيّة بنفس المعنى، ويذكر الناس من جيلي أيام الطهي على الحطب في البادية قول الأمّهات "لَاطِمْ لَايَسْكَرْ كُرَانْ" وكذلك لفريگ إذا مكث وقتا طويلا في دار واحدة سُمّيَ أَسِكْرَة.
جاء في القاموس المحيط: وسَكَرَتِ (بفتح الكاف) الرِّيحُ سُكُوراً وسَكَراناً: سَكَنَتْ.
وأَمّا سَكِرَ والتي تعني ذهاب العقل من الخمر أو غيرها فهي في الحسّانيّة بالصاد "يَصْكَرْ"
ولعلّ كلمة أَسِكْرَة تنتمي للمعنى الأوّل.
7- آوْرَاغْ: الصفراوية وهي من الأخلاط الأربعة في جسم الإنسان إلى جانب البلغم والدموية والسوداوية.
جاء في معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق
أَوْرَاغْ: اللون الأصفر
تاورغي، تاروغي: الصَّفْرَاءُ، المِرَّةُ التي تُفْرِزُهَا المَرَارَةُ صفراء
8- أَشَكْرَافْ: ربط الرِّجْلين واليدين معا أي التّصفِيدُ.
ئِشَكْرَفْ: يُصَفِّدُ غيرَهُ، يُشَكْرَفْ: يُصَفَّدُ هو بفعل غيره.
والمصدر أَشَكْرَافْ وتطلق أَشَكْرَافْ كذلك على الحبل الذي يتم به التّصفِيد.
ولو قُلنا يِشَّكْرَفْ فمصدره اِلتّْشَكْرِيفْ ومعناه يَتَقَلَّصُ وينقبض كما يفعله الإنسان إذا أحسّ بالبرد وكان متواضع اللباس.
ويحسن هنا التعريج على فعل آخر قريب المعنى للباب وهو "يِكْرِفْ" أيْدُو أي يقبض يده ومصدره "لِكْرِيفْ" ويُسمّى الضرب بجُمْعِ الكَفِّ "كِرْفَة" وهي الملاكمة بين ئشاشرة الفرگان.
ورد في المعاجم الأمازيغية عند كلمة صفد
أسكرف الصَّفَدُ، الصِّفَادُ، مَا يُوثِقُ به على العُمُومِ
أسكرف: مايُوثق به وجمعه ئسكراف
أقول هي نفس الكلمة إلا أنها في الأمازيغية بسين مهملة وفي الحسّانيّة بالشين المعجمة.
9- آسْوَاغَه: مفردها أَسَاغَه وهو اتهام شخص بفعل أو قول وصياغة ذلك وهو منه بريء أي هو الإِفْكُ. ولعلها من باب صياغة الأَمْرِ على نحوٍ يريده صائغه من باب الاستعارة.
والظاهر أن أصلها فصيح
جاء في لسان العرب لابن منظور عند كلمة صوغ:
ورجل صوّاغّ: يصوغ الكلام ويزوّره. / وصاغ فلان زورا وكذبا إذا اختلقه
وجاء في القاموس المحيط:
ـ والصَّيِّغُ، كَسَيِّدٍ: الكَذَّابُ المُزَخْرِفُ حَديثَهُ.
أقول والصَّيِّغُ يقابله في الحسّانيّة "اِلسَّوْغَايْ" وينطقها الناس بقاف بدلا من الغين "اِلسَّوْقَايْ" كما هو الحال في عموم الحسّانيّة.
10- آجْلَاجْ: الغَضب مع القلق.
والفعل ئِجَلَّجْ متعد مصدره آجلاج والفعل يِجَّلَّجْ (يِتْجَلَّجْ) والمصدر اِلتِّجْلَاجْ
والظاهر أن أصلها فصيح
جاء في لسان العرب:
الجَلَجُ: الْقَلَقُ والاضطِرَابُ
11- آمْسِگْرِي: الاعتذار والاسترضاء والمراضاة
والفعل ئِسَگْرِي مصدره اِلتّْسَگْرِي إذا استرضى المخطارُ المصطفى، و آمْسِگْرِي كلمة تحمل مدلول صيغة اِلتّْسَگْرِي وطريقته، إذ قد يكون اعتذارا بكلام وقد يكون بكلام وفعل. "يِسَّاگْرَاوْا" إذا تصالحوا وتراضوا.
ويجب على أهل العقول والنباهة أن يُغلّبوا آمسگري دائما على أَمِغْنِي.
والكلمة أصلها صنهاجي فقد ورد في المعاجم الأمازيغية عند كلمة استرضى
ئِسّگرژ: ترضّى واسترضى أي طلب رضاه.
وفي لغة صنهاجة موريتانيا تنطق يَسِگْرَا
12- أَمِغْنِي: الغضب ولكنه دون آجلاج.
الكلمة صنهاجية أوردتها المعاجم الأمازيغية.
أمغانان / تامغانانت: النِّزَاعُ، التَّنَازُعُ، الخِصَامُ وَالتَّخاصُمُ
13- آزَّايْ: التفاعل مع أَژَوَانْ وفهمه.
جاء في معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق
حفي، احتفى به أي أكرمه وفرح به= تزَّييْت، والاحتفاء والحفاوة = تازّايت اهـ
أقول: واضح العلاقة بين آژاي و تَازّايْتْ، مذكر ومؤنث بنفس المعنى مع تفخيمنا للزاي في آزَّايْ.
14- الشَّوْرْ: في الحسّانيّة هو القصد والاتجاه والغاية وأمّا في اصلاح الأدب الحسّانيّ فهو أغنية مرتكزة على شاهد تُلازمه ولا يمكن للشور أن يستقيم إلّا به، ومن أجملها وأشهرها شور “مَشُّو لِمْعَيَّطْ شَورْ الشُّوفْ” وقد عرّفه الأستاذ #مولود_بعيك بأنه المَوَّال الحسّاني.
والفعل منه هو ئِشَوْرِي والمصدر اِلتّْشَوْرِي وهو واضح المعنى من الإشارة.
وجاء في المعاجم العربية
شَوَّرَ بِالشَّيْءِ: لَوَّحَ بِهِ
شوَّر إليه بيده :أشارَ، لوّح إليه، أومأ
15- التَّافِلْوِيتْ: هي الوحدة الكلامية في الشعر الحساني وهي من باب التقريب تقابل شطر بيتٍ في الشعر العربي، والجمع التّيفلواتن. وليس في الشعر الحسّانيّ بعد التافلويت إلا الگاف الذي هو أربع في الغالب أو ست تيفلواتن.
ولم أقف على تأصيل مُريح للتافلويت غير أني وجدت في المعاجم الأمازيغية عند كلمة الشِّقِّ الذي هو النِّصف وجدت التالي في معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق حفظه الله.
شِقُّ الفُولَةِ ومايُشَاكِلُهَا تافلوست تيفلوسين، تيفلاس، تيفلسين.
هذا والله تعالى أعلم وسوف نتابع قدر الإمكان ومتى ما تيسر مع تأصيل باقي المائة إن شاء الله…



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى