ريشارد بولان - عولمة تجارة الجنس 2 - الخلاعية والسياحة الجنسية

شهدت صناعة الخلاعية المعاصرة ازدهارها في بداية سنوات الخمسينيات،مع خلق Playboy، و منذ ذلك الحين، اكتسحت جميع وسائل الاتصال الحديثة.
انتشار الخلاعية الكاسح
هكذا يمثل كراء كاسيت الفيديو الخلاعية سوقا بمبيعات 5 مليار دولار سنويا بالولايات المتحدة الأمريكية، و تجلب أفلام الخلاعية في قنوات التلفزة المؤدى عنها و في غرف الفنادق 175 مليون دولار. و ينفق الأمريكيون بين 1 و 2 مليار دولار ببطاقات التسليف للحصول على معدات جنسية صريحة عبر انترنت[56]. ويمثل ذلك 5 الى 10 % من جميع مبيعات إنترنت و هنا كذلك تتواطؤ صناعة الفنادق اذ تحصل على 20% من ثمن الكراء عن كل فيلم معروض في غرفة.
تشكل خلاعية الأطفال او شبه الطفولية pseudo-infantile في انترنت%48,4 من كل عمليات تحميلtéléchargements من المواقع التجارية يقوم بها أشخاص يالغون[58].انها تستعمل أطفالا صغارا الى حدود ثلاث سنوات.ان الصور المصنوعة لإشباع استيهامات مستهلكي خلاعية الأطفال لا يمكنها وصفها سوى كشكل من الاستغلال الجنسي.
في سنة 1983، قدر رقم مبيعات الخلاعية ب 6 مليار دولار[59]. وهذا رقم بعيد جدا عن الواقع حاليا.لاسيما ان سنوات 1990 شهدت انفجار إنتاج و استهلاك الخلاعية. باتت الخلاعية صناعة عالمية، يجري نشرها بكثافة و ابتذالها كليا، و هي لا تشيع التفاوت الجنسي وحسب، بل تعمل لتعزيز ذلك التفاوت. انها جزء من الثقافة.انها تتغلغل فيها، وتؤثر بالتالي في مجموع الصور الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية و الجديدة. ليست الخلاعية مجرد صناعة استيهام :بل تستعمل وتستغل قبل كل شيء النساء و الاطفال . ويتعرض مئات الآف الأشخاص العاملين بها الى الاغتصاب،و العنف والاغتيال[60].تمثل الخلاعية على نحو ما إضفاء طابع الدعارة على استيهانات الذكور. انها تضفي الطابع الطفولي على النساء و تجعل الأطفال بالغين جنسيا.
لا يمكن اذن اختزال الخلاعية في مسألة نقاش حول حرية التعبير.
السياحة الجنسية
لا تقف السياحة الجنسية في حدود البلدان التابعة. اذ تشكل Reeperbahn في همبورغ، وKurfürstendamm في برلين و احياء الدعارة في امستردام و روتردام قبلة معروفة جدا لسياح الجنس. واصبحت البلدان التي تسمح قوانينها بالبغاء او تتسامح معها مواقع جنسية مهمة. و انطلاقا كذلك من هذه البلدان تناضل المنظمات غير الحكومية الوطنية على المستوى الاوربي و الدولي من أجل لاعتراف بالدعارة كعمل جنسي. ان السياحة الجنسية النامية منذ 30سنة تؤدي الى اضفاء طابع الدعارة على النسيج الاجتماعي. وبات ثمة ضمن 5,4 مليون سائح جنسي في السنة في تايلاند 450000 زبون محلي يوميا[61].
شهدت الصناعة الضخمة للدعارة في جنوب شرق آسيا ازدهارها بسبب حرب فيتنام، و بسبب نزول الجنود في فيتنام و تايلاند و الفليبين[62]. يشكل هذان البلدان قاعدة خلفية لمحاربة قوات الفيت مينه. وأتاح الارتفاع الكبير للدعارة المحلية إقامة البنية التحتية الضرورية لتطور السياحة الجنسية،لاسيما بفضل توافر «اليد العاملة» الناتج عن حضور العسكر. وقد ساهم في توسع هذه الصناعة الهائل توافر فرص تسلية اكبر و تسهيلات الاتصال و التنقل باتجاه الخارج، و اختلاق اجتماعي بواسطة الخلاعية لصورة غريبة وشهوانية لعاهرات أسيويات شابات ناضجات جنسيا رغم فتوتهن، و السياسات الحكومية المشجعة للسياحة الجنسية.
ولحد الآن ثمة 18000 عاهرة في خدمة 43000 جندي أمريكي في كوريا[63]. و يقدر انه بين 1937و1945،استغل جيش الاحتلال الياباني ما بين 100000و200000 عاهرة كورية، معتقلات في "محطات الترفيه"(مواخير التسلية)[64].و بعد ايام من الهزيمة فتحت جمعية إحداث التسهيلات المسلية الخاصة، الممولة مباشرة من الحكومة اول ماخور لتسلية للجنود الامريكيين. شغلت هذه الجمعية في اوجها 70000عاهرة يابانية[65].
الامراض المنقولة جنسيا و العقم من نتائج عولمة صناعة الجنس.
تقدر نسبة مومسات الولايات المتحدة الأمريكية اللواتي لم يصبن أبدا بمرض الزهري ب 15% فقط[66].و %58 من عاهرات بوركينا فاصو مصابات بداء السيدا، و 52% في كينيا، و مايقرب 50% في كامبوديجا34% في شمال تايلاند. وكانت نسبة العاهرات المصابات بداء السيدا في إيطاليا 2% سنة 1988،مقابل %16 بعد10 سنوات[67]
.يتمثل احد مبررات الزبائن لاستغلال الأطفال جنسيا في تجنب الأمراض المنقولة جنسيا.و لكن المعطيات تكذب ذلك.فعلى سبيل المثال،يبلغ عدد مومسات كامبودج بين 50000و70000 عاهرة. يقل عمر اكثر من ثلثهن عن 18 سنة.ونصف هذه الفتيات حملات لفيروس السيدا [68].
وفي الغرب ُيعزى 70% من عقم النساء الى داء الزهري، الناتج بدوره عن استهلاك الازواج او الشركاء للجنس التجاري.
اضفاء الليبرالية على صناعة الجنس.
في العام 1998 دعت منظمة العمل الدولية ، وهي وكالة رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، الى الاعتراف الاقتصادي بالصناعة الجنسية.و ينطوي هذا الاعتراف على شمول «حقوق العمل و المنافع » لعمال الجنس،و تحسين«ظروف العمل» في هذه الصناعة،و تمديد شبكة الضريبة الى العديد من الأنشطة المربحة المرتبطة بها"[70].
تجلى الانحراف الأول باتجاه لبرلة نظام الدعارة على المستوى العالمي سنة 1995 في مؤتمر بيكين، حيث ظهر أول مرة مبدأ البغاء «القسرية»، داعيا ضمنيا الى قصر محاربة الدعارة على ما يتم منها بالإكراه. و في سنة 1997، برئاسة هولندة، وضعت توجيهات المؤتمر الوزاري بلاهاي ، الساعي الى تنسيق النضال ضد استرقاق النساء لأغراض الاستغلال الجنسي في الاتحاد الاوربي، تعريفا للاسترقاق مقرونا بحجة العنف و الإكراه و التهديد[71].و في يونيو 1999، تبنت منظمة العمل الدولية اتفاقا حول أشكال عمل الأطفال غير المطاقة. ووردت الدعارة بالقائمة الطويلة معترفا بها لاول مرة في نص دولي بصفتها عملا. واشار تقرير المقرِر الخاص حول أعمال العنف ضد النساء بلجنة الامم المتحدة لحقوق الإنسان ، في ابريل200 بجنيف،الى وجوب استبعاد النساء «محترفات الجنس المهاجرات غير الشرعيات» من تعريف الاسترقاق.
تقوم كل هذه السياسات، حسب ماري-فيكتور لويس، بالتصديق على «التخلي عن محاربة نظام الدعارة و تثبت شرعنة اضفاء طابع السلعة على نظام الدعارة، باسم تنفيذ بعض كيفيات تنظيمها»[72].
خلاصة
نشهد منذ ثلاثين سنة اضفاء طابع جنسي على المجتمع وهو عملية ترتكز على التفاوت الاجتماعي، مما يؤدي الى جعل التفاوت مربحا جدا.وبات المجتمع مشبعا بالجنس.و في المقام الاول يستغل سوق الجنس المزدهر و المعولم النساء و الاطفال،لاسيما المنحدرين من بلدان العالم الثالث و البلدان«الاشتراكية»سابقا.
كنا شاهدين على تصنيع الدعارة، و المتاجرة بالنساء و الاطفال، و الخلاعية و السياحة الجنسية. واصبحت شركات جنس متعددة القوميات قوى اقتصادية مستقلة[73] ومسعرة في البورصة[74].ليست ثمة دعارة دون سوق، و دون متاجرة بالبشر و دون طلب. و للاسف يتزايد اعتبار الاستغلال الجنسي صناعة تسلية[75]، و الدعارة عملا قانونيا غير ان «صناعة التسلية» هذه مستندة على انتهاك منظومي للحقوق الانسانية.
ان هذا الوجه من أوجه العولمة تركيز لمجمل المسائل( استغلال اقتصادي و اضطهاد جنسي و تراكم رأس المال و هجرة دولية وعنصرية و صحة وتراتبية الاقتصاد العالمي و تطور المتفاوت و تفاقم التفاوت الاجتماعي و فقر[77]،الـخ) التي تبدو حاسمة لفهم الكون الذي نعيش فيه.ان ما يمكن النظر اليه كشأن هامشي بات في مركز تطور الرأسمالية العالمية. لذا تسير اكثر فاكثر هذه الصناعة الى نيل الاعتراف بها كقطاع اقتصادي عادي، وتديرها ، كباقي الصناعات ، ديكتاتورية الربح[78].



* المناضل-ة عدد: 4
 
أعلى