منقول - من نوادر العشاق.. عشق سماعي

عشق سماعي


قال الجاحظ : ألفت كتابا عن نوادر المعلمين وما هم عليه من الغفلة ثم رجعت عنه وعزمت على تقطيعه , فدخلت يوما مدينة فوجدت فيها معلما في هيئة حسنة فسلمت عليه فرد علي أحسن رد , ورحب بي فجلست عنده ,ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المنقول وأشعار العرب فإذا هو كامل الآداب , فقلت وهذا مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب .‏


قال الجاحظ : فكنت أزوره , فجئت يوما فإذا بالكتاب مغلق , ولم أجده فسألت عنه فقيل : مات له ميت فحزن وجلس في بيته للعزاء .‏


فذهبت إلى بيته وطرقت الباب , فدخلت فإذا به جالس , فقلت : عظم الله أجركم وكل نفس ذائقة الموت فعليك بالصبر , ثم قلت له : هذا الذي توفي ولدك ? قال :لا , قلت : فوالدك ? قال : لا , قلت: فأخوك ? قال : لا, قلت : فزوجك ? قال :لا , فقلت : وما هو منك , قال حبيبتي .‏


فقلت في نفسي هذه أول المناحس , وقلت له: النساء كثير وستجد غيرها .‏


قال أوتظن أنني رأيتها ? قلت: وهذه منحسة ثانية .‏


ثم قلت : وكيف عشقت من لم تر ?‏


قال : اعلم أنني كنت جالسا في هذا المكان وأنا أنظر , إذ رأيت رجلا وهو يردد:‏


يا أم عمرو جزاك الله مكرمة‏


ردي علي فؤادي أينما كانا‏


فقلت في نفسي : لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر فعشقتها , فلما كان من يومين مر ذلك الرجل بعينه وهو يقول :‏


لقد ذهب الحمار بأم عمرو‏


فلا رجعت ولا رجع الحمار‏


فعلمت أنها ماتت فحزنت وأغلقت المكتب وجلست في الدار .‏


النظر يكفي‏


دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان , فقال لها : يا بثينة ما أرى فيك مما كان يقول جميل .‏


فقالت يا أمير المؤمنين إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك .‏


فقال لها فكيف رأيته في عشقه ..فقالت كان كما يقول الشاعر :‏


لا والذي تسجد الجباه له‏


مالي بما تحت ذيلها خبر‏


ولا بفيها ولا هممت بها‏


ما كان إلا الحديث والنظر‏


لعله يعود‏


كان أشعث المغني قد ولع بمغنية في المدينة فطارحها الغناء ذات يوم , فلما أراد الانصراف قال لها : اعطني خاتمك أذكرك .‏


فقالت له وهي تناوله عودا من الأرض : الخاتم يختم على القلب ,ولكن خذ هذا العود لعلك تعود.‏


ذكرها ينعشه‏


قيل لإعرابي ما بلغ حبك لفلانة ?‏


قال : إذا كان بيني وبينها عقبة الطائف أجد من ذكرها رائحة المسك .‏
 
أعلى