حسن أحمد جغام - العلاقة بين الرجل والمرأة في التراث العربي ..

نشرت «الشرق الأوسط» بتاريخ 2002/10/19، مقالا للدكتور جليل العطية عن كتاب «الجنس في أعمال السيوطي»، وقد جاءنا من مؤلف الكتاب التعقيب التالي:

* أرحّب دائما بآراء وملاحظات الدكتور جليل العطية ، واستفيد منها بأي حال من الأحوال، باعتبار الدكتور أصبح من المختصين في التحقيق، خاصة في مجال الجنس في التراث الإسلامي، وقد سبق أن اعترفت بأنه قام بأفضل تحقيق لكتاب «تحفة العروس» للتيجاني.. وكذلك نشرت له كتاباً جيداً آخر هو «الإماء الشواعر» للاصبهاني.. وله غير ذلك من الأعمال القريبة من هذا الموضوع.

قلت إن الدكتور جليل العطية، صديق، وهو فعلا كذلك، منذ سنوات طويلة، ولا شك أنه يعلم علم اليقين بتأليفي لكتاب السيوطي، قبل صدوره، إذ حدثته عنه منذ خمس سنوات على الأقل، وطلبت مساعدته حين كنت ألهث وراء البحث عن مخطوطات السيوطي التي تعالج «الجنس» وهي كما ذكر مبعثرة في مكتبات العالم..

أردت أن أذكر ءلك تعقيباً على قوله:

«ولو اطّلع المؤلف على الفهارس المتقدمة ـ أي التي ذكرها في مقاله ـ وسواها لأغنته كثيراً، ولاستطاع تصويب العديد من الأخطاء التي وقع فيها..»، قال ذلك بعد أن أورد قائمة طويلة بالمراجع عن السيوطي.

وما دمنا نتحدث عن المراجع التي هي أهم مآخذ الدكتور العطية وأكثرها سطوراً في مقاله، فلا بدّ من ذكر أن قسم الفهارس لكتابي عن السيوطي يتضمن قائمة لا بأس بها من المراجع يبلغ عددها 68 كتاباً و22 مصدراً للسيوطي.. ومن بينها ما ينصحني الدكتور بالاطلاع عليه، وجميعها متوفر في مكتبتي الخاصة، وقد اعتمدتها بصفة علمية وعملية، وليس كما يفعل البعض، يضع عشرات العناوين كالحشو، ولا يعرف من بعضها إلا اسم الكتاب..

وإذا كان الدارس للسيوطي والباحث عن آثاره يتعذر عليه الاطلاع على كل أعماله ـ وقد قال من قال إنها بلغت الألف ـ فكيف له أن يُلمّ بجميع ما كُتب عنه خلال خمسة قرون، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، ما الفائدة من ذكر مئات أو آلاف العناوين التي قد تزعج القارئ كثرتها، سيما أن ليس لها علاقة بالمجال الذي ندرسه، ونعني به المسألة الجنسية. ولعله من المفيد أن نعيد ما ذكره الدكتور العطية ـ نفسه ـ وكتبه بالأحرف الكبيرة كمدخل لمقاله، وهو «أعمال جلال الدين السيوطي عرفت اهتماماً كبيراً ما عدا آثاره التي تناولت الجنس في التراث العربي». وهذا القول أعتبره تأييداً صريحاً لما جاء في مقدمة كتابي:

«اختيارنا للسيوطي بالذات يعود لسببين أساسيين، الأول هو أن السيوطي يعد من أخصب كتّاب العرب في هذا المجال، والسبب الثاني وهو ما يبعث على الاستغراب هو عدم تناول الدارسين والباحثين لمؤلفات السيوطي الجنسية».

أما إذا كانت المراجع التي يشير عليّ بها الصديق جليل تتناول موضوعنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. ففي هذه الحالة فإني أعاتب الصديق عتاباً كبيراً، لأنه لم ينصحني بها من قبل، وهو الذي أخبرته قبل غيره بما كنت عازماً عليه، وهو ـ أيضاً ـ يعلم كما ذكرت آنفاً ـ باهتمامي وبحثي عن كل ما له علاقة بالجنس في التراث الأدبي العربي ـ وهو أيضاً ـ مدرك بأن مثل هذا العمل «يحتاج إلى جهد جماعي تساهم فيه مؤسسات..».

يقول الدكتور الناقد «لقد قرأنا الكتاب قراءة جادة، فخرجنا منه بملاحظات نوجزها بما يلي..»، ومن بين هذه الملاحظات، قال بالحرف الواحد: «ثمة آثار نسبت الى السيوطي، أي أنها منحولة أو مدسوسة عليه، غير أن «الجغامي» قدمها كمؤلفات سيوطية منها: الإيضاح في علم النكاح ـ أو أسرار ـ النكاح.. لا شك عندي أن هذا الكتاب من مؤلفات عبد الرحمن بن نصر الشيرازي المتوفى سنة 589هـ»، والصواب أن الشيرازي توفي سنة 774هـ، خلافا لما ذكره الدكتور الناقد.

ويضيف: «كما أن (حاجي خليفة) ذكر هذا الكتاب للشيرازي في كتابه الشهير «كشف الظنون»، واني اعتبر هذه الفقرة الأخيرة بالذات، في غير محلها، وتزيد في عمق الالتباس للباحثين إن لم أقل تزيد في التضليل.. لأنني لم أنف كتاب الشيرازي في كتابي عن السيوطي، بل أكدت وجوده وبيّنت الفارق بينه وبين كتاب السيوطي، وكذلك ذكرت أن السيوطي اعتمده في أحد مؤلفاته.. وإنني أدرَى بذلك من صاحب كشف الظنون، لأنني قرأت الكتابين، وكتاب الشيرازي غير كتاب السيوطي..

استغربت كيف لصديقي أن يقرأ كتابي قراءة جادة، وتفوته كل هذه الإيضاحات المتضمنة لاستدلالات قوية، جاءت جميعها في الفصل الأول من صفحة 69 إلى صفحة 78. وقد كانت غايتي من كتابة هذا الفصل، هي: رفع الالتباس وإزالة الخلط الذي تعمّده بعض المحافظين الذين يدافعون عن السيوطي في تعصب يسيء له أكثر مما ينفعه، وهم ينكرون عليه كتابه «الإيضاح في علم النكاح»، ويدعون أنه لعبد الرحمن بن نصر الشيرازي..

وبيّنت في هذا الفصل، أن للشيرازي كتاباً عنوانه شبيه بعنوان كتاب السيوطي، وهو «الإيضاح في أسرار النكاح»، وبالتالي فهما كتابان مختلفان، والفرق بينهما أن السيوطي استعمل عبارة «علم»، والشيرازي استعمل عبارة «أسرار».

وكي نؤكد نوايا التضليل، لنفترض أن الكتاب واحد، وليس كتابين لمؤلفين، فغاية الجماعة لم تكن غاية «تصويب توثيقي» ولو كانت كذلك لتجاوزنا هذا الالتباس الشكلي... ولكن غايتهم «اصرار مبدئي» منطلقه أن الإمام جلال الدين السيوطي، بوقاره الديني أكثر تعفّفا من أن يدنّس قلمه بهذا السخف.. وهذا ما يريد ان يُبلّغه المحافظون.

الغريب في أمر هؤلاء، كيف أنهم يبرئون السيوطي من هذا التأليف، وينسبونه للشيخ الشيرازي، والاثنان رجلا دين من طبقة الفقهاء، وبذلك فهم مستعدون لإعدام شخص على حساب شخص آخر.

إذن لم أفهم كيف للدكتور العطية أن يتجاهل كل هذه التفاصيل المذكورة في الكتاب بصفة أوسع، ويُعيد اسطوانة الجماعة.

وأقول استغرب موقف الصديق الناقد لأني أعرفه معرفة شخصية المثقف العقلاني البعيد عن الغوغائية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لو كان الدكتور جليل العطية مجرد ناقد عادي، لغفرت له عدم الدقة في استعمال بعض العبارات، ولكنه حين يكون المحقق المختص، لا يجوز له ان يستعمل الصياغة التالية «الايضاح في ـ علم أو أسرار ـ النكاح» ففي هذه الصياغة تكمن المغالطة، والدكتور مطالب بدقة التحقيق وإرجاع الأمور إلى نصابها بوضع النقاط على الحروف وليس ببعثرتها.

أمر آخر أحاول أن أشير إليه باختصار، هو قول الناقد: «ثمة آثار ليست جنسية، درسها المؤلف منها «المزهر في علوم اللغة وأنواعها» فهذا الكتاب لغوي بحت مشهور و«غاية الإحسان في خلق الإنسان» وهذا الكتاب لغوي أيضا ونشر غير مرة».

يؤسفني حين أقول إن الصديق بالرغم من إطرائه لي بعبارات الود معترفا لي في ما بذلته من جهد مثل قوله «هنا لا بد ان نشيد بالجهد المضني الذي بذله حسن جغام في وضع هذا الكتاب يحتاج إلى جهد جماعي تساهم فيه مؤسسات، خاصة ان أجزاء مهمة من تراث السيوطي الجنسي والقريب من الجنس لا يزال مبعثرا في عدة مكتبات عالمية». وقوله: «وعلى الرغم من وفرة الدراسات الحديثة التي تناولت السيوطي، إلا ان الملاحظ ان احدا لم يتصد لآثاره التي تناولت الجنس أو علاقة الرجل بالمرأة، ومن هنا يأتي ترحيبنا بقيام «حسن أحمد جغام» بهذه المهمة الشائكة، الشاقة».

وبقدر ما أكبرت في الصديق جليل مشاعره النبيلة، إلاّ أنه لا يمنعني ذلك من الوقوف عند الملاحظات التالية، ولم يكن قصدي سوى تنوير القارئ وتعميم الفائدة.

فتقديم الكتاب لم يكن دقيقا أو معبرا عن منهجيته، إذ يقدمه قائلا: «يحتوي على مقدمة وأربعة فصول».

أولا: لم يذكر تقديم الشاعر والباحث المغربي محمد بنَيس للكتاب الذي وصفه قائلا: «ولعل إقدام حسن أحمد جغام على جمع اغلب أعمال جلال الدين السيوطي الخاصة بعلم النكاح في كتاب مستقل هو عبارة عن موسوعة عربية يأتي في سياق هذا البحث عن مستقبل مغاير للثقافة العربية».

ثانيا: لما تناول الفصل الثالث، قال: «وكان عنوان الفصل الثالث: مؤلفات أخرى تناول فيها...» وهكذا ذكر العنوان مبتورا، ولم يذكره كما جاء في الكتاب (مؤلفات أخرى عالج فيها فن الباه). ولو ذكره كذلك لما قال «ثمة آثار أخرى ليست جنسية درسها المؤلف» في حين أني بينت سبب إدماج هذه المؤلفات في الكتاب، وجعلت لها فصلا غير فصل الكتب المختصة في «علم الباه» لأنها ـ أصلا ـ كتب لغوية وفقهية وغير ذلك، وذكرت كيف كان السيوطي يطعم مؤلفاته الأخرى ببعض الطرائف وحتى النكت الجنسية،

كما تضمنت مقالة الصديق جليل العطية بعض الملاحظات أقل اهمية صرفنا عنها النظر حرصا على عدم الاطالة، مثل ذكره لكتاب «الكنز المدفون والفلك المشحون» يقول انه لم يكن للسيوطي، وإنما هو ليوسف المالكي، اعتمادا على كشف الظنون.

هناك حقيقة يعلمها الدكتور جليل أكثر من غيره، باعتباره مطلعا على كتب التراث وهي ان العنوان الواحد يستعيره أكثر من مؤلف، وأذكر له مثالا: كتاب «تحفة العشاق» هناك 6 كتب بهذا الاسم وهي لستة مؤلفين مختلفين. «انظر كشف الظنون المجلد الأول صفحة 370» وبالتالي واني استغرب كيف يثير مثل هذه المسائل في حين اني التزمت بما لم يلتزم به غيري من المحققين ـ إذ قبل ان أدخل في معالجة أي كتاب من كتب السيوطي ـ أبدا بكثير من الاحالات والبيانات أذكر فيها، الكتاب ان كان مطبوعا بتحقيق أو بلا تحقيق، وأذكر مصدر نشره وتاريخه، وإن كان مخطوطا أذكر أين يوجد المخطوط ورقمه، وكل ما توفر من معلومات عنه.. وبعد هذا التحري إذا كان ليوسف المالكي كتاب عنوانه «الكنز المدفون» ليس معنى ذلك أنه ليس للسيوطي كتاب بهذا العنوان.

ملاحظة أخرى أثارها الصديق العطية وختم بها مقالته، كنت أود ان اتخطاها لولا حرصي على وضع النقاط على الحروف هي قوله: «اعتمد المؤلف على مؤلفات سيوطية ليست محققة أو بالأدق نشرات تجارية، فكان يفترض به الاعتماد على نشرات محققة تحقيقا علميا».

.
 
أعلى