سعيد الشحات - ذات يوم.. 14 أكتوبر 1932 وفاة أمير الشعراء أحمد شوقى أعجوبة الأعاجيب في شعره والقائل: "لو وضعت حافظ إبراهيم على خليل مطران لخلقت منهما ش

- ذات يوم.. 14 أكتوبر 1932 وفاة أمير الشعراء أحمد شوقى أعجوبة الأعاجيب في شعره والقائل: "لو وضعت حافظ إبراهيم على خليل مطران لخلقت منهما شاعرا وأنا هذا الشاعر"
........................................................

1
كانت الساعة الثانية صباح 14 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1932، حين استيقظ حسين ابن أمير الشعراء أحمد شوقى على صوت الخادم يناديه، ويخبره بأن أباه تعبان وأنه يطلبه، فأسرع حسين إلى أبيه فى حجرته فوجد أمه بجانبه قلقة تناديه: «ما بك؟ ما بك؟»، ولكنه لم يجب إذ كانت روحه قد فاضت، حسبما يذكر حسين شوقى فى كتابه «أبى شوقى»، مضيفا: «ذهبت روحه إلى ذلك العالم المجهول الذى طالما سأل عنه وتمنى لو عرف أسراره، ألم يقل مخاطبا شكسبير: «يا صاحب العصر الخالى ألا خبر/ عن عالم الموت يرويه الألباء/ أما الحياة فأمر قد وصفت لنا/ فهل لما بعد تمثيل وادناء».
2
يضيف حسين شوقى: «كتبنا على قبره عملا برغبة أبداها يوما، بيتين من قصيدته نهج البردة فى مدح الرسول عليه السلام: «يا أحمد الخير لى جاه بتسميتى/ وكيف لا يتسامى بالرسول سمى/ إن جل ذنبى عن الغفران لى أمل/ فى الله يجعلنى فى خير معتصم».
3
كان أمير الشعراء يبلغ من العمر وقت وفاته 64 عاما، «مواليد 16 أكتوبر 1868»، ووفقا للدكتور زكى مبارك فى كتابه «أحمد شوقى»: «عاش شوقى للشعر ومات بالشعر، ففى الساعة التى كان يجود فيها بروحه، كانت الآنسة ملك تطرب الجمهور بتغريدته «يا حلوة الوعد ما أنساك ميعادى»، وفى صباح اليوم الذى جهز فيه نعشه، كان المنشد ينشد قصيدته فى مصنع مشروع القرش فهتف هاتف: «يحيا شوقى»، وصفق الجمهور وأغرق فى الهتاف، ولكن هاتفا آخر رفع صوته وقال: يرحم الله شوقى، وتلفت الجمهور وهو مذعور فعرف أن المقادير انتزعت من بين يديه كنزه الثمين».
4
يراه الكاتب والمفكر والمجاهد «فتحى رضوان» فى كتابه «عصر ورجال»: «عاش بيننا كأنه واحد من شعراء العصر الأموى والعباسى، يتناول أمورنا بأسلوبهم، ويرثى عظماءنا على طريقتهم، ثم يجدد فى اللغة والشعر، وينفى عنها جمودها وركاكتها ورثاثة أساليبها، التى أورثنا إياها العهد العثمانى المظلم، وعهد المماليك المدمر، وعهد الاستعمار الذى آلى على نفسه أن يقوض أسباب وجودنا، وأن يقطع صلاتنا بأنفسنا وتاريخنا وآبائنا».
5
يتذكر فتحى رضوان فى لقاء جمعة بشوقى أنه قال له مقارنا نفسه بالشاعرين، حافظ إبراهيم، وخليل مطران: «حافظ شاعر ولكن تنقصه المعانى، ويسىء إليه كثيرا أنه محدث عظيم، يخرج من بيته فيرتاد المجالس، فيخلب لب السامعين بطرائفه وخفة ظله وحلاوة حديثه، ينتقل من مجلس إلى مجلس، وفى جميع الأحوال هو المتحدث، والناس يسمعون، لا يسمح لأحد غيره أن يتكلم، فبدل أن يأخذ من كل زهرة رحيقها، يعطى للناس أجمل ما عنده، فإذا عاد إلى بيته أفرغ كل ما فى جعبته، وشعر بالحاجة إلى الراحة وسعى للنوم، أما أنا فلا أحب الكلام وأهرب من الناس، ثقلاؤهم كثيرون ويطاردوننى ولا أجد منفذا لى إلا الشعر، أما مطران فمتعلم، على عكس حافظ، ويقرأ كثيرا خصوصا عن الأدب والشعر الأوروبى، ولذلك عنده معان، ولكن هذه المعانى فى حاجة إلى لفظ جميل مثلها، ولكنه يشتغل فى الثقافة الزراعية، فيمضى سحابة نهاره فى شؤون لا تمت إلى الأدب ولا تجلو صدأ النفس، فتأتى ألفاظه خالية من الحرارة والجمال، ولو وضعت حافظ على مطران لخلقت منهما شاعرا، وأنا هذا الشاعر».
6
يصف زكى مبارك، شوقى الشاعر والشخص قائلا: «كان شوقى عاديا فى حديثه وفى مظهره، ولكنه كان فى شعره أعجوبة الأعاجيب، وكان دليلا على أن العرب كانوا معذورين حين ظنوا الشعر من وحى الشيطان، فما أذكر أن حديث شوقى راعنى مرة، أو دلنى على أن للرجل عقلا يمتاز به عن سائر العقول، وكان مظهره بسيط جدا، لأنه كان يبغض اللباس الأنيق، وكان يضيق صدرا بالملابس الرسمية، وطلب من الخديو السابق «عباس حلمى الثانى» أن يعفيه من لبس الردنجوت فى عابدين، وأعفاه الخديو فكان شكله يضحك، حين يتكلف ملابس الاستقبال عند تقديم بعض السفراء».
7
يضيف «مبارك»: «كان شوقى من كبار أهل العلم بأسرار اللغة العربية، وقد دانت له تعابيرها وأخيلتها وألفاظها، حيث كانت تحمل من صنوف الثروة اللغوية ما لا تظفر به قصائد غيره من المعاصرين إلا فى النادر القليل، كان يقع على كلمات نادرة يطرز بها شعره من غير أن يشعر القارئ أنها اجتلبت عن طريق التكلف أو الافتعال، أبدع شوقى القصص الشعرى المسرحى لأول مرة فى تاريخ اللغة العربية، ولم يكن أول من حاول هذه المحاولة، ولكنه أول من نجح نجاحا يذكر ويؤثر، هو أول من شغل المسارح برواياته الشعرية، وأول من طاف بشعره الممثلون فى مختلف الأقطار العربية».


..................................................
ذات يوم
- سعيد الشحات
#اليوم السابع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى