سليم البيك - غرافيك بورنوغرافي عربي

تدخل المرأة إلى بيتها متعبة، تجرّ حقيبة السفر، لا تجد شريكها، تتصل به، تتعرّى، تَسرح قليلاً في البيت وحدها، تجد جهاز عرض سينمائي، تشغّله، يبدأ العرض: رجل وامرأة يمارسان الجنس في لقطات مشوّشة سرعان ما تتضّح لتدخل إليهما، فإلى عوالم خيالية من ممارسات جنسية جماعية تمتدّ وتتنوّع على طول الرواية.

ومشت على ذلك الثيمة الرئيسة للرواية الغرافيكية البورنوغرافية “سيليولويد” (وهو اسم قديم للسينما) للبريطاني ديف ماكاين، ليكون الكتاب مشاهد جنسية متسلسلة تمارسها المرأة على طول فصوله.

الرواية أولاً غرافيكية، وهي غير الكوميكس أو الرسوم المرفقة بنصوص، حيث يفوق النص في معظم حالاته الرسمَ أهمية. والرواية ثانياً بورنوغرافية، وهي الأشد مباشرةً وإباحية في تناول الموضوع الجنسي من “الإيروتيكية”، رغم أنّ الكتاب يعرّف نفسه بـ”الإيروتيكي”، إلا أن تصوير الجنس فيه أقرب إلى البورنوغرافية، وذلك لا يعيبها على كل حال. وفي هذا الموضوع بالذات، كله عند العرب جنس!

وعند عرب ما قبل الثورات (وكلّي أمل عمّا نكونه بعدها) لا وجود للروايات الغرافيكية، والكوميكس عندنا يرثى له. ولا نعرف ما تكون البورنوغرافيا، والايروتيكا عندنا يرثى لها بشكل مأساوي (ولذلك، أيضاً، لن يَفرق حينها أكان الكتاب بورنوغرافياً أم إيروتيكياً!).

الرواية بَصرية بامتياز، لا نصوص فيها، ولا عناوين، ولا هي حتى رسوم فقط، بل تصميمات غرافيكية يعمد “المؤلّف” فيها إلى تقنية الكولاج وينفّذها باستخدام وسائط متعدّدة من صور فوتوغرافية إلى استكشات ولوحات مرسومة، ويولّفها ويدمجها جميعها مع “إفّكتس” كمبيوترياً على صفحات يبني بها كتابه البصري. فصوله، والتي تصوّر كل منها عالماً جنسياً مختلفاً عند المرأة البطلة، تتميز عن بعضها بالأسلوب الغرافيكي والوسائط المستخدمة والألوان الطاغية، وتتباين بشدّة في ذلك كأنها مجموعة أحلام ليس فيها ما يترابط إلا البعد الزمني وتسلسله والجسد العاري للمرأة التي تنتقل من فصل لآخر، من ممارسة فانتازية لأخرى، عبر باب تدخله كما دخلت الفيلم أول مرّة، إلى أن تخرج من الفيلم بأكمله آخر الكتاب.

الكتاب الذي وصلني من فرنسا، مُنع في عدّة دول منها كندا، وبطبيعة الحال ممنوع في كل البلاد العربية. والسؤال الذي أود طرحه من خلال هذه الأسطر لا يخصّ الرقابة، ولا مدى منع أو إباحة أي كتاب مهما وصل إليه من إباحيّة. سأكون أكثر تفاؤلاً في زمن الثورات لأسأل عن نوعين من الكتب سيكون حضورهما كنتاجات عربية، فعلاً ثورياً في المشهد الثقافي العربي، الأول هو الرواية الغرافيكية من ناحية الشكل، والثاني وهو الأهم والأكثر ثوريّة، الأدب البورنوغرافي أو حتى الإيروتيكي من ناحية المضمون.

أما السؤال الأكثر ثوريّة على الإطلاق، فهو متى يجرؤ أحدهم على إصدار رواية تجمع ما بين الغرافيكية والبورنوغرافية في الوقت ذاته؟ حسناً، بعد ثوراتنا العربية لم أعد أتردّد في طرح أي سؤال أو أي احتمال، لن أعتبر سؤالي هذا هذراً إذن.

إن تجرأ أحدهم على الجمع ما بين الأمرين، إن تجرأ على تصوير الجنس، على الإبداع في الجنس كصور ورسمات (وهو ما يحرّم ويحظر في نصوص مكتوبة أصلاً!) وبشكل إباحي بورنوغرافي فجّ قد يفوق فيه الفرجُ فرجَ لوحة غوستاف كوربيه الشهيرة صداميّة، ويقرر إصدارها في كتاب، أي دار انتحارية ستجرؤ على نشره وتوزيعه؟ وأي مكتبة ستجرؤ على بيعه؟ والأسوأ، أي مثقّف سيجرؤ على اقتنائه و”الاعتراف” بذلك؟ ثم، أي كاتب سيكتب عنه؟ وأي صحيفة ستنشر؟ وإلى آخر هذه الأسئلة..

إن تجرأ أحدهم على تقديم صورة بصرية في كتاب عن امرأة ذات سبعة أزواج من الأثداء (ما مجموعه 14 ثدياً رجراجاً)، عن مخلوق شيطاني (كـ “غارغويل” الخرافي المعتلي كاتدرائية نوتردام بباريس) بعضو ذكري بطول ذراعه، عن امرأة لسانها بطول شعرها وحلمتها كإصبعها، عن وضعيات عجيبة لن “تنفع” (لحسرتي) إلا في رسوم غرافيكية تصل فيها الليونة حدّ الإطلاق، عن جنس جماعي لآدميين ومخلوقات خرافية، إن تجرأ أحدهم على تقديم رواية بصرية عربية عن كل هذه “الفانتازمات”، فأي مثقّف (حر) سيجرؤ على “قراءتها” علناً في مقهى، ما لم تفرغ تلك الصوفا المعزولة حيث لن يفضح أمري أحدهم، هكذا قرأته متلفّتاً. ثم هكذا، متلفّتاً، كتبت هذه المقالة.

لا أدري إن كان إصدار كتاب كهذا سيرتقي في جرأته إلى خروج متظاهر في سورية مثلاً ليوم واحد فقط، لا لشهور دامية. لست أحاول إقحام الثورات العربية في موضوعي هذا، إلا أني سأتشبّث كلّ براثن آمالي فيما يخصّ الثقافة العربية، بثورات ترسم بالدّم تاريخاً عربياً جديداً، لأني سأسمح لنفسي بأن أرى حريّة ثقافية تخلقها الثورات التي منحتني شعوراً مزمناً بأنْ ليس هنالك ما لا يمكن توقّعه. وليست الفنون والآداب بمعزل عن ذلك.

والحال هذه، لن يكون سؤالي عن كتب أدبية أو غرافيكية عربية بورنوغرافية أو إيروتيكية لا هذراً ولا ترفاً.

.مدونة سليم البيك

صورة مفقودة
 
أعلى