زهير قوطرش - الجنس عند العرب والمسلمين.

ما دعاني الى كتابة هذا الموضوع . هو الحقيقة التي يجب أن تقال. كوني أكره وبشكل كبير التغطية المتعمدة على السلبيات في تاريخنا وتراثنا. والتاريخ دائما هو المعلم والحكم .وما أسمعه اليوم عن عادات سرت في بعض البلدان الإسلامية فيها من التجاوزات الأخلاقية الشاذة التي لا تليق بنا كمسلمين .لهذا أليت على نفسي أن أبحث في تاريخنا لأقف على الحقيقة مهما كانت مرة .وخاصة في بعض المراحل من تاريخنا العربي، حيث كان كل حاكم من حكامنا يسمونه أمير المؤمنين. وقد أصبت بالدهشة من ممارسات بعضهم الغير أخلاقية ،وكان معظمهم يبررون تلك الممارسات من خلال أحاديث نبوية نسبت الى الرسول(ًص) زوراً وبهتانا . وقد أُصبت بالقرف عندما حدثني أحد الأصدقاء أنه أثناء حرب البوسنة ،حيث تيتم الكثير من الاطفال البوسنويين ,آنذاك جاءت بعثة من دولة عربية كان هدفها تبني بعض من هؤلاء الأطفال الأيتام ،وأخذهم الى تلك الدولة (لا أحب ذكر اسمها ). المهم وبصريح العبارة قالها والحسرة تجرح قلبه،أنهم كانوا يعاينون الطفل من مؤخرته .سألني من أين لهم هذه الثقافة ،وهم يدّعون الإيمان. قلت له: مع كل أسف فسروا وجود الغلمان في الجنة من أجل المتعة الجنسية ،وقاسوا على ذلك في الحياة الدنيا.. لهذا اخترت لهذا البحث ، العهدين الأموي والعباسي وعرجت الى عصر الجاهلية قبل الإسلام للمقارنة ،معتمدا على مصادر الثراث العربي والإسلامي . وفي الخاتمة رؤية قرآنية لموضوع الجنس في الإسلام كما هو مذكور في كتابنا العظيم.

الجنس في الجاهلية:
المكتبة العربية هي من أغنى مكتبات العالم في موضوع الجنس ،وخاصة ما تواتر إلينا من خلال الشعر العربي ، وحتى الروايات المختلفة.. وقد عرفت الحياة العربية قبل الإسلام أشكالاً متنوعة من الحياة اللذية. وكانت مكشوفة وصريحة. وقد أولى العرب الأهمية البالغة لفنون المتع الجنسية. وقد شهدت الحياة العربية الكثير من التفاصيل الجنسية في موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة ،فقد كانت المرأة تتخذ أحياناً كثيرة خدنا فينكحها رجلاً ما سراً،وتبقى له ،فما دام الستر موجوداً فلا باس بالنكاح.وهذا النوع من الاتصال سمي بنكاح الخدن.وكان الرجال آنذاك يأتون المرأة في خبائها فينكحوها برضاها،دون عقد نكاح، فإذا حملت عينت واحدا من الذين مروا بها وألحقت المولود به.
عرف العرب نكاح الأستبضاع. فكان الرجل يرسل امرأته الى آخر مشهور بفحولته لينكحها فتحمل منه ، ذلك رغبة منه في تحسين النسل.
نكاح البدل: فقد كان يتبادل الرجلان الزوجات . وكانوا لا يجدون حرجاً في الجمع بين الأختين في وقت واحد.
زواج المقت: أي أن يخلف الرجل على امرأة أبيه.
كانت النخبة القرشية قد أدخلت فن الزنا الى الحياة الجاهلية. ويقال ان أبو جهل وهبار بن الأسود كانا أول من نشر ه. ،وتفنن العرب بضروب اللواط والسحاق والتخنث.اما السحاق فظهر في قصور المناذرة في الحيرة، وأن العديد من الحالات التي نعتبرها اليوم شذوذا جنسيا لم تكن تعتبر كذلك عند العرب . فمواقعة الغلمان وإتيان المرأة من الخلف خلال الحيض أو في بعض مراحل الحمل. كانت عند البعض لا تثير الاستهجان. وكانت مذمومة عند البعض الآخر.

الجنس في صدر الاسلام:

إذا أردنا مناقشة موضوع الجنس في صدر الإسلام ، لابد لنا من التميز بين مرحلتين ، مرحلة نزول القرآن وحياة النبي (ص) . ومرحلة ما بعد النبي ، ومن ثم العصر الأموي ثم العباسي.
القرآن الكريم سمح بتعد الزوجات وحصر العدد في أربع نساء بشرط وجود العدل وكما جاء في بعض التفسيرات المعاصرة ’العدل يقصد به العدل بين النساء . ، وقد ذكرت كتب الثراث، إجازة المتعة بالنساء باتفاق الرجل والمرأة لقاء اجر.عدا ما ملكت الأيمان من الحريم والغلمان( وهذه مذكورة في كتب الحديث) . فذكرت كتب التراث أنه كان عند علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بعد وفاة فاطمة أربع زوجات وتسع عشر وليدة وكان يقول "إني مشتاق إلى العرس" . وذكر عن جابر بن عبد الله الصحابي أنه قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ليالي على عهد رسول الله وابو بكر ، حتى ان عبد الملك بن جريج وكان احد الأعلام الثقاة وفقيه اهل مكة في زمانه "تزوج نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة وكان يرى الرخصة في ذلك" (المغنى لابن قدامة)
بدت المرأة في صدر الاسلام وكأنها تملك جرأة لا مثيل لها في طلب الزواج.هذه الجرأة لم يكن يدانيها إلا جرأة الرجل على طلب المتع والتهالك عليها.فكانت المرأة إذا صعب عليها العثور على زوج.. كانت تقوم بنشر جانب من شعرها وتكحيل إحدى عينيها وتحجيل إحدى رجليها ويكون ذلك ليلاً ثم تقول. النكاح أبغي النكاح قبل الصباح. فيسهل أمرها وتتزوج عن قريب.
قدمت لنا حقبة الراشدين صورة نقيضة،على طول الخط ،لما نراه اليوم من الايدلوجيات المحافظة.
و ذكر أن خالد بن الوليد قد قتل مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته الفاتنة ليلى بنت المنهال"وكان لها ساقان لم برَّ أحسن منهما" كما كان يقول.
والحق أن جميع فنون الجنس في الجاهلية ،لم تختف مع الإسلام،وإن ما تم تحريمه ...استمر في الخفاء ،ليعود في الظهور في الفترات اللاحقة.في العصرين الأموي والعباسي.

الجنس في العصر الاموي.

بعد استقرار المجتمع الإسلامي في دولة شبه حضرية، وبعد أن بدا الانحراف الكبير عن مقاصد الدين، حيث بدأ عصر تمليك أفراد العائلة الحاكمة الأملاك الكبيرة ، وبدا عصر توريث الحكم ، و عصر الغزوات ،وعصر التجارة ،وفتح أفاق اقتصادية جديدة، كذلك كان للجنس والغناء والفنون وغيرها دوراً هاماً, حيث ولدت حالة من الرفاهية ، وكانت العاصمة الأموية مثلها مثل مكة في هذا العصر لكنها كانت مكانا لانطلاق الغرائز والشهوات. حتى أن عروة بن الزبير وصف المدينة (دمشق ).
" الفاحشة فيها فاشية والناس قلوبهم لاهية "
أما في مكة فيذكر صاحب العقد الفريد أنه " كان بها من يجمع الرجال والنساء ويحمل أليهم الشراب. وما كان اجتماعهم لذكر الله بل للهو والتمهيد للتمتع بالجنس" ولم يكن خلفاء بني أمية بأحسن حال من هذا. فيروى عن هشام بن عبد الملك أنه قال " أتيت النساء حتى ما أبالي امرأة أتيت أم حائطا" أما يزيد فقد عشق حبابة حتى تعطلت أمور الدولة " وكان يؤثر البقاء معها على الذهاب إلى صلاة الجمعة" وتزوج الوليد بن عبد الملك أثناء حكمه الذي دام تسع سنوات " ثلاثاً وستين إمرأة" (هادي العلوي المستطرف الجديد) . وانتشرت في العهد الأموي نساء الهوى ،وراجت مهنة سمسار الزواج " فكان يتوسط في الزواج بين المرأة والرجل . فإذا اتفقا أغرى المرأة فأتاها قبل زواجها ,أغرى الرجل فدفعه أن يلوط قبل أن يدخل على زوجته. وما شعر الفرذدق المكشوف ، إلا شعر الخلاعة والجنس ما هو إلا التعبير الصادق عن تلك المرحلة. وهناك الكثير الكثير من الممارسات البعيدة كل البعد عن التعاليم التي جاء بها القرآن ،لكن مع كل أسف ، إذا كانت رأس السمكة فاسدة ، كما يقال فسد الجسم بالكامل.

الجنس في العصر العباسي.

شهد العصر العباسي انطلاقة جامحة للغرائز الجنسية والأحاسيس الفردية.وشاعت اليبوت الخاصة التي كان هدفها التمتع بالجنس واللهو.وكان البعض يشتر الجواري والغلمان لبيوته الخاصة. وازدادت دور البغاء ،وشهدت بيوت الخمارين اليهود كرنفالات حافلة بالجنس. ساهم الخلفاء العباسيون مساهمة كبيرة في الحث والترويج على التمتع بالنساء. اشتهر الرشيد بعشقه لثلاث حواري هن سحر وضياء وخنث.وتزوج مراجل الجارية وولدت له المأمون،وتزوج بزبيدة وولدت له الأمين .وماردة وولدت له المعتصم. اما المأمون فقد كان له مئتا جارية .ثم مال الى الغلمان بعد اتصاله بيحي بن أكثمبه.(كان قاضيا بالبصرة في زمن المأمون) اما الأمين فقد رغب عن النساء ومال الى الغلمان. وكان يفتي بأن الغلام إذا كان ملك اليمين حل التمتع به. وانطبق الشي نفسه على المعتصم الذي مال الى الغلمان الاتراك. ويروي ابن مسكويه في كتاب تجارب الامزانه في سنة 321 هج. "خرج أمر القاهر بتحريم القيان والخمر وسائر الأنبذة ،وقبض على المغنين والمغنيات.نفى بعضهم الى البصرة وبعضهم الى الكوفة.وكان القاهر مولعا بالشراب ،وكان دائما بحالة سكر
يسمع الغناء ويختار من جواري القيان من يريد".ويقول الجاحظ إن القينة كانت" تعرف كل ما يحبب بها الرجل وما يثير شهوته. وكانت تعيش على ذكر الزنا والقيادة والعشق والصبوة والشوق والغلمنة" وشاعت عادة اقتناء الغلمان ،ووضعت العديد من القواعد التطبيقية لإغوائهم وللاستئثار بهم.
هذه بعض الصور للممارسات الجنسية للعرب والمسلمين , لكن من الأنصاف أن نعود إلى موقف الإسلام من تلك العادات والممارسات الجنسية التي ورد ذكرها.



الموقف الإسلامي من العلاقات الجنسية
جاء الإسلام ليرسم توجيهات عملية مفيدة فى جميع شؤن الحياة بما في ذلك العلاقات الجنسية
فالزواج هو القناة الوحيدة التى يسمح فيها الإسلام بالعلاقة الجنسية بين الجنسين .

ويشدد الإسلام على الوقاية من الجرائم الاجتماعية. والابتعاد عن الظروف والعوامل التى تساعد على انتشار هذه الجرائم ، وتنص الشريعة الإسلامية على عقوبات شديدة ضد جرائم الجنس كالزنا التي ينظر إليها كونها مخالفة للشرائع المتعلقة بالمجتمع والعائلة .
يقول الله تعالي : " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائه جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . " [ سورة النور : 2 ] .
ويقول تعالي : " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " [ سورة الإسراء : 32 ]
ويشدد قانون العقوبات الإسلامي على استقرار وأمن العائلة والحياة الاجتماعية على حساب الحرية الفردية غير المحدودة . ويعتمد فى ذلك على التوجيهات والحكمة الإلهية التى تعتبر أحسن طريق لإيجاد المجتمع الآمن والسليم .
ينظر الإسلام الى العلاقة الجنسية بين الزوجين على أنها لا تهدف الى التناسل فقط ،بل هي استمتاع فيزيائي وإشباع غريزي . والإسلام وصف الزوجين وشبه كلاً منهما بأنه لباس للآخر .
يقول الله تعالي : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ، هن لباس لكم وانتم لباس لهن " [ سورة البقرة : 187 ] .
يقول الله تعالي :
" يا أيها الناس أتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [ سورة النساء : 1 ]
ويقول الله تعالي :
" حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللائي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً " [ سورة النساء : 23 ] .
الزواج فى الإسلام هو حجر الأساس فى بناء العائلة وهو بالتالي أساس استقرار المجتمع والزواج نفسه هو عقد شرعي قانوني بين المرأة والرجل يتعاهدان فيه على الحياة المشتركة وفقاً للشريعة التى يؤمنون بها . لا وفق العادات الغير سوية والتراث البعيد عن القيم الأخلاقية.

..

.
 
أعلى