عصري فياض - الخطورة الاكبر ليست في"الكتائب" و"العرين"

لعل المراقب للإحداث التي تجري على الساحة الفلسطينية وخاصة لجهة تشكيل المجموعات المسلحة الفلسطينية سواء "كتيبة جنين" وعرين الاسود " في نابلس وكتائب ومجموعات أخرى بعض النظر عن احجامها ومستوياتها وإتساع جغرافيتها،يدرك بلا ما لا يدع مجالا للشك أن حملة ما يسمى "كاسر الامواج" التي وضعتها الاجهزة الامنية " الاسرائيلية " وجيش الاحتلال للقضاء على هذه الحالة والتي انطلقت قبل أكثر من عام،لم تنجح لغاية الان في تحقيق اهدافها رغما أنها جاءت في ظل حكومتين "إسرائيليتين "،الاولى وضعتها ونفذت قسما منها،والثانية الاكثر تطرفا،أكملتها ورفعت درجة حدتها،فأوغلت أكثر في البطش والقتل بغية تحقيق النجاح المطلوب لتلك الخطة،لكنها فشلت لغاية الان في القضاء على هذه الظاهر المسلحة إن لم نقل الثورة الشبابية الفلسطينية المسلحة في شمال الضفــــــــــــــة.
لكن برأيي ليست الخطورة الاكبر التي ستواجهها دولة الاحتلال في الصدام مع هذه المجموعات وما ينتج عنه من رفع حالة التوتر الشديد،والصدام الدامي المُحَفِزْ لإطلاق موجة جديدة من الاحداث التي قد لا يمكن السيطرة عليها، وحصول انفجار شامل متعدد الاوجه من حيث شكل المقاومات سواء كانت الصدامات الشعبية الجماهيرية أو القيام بتنفيذ عمليات ثأرية من قبل " ليوث منفردة " أو حتى عمليات مسحلة منظمة،أو حتى اندلاع شرارة مواجهة جديدة بين جيش الاحتلال والقوى والفصائل المسلحة في قطاع غزة،الخطورة الاكبر تكمن في أثر هذه التشكيلات المسلحة وما احدثته وتحدثه في الاجيال الفلسطينية من أطفال وفتية على مدار الفترة الماضية في كل التجمعات الفلسطينية في الضفة والقدس،ففي السادس والعشرين من الشهر الفائت،وعندما إجتاحت قوات الاحتلال مخيم جنين،ارتقى عشرة شهداء وأصيب نحو اثنان وعشرون شهيدا،كان منهم سيدة مسنة وخمسة مقاومين،وطفل وفتى ارتقيا وهما يمسكان العبوات محلية الصنع المعروفة شعبيا بإسم " الاكواع"،ومن الجرحى الكثير من الفتيان من حملة مثل هذه " الاكواع"،ولعل قيام طفل في مخيم جنين بالتبرع بمصروفه المدرسي اليومي لصديق له من أجل الحصول على مثل هذه الاشكال من المقاومة،لا يعتبر حدثا جانبيا،بل نتاج ثقافة استشرت وتستشري بين الاجيال،وما مرورك مساء في ازقة المخيم واعتراضك من قبل اطفال لم يتجاوز سنهم الرابعة من العمر، يمدون امامك عصيهم ويطلبون منك بطاقة الهوية إلا تقليدا لما يرون من تصرف مجموعات الحراسة واليقظة في المخيم الذين يعيشون حالة من الاستنفار الامني المتواصل على مدار الساعة ،تحسبا من تسلل وحدات خاصة بهدف تصفية المطاردين والمسلحين،وإذا ذهبت لروضة الاطفال الوحيدة في المخيم والتي تسمى روضة العودة،وتفحصت رقاب الاطفال والزهرات،فلن تجد جيدا لا تحمل قلالدة عليها صورة شهيد،فهذا يعلق صورة " الحصري" وذاك" داوود" وآخر "العموري" ورابع " فاروق " وخامس " متين " وهكـــــــــــــذا .
وما حدث في القدس في اليوم التالي من عملية خيري علقم،كان الفعل الثاني لطفل لم يتجاوز الثلاثة عشر من عمره في حدث فريد قل نظيره على امتداد زمن الصراع،وما جرى في نابلس قبل ايام،وارتقى خلاله احدى عشر شهيدا كان من بينهم طفل،وكان من بين الاف الاهالي الذين اندفعوا للمواجهة القوات الاسرائيلية التي حاصرت المطاردين مئات الاطفال والفتيان الذين تركوا مساحات العابهم وانضموا لهذه الحالة من المواجهة التي اصبحت في الفترة الاخيرة متواصلة ومعتادة،أي أن نمط الحياة لهؤلاء الاطفال والفتية سواء في نابلس او جنين أو في غيرها،او جزءا كبيرا منه إنقلب، وأصبحت هذه الظاهرة محط إهتمام ومتابعة وتقليد واقتداء من عشرات الالف من الاجيال الصاعدة من فتيان وأطفال في مدن ومخيمان وقرى الاحداث الساخنة،وحتى القرى والمدن والمخيمات البعيدة نسبيا عن المواجهات الساخنة المتواصلة،فيكفي أن تمر على مقبرة الشهداء في مخيم جنين بعد خروج طلاب مدرسة وكالة الغوث الاعدادية والابتدائية القريبة منها،لترى كم الاطفال والفتيان الذين يحجون يوميا لتلك المقبرة،ويلتفون حول أضرحة الشهداء، هذا يسقي زهرا نبت على قبر الشهيد وذاك يمسح الغبار عن رخام قبره،وألئك يتحدثون وبعضهم يربط رأسه بعصبات تدل على فصائل وتنظيمات،ومثل ذلك يحدث على اضرحة الشهداء في مدينة نابلس ومخيم عقبة جبر وغيرها من الاماكن التي يرتقي بها شهداء سواء في الصدامات الشعبية او المقاومة المسلحــــــــــــــــــــة.
وإذا كانت الموجة التي تكونت من مجموعات مسلحة في غير مكان من الضفة الفلسطينية هي القلق والأرق الكبير " لـ "إسرائيل "،فإن ما ينتج عنها من قلب مفاهيم وتغير مسارات حياة الاجيال القادمة من فتيان وأطفال،وتعلق هذه الاجيال الصاعدة بهذه الظاهرة وثقافتها مع ديمومتها،فإن السنوات القادمة ستهيأ أجيالا واسعة وكبيرة تعد اضعاف اضعاف المجموعات الحالية المتكونة ستكون قد أصبحت معدة ومستعدة ومهيئة للانتفاض في وجه الاحتلال بكل الوسائل،والتي سيكون اقربها حمل السلاح،عندها لن تفلح معها حينها لا سياسة وخطط "كاسر الامواج" ولا حتى تسكين الــــــــــزلازل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى