عبد الرزّاق الربيعي - معزوفاتٌ ملوّنةٌ على قيثارة الحبّ والحرب..

كيف يمكن للحب بكلّ ما فيه من طاقة على الحياة أن يصبح مرادفا للحرب بما تحمله من معاني الدمار، والفناء، والموت ؟
دار هذا التساؤل في ذهني، خلال تحضيري للأمسية الشعريّة التي أقامها النادي الاجتماعي للجالية السودانية في مسقط وحملت عنوان ( قصائد في الحب والحرب والسلام)، وأنا أقف على المنصّة تساءلت: هل عبثا أن الحضارات القديمة جعلت للحب والحرب آلهة واحدة هي (إنانا) في الحضارة السومرية، و(عشتار) في البابلية، وافروديت لدى اليونانيين، وفينوس لدى الرومان، وعشتروت عند الفينيقيين؟ وكأنّ الحب هو المضاد الحيوي الذي يحقن به جسد الحرب التي ذمّها زهير بي أبي سلمى في معلّقته، ونعتها بأبشع الصفات، بقوله:
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فالحروب كلّها شرور، وتدمير، ولا تخلّف إلّا خرائب ودمارا، وأيتاما، وأرامل، يقول جبران خليل جبران "ستنتهي الحرب، ويتصافح القادة، وتبقى تلك المرأة تنتظر ولدها الشهيد"
وحسنا فعلت اللجنة المنظّمة للأمسية التي شاركت فيها إلى جانب مجموعة من الشعراء العرب المقيمين في السلطنة (محمد نجيب محمد علي، وسام العاني، عادل حسن إبراهيم، جمانة الطراونة، د. غالية عيسى، ويوسف الحبّوب، الذي ساهم في تنظيمها، فيما أدارها: د. المنشتح ضرار)، عندما قدّمت الحب على الحرب، فهو الكفيل بإطفاء نيرانها المستعرة، لاسيّما أن كوكب الأرض صار مسرحا للصراعات، يتساءل الشاعر الكبير عبدالرزّاق عبدالواحد مستذكرا أيام الطمأنينة حين كنّا :
نغفو، وتغفو دورُنا مطمئنّةً وسائُدها طُهرٌ، وطهرٌ لحافُها
فماذا جرى للأرض حتى تبدَّلتْ بحيث استوَتْ وديانُها وشِعافُها
وماذا جرى للأرض حتى تلوَّثت إلى حدّ في الأرحام ضجَّتْ نِطافُها
وماذا جرى للأرض.. كانت عزيزةً فهانتْ غَواليها، ودانت طِرافُها
لقد أطلق الشعراء في تلك الأمسية، صرخة احتجاج على الحروب الدائرة في أنحاء متفرّقة من عالمنا المضطرب، والسودان تحديدا، وكذلك اليمن، حيث يتقاتل الأخوة، في حروب عبثيّة، - وكلّ الحروب عبثيّة-، ورغم أنّ صوت العقل، والجمال، والحبّ تبقى مساحة تأثيره محدودة، فالقادة لا يصغون لأصوات الشعراء ويكفي أن الكاتبة الفرنسية بيرتا كينسكي أصدرت عام 1876 رواية حملت عنوان (تسقط الأسلحة)، ولم تسقط الأسلحة، وقامت بعدها بسنوات الحربان العالميّتان الأولى والثانية، وبقي الفريد نوبل صاحب أكبر مصانع لصناعة الأسلحة في العالم، ينشئ المصانع ويبتكر الأسلحة الثقال، حتى بلغ عدد مصانعه 90 مصنعا! ولكن كينسكي، ظلّت تطلق صرختها: (تسقط الأسلحة)، ويُقال هي من أقنعته بتخصيص جائزة للسلام التي منحت للمرّة الأولى عام 1906 وكانت من حصة بيرثا فون سوتنر، بعد أن خصّص ثروته للأشخاص الذين يقدّمون خدمات إنسانية في الفيزياء والكيمياء والطب والأدب، وهذا يعني أنّ الكلمة يمكن لها أن تحدث فارقا.
وفي أزمنة الحرب لا يقف الحبّ وحيدا فريدا، يبعث رسائله على ألسنة الشعراء، بل يقف إلى جواره صوت الحكمة، لإطفاء سعيرها، والخروج من هذه الأزمات يكمن في إحلال السلام، وهذا ما تفعله السلطنة اليوم، وهي تكرّس جهودها لإعلاء كلمة السلام، وفتح قنوات الحوار، لأنها كفيلة بحلّ المشاكل العالقة بين الدول المتحاربة.
لقد أتاحت أمسية (قصائد في الحبّ والحرب والسلام) التي أقيمت في مقرّ النادي الاجتماعي للجالية السودانية بدار سيت، للشعراء فرصة ليقولوا كلمتهم، ويعزفوا بآليات ونبرات مختلفة، وأساليب ملوّنة، على قيثارة الجمال، لكنّ أصواتهم اتّفقت في إدانة الحرب، وتمجيد الحبّ، وإعلاء قيمة السلام الذي ستجد فيه البشرية الخلاص.


* نشر في صحيفة( أثير)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى