محمود درويش

أَنَا مِنْ هُنَاكَ. وَلِي ذِكْريَاتٌ. وُلِدْتُ كَمَا تُولَدُ النَّاسُ. لِي وَالِدَهْ وبيتٌ كثيرُ النَّوافِذِ. لِي إِخْوَةٌ. أَصْدِقَاءُ. وَسِجْنٌ بِنَافِذَةٍ بَارِدَهْ. وَلِي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارِسُ. لِي مَشْهَدِي الخَاصُّ. لِي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ وَلِي قَمَرٌ فِي أقَاصِي الكَلاَم،...
تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْ تُنْسَى كمصرع طائرٍ ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى، كحبّ عابرٍ وكوردةٍ في الليل .... تُنْسَى أَنا للطريق...هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ. هُنَاكَ مَنْ نَثَرَ الكلام على سجيَّتِه ليدخل في الحكايةِ أَو يضيءَ لمن سيأتي بعدَهُ أَثراً...
لا بابَ يَفْتَحُهُ أمامي البَحرُ.. قُلتُ: قَصيدتي‏ حَجَرٌ يَطيرُ إلى أبي حَجَلاً. أتَعْلَمُ يا أَبي‏ ماحَلَّ بي? لا بابَ يُغْلقُهُ عَلَيَّ الْبحْرُ, لا‏ مرْآة أكْسِرُها لِيْنتشرَ الطّريقُ حَصىً.. أَمامِي‏ أو زَبَدْ...‏ هل مِنْ أَحَدْ..‏ يبكي على أحَدٍ لأحْمِلَ نَايَهُ‏ عنْهُ, وأْظْهِرَ...
إن اعادوا لك المقاهي القديمة من يعيدُ لكَ الرفاق .. ؟؟ مات الذين تحبُّهُم واللوزُ يُزهر كلَّ عامٍ بانتظامْ ماتوا ولكنَّ الصخور تبيضُ لي حجلاً وتسحب ظلَّها البُني عني طُرق بلا طُرق هناكَ, وههنا أفقٌ، وأغنية تمنَّتني ولكن حطمتني وحدي أُجدِّد صرختي: عودوا لأسمع صرختي . عودوا إلىَّ الآن مني. هو لا...
[ في ذكرى جمال عبد الناصر ] نَعيشُ معكْ نسير معك نجوع معك وحين تموت !نحاول ألاّ نموت معك! ولكن، لماذا تموت بعيداً عن الماء والنيل ملء يديكْ؟ لماذا تموت بعيداً عن البرق والبرق في شفتيك؟ وأنت وعدت القبائلْ برحلة صيف من الجاهليهْ وأنت وعدت السلاسل بنار الزنود القويهْ وأنت وعدت المقاتل بمعركة...
ما دلني أحد علي. أنا الدليل, أنا الدليل إلي بين البحر والصحراء. من لغتي ولدت على طريق الهند بين قبيلتين صغيرتين عليهما قمر الديانات القديمة, والسلام المستحيل وعليهما أن تحفظا فلك الجوار الفارسي وهاجس الروم الكبير, ليهبط الزمن الثقيل عن خيمة العربي أكثر. من أنا؟ هذا سؤال الآخرين ولا جواب له. أنا...
أغلقوا المشهد تاركين لنا فسحة للرجوع إلى غيرنا ناقصين. صعدنا على شاشة السينما باسمين, كما ينبغي أن نكون على شاشة السينما, وارتجلنا كلاما أعد لنا سلفاً، آسفين على فرصة الشهداء الأخيرة. ثم انحنينا نسلم أسماءنا للمشاة على الجانبين. وعدنا إلى غدنا ناقصين... أغلقوا المشهد انتصروا عبروا أمسنا كله...
فكّرت يومًا بالرحيل، فحطّ حسّونٌ على يدها ونام. وكان يكفي أن أداعب غصن داليةٍ على عجلٍ... لتدرك أنّ كأس نبيذي امتلأت. ويكفي أن أنام مبكّرًا لترى منامي واضحًا، فتطيل ليلتها لتحرسه... ويكفي أن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أنّ عنواني تغيّر، فوق قارعة السجون، وأنّ أيّامي تحوّم حولها... وحيالها * أمّي تعدّ...
(إلى بابلو نيرودا) يتسلّقُ الجيتارَ: ستُّ سنابل تأتي من الأسرارِ تنهمرُ الجهاتُ عليه – منه. وهكذا تأتي الخلاصةُ: إنّ خمس أنامل تحمي المحيطَ من الجفاف. ويغضبُ الجيتارُ: ستُّ زوابعٍ تأتي من الصمتِ المهدِّدِ. هكذا تأتي الخلاصة: إنّ خمس أصابع تحمي الصباح من التردّدِ. إنّ نيرودا يُغنّي بين الفراشة...
للعدوِّ الذي يَشربُ الشَّاي في كوخِنا فَرسٌ في الدُّخانِ.وبنْتٌ لها حاجبانِ كَثيفانِ.عَينانِ بنِّيتان. وشَعرٌ طَويلٌ كَليلِ الأغاني عَلى الكَتفينِ. وصُورَتها لا تُفارقهُ كُلَّما جَاءنا يَطلبُ الشَّاي. لَكنَّه لا يحدثُنا عَن مَشاغلها في المساء، وعَن فَرسٍ تَركتهُ الأغَاني عَلى قِمَّة التلِّ.../...
في الشارع الخامس حيّاني . بكى . مال على السور الزجاجي ، ولا صفصاف في نيويورك. أبكاني . أعاد الماءَ للنهر . شربنا قهوه . ثم افترقنا في الثواني . منذ عشرين سنهْ وأنا أعرفه في الأربعينْ وطويلاً كنشيدٍ ساحليّ ، وحزينْ كان يأتينا كسيف من نبيذٍ . كان يمضي كنهايات صلاهْ كان يرمي شِعْرَهُ في مطعم "...
عَلَى ضِفَّة الدَّرْبِ. هَل تَسْتَطيعين أنْ تَخْرُجي مِنْ نداءِ الحَبَقْ وَأَنْ تقسمِيني إلى اثْنَيْن : أَنْتِ، وَمَا يَتَبِقَّى مِنَ الأُغْنِيَهْ ؟ وَحُبٌ هو الحُبُّ. فِي كُلِّ حُبِّ أرى الحُبَّ مَوْتاً لِمَوْتٍ سَبَقْ، وَريحاً تُعَاوِدُ دَفْعَ الخُيُول إلَى أمِّهَا _ الرِّيحِ بَيْنَ...
يجيئون، أبوابُنا البحرُ، فاجأنا مطرٌ. لا إله سوى الله. فاجأنا مطرٌ و رصاصٌ. هنا الأرضُ سُجّادةٌ، و الحقائب غربهْ! يجيئون، فلتترجّلْ كواكبُ تأتي بلا موعد. و الظهورُ التي استندتْ للخناجر مضطرة للسقوط و ماذا حدث ؟ أنت لا تعرف اليوم. لا لون. لا صوت. لا طعم لا شكل.. يُولد سرحان، يكبر سرحان، يشرب...
1- ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟ ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟ ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس...

هذا الملف

نصوص
31
آخر تحديث
أعلى