د. جورج سلوم

تزوّجتُ وأنجبت ، وتجاوزت الأربعين بسنين ، وأرى نفسي من جديد عطشى للحب !.. ولذا تفيض نفسي من جعبتها ومن مكنون ذكرياتها بكلمات الحب الرقيقة ، كمراهقة عجوز متصابية لم تجد من يبادلها الكلمات فمالت إلى الكتابة الرقمية خجلاً من البَوح المُستهجَن ، ووجدتُ فعلاً في كتاباتي نوعاً من ممارسة الحب...
لا أظنّ أني أخطأت يومَها بانكشافي عليه، وما شعرْتُ حينَها برعدة الخجل، وإن كانت قرْصَةُ البرد هي التي جعلتني أنكمش على ذاتي. وها أنا الآن، وبكامل قوايَ العقلية، لا أرى بأني اقترفتُ ذنباً أو آتيتُ عيباً بعد مرور أشهر على تلك الحادثة، وما الذي يدعوني للخجل ؟ وقد تعرّيت أمامه كما تعرّى أمامي،...
كان لدينا عنترة والزير وابن ذي يزن يرطّبون ليالينا في بلاط الحكواتي ، ويداعبون خيالنا المتجفّف ، وكانوا يُعيدون إلينا ماء الوجه ، إزاء القهر والقنوط والنكسات المتتالية والهزائم المنكرة ، فنقوّم شاربَنا المتدلّي ونرطّب نهايته بلعابنا ليشرئبّ كمنقار الباشق ، فنعود رجالاً على نسائنا فقط ، ونعِدُ...
أنتَ يا من وُلِدْتَ في الظلام ، في الخصى ، في كيس الصفن المتدلّي عنوةً كالمشنوق ، هناك حيث الأعضاء المخبّأة خلْقياً لتكون مخفيّة ومستورة وذليلة ومثيرة للاستحياء ، لأنها عوراتٌ مُخجِلة ، ويجب سترُها ، وحتى عند بني حيوان تكون مستترة ، ومحجوبة عند أولئك الذين لا يعقِلون . فكيف بنا عند الذين...
الصباح ما يزال بعيداً في هذا الشتاء القاسي ، أو هكذا يتمنّى الدكتور حيّان أن يكونْ.. يريده ليلاً طويلاً يظلّ فيه قابعاً في الفراش بعيداً عن الذلّ والانكسار الذي يلقاه في عمله كطبيب ويسخرمن نفسه – كلما تذكّر كلمات المرحومة أمّه – تعنُّ على باله وتجرحه عندما كانت تقول وتردّد: -أتمنّى لو تطول...
صمّاء.. وتسمع ما لا نسمعه بكماء..وكلماتها مفهومة في كلِّ الأصقاع صامتة .. وصمتها يروي ألف حكاية تحكي بيديها حكاياتٍ متعدّدة التفاسير ويجوز فيها ما لا يجوز لذوي الألسن الناطقة.. وروايات الأصابع لا ضيرَ فيها ولا تطالها محاكم القضاة .. ولا تسجّلها دواوين التنصّت والاستخبارات! حكايات تنسجُها...
أريد أن أعرض بضاعتي في سوقكم ، سوق الخضار ! هل تسمحون لي يا باعة البندورة والخيار ؟ لن أزاحمكم ولن أنافسكم ، فبضاعتي ليست إلا كتباً ومجلّداتٍ ومجلات ثقافية ، وتصلح للبيع في زاويةٍ رخيصة من أرصفتكم اللانظيفة ، هي مثلُ بضاعتكم ثمارٌ مزروعة ، لكنّها ذبُلت وخبَت أيامها وذوَت عناوينها وخفّ...
أصعب المواقف في حياتك عندما ترى نفسك مرفوضاً أو ملفوظاً. لستَ مكروهاً من الجميع ، لنقل فقط أنك غير محبوب وغير مرحّبٍ بك ، ثقيلاً في مجلس المتناغمين مع بعضهم بحيث تراهم يسكتون إن حاولت الجلوس بينهم ، وكأنهم يقولون لك غادِرْنا بدل أن نطردك . لم يطردني أحد حتى الآن من حضرته ، لكني أعتبر نفسي...
وعلى الوسادة نفسها التي كنت أتوسّدها كانت تغطّ في نومٍ عميق ، تأمّلْتُ وجهَها المكسوّ بعرق الدفء ، كملاكٍ مستحمّ بقطر الندى الصباحيّ ، تلتصق على جبينه خصيلات شعرها المتناثرة كالإكليل الفوضويّ ، وكأنّ تلك الخُصيلات ضرَباتٌ مُستعجَلة من ريشة فنّان غير مهتمّ لتصفيف شعرها بعد أن بذل كلّ الجهد في...
قصتي اليوم – يا مَن تقرؤون - بوليسيّة ، فيها مجرمٌ وضحيّة ، لكن بلا محقّق ، لأنها مجرّد اعترافات بطريقة الخطف خلفاً .. وكونها قصة قصيرة فلا حاجة لأن يعتصر القارئ أفكاره ويشحذ مخيّلته في متاهة الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة ، ليُماطَ اللثام عن المجرم في الصفحة الأخيرة . بطلتي كانت هي الضحية ،...
في خيمتي المعزولة أضمرَتْ أن يكون اللقاء، ووافقتُها، وكنت أظنّ بأني سحبتٌها من قصرها، وأجبرتُها على أن يكون اللقاء بأرضي وبين جمهوري، ولا أرضَ لي، إذ أني اعتزلتُ في البقعة الحديّة بين الحدود، وأيضاً لا جمهور، لأني ارتضيت العزلة عن الخلق. وسارَتْ على قدميها وبكعبها العالي طويلاً حتى نأت عن الطريق...
وقال لي ذاك الطبيب : -لا بُدَّ للمرء في فترةٍ ما من سنيّ حياته أن يعاني من أعراض البواسير ، ولو بدرجة خفيفة منها ، فلا تبتئسي يا ( أختي ) ، وليست كلّها بحاجة للجراحة . قال ذلك ، وكانت عيني خجلةٌ من عينه ، إذ من الصعب عليك أن تكشف مقعدتك أمام يده الماسّة والجاسّة ، لا سيما عندما يدفع إصبعه...
أشعر بالوحدة مع أني لست وحيداً !!! هي جملةٌ كتَبَها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وذيّلها برقم هاتفه، وعنوان بريده الإلكتروني. ولم يستغرب قرّاؤه ومتابعوه ممّن يعرفونه تلك العبارة وفحواها، ونسجوا من كلماتها القليلة حكاية مُسهَبة بطريقة الخطف خلفاً، فهم يعرفون بأنه تقاعد حديثاً من وظيفته،...
وأشرقت شمس اليوم الخامس بعد الزلزال، وليتها لم تشرق! لأن اليوم الأول كان مؤملاً أكثر من الثاني بوجود ناجين يمكن إنقاذهم. وسيتوقف البحث بعد انقضاء يومنا الخامس هذا، فإن كان هناك بشر تحت تلك الجبال من الركام فهم لا شك قضَوا نحبهم، وصارت العملية تسمّى انتشالاً للجثث. ما أطولكِ يا دقائق الانتظار...
سَمَاعُ صوتِها على الهاتف أعادني خطفاً لعشرين سنة وأكثر من الذكريات، يوم كانت لي بمرتبة العشيقة الفضلى، بل وكانت مشروع الزوجة الحتميّ الذي ينتظر ساعة الصفر للتنفيذ، بعد حلحلة بعض العقد المستعصية، وكنّا كلينا واثقَين كلّ الثقة بأننا وبما يُسمّى الحب الطاغي سنتجاوز التعقيدات المجتمعية الضّحلة...

هذا الملف

نصوص
182
آخر تحديث
أعلى