سليم البيك - لهذه الأسباب أشكر عاهرات تلك الأزمنة

فلتكن هذه الكتابة محاولة شكر لعاهرات الأزمنة الماضية اللواتي شكّلن بأجسادهنّ المعايير الجمالية لأجساد النساء، وَسَمن بأجسادهن لوحات ومنحوتات ما كانت لتكون دونهنّ. ما كان لكل هذا الفن والجمال أن يكون دون عاهراته.
سأشكرهن على الجمال الذي سبّبنه بأجسادهن لأعمال مانيه وديغا ورينوا وموديلياني وآخرين.
سأشكرهنّ أولاً على الجمال الذي سبّبنه في تلك الأعمال، يكفي حضور أجسادهن لذلك. وثانياً، وبناءاً على تلك الأعمال، على المعايير الجمالية التي خطّتها أجسادهنّ وحاولت اتباعها باقي النساء، العفيفات.
فنّانو تلك الأزمنة احتاجوا نساء يعملن كـ”مودلز” لإنجاز أعمالهم، ستكون لتلك الأعمال جمالية عالية، بغض النظر عن الموضوع، أتكلّم عن إبداع الفنّان نفسه، أي أن للقطعة جمالية فنيّة تعود لمبدعها، انعكست على موضوعها، وهو الجسد الأنثوي العاري، ولإنجاز ذلك لا بدّ من “مودل”، والـ”مودل” هذه ستكون بشكل أساسي العاهرة، امرأة تستفيد من جسدها لكسب عيشها أكان في هدوء الرسم والنحت، أم في ضجّة المضاجعة.
النتيجة المتراكمة في هذه الأعمال ستكون جمالية فنّية عالية في رسم موضوع هو جسد عار لامرأة هي العاهرة، فشكّلت هذه الأجساد المرسومة أو المنحوتة النموذج الأجمل لأجساد النساء في حينه، وذلك للتماهي بين الجسد بمعاييره وانحنائاته وتكوّراته وانسياباته، وبين القطعة الفنيّة، أي الربط الذهني المتراكم بين لوحات ومنحوتات ذات معايير جمالية تصنع الأذواق الفنّية، وبين موضوعاتها وهي الأجساد العارية لعاهرات شكّلن، كونهنّ موضوع تلك القطع، النموذج الأجمل لنساء تلك الأزمنة وأجسادهنّ.
أتكلّم عن علاقة جدليّة بينهما، عن جمالين يؤثران ويتأثران ببعضيهما.
أشكرهنّ لأن الفن الجميل في هذا العالم يدين لهنّ، لأجسادهنّ، لهدوئهنّ المنهِك، لأن كثيراً من الجمال في هذا العالم سبّبنه هنّ بعريهنّ وعهورتهنّ.
أشكرهن وأشفق على “عفيفات” تلك الأزمنة، نساء طبقات الـ”هيبوكريسي”، من منعتهنّ عفّتهنّ عن المشاركة في خلق جمالياتٍ أزلية لهذا العالم، ومَن، ثمّ، حاولن التمثّل بأجساد “المودلز” ليشبهن القطع الفنّية، ليشبهن العاهرات.
لهذه الأسباب، ولغيرها..



* القدس العربي

صورة مفقودة




.
 
أعلى