ريشارد بولان - عولمة تجارة الجنس 1 - الدعارة

لا تعتبر معظم التحاليل المتناولة للعولمة الرأسمالية المعاصرة الوجه العالمي لصناعة التجارة الجنسية .بينما تتركز بقطاع الاقتصاد العالمي هذا، المتسع بحمية، و المؤدي إلى تنقلات كبيرة للسكان، و المدر لأرباح و مداخيل مدهشة، المميزات الأساسية وغير المسبوقة لهذه المرحلة الجديدة من الاقتصاد الرأسمالي.

يقوم المجتمع البرجوازي، الناتج عن العنف، بإعادة إنتاج هذا الأخير بلا توقف وهو مشبع به. إنه مجتمع ناتج عن الجريمة و يقود إلى الجريمة[1].

كما يؤدي نموه السريع إلى النيل من الحقوق الإنسانية الأساسية، لاسيما حقوق النساء و لأطفال الـُمصيرين سلعا جنسية. وتتمثل الدينامية الجارية منذ 1995، في تبني المنظمات الدولية مواقف تميل ، بعد تحليل ورغم تنديد بأسوأ عواقب عولمة سوق الجنس تلك، إلى لبرلة الدعارة[2] و الأسواق الجنسية. إن ما تدافع عنه المنظمة العالمية للتجارة لصالح العولمة النيوبرالية تتولى حاليا هيآت أوربية و دولية مختلفة، منها منظمة الأمم المتحدة، ترويجه بشكل ما في مجال الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال.

تصنيع تجارة الجنس و التحويل إلى سلعة

تستتبع العولمة الرأسمالية اليوم مستوى من «التحويل إلى سلعة» غير مسبوق في تاريخ البشرية. و منذ ثلاثين سنة، تمثل التغيير المأساوي للتجارة الجنسية في تصنيعها وابتذالها ونشرها على نطاق واسع على الصعيد العالمي[3].

خلق هذا التصنيع، القانوني وغير القانوني في آن، والجالب لملايير الدولار[4] سوقا للمبادلات الجنسية، حيث أصبحت ملايين من النساء والأطفال سلعا ذات طابع جنسي. وقد نتجت هذه السوق عن انتشار الدعارة على نطاق واسع، (كنتيجة، ضمن أخريات، لحضور العسكر المجندين في معارك و/ أو احتلال مناطق[5] لاسيما في البلدان المصنعة حديثا، وعن تطور غير مسبوق للصناعة السياحية[6]، وعن ازدهار وتطبيع الخلاعية [7]، وعن تدويل الزواج المدبر[8]، و كذلك عن حاجات تراكم الرأسمال.

القول إن ثمة تصنيع للتجارة الجنسية أمر بديهي، إذ شاهدنا، ضمن مسائل أخرى، تطور إنتاج على نطاق واسع منتجات وخدمات جنسية، والذي أدى إلى قسمة جهوية و دولية للعمل. تتشكل «المنتجات» إلى حد كبير من بشر يبيعون خدمات جنسية. وأصبحت هذه الصناعة،التي تنتشر في سوق معولمة و تدمج في نفس الآن المستويين المحلي[9] والجهوي، قوة اقتصادية لا مناص منها. وتستند الدعارة والصناعات الجنسية التابعة لها- الحانات ونوادي الراقصات والمواخير وصالونات التدليك ودور إنتاج الخلاعية،الـخ – على اقتصاد خفي ضخم يراقبه قوادون مرتبطون بالجريمة المنظمة وتستفيد منها قوى الأمن الفاسدة. كما تنتفع المجموعات الفندقية الدولية وشركات الطيران والصناعة السياحية، بشكل واسع من صناعة التجارة الجنسية. بل حتى الحكومات مستفيدة منها: ففي سنة 1995 ُقدر أن مداخيل الدعارة في تايلاند تشكل ما بين 59% و60% من ميزانية الحكومة[10].فليس عبثا أن قامت الحكومة، سنة 1987، بتشجيع السياحة الجنسية بعبارات من قبيل «إن الفاكهة الألذ من durian [فاكهة محلية]،هي الفتيات.»[11]. و في سنة 1998 قدرت منظمة العمل الدولية أن الدعارة تشكل بين 2% و14 % من مجموع الأنشطة الاقتصادية بتايلاند و إندونيسيا و ماليزيا و الفليبين[12]. وحسب دراسة قام بها بيشون وروبنسون[13] تجلب الصناعة السياحية 4 مليار دولار سنويا في تايلاند.

يشكل تصنيع التجارة الجنسية وعولمتها العناصر الأساسية التي تجعل الدعارة المعاصرة مختلفة نوعيا عن دعارة الماضي. فقد بات متاحا المستهلكين الحصول على أجساد «مجلوبة» وفتية و حتى فتية جدا عبر العالم، لاسيما في البرازيل وكوبا وروسيا وكينيا وسيريلانكا و الفليبين وفيتنام ونيكاراغوا وفي مواقع أخرى. إن صناعة التجارة الجنسية متنوعة ومعقدة ومتخصصة: بإمكانها الاستجابة لكل أنواع الطلبات.

يتمثل عامل آخر يضفي طابعا مختلفا نوعيا على التجارة الجنسية الراهنة بواقع أن الدعارة أصبحت استراتيجية تنمية لدى بعض الدول. إذ تحت إكراه سداد الديون، شجعت المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي- التي منحت قروضا كبيرة-العديد من الدول الآسيوية و دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا على تطوير صناعة السياحة والتسلية. وفي كل حالة، أتاح ازدهار هاذين القطاعين صعود صناعة التجارة الجنسية[14]. وفي بعض الحالات، كما في نيبال، جرى وضع النساء والأطفال مباشرة في الأسواق الجهوية والدولية (لاسيما بالهند و هونغ كونغ)، دون أن يشهد البلد توسعا مهما للدعارة المحلية. وفي حالات أخرى، كما في تايلاند، كانت النتيجة تطورا متزامنا للسوق المحلية وللأسواق الجهوية والدولية[15].و ُيلاحظ في جميع الحالات، أن حركة هذه السلع، سواء على المستوى العابر للقارات أو متعدد القوميات، تتجه من مناطق ضعف تركز الرأسمال باتجاه تركزه القوي.

هكذا، على سبيل المثال، قُدر أنه تم الاتجار منذ 10 سنوات في 200000 امرأة وفتاة من بنغلادش باتجاه باكستان[ 16] بينما 20000 إلى 30000 مومس في تايلاند أصلهن يرمانيا[17].

باتت العولمة الرأسمالية تتميز بتأنيث مهم أكثر فأكثر للهجرة[18]. ويتم جزء كبير من تدفق الهجرة باتجاه البلدان المصنعة[19]. وطبعا تقع العاهرات الأجنبيات أسفل تراتبية الدعارة، وهن معزولات اجتماعيا و ثقافيا، و يعملن في أسوء ظروف صحية ممكنة. ينبغي أن يرتكز كل اقتصاد سياسي للدعارة وتجارة النساء والأطفال على تحليل بالمفاهيم الكلاسيكية أي التفاوتات البنيوية، والتطور المتفاوت والمركب، وكذلك التراتبية بين الإمبريالية والبلدان التابعة.

تراجع الوضع الاعتباري للنساء و للأطفال، فقد باتت النساء والأطفال ، بالعديد من بلدان العالم الثالث و كذلك في بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا و في بلدان أوربا الشرقية، تحت تأثير سياسات التقويم الهيكلي و لبرلة الاقتصاد، مواد خام جديدة في إطار نمو التجارة الوطنية و الدولية. وتتميز هذه السلع ،من وجهة نظر اقتصادية، بميزة مزدوجة: كون الأجساد منتوجا ماديا وخدمة في نفس الوقت. وعلى نحو أدق، لم نشهد تحويلا للجسد إلى سلعة وحسب، بل كذلك تحويل النساء والأطفال إلى سلع، ومن ثمة الفكرة الشائعة عن ظهور شكل جديد من العبودية لتوصيف تجارة سلعها ملايين النساء والأطفال.

يحدد هذا الواقع شروط وتوسع العولمة الرأسمالية الراهنة بالنسبة للنساء والأطفال المستغلين في صناعة التجارة الجنسية. ويجب إضافة عناصر أخرى حاسمة: لا يتوقف الاختطاف والاغتصاب والعنف عن الاضطلاع بدور مولد لهذه الصناعة، ولا يقتصر دورهم الأساسي على تطور الأسواق، بل يشمل حتى «صنع» هذه السلع، لأنهم يساهمون في جعلها«وظيفية» لهذه الصناعة التي تستلزم جاهزية كاملة للأجساد. 75% إلى80% من البغايا تعرضن لاستغلال جنسي في مرحلة طفولتهن[20]. و يخضع اكثر من90% من العاهرات لتحكم قوادين [20].وقد أثبتت دراسة حول عاهرات الشارع في إنجلترا أن 87% من العاهرات كن ضحايا عنف خلال اثني عشر شهرا الأخيرة[22]، و43% منهن كن قد عانين من اعتداء جسدي خطير.وبينت دراسة أمريكية أن 78% من المومسات كن ضحايا الاغتصاب من قوادين و زبائن بمعدل 49 مرة في السنة، وأن 49% منهن كن ضحايا اختطاف وترحيل من دولة إلى أخرى و27% منهن تعرضن لتشويه جسدي. أن معدل سن ولوج البغاء في الولايات المتحدة الأمريكية هو 14سنة[24]. فهل يمكن والحالة هذه إدعاء أن ثمة حقا دعارة «حرة»، غير قسرية؟

يجري بالبلدان التي تبيح الدعارة قانونيا تشغيل كثيف لبغايا أجنبيات في وضع هش ناتج عن الهجرة السرية، وخارج المعايير الصحية المفترض أن «تحمي» العاهرات و مشتري الجنس.

وأخيرا، تتطور الدعارة كذلك عبر استغلال نساء الاقليات الإثنية. و هكذا كان 40% من عاهرات تاي-بي (التايوان) من السكان الأصليين، و من المحتمل أنهن كن موضوع متاجرة[25].وعلى المستوى العالمي، يستغل زبائن بلدان الشمال نساء بلدان الجنوب والشرق جنسيا، وفي بلدان الجنوب نفسها يستغل الزبائن المحليون نساء وأطفال الأقليات الوطنية أو الإثنية استغلالا جنسيا.

ازدهار الدعارة.

شهدت غالبية بلدان الجنوب، في العقود العشر الأخيرة، نموا للدعارة مذهلا. ومنذ عقد شهدت بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا وأوربا الشرقية والوسطى نفس الظاهرة.

بات ملايين النساء والمراهقين والأطفال يعيشون بالمناطق «الشهوانية» في حواضر بلدانهم أو حواضر البلدان المجاورة. ويُقدر عدد البغايا في تايلاند بـ2 مليون [26]، و 300000 في الفليبين[27]، و 500000 في إندونيسيا[28]، و زهاء 8 مليون في الهند (منهن 200000 من نيبال) [29]، و 1 إلى 2 مليون في كوريا[30]، و 142000 في ماليزيا[31]، وبين 60000 و 200000 في فيتنام[32]، ومليون في الولايات المتحدة الأمريكية، و ما بين 50000 إلى 70000 في إيطاليا (ينحدر نصفهن من الخارج، لاسيما من نيجيريا)، و 25000 في هولندا[33]، وما بين 50000 و 400000 في ألمانيا[34]( الأرجح 200000 [35] - تبيع هاته العاهرات الخدمات الجنسية لـ 1,2 مليون زبون يوميا[36]) ، و 200000 في بولونيا[37].

تقدر منظمة اليونسيف عدد الأطفال الذين ُيدخلون في صناعة التجارة الجنسية كل سنة بمليون طفل[38]. وتستغل صناعة دعارة الأطفال 400000 طفل في الهند[39](حيث تبيح بعض الديانات البغاء)، و 75000 في الفلبين[40]، و800000 في تايلاند[41]، و 100000 في تايوان[42]، و200000 في نيبال [43]، ومن 100000 إلى300000 طفل في الولايات المتحدة الأمريكية( ترتفع الأرقام إلى 2,4 مليون بإضافة مجموع صناعة الجنس)، و 500000 طفل في أمريكا اللاتينية. و يقدر عدد الأطفال البغايا في الصين بـ 200000 إلى 500000 طفل. وتتراوح التقديرات في البرازيل بين 500000 و 2 مليون[44].و تقل أعمار 30% من العاهرات في كامبودج عن 17سنة[45].و ترى بعض الدراسات أن طفلا بغيا يبيع «خدماته الجنسية» لـ 2000 شخص كل سنة[46].

المتاجرة بالنساء و الاطفال

بشكل مواز لإزدهار الدعارة المحلية المرتبطة بالهجرة من القرية إلى المدن، جرى ترحيل مئات آلاف الفتيات إلى المراكز الحضرية في اليابان، وبلدان أوربا الغربية وأمريكا اللاتينية لـ «تقديم» خدمات جنسية، في إطار صناعة جنسية مزدهرة بالبلدان المصنعة ذات الأعداد الكبيرة من الزبائن الذكور.

لا تبدي هذه الهجرات من القرية باتجاه المراكز الحضرية القريبة أو البعيدة أي إشارة تباطؤ.[47]. وبالعكس، تدل كل القرائن أنها تواصل نموها.

تجري المتاجرة بالنساء و بالأطفال بكثافة على المستوى العالمي. وتشكل نساء وأطفال بلدان جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا اكبر المجموعات: تُقدر هذه المتاجرة بـ 400000 شخص سنويا.و تشكل روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا ثاني اكبر المجموعات (175000 شخص كل سنة). و تليها بلدان أمريكا اللاتينية و جزر الكاريبي(حوالي 100000 شخص) و بلدان أفريقيا(50000 شخص)[48]. ويقدر عدد المومسات المستقرات في اليابان و القادمات من الفليبين و تايوان و تايلاند و روسيا بـ150000[49]. وتذهب كل سنة 50000 من نساء دومينيك للدعارة في الخارج، لاسيما في هولندا، حيث يشكلن 70 %من عاهرات الواجهات الزجاجية الأربع مائة بأمستردام [50].و يقدر أن 15000 عاهرة من روسيا أو من أوربا الشرقية يوجدن في أحياء الدعارة في ألمانيا، مع العلم أن 75% من عاهرات هذا البلد أجنبيات[51].و 40 % من عاهرات زوريخ جئن من بلدان العالم الثالث[52]. وتمارس 500000 امرأة من أوربا الشرقية و ما بين 150000 و 200000 امرأة من بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا البغاء في أوربا الغربية. و يقدر عدد الوافدات سنويا لتزويد شبكات الدعارة بالولايات المتحدة الأمريكية بـ 50000 امرأة أجنبية [53].

و يجري كل سنة، في تايلاند بلد العبور هذا، شراء زهاء ربع مليون امرأة وطفل من بلدان جنوب شرق آسيا (بيرمانيا، وإقليم يونان في الصين الشعبية و لاووس و كامبودج) بسعر بين 6000 و10000 دولار أمريكي. ويدفع الوسطاء . وفي كندا يدفع الوسطاء 80000 دولار لقاء فتاة أسيوية من الفليبين أو تايلاند أو ماليزيا أو تايوان قصد إعادة بيعها لقواد ب 15000 دولار [54]. و في أوربا الغربية يتحدد الثمن العادي لأوربية من البلدان «الاشتراكية» سابقا بين 25000 و 30000 دولار أمريكي. وعلى كاهل كل امرأة تايلاندية ُتدخل إلى اليابان دين مبلغه 25000 دولار أمريكي[55].على النساء اللواتي تم شراءهن تسديد النفقات التي تحملها القوادون والعمل لحسابهم طيلة سنوات.


* المناضل-ة عدد: 3
 
أعلى