هدى الدغفق - جرأة البوح وعاطفة لاينتهي حنانها

"الشهيد كالنور الذي يبرق ويخبو
اما من يموت في بيته فلا يخرب سوى الأسرة".
لم اكن اعلم ان شعر المرأة في افغانستان جريء إلى الحد الذي قرأته في كتاب (اللانداي- الشعر الشعبي للنساء البشتون- مختارات) واللانداي كما عرفه المؤلف سعيد مجروح في مقدمته:( يعني حرفيا "الموجز" وهو في الواقع قصيدة قصيرة جدا بيتان من الشعر الحر يتكون من تسعة مقاطع والثاني من ثلاثة عشر مقطعا دون قافية إلزامية، لكن بتفعيلة داخلية قوية مع اختلاف الأنغام وفق المناطق.. من جهة اخرى تصون هذه القصيدة المجهولة القائل من التنافس شبه الدائم، فكل بعد ظهر حين تذهب فتيات القرية لجلب الماء من النبع اوحين يرقصن ويغنين في احتفال او زفاف يرجلن لانداي جديدة يترسب افضلها على الفور في الذاكرة الجماعية.
تحت عنوان( ثلاثة وتسعون لانداي) اطلعك أيها القارئ على بعض المقاطع وهي من المختارات الشعرية النسائية، التي تظهر اصالة اصواتها أنها فريدة.
: "لا أملك ما اقدمه لك ياحبيبي، سوى اعماق قلبي، المأوى الذي شيدته لك"
" يفضل حبيبي العيون بلون السماء
وانا لا أعرف اين ابدل عيني السوداوين".
حبك هو الماء، هوالنار،
يصليني بلهبه ويغرقني بموجه"
" يا إلهي، بدد شبابي كاللهب
بعض الرجال، الوسيمين والمزهوين،
يتقاتلون من اجلي- سأصبح قاتلة"
" انظروا إلى قسوة الزوج الطاغية:
يضربني ويمنعني من البكاء" .
" اي بني، إذا هجرت حربنا
سألعن حتى الحليب في صدري".
" اهنت نفسي في نظر حبيبي
الليل لم يرخ سدوله بعد، ذهبت للفراش دون دعوة".
" لن اذهب لجلب الماء من النبع في المساء
حبيبي شيطان يريد أن يتلبسني".
وبالنظر إلى ماكان عليه المجتمع الأفغاني فلقد فاجأني شعر المرأة الافغانية بتحرره مقارنة بماتعانيه المرأة في افغانستان من اوضاع عسيرة تفرض عليها الجهالة وتستلب منها حقها في الخروج على دور العلم.
ولكن ما يطمئن الى نشوء من هذا النوع جعل القصائد المؤلفة مجهولة النسب فلا اسم تذيل به قصيدة وهو ما اباح جرأة التعبير وتحرر المضامين في وصف مفاتن الجسد ومطالبه ودوافع العواطف وغذائها.
وتدل اشعار اللانداي على عاطفة رفيعة تتمتع بها الشاعرة الافغانية تمزج بينها وبين الطبيعة الخلابة التي تحيطها فتضيف إلى العاطفة العاشقة سحرا آخر إضافيا.
ويرى سعيد بهو الدين مجروح عبارة في غاية الدقة( يبدو أن القدرة على الارتجال ستدوم بفضل القفزة القوية التي تكون دوما فوق القدرة الإنسانية).
ويقول جميل صلاح مترجم كتاب (اللانداي- الشعر الشعبي للنساء البشتون- مختارات):" وقد قام المؤلف بجمع هذه القطع من شعر اللانداي وقام الشاعر الفرنسي اندريه فيلتير بترجمتها إلى الفرنسية.
ثم أضفت فصلاً كاملا غير موجود في الكتاب المذكور الذي حذف منه نص الشاعر الفرنسي، ويشتمل على قصائد مختلفة من اللانداي النسائي والرجالي أيضاً.
وفي الصفحة الثالثة والستين من الكتاب باب يشتمل على نماذج مختلفة من اللانداي من النساء والرجال، وعلى اعتبار ان النماذج الشعرية السابقة من اللانداي كانت للنساء، اذكر هنا نماذج من اللانداي للرجال:
" يا إلهي احلني زهرة صحراوية،
كي يهزني النسيم الذي يهب من حبيبتي"
" كنت زهرة ذاوية ملقاة على جانب الطريق
التقطتني انامل حبيبتي المحناة، فعدت نضرا"
" وجهك وردة، عيناك شمعتان
حقا انا ضائع، اينبغي أن اصبح فراشة ام يراقة؟"
" كل الورق النابت قرب النبع ترياق لكل ألم
إذ ان اوشحة الفتيات تلمسها حين يملأن الجرار".
والحقيقة ان مقدمة المؤلف الأساسي سعيد مجروح تمتعت بالإنسانية العالية التي لمحناها في بعض الافلام الوثائقية عن الافغان بشكل عام.
يقول سعيد مجروح:" دون انموذج يقلد، دون مرجعيات شعرية يحتذى بها، يبدع مؤلفو ادب لغة الباشتون الشفوي في منأى عن الكتب بشكل عام، يصونون مؤلفاتهم الخالية من المؤثرات الخارجية ومعونات الأبحاث الدراسية او الجامعية ويمنحون اعمالهم قوة الصدى الرمزي لنتعرف عبرها على شعب بأكمله".
ويؤكد المؤلف أمرا في غاية الضرورة يفسر حيوية شعر اللانداي وسر هذه العاطفة القائمة فيه:" مع ذلك، فإن الأصالة العظيمة لهذا الشعر الشعبي تكمن في وجود المرأة الفعال، إن كانت، كما هو الحال في كل مكان، تساعد على الإلهام في اناشيد الذكر الرتيبة، فإنها تفرض نفسها كمبدعة وبشكل خاص ككاتبة وموضوع عديد من الاغاني يتطلب هذا النمط دوما مشاركتها".
وبتحليل اعمق لموضوع اللانداي وما يتناوله:" مع ذلك إذا تعمقنا بدقة اكبر في المسألة. سيتضح لنا أن المرأة الباشتونية في واقع الأمر ساخطة ، محتجة وترعى تمردها . في مواجهة هذا الاحتجاج الدفين ، الذي يقسو من يوم لآخر، لاتدلي في النهاية سوى بشهادتين انتحارها واغنيتها".
" يمكنك ان تعميني الآن يا إلهي!
لا اريد ان ارى الوجوه: لقد رحل حبيبي".

.
 
أعلى