د. محمد عباس محمد عرابي - حث الشعراء على التفاؤال (إيليا أبو ماضى والشاعر عبد الرحمن العشماوي) أنموذجا

يحث الشعراء دائما على نبذ التشاؤم، والحرص على تحقيق التفاؤل للنفس والآخرين، ومن هؤلاء الشعراء الشاعران الكبيران (إيليا أبو ماضي والشاعر عبد الرحمن العشماوي)

وفيما يلي أبرز ما قالاه في ذلك؛ من خلال محورين:

المحور الأول : حث (إيليا أبو ماضي) على التفاؤل والسعادة من خلال قصيدتي :الشاكي والمساء :

أولا :يحث (إيليا أبو ماضي) على التفاول والبعد عن التشاؤم في قصيدة (الشاكي ) حيث يقول :

أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس
تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش
مرا ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس
عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه
لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ
قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي
فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها والحقل ملك سواها
اتخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ
عليها، والصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ
حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى، وعمرها بعض عام
أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
فهي فوق الغصون في الفجر تتلو
سور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعات
تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكون/
صفّقت للغصون حتى تميلا
فإذا ذهّب الأصيل الرّوابي
وقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار
عند الهجير ظلاّ ظليلا

ويمكن الاستماع للقصيدة من خلال الرابط

ثانيا : يحث (إيليا أبو ماضي) على التفاول والبعد عن التشاؤم في قصيدة (المساء ) حيث يقول :

السحبُ تركضُ في الفضاء الرّحب ركض الخائفين

و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين

و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين

لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد

سلمى … بماذا تفكّرين ؟

سلمى … بماذا تحلمين ؟

أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم ؟

أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟

أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟

أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما

أظلالها في ناظريك

تنمّ ، يا سلمى ، عليك

إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق

يرجو صديقاً في الفـلاة ، وأين في القفر الصديق

يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق

بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام

لا يستطيع الانتصار

و لا يطيق الانكسار

هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك

فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك

لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك

و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب



مثل اكتئاب العاشقين

سلمى … بماذا تفكّرين ؟

بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟

أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟

أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟

أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى

و الكوخ كالقصر المكين

و الشّوك مثل الياسمين

لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع

يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع

إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع

لكن لماذا تجزعين على النهار و للدّجى

أحلامه و رغائبه

و سماؤه و كواكبه ؟

إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها

لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها

كلّا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها

ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها

و العندليب صداحه

لا ظفره و جناحه

فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح

واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح

و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح

من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان

لا تبصرين به الغدير

و لا يلذّ لك الخرير

لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا

و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى

مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى

ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته

أزهاره لا تذبل

و نجومه لا تأفل

مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات

إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة

فدعي الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاة

قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا

فيه البشاشة و البهاء

ليكن كذلك في المساء

ويمكن الاستماع للقصيدة من خلال الرابط


المحور الثاني :مقطوعات شعرية في الحث على السعادة والتفاؤل للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي،فيما يلي أبرزها :

السجود يزيل الهموم :

تطاولَ ليلي والظلام تجهّما

‏فقصّرتُه بالذكرِ حتى تصرّما

‏وأغلقتُ أبوابَ الهموم بسجدةٍ

‏تضرّعتُ فيها للإله فأنعَما

‏فتحتُ بها الآفاقَ حتى رأيتها

‏تُشاطرني الإحساسَ بدراً وأنجُما

‏وصار ظلامُ الليل للأُنسِ واحةً

‏بها مُهجتي طابت وثغري تبسّما

إذا ما شكوتَ الهمَّ فاهزمْ جيوشَه

بسجدةِ عبدٍ لاذ باللهِ واحْتَمى

‏نعم للسعادة لا للحزن :*

ريحانتي ، لستُ إلاّ مسلماً فَرِحاً

بدينه ،وبِحُبِّ الخير مَلْآنا

‏فَلْتَطْمَئنِّي على مَنْ تَغْرسينَ له

‏في كلِّ ناحية وَرْداً وريحانا

‏أناالسعيدُ الحزينُ المُبْتَغي فرَجاً

‏من ربّه ،وأنا المُسْتَبْشِرُ الآنا

‏آمنتُ باللّه إيماناً ملكتُ به

‏سعادةً أصبحتْ في القلب بستانا

صباح التفاؤل والابتسامة :

صباحَ السَّعْدِ بعدَ السّعد والإسعادِ والسُّعدى

صباحاً مشرقاً بالحبِّ مِن قَطْرِ الندى أندى

صباحاً طاهرَ الأنفاس والإحساس مبتسماً

يزُفّ لنا زهورَ الحبّ والرّيحانَ والوردا

صباحاً فيه نسمعُ صوتَ آياتٍ مُرتّلةٍ

فحمداً للذي أعطى وشكراً للذي أَسْدى



تحويل الحزن لسعادة :

غرّدْ فمِثْلُكَ يُحسنُ التّغريدا

وافتحْ طريقاً للصفاءِ جديدا

غرّدْ فأنت منحتَ فجريَ حُسْنَه

وجعلتَ وُجدانَ الحزينِ سعيدا

روح التفاؤل :*

‏نَدْفُ الغَمامِ وأنفاسُ الغروبِ على

‏بَياضه حرّكتْ أَشجانَ وجداني

‏أكادُ من عُمْقِ إحساسي أرُشُّ على

‏نَدْفِ الغمامِ النّدى من عِطرِ أوزاني

‏ياليت لي كجناحِ الصّقرِ يرفعني

‏لكي أُسطِّرَ فوقَ الغيمِ عنواني

‏هناكَ حيث تراني كلُّ سابحةٍ

‏من النجومِ على قُرْبٍ فتَلْقَاني

السعادة في الأخلاق السامية :

شجرُ المروءةِ في رحابكَ مُثمرُ

أبداً فما تَذْوي الغصونُ وتَضْمُرُ

الخير ُفي قسماتِ وجهكَ ناصعٌ

ومكارم الأخلاق عندك تُزهِرُ

تتسابقُ الكلماتُ حين أزفّها

شعراً لمدحك فهيَ مثلي تشعُرُ

أنا ما رأيتك رأيَ عينٍ إنما

روحي تراك ونَبضُ قلبي يُبصرُ

هذي محجّتُك التي أهديتَنا

بيضاءُ مُشرقةٌ تَلوحُ وتظهرُ

هي فجرنا الوضّاءُ تسطعُ شمسُه

فدياجِرُ الظلْماءِ منها تَنفِرُ

هي و الصّحى متلازمانِ ومنهما

نورُ العقيدةِ والشريعة يَصدُرُ

:نفس مطمئ*

اطمئني فقد رَسَمتُ الطّريقا

‏واسعاً والْتزمْتُ ألَّا يَضِيقا

‏أنا لا أبصر الزّوايا ولكن

‏أبصر الأُفقَ والفضاء الطَّليقا

‏أبصرُ الكونَ كلَّه حين أتلو

‏آيةً تملأ الوُجودَ بريقا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى