بلال شحادات - الشخصية الدونجوانية تحت المجهر

مقدمة
إن دافع الجنس من الدوافع الأولية, و لكنه يختلف اختلافاً كبيراً عن الدوافع الأولية مثل الطعام و الشراب ، يختلف من حيث تعقيده و جذوره و مراحل ظهوره ومكانته في حياة الفرد و النزوع و أشكال السلوك التي تلبي غرضه .

إن أدب الجنس و الإدمان و الشباب المنحرفين إضافة إلى العقبات التقليدية جعلت من السلوك الجنسي معضلة اجتماعية نفسية خطيرة, و أصبح هدف علماء الاجتماع و النفس و التربية هو بيان الموقع الحقيقي للغريزة الجنسية, و توعية الجيل الناشئ بالحقائق البيولوجية المبسطة لتكون سلاحاً ضد الخوف و القلق و الجهل, و لوضع حد فاصل بين الحياء المرضي و السلوك الطبيعي الصحيح الذي يقرّه المجتمع .

الشخصية الدونجوانية هي مجال بحثنا . سنرفع الستار عن هذه الشخصية و نكشف عن أسرارها , و نلتمس ما قيل عنها , و كيف تم التعامل معها أدبياً و فنياً , ونسعى إلى معرفة كيفية علاجها , و إخراجها من أزمتها … أو بالأحرى ؛ سنضعها تحت المجهر !

تحترف الشخصية الدونجوانية إغواء النساء, أو استمالتهن إلى الهوى, والهوى رغبة ثائرة مستمرة. وتظهر على الهاوي عوارض الاندفاع أو التهافت القوي على شخص أو فكرة. إن إرادة الهاوي عبدة لهواه, ووجود موضوع واحد ثابت هو موضوع هواه, وأيضاً عمق الهيجان وشدته عند الهاوي الذي يسعد ويشقى، يقلق ويرتاح بدرجة لا تحدث عند سواه. إن الهوى يشمل دوماً على توهم عميق, والإغواء لغوياً يعني إضلال الآخر بالأماني الكاذبة .

تلجأ الشخصية الدونجوانية إلى الحيلة للوصول إلى اللذة، إن اللذة هي مبدأ يدل على اتجاه الكائن العضوي في الصور البدائية من سلوكه – العمليات اللاشعورية – إلى الحصول على اللذة وتجنب الألم دون اعتبار لمقتضيات الواقع. إنها عكس الألم, وبما أن الدونجوان يغوي النساء, فاللذة الجنسية هي الطاقة المحركة لغريزة التكاثر والتوالد ولولاها لما بحث الذكر عن أنثاه, ولا تهيأت الأنثى لرجلها, وهذه الطاقة ترتبط بخلق وتركيب الأحياء, وما يحدث في أجسامهم من تغيرات في الهرمونات والانفعالات.

إن الدونجوانية انحراف, والمنحرف يتباهى بانتصاراته الجنسية. وتدل الانحرافات الجنسية على تغير يطرأ على السير السوي للنمو الجنسي من حيث الموضوع الجنسي – الشخص الذي يصدر عنه الجذب الجنسي – ومن حيث الهدف الجنسي – الفعل الذي تُرمى إليه الغريزة – إن الانحراف هو نشاط جنسي مستديم يشبع الرغبة الجنسية تماماً دون حاجة إلى الاتصال بالجنس الآخر، ثم ماذا يُقصد بالانتصارات الجنسية؟ هل يريد هذا المنحرف – الدونجوان – أن يحقق الانتصار الجنسي بإغواء النساء و جرّهن وراءه, أم الاكتفاء بأنه مرغوب جنسياً ( كفحل ) من جانب النساء, وانتصاره يكون في دلالِه عليهن؟

يعجز الدونجوانيين عن إثبات شخصيتهم بين الرجال فيلجئون لإثباتها عند النساء. يصبح اللجوء إلى النساء سبيلاً, بعد أن عجز الدونجوان عن إثبات شخصيته عند الرجال. لماذا لا يستطيع الدونجوان إثبات شخصيته بين الرجال؟

يلتجئ الدونجوان إلى الغزوات الجنسية نتيجة فشله في خلق كيان شخصي خاص في المجتمع الذي يعيش فيه. هل يعني أن الدونجوان لا يستطيع أن يكون غير الدونجوان؟ ثم ماذا يقصد بالغزوات الجنسية؟ هل يشير إلى أن الدونجوان يغزو النساء وينهبهم في ديارهم – جنسياً – أم ماذا؟ هذا التعبير فيه من القسوة و العنف الكثير بحيث نستشف دموية هذه الشخصية إلى حد السادية.

نستنتج بعض الخصائص التي تميز الشخصية الدونجوانية, وهي : احتراف إغواء النساء, اللجوء إلى الحيلة بغية تحقيق اللذة, واعتبار هذه الشخصية منحرفة جنسياً.

ومهما يكن فإن الدونجوانية هي الاندفاع المتهور في جنون الإغواء, وهي دائماً تأكيد الفحولة والكلام عن الذات المقتدرة والاستعلاء، ونحن أمام نفس مضطربة متناقضة لا يكاد يوحّدها إلا خيط واهٍ من الشخصية المبعثرة والثورة العاصفة من أجل استرجاع الأصالة بعد أن مسّت المهانة أعمق جوانب الذات ونالت من قدرها واعتبارها المحوري. والشخصية الدونجوانية تخاف من الالتحام مع النساء خشية فضح قصورها وعجزها الجنسي.

إن تأكيد الفحولة ( الذكورة ) نفهمه على أنه تعبير كلامي فقط عن الحالة, و ذلك نتيجة الخشية من فضح القصور الجنسي الذي يناقض معنى الفحولة. إن الاستعلاء والذات المقتدرة يقتربان من النرجسية، التي يشار بها إلى سلوك الفرد حين يعامل جسمه بطريقة مشابهة لتلك التي يعامل بها في العادة موضوعاً جنسياً، فهو يتأمّله مجتنياً من ذلك لذة جنسية, ويلامسه ويداعبه إلى أن يفوز من هذه الممارسات بالإشباع الكامل, والنرجسية إذا ما بلغت هذا الحد يصير لها دلالة الانحراف الذي يستغرق كلية الحياة الجنسية للشخص المعني.

إن النفسية الدونجوانية نفسية مضطربة ومتناقضة النزعات, حيث أنها تتناقض بين النرجسية وبين الدونيّة في أعمق جوانبها, أو بين الفحولة والقصور الجنسي.

إن الشخصية الدونجوانية تخاف من افتضاح سرّها فهي قاصرة جنسياً, وهذه عقدة نقص يُعوض عنها بادعاء الفحولة. لذلك تميّز مشاعر الدونيّة بشكل عام موقف الإنسان المقهور من الوجود, والإنسان المقهور عاجز عن المجابهة, تبدو له الأمور وكأن هناك باستمرار انعداماً في التكافؤ بين قوته وقوة الظواهر التي يتعامل معها؛ عقدة النقص تجعل الخوف يتحكم بالإنسان المقهور.

إن الدونجوان بصفته مهموماً بالأنثوي, بإيروسه الأناني, فإن الصداقات مع الرجال تختفي من حياته بعض الشيء. صداقاته عابرة ومؤقتة وزائغة جداً, الايروس وحده هو الممكن. مع الرجال هو مُشعل الحروب, وإنه لا يرتاح إلى محضرهم لأنهم منافسيه المحتملين على قلوب عذراواته, ومن الأفضل استبعادهم عن مشروعه التأريخي.

يغيب عن الدونجوان مفهوم الكرامة, فأفضل القيم الأخلاقية منسية لديه, تقع آلية عمله في السعي الغزلي المتواصل المصاغ مسبقاً دون الكثير من الصدق, وخاصة من دون الالتفات إلى الصدود المحتمل إلى ردات الفعل العنيفة والضيقة من طرف موضوعه الأثير : المرأة. إنه يحاول تنفيذ مشروعه مع أكبر عدد من النساء لكي يصطاد فريسة واحدة في نهاية المطاف, يبتلع كل مرّة الإهانة وقوة الصّد, ويجري لها عملية محوٍ سريع من ذاكرته, منتقلاً إلى فريسة أخرى.

وبتناقض فادح تظهر لديه نزعة تبجحية تدفعه بوصفه صائد نساءٍ عديم الذمة إلى إخفاء وطمر حالات الفشل المتكررة التي هي جزء عضوي من حياته الروحية, إنه لا يعلن إلا الناجح من مغامراته، وليس ماضيه سوى النصر المبين رغم وفرة الهزائم. لا يعلن إلا تفوقاً ظاهرياً, فهو ليس معنياً سوى بالكم الفعلي من تجارب اللذة.

تتساوى لديه النساء جميعاً , إنه يحب كل النساء بالطريقة ذاتها , كل الورود لها ذات الرائحة . هنا تغيب تقاليد خطاب غزلي متنوع , الدونجوان يستهدي بتنميط لغوي جاهز فقد أثبتت تجربته الثقافية فاعلية هذا التنميط ) \ 10 \ .

أولاً … تعني الايروس غريزة الحب و الحياة , حيث ( تبينَ لدى إرجاع الغرائز الأساسية وجود غريزتين أساسيتين فقط , هما الايروس و غريزة التدمير , و يقع في نطاق الايروس التعارض بين غريزة حفظ الذات , و غريزة حفظ النوع , و كذلك بين غريزة حب الذات , و غريزة حب الموضوع . هدف الايروس إنشاء الربط بين الوحدات ) \ 11 \ , إن الايروس هو (( مبدأ النشاط و دليل الرغبة , طاقته الليبدو بالنسبة إلى التحليل النفسي و نقيضه هو تاناتوس – غريزة التدمير – إله الموت عند اليونان )) \ 12 \ .

ثانياً … نضيف إلى التفسير السابق لبُعد الدونجوان عن الرجال ما ذُكر في موقع TASHAFI.COM بأن الدونجوانية فيها (( بعض الرجال يبدون كمفرطي جنس , حيث يحتاجون الممارسة الجنسية المتكررة , ولكن هذا يخفي مشاعر عميقة من الشعور بالنقص , و بعضهم لديهم ميول جنسية مثلية لا شعورية , فيتم إنكارها باتصالات جنسية قهرية متعددة مع النساء . و أغلب الدونجوانيين يفقدون اهتمامهم بالمرأة بعد الجماع )) \ 13 \ , وهذه ليست إلا حالة خاصة لأن الشخصية الدونجوانية تتميز بقصور جنسي .

ويمكننا إعطاء تفسيرٍ آخر يتمثل في خشية الدونجوان من يحبطه قصوره الجنسي مقارنة بفحولة الرجال لذلك يلجأ إلى التباهي بفحولته بين النساء .

ثالثاً … فيما يخص الكرامة و الأخلاق عامة ً , فهي (( مجموع متفاوت النسق من التحديدات المثالية و القواعد و الغايات التي يجب على الأنا – منظوراً إليه على أنه مصدر مطلق إن لم يكن شاملاً للمستقبل – أن يحققها بفعله في الوجود حتى يزداد هذا الوجود قيمة )) \ 14 \ , الدونجوان يكفر بكل هذا النسق و يخلق لنفسه مجموعه الأخلاقي الخاص الذي يبرر سلوكه الشخصي .

رابعاً … لفهم الحياة الروحية التي يعيشها الدونجوان ؛ نعرّف الروح بأنها (( تتمظهر بالفكر عند الإنسان و الحيوان, بشكل يمكن رصد نتاجه من سلوكهما , و تعتمل بالمشاعر و الرغبات ضمن كل نفس , فهي الحامل لا للميتابيولوجي فقط بل للفكر و المشاعر و الرغبات , أي هي حامل للنفس , فهي ما وراء الجسد و النفس )) \ 15 \ , وهكذا نميز بين النفس و الروح و الجسد , و نفهم لماذا يُصاب الدونجوان بحالات فشل متكررة صارت لصيقة بحياته الروحية .

-2-

تناول الأدب المسرحي موضوع الشخصية الدونجوانية , وبرع في تصويرها الكاتب المسرحي موليير في مسرحية ” دون جوان ” فكشف لنا الستار عن (( خلاعتها و استهتارها و شهوتها الحيوانية ، ليتدرج بعد ذلك إلى الكشف عن كفرها و إلحادها و نصبها على الدائنين من أمثال التاجر ديمانش , ثم العوق ( العقوق ) عندما رأيناه يتلقى نصائح أبيه بتمني موت هذا الأب المسكين و أخيراً نفاق دون جوان الذي فطن في النهاية إلى أن التظاهر بالإيمان قد ييسر له سبل إجرامه , خيراً من التظاهر بالكفر و عدم المبالاة برأي الناس فيه بحيث قد اكتملت لنا جميع القسمات التي ترسم شخصية دون جوان و تجعل منه نموذجاً بشرياً تتجسد فيه أقبح رذائل البشر )) \16 \ .

أولاً … هل الشخصية الدونجوانية كافرة و ملحدة و عاقة و منافقة ؟ هذا ما خلقه موليير في شخصية دون جوان .

ذكرنا سابقاً أن الشخصية الدونجوانية تكفر بالأخلاق كلها , و بالتالي فلا تعارض إن أصبحت ملحدة . و من الطبيعي لشخصية تكفر بالأخلاق أن تكون عاقة للأبوين و منافقة

ثانياً … هل هذه الشخصية نموذج بشري تتجسد فيه أقبح رذائل البشر ؟

جاء في مجلة عالم الفكر ( هناك مأساة نفسية في تحول دون جوان إلى زير نساء على اعتبار أنه يبدو منتمياً و غير منتمي في آن واحد . فكل الروايات تذكر له أباً و طبقة من الأشراف و لكن الأم غائبة عن كل المعالجات المسرحية و القصصية , فكأن مطاردة النساء هي عبارة عن البحث عن الأم المفقودة و إحلال تلك الفرائس الغرامية محل الأم التي هي قاعدة الثبات و الانتماء في حياة الإنسان . و هناك تأويل آخر يرى في دون جوان رمزاً لضعف الذكر لا لقوته , إن مطاردة النساء التي لا تأتي بلذة الحيازة هي شبه اعتراف بأن ميول البطل غير متجهة نحو الجنس الآخر . و هناك ميل آخر يرى أن شبق دون جوان ما هو إلا صورة من صور حب الاستطلاع , و تأويل آخر يجعل من دون جوان مجرد خاطئ و ضحية شبقه ) \ 17 \ .

أولاً … غياب الأم استدعى التعددية في العلاقات النسائية لأن الأم لا يستعض عنها بامرأة أخرى , لذلك تزداد اتصالاته مع النساء . و أيضاً عقوقه لأبيه و تمني موته يدعونا لأن نقترب من الحالة الأوديبية, (( ولكن أين جوكاست ؟ مع أن الرجوع إلى أوديب ضمني [ … ] أنه ينزع إلى أحد أشكال الماضي إلى أم لا يمكنه نيلها و هو يريد امتلاكها ذلك هو البديل الأمومي )) \ 18 \ . ثانياً … قصوره الجنسي يعوض عنه بتأكيد رجولته المشلولة التي لا يستطيع تحقيقها بشكل كامل بسبب عقدة النقص التي يعاني منها . هذا التأويل ذكر جزء منه خلال دراستنا السابقة . الشخصية الدونجوانية مصابة برجولة في موضع شك و جرح نرجسي .

أما مواقف الصيد النسائي فهي مواقف تحتاج الحل (( و كلما صعب الحل كان سعيداً بمهارته و حذقه في التخلص . لذلك لا يبتغي النيل لحد ذاته و لا التمتع بما ناله , لأنه يشعر بان لذة النيل تنتهي بتحققها و أن الحياة كلها حركة , و أن أية وقفة في السير بمثابة موت للعاطفة و للرغبة في البقاء. و يترتب على ذلك الشعور أيضاً أن لذة الحياة في الكلام ) الكلام الذي يتطاير و إن كان يوقع في فخ الإغواء ) و أن الكلام لا وزن له . لأنه مجرد حيلة في سبيل الوصول إلى غرض مؤقت . فلا يقيم للكلام وزن الحقيقة و يُدهش إذا رأى غيره يقيم له وزناً , فلا مكان في عالمه الذهني لما يسمى بالضمير لأن العهد ليس عهداً في منطقه بل مجرد كلام . وهذا التقدم الطائش لا يعرقله سوى اللقاء الأخير بالموت في شكل تمثال فإن الموت يجمع بين الثأر و ساعة الحساب فهذا اللقاء مع ما لا يمكن الهروب منه هو بمثابة ساعة الحقيقة التي كان يتجنبها أو يؤجلها طوال مغامراته في الحياة , و هذه الساعة هي تلك التي تربط بينه و بين الواقع بعد مسيرة الأوهام . و هكذا ينتهي السباق بين الواقع ( الذي هو استيقاظ الضمير و لقاء الموت في آ ن واحد ) و الوهم الذي هو التملص الكلامي , و عدم الخضوع لناموس ثابت في تقلبات الحياة )) \ 19 \ .

أولاً … لذة النيل تتم بتحقيق النيل . أي أن الشخصية الدونجوانية لا تهتم بموضوع الممارسة الجنسية كي لا يكشف أمرها بأنها قاصرة جنسياً , لذلك تكون اللذة في إيقاع الآخر بشباكها .

ثانياً … الكلام . لذة الحياة في الكلام , لا وزن له , حيلة في سبيل الوصول إلى غرض مؤقت . إن (( اللعب بالكلمات يجلب اللذة )) \ 20 \ , فإن كانت لذة النكتة هي الضحك فإن لذة الشخصية الدونجوانية النيل بالفتاة . الكلام الذي يستغل للإغواء و إثبات الفحولة و خلق عالم يجذب النساء إلى هذا الخالق الدونجواني .

ثالثاً … الضمير . نعرف الضمير بأنه (( خاصية العقل في إصدار أحكام معيارية تلقائياً و مباشرة على القيمة الأخلاقية لبعض الأفعال الفردية المعينة و هو يدل على الشعور بالمبادئ و التمييز شبه الغريزي لقيمة الفعل الحاضر و يمكنه أن يفكر و أن يتأمل في تقديراته و هو نوع من الغريزة يعاف الشر لا بما يعرف بقدر ما هو بما يكون ولهذا فإن ممارسة الفضيلة أو الرذيلة هما عوامل في تدقيق أو تشويه الضمير و هو الحكم الصادر من العقل ))\ 21 \ . الشخصية الدونجوانية ترفض الفضيلة التي هي (( استعداد راسخ لحسن الفعل اكتسبت على ضوء العقل و صاحبها المباشر هو الإرادة )) \ 22 \ .

إن الشخصية الدونجوانية تشبه شخصية ( صياد القلوب الذي يعتمد على حيله البلاغية و فطنته الذكية لكي يدرك هدفه في أسرع وقت ممكن, ولا يكاد يدع لنفسه فرصة التمتع بما استطاع أن يدركه من نصر غرامي حتى يأخذ في الالتفات إلى هدف آخر وإلى مطاردة جديدة. فهو يمل الانتظار ويضيق به صدره إذا وجد ما يعرقل تقدمه ونتيجة هذا القلق المستمر إنه يلجأ باستمرار لحيل اللباقة وحسن التخلص الذكي, فكأن العقل يأخذ في السيطرة على عواطفه , إنه ليس العقل الحكيم الوازن للأمور وما يترتب عليها من عواقب وإنما سرعة البديهة التي لا تتورع عن استخدام الكذب والخداع لإدراك هدفها من إغواء أو هجر سريع و هذا ما يبدو واضحاً في شخصية دون جوان التي رسمها موليير في مسرحيته فهو عاشق عقلاني إلى أقصى الحدود العقلانية, يعتبر أن سنة الحياة هي صيد الفريسة ثم تركها و الهروب بعيداً عنها ) \ 23 \ .

كل ما ذكر سابقاً لاغبار عليه فنحن بحثنا فيه و أكدنا وجوده , لكن التناقض الذي يقع فيه كاتب هذه المقالة هو تفسيره أن دون جوان عاشق عقلاني إلى أقصى الحدود العقلانية . هذا التناقض يؤدي إلى خلل في فهم الشخصية الدونجوانية لذلك علينا أن نرفض هذا التفسير , لأن العشق هو التخلي عن الأنا فداءً و تعلقاً بالآخر ؛ فكيف سينطبق هذا المصطلح التصوفي مع كلمة عقلاني حيث المحاكمة المنطقية للأمور , يقول ” عاشق عقلاني …. ” إن إحدى تعريفات العقل: (( هو الوحدة العليا للوعي و وعي الذات لمعرفة موضوع ومعرفة الذات إنه يقين )) \ 24 \ , فكيف اجتمع العشق مع العقل , ثم أنه ( يحضر في الشخصية الدونجوانية الايروس وحيداً , تقريباً , في وعيه و يختفي اللوغوس . و إذا ما كان هذان المفهومان مترابطين عملياً و يشدان إزر بعضهما و يعاودان التجلي على التناوب فإن الأول منهما يطغى لدى الدونجوان أو أنه على الأقل يستبعد الثاني ) \ 25 \ .

إن الشخصية الدونجوانية تجسد تحدي الإنسان الذي يحاول إشباع رغباته الحسية في مواجهة متطلبات الطاعة لشريعة قدسية بل في مواجهة الموت بعينه , و قد أعطى موليير” دون جوان” زوجة شرعية هي ” الفيرا ” التي اختطفها من دير راهبات . ومع ذلك سرعان ما تغلبت فطرته الشهوانية على التزاماته الزوجية فهجرها في سبيل سلسلة من المغامرات الغرامية المتصفة بالرياء و المخادعة من جانبه في آخر الأمر . و استطاع كذلك أن يفلت من ثأر أخي زوجته بالخدعة و المداهنة

أما بالنسبة للقلق الدونجواني فهو نتيجة لطبيعة رؤيته للدنيا كحلبة للسباق مع الواقع , و إغواء المرأة دون حب , ما هو إلا صورة من صور عدم مصداقية الحقيقة التي يعيش فيها . إن الأنانية المطلقة التي تميز الشخصية الدونجوانية و النزوع نحو إرضاء الحس يؤديان في النهاية إلى فقدان الحس نفسه , و فقدان الشعور بالواقع .

إن نرجسية الدونجوان هي نرجسية مجروحة لأنه يعاني من فقدان الأم , و العجز الطبيعي – القصور الجنسي – ( فالجرح النرجسي يحدد الدلالة التي تتخذها خيبة أمل و مذلة و انخفاض اعتبار الذات و يعاني من الغيظ النرجسي الذي يتطلب الحاجة إلى الثأر لمحو خطأ و إزالة جرح بأي وسيلة كانت , و اندفاع راسخ بعمق لا يعرف الرحمة لملاحقة هذه الأهداف كلها اندفاع لا يترك أي سلام لأولئك الذين عانوا الجرح النرجسي . إن نمو النرجسية كان له مدلول الانحراف الجنسي الذي يمتص كلية حياة الشخص الجنسية إنه يرى نفسه في أعين النساء المنجذبات له ) \ 26 \ .

ينتقد كير كجارد الشخصية الدونجوانية عند موليير , يقول: يمكن أن تتحول قصة دون جوان التي يعبر عنها بالكلمة إلى كوميديا فقط وهذا ماجرى مع موليير , ولكنه لم ينجح في التعبير عن الجوهر الحسي الدونجواني , هناك شيء ما ملحمي في شبق دون جوان المنتصر , ولكنه غير مكتمل ملحمياً , ويوجد عنصر شاعري ولكنه أيضاً لا يتساوى مع جوهر الدونجوانية ))\ 27 \.

إن تأكيد كيركجارد على الجوهر الحسي الدونجواني يعكس لنا ما يراه في الشخصية الدونجوانية من حسية تتجاوز ما انشغل به موليير من إبراز العقوق و النفاق والكفر . ونحن لا يسعنا إلا أن نشير إلى أن هذا الرأي يعود لكيركجارد فحسب.

إن موليير حاول الإحاطة بالحالة الدونجوانية من كافة الجوانب حتى يصور لنا الشخصية الدونجوانية في حالة بانورامية تصور العمق النفسي والاجتماعي و الفلسفي لها لذلك نظن أن المبرر لعدم التركيز على الجوهر الحسي الدونجواني واضح لدى موليير, بالرغم من أن كيركجارد قال بأنه- أي موليير- لم ينجح, لكنن نرفض هذا الحكم .


-3-

إن موتزارت جعل للأوبرا القدرة على تناول شخصية دون جوان في عمله الأوبرا لي ” دون جيوفاني ” . يصور لنا شخصية ” ألفيرا” بأنها تدرك نهاية القصة فيسيطر عليها يأس مطبق,ولكي لا تفقد الحياة معناها, يتوجب عليها أن تحب دون جوان ولذلك تقنع نفسها بأن دون جوان يحبها ولم يخدعها. ولكنه لم يعدها بشيء, تقول :

(( إنه لم يطلب يدي ؛لكنه مدّ يداً نحوي فأمسكت بها , فنظر الي ,فأصبحت ملكاً له, فتح ذراعيه فاستسلمت له [ … ] في اليوم الذي هبطت فيه الآلهة إلى الأرض, و أحبت النساء هل حافظت الآلهة على حبها ؟ لا يقدر أحد على القول بأنهم خانوهم , فما خانوا النساء اللواتي كنّ يشمخن بحب الآلهة .. و ماذا تساوي آلهة الأولمب بالمقارنة مع دونجواني .. أليس من واجبي أن افخر بدل القيام بإذلاله و تحقيره و إلباسه قميص القوانين القميئة و المميتة , و التي تناسب الناس العاديين )) \ 28 \ .

إنها في أزمة , و الموت يتهددها لكنها لا تراه فهي تفكر في الذي يجب إنقاذه إنها معذبة هجرها دون جوان .

كان تصوير هذه الحالات النسائية و تصوير الشخصية الدونجوانية عن طريق الموسيقى قوياً فالموسيقى هي وحدها القادرة على إيصال المشاعر المحتدمة و الكامنة في جوهر دون جوان , يقول كيركجارد :

(( حين يتجسد دون جوان موسيقياً . فإنني أصغي إلى الرغبة المستعرة و إلى فورانها الذي لا يخبو , و الذي لا يمكن مقاومته , و استمع إلى الرغبة المتوحشة , و إلى انتصارها المؤزر و الذي تغدو مقاومته بلا طائل . دون جوان موتزارت شخصية شيطانية تبرز فيها العظمة الحقيقية و يعيب تفسير موليير لدون جوان في أنه لم يرَ من شخصية غاو النساء سوى الجانب المضحك , وهو لا يكشف عن طبيعته و قوته )) \ 29 \ , حيث يمتلك ( زير النساء المعروف كشخصية أدبية أو الشخصية المبدعة و الخرافية في الوقت ذاته ميزات كثيرة منها العشق , المخادع , المهرج , الفوضوي . إن موضوع زير النساء هو أحد أكثر الموضوعات المستكشفة , حيث أغلبية الكتّاب و الأكثر تميزاً منهم مثل الملحنون و النحاتون و الرسامون قد أدرجوا زير النساء ” دون جوان ” في عدة جوانب من أعمالهم ) \ 30 \ .

-4-

جاء في مجلة أبواب اللندنية الآتي :
( يفضل البعض أن يرى في هذا النمط من الرجولة الدونجوانية ممارسة لعبية سالبة لعبة موضوعها الوحيد , تقريباً , المرأة . لن يكتفي الدونجوان فيها بعلاقة واحدة و إنما يصير هدفه الكبير ” إسقاط ” أكبر عدد ممكن من العشيقات في حبال شباكه الغرامية و الجنسية و في وقت متقارب , كما لو كان هاوياً لجمع الطوابع ؛ كيف يتهيأ له إذن أن ينصرف إلى كتابة نص شعري متوازن عن المرأة ؟ عندما تصير المرأة , و جسدها على وجه التحديد لعبة الرجل , فمن الواضح إن هناك عدم إشباع عميق و عدم اكتفاء جهنمي من الجسد الأنثوي , أي الموظبة على إمكانياته الخارقة و عدم عطبها .

ثم أنه لا ينسجم التأمل الغزلي مع صورة الدونجوان الذي يغامر بوضعيته الاجتماعية كلها و دفعة واحدة , ولا يهمه أن يخسرها . إته لكي يمتلك موضوعه مادياً عليه أن يخسر النص الشعري الغزلي , ولن تتهيأ له الفرصة لكتابته . فالدونجوان لا يكتب شعراً غزلياً .

تُوصف الحالة الدونجوانية من وجهة نظر التحليل النفسي كحالة خوف دائب من الإخصاء , إن الدونجوان في حالة توكيد مثابر على خلوه من الإخصاء ) \ 31 \ .

أولاً … الإخصاء . ( تاخذ الوضعية السادومازوشية في لا وعي الإنسا ن دلالة الإخصاء و تفجر قلق الإخصاء , و الإخصاء هو السمة المميزة لجنسية الطفل بالمقارنة بجنسية الب الذي يمتلك الأم مما يؤدي إلى تحويل جنسية الطفل نحو إمرأة بديلة , و قانون الأب الذي يفرض الإخصاء ( المنع ) هو الذي يدفع بالطفل إلى النمو ليتمكن من الحصول على إمرأة له , لكن هذا لا يسير نحو النهاية الطبيعية لأنه بالإضافة إلى الحب و الإعجاب بالأب هناك شحنة عدوانية للقضاء عليه إذا كان الحب شديداًُ و العداء كذلك استقرت في الطفل حالة الإخصاء , وهنا ترتد العدوانية إلى الذات على شكل مشاعر إثم مفرطة من خلال تكوين ( أنا أعلى ) و من هنا تبرز عقدة النقص و العجز و العار التي تعكس وضعية الإخصاء التي تتضمن الشعور باتهديد الدائم و مشاعر العجز و عدم الاكتمال , و وجوده الذي يُعاش تحت شعار المهانة . و المخصي يشعر بالدونية و انعدام الكفاءة الاجتماعية . قلق الإخصاء يزعزع كيان الإنسان , فهو يولد الآلام المعنوية التي تصيب الاعتبار الذاتي في الصميم , و الحلول التعويضية تصب في الشعور بشيء من الاعتبار الذاتي , فمثلاً , الإفراط في الذكورة يأخذ أشكالاً استعراضية , و بمقدار توكيد هذه الذكورة في مظاهرها الخارجية من خلال كل أنواع المبالغة , بمقدار ما يكمن في اللاوعي من مشاعر نقص و عجز يُخشى من كشفها ) \ 32 \ .

و نرجسية الشخصية الدونجوانية تكمن في رفضها الرضوخ للمرأة و هجرانها لحظة نيلها , كي لا تُكشف علل هذه الشخصية , لذلك يرتبط ظهور الدونجوانية بفترة المراهقة المتأخرة , فإن بقيت و استشرت صارت انحرافاً , و إن تضاءلت عادت للحالة الطبيعية \ 33 \ , وهذا ما يدعونا إلى الانتباه إلى فكرة الدور الاجتماعي في حياة الدونجوان فالسلوك الاجتماعي هو سلوك مكتسب و من هنا يمكن التوجه نحو الأدوار الاجتماعية في علم النفس و طريقة تعلمها و من من نتعلمها وماذا تعكس في الشخصية لذلك تقع على الأب و الأم مسؤولية كبيرة في الحفاظ على النمو الطبيعي للطفل حتى لا يكبر و في نفسه عقدة تعكس في نفسه سلوك غير سوي ( فالقدرات الجنسية لا تظهر على نحو مفاجىء – حسب فرويد – بل تبدأ مع الولادة فاليبيدو أساسي بيولوجي وهذا نطاق تهيمن فيه الأشكال الثقافية الاجتماعية على المؤثرات البيولوجية , فمع بداية المراهقة تتكشف عناصر جديدة كالعادة السرية , إن السلوك الجنسي متفق عليه و ليس قناعاً لدافع اساسي و بذلك تمنح هذه الصورة الذات و الشخاص , فلقاء الجنسين لا يشجعه للعملية الجنسية إلا الاحتكاك الغير مباشر و ذلك نتيجة اتفاق . و أواخر المراهقة يتطور مفهوم الجنس و يدرك المعنى الاجتماعي للعلاقات الجسدية و يجب التأكيد على أهمية التعلم المبكر للدور الجنسي عند الصبيان فذلك يولد قدرة جنسية مبكرة و أيضاً يكون التحديد المبكر للهوية إطاراً أو بنية ملائمة يستطيع من خلالها الدافع الجنسي و الاتفاقيات الجنسية المتوافرة اجتماعياً أن تجد التغيرات الأكثر ملائمة . و التطور الجنسي المراهقي يمثل على نحو حقيقي بداية الجنسية البالغة أي أن الخبرات الجنسية ستدرك على أنها خبرات جنسيةاجتماعية ) \ 34 \ .

و الدونجوان لم يتعلم في صغره الدور الجنسي فبلغ سن الراهقة و هو يحمل انحرافاً جنسياً , و اضطرابات نفسية جعلته يتعامل مع الهدف الاجتماعي للعمليات الجنسية و العلاقات مع الجنس الآخر بشكل مرضي أدى إلى ظهوره على هذا الحال الذي نراه فيه .

ثانياً … الشعر الغزلي . ( اعتماداً على ما قاله فرويد : حافز المجتمع البشري هو في نهاية المطاف حافز اقتصادي , لذلك فالتاريخ البشري محكوم بالعمل و هذا يعني أن علينا كبت بعض نزوعاتنا إلى اللذة و كل كائن بشري لا بد أن يخضع لهذا الكبت الذي يفرضه مبدأ الواقع مقابل مبدأ اللذة و ربما أصبح الكبت مفرطاً فذلك سيجعلنا نمرض و نحن مهيئون لأن نصبرعلى الكبت ما دمنا نرى أن ثمة مصللحةفيه لنا أما إذا تتطلب منا الكثير فمن المحتمل أن نقع فريسة المرض , و يعرف هذا الشكل من المرض باسم العصاب من المهم أن نرى أن هذا العصاب مرتبط مع ما هو إبداعي لدينا كجنس فضلاً عن ارتباطه مع أسباب تعاستنا فإحدى الطرائق التي نتغلب بها على رغبات لا نستطيع تحقيقها هي ” تصعيد ” هذه الرغبات أي توجيه هذه الرغبات نحو غاية أكثر قيمة اجتماعية ) \ 35 \ , و بالتالي لا يحتاج الدونحوان لأن يكتب الشعر الغزلي لأنه لا يعاني كبتاً من هذه الناحية لكنه ربما يكتب شعراً يصف فيه قدراته الجنسية , ذلك لأنه يكبت قصوره الجنسي مثلاً .



-5-

تم طرح موضوع الشخصية الدونجوانية في السينما بشكل واسع , حيث أصبح الدونجوان يظهر تبعاً لرؤية المخرج , فتنوعت الصور التي ظهرت فيها هذه الشخصية حسب اختلاف مضامين الطرح السينمائي .

أولاً … فيلم ” دون خوان دي ماركو ” يظهر دون خوان ( دون جوان ) و هو شاب تعّرف على أكثر من ألف إمرأة , ولم ترفضه سوى المرأة التي أحبها , فقرر الانتحار .

يموت بعدأن فقد الفرصة في الموت بين ذراعي المرأة التي أحبها – لكن هذا كان خيالاً – دون خوان لم يعد يفكر بالانتحار, و ينتهي الفيلم بخروج دون خوان من المشفى حيث كان يُعالج , و سافر مع طبيبه لقضاء إجازة … فيلم رومانسي مؤثر يحرك العواطف , و يخلّف وراءه الحلم , و يصور الشخصية كي تبدو عاشقة تهجس بالحب , و تعاني من التآكل الذاتي على الصعيد الفردي و الاجتماعي بسبب وحدتها في ألمها القلِق \ 36 \ . إنه فيلم يصور حال المحب في القرن العشرين .

ثانياً … فيلم ” دون جوان ” يطرح في بداية الفيلم سؤالاً عن إمكانية أن يكون الدونجوان إمرأة , و يجيب عليه بالنفي .

إنه يصور المرأة الدونجوان على أنها فتاة داعرة توقع بالرجال , و تغرقهم في اللذة الجنسية , ثم تقتلهم … إنها تسترد كرامة النسا ء , تجعل من نفسها الوصية على بنات جنسها , تباشر في استرجاع ما هدر من حقوقهن .

ينتهي الفيلم مع موعدها الأخير بالرجل الذي أتعبها اللقاء به طيلة الفيلم , تنتظره في منزلٍ مهجور وهي تتحضر إلى قتله حرقاً , لكنه يتأخر في المجيء … فتيأس من قدومه وتحرق نفسها بدلاً عنه .

تُصوّر الدونجوانة كمغناج ,و مخادعة , لكنها رافضة للرجل , و حاقدة عليه , تتمنى له الشر , و تسعى إلى إغراقه في الشهوات التي لا تُطال .

ثالثاً … فيلم ” عين الشيطان ” الذي يُعد من أكثر الأفلام التي حافظت على الجو المولييري \ 37 \ حيث الكوميديا التي تُعري الشخصيات و الأوضاع الاجتماعية , لكن في قالب معاصر .

رابعاً … فيلم ” أماديوس ” الذي يظهر فيه موتزارت وهو يخرج أوبرا دون جيوفاني , ونرى فيه المسحات الكوميدية التي وضعها موتزارت في شخصية دون جيوفاني , و شخصية سغاناريل .


-6-

أولاً … قدّم ” جان فيلار ” على صعيد الإخراج المسرحي مسرحية ” دون جوان ” لموليير , و عرض فيها شخصية دون جوان على أنه رجل (( يبصق على كل سيء , رجل لا يحتاج لتلك النساء لأنه لا يعرف معنى الهيام بالمرأة فهو يعشق إمرأة ثم فجأة يعشق إمرأة ثانية , فيهجر الأولى . دون جوان لا يجتاج إلى النساء , و عنده إيمان راسخ بان الناس سواسية في السوء , و إن الأسلوب للتعامل معهم هوالإضرار بهم , ليس لحقد بل لحقارة و استهتار )) \ 38 \ . إن ” جان فيلار ” يدين هذا النوع من البشر , و يعاقبه بشكل غير مباشر .
ثانياً … في إخراج مسرحية ” دون جوان ” للكاتب الروسي ” بوشكين ” صُوّر دون جوان على أنه (( أنسان جسور , و إذا ما سقط في الهاوية فسوف ينادي على ” دونا آنا ” . إنه مفعم بالشعر و الحياة )) \ 39 \ , و يكون مصيره فجائعي .

هكذا نرى كيف اختلفت مناحي تصوير الشخصية الدونجوانية , كل حسب ما يراه , و حسب ما يستشعره في هذه الشخصية ؛ حتى و إن ابتعدوا – المخرجين المسرحيين و السنمائيين – عن المسار المنطقي . إنهم يبحثون دوماً عن اللا مألوف و اللا متعارف عليه في الشخصية الدونجوانية .


-7-

يقول دون جوان موليير :
(( هل تريد أن يُجبر الرجل على أن يظل مرتبطاً بأول امرأة استولت على قلبه وأن يهجر العالم من أجلها وألا ينظر إلي امرأة أخرى ؟ ما أجمل أن يدعي الإنسان أن الإخلاص فضيلة وأن يدفن نفسه إلي الأبد في حب واحد وأن يظل منذ فجر شبابه غافلاً عن أي جمالاً آخر قد يلفت نظره . لا .. لا ! إن الثبات في الحب لا يلائم إلا البلهاء من الناس ‘جميع الحسناوات لهن الحق أن يسلبن لبَنا ، ولا يصح أن يكون لأول حسناء التقينا بها ،الحق في أن تسلب الأخريات نصيبهن العادل من قلوبنا . أما من جهتي فإن الجمال يبهج نفسي أينما وجدته وما أسهل أن أنقاد إلى قوة جاذبيته العذبة .

مهما ارتبطت بحسناء فإن الحب اكنه لها لا يحملني على ظلم الأخريات ،إن لي عينين أحتفظ بهما لأرى مزاياهن جميعاً …

ولو كان لي عندي مائة ألف قلب فإنني أهبها جميعاً للمرأة الجميلة التي تطلب حبي ،وما لذة الحب ألا في التنقل ) \ 40 \ .

إن موقف الدونجوانية من الزواج هو موقف المعارض , وذلك لأن الزواج بنظر الدونجوان يحول الحب إلى مسألة مودة , وعائلة , واستقرار , وبالتالي يتحول الحب المتأجج إلى شيء ممل و مكرر, وهو ما ينافي هذه الشخصية النارية ؛ لذلك نراه رافضاً للعلاقات الدائمة التي تفضي إلى الزواج .

لكن ورغم هذا الكره لمؤسسة الزواج إلا أن الشخصية الدونجوانية لا تجد بدّاً من المتاجرة بهذه المؤسسة و التلويح بها من أجل استدراج الضحية , و لذلك نرى الشخصية الدونجوانية

وهي تلوح بالزواج من أجل إيقاع الفريسة . وهو باختياره هذا النوع من الحياة نراه و قد درس شخصية الفتاة التي يريد الإيقاع بها عارفاً نفسيتها و منشأ شخصيتها المحافظ , والذي لن تستجيب له إلا إذا استخدم الأفكار المحافظة التي تؤمن بها من أجل إقناعها .

(( إن الشخصية الدونجوانية ليست إلا محاولة مستمرة للبقاء بالحب على مستوى العشق العنيف و الانفعال الحاد , والبحث عن شتى الوسائل و الطرق التي تبعد عنه خطر الاستقرار , وما يتبعه من وهن في اشتداد العشق , و ضعف في حدته , و تعريض له للرتابة و التكرار و الملل . و بما أن الدونجوان يريد عشقه أن يكون دوماً متوهجاً متقداً و في ذروة التوتر , نراه يرفض مؤسسة الزواج – بالرغم من وعود الزواج السخية التي يطلقها في سبيل تحقيق مآربه – و يحتقر الأزواج و ينتقم منهم بإغراء الزوجات و يلجأ إلى التنويع المستمر و التبديل الدائم في علاقاته الغرامية , و إلى الغزوات و المغامرات العاطفية المتلاحقة ليبعد عنه شبح الاستقرار , وما يستتبع من شحوب و سأم و ملل في الحب , و ليبقي عشقه في أوج التلقائية و العفوية و الاندفاع الذاتي )) \ 41 \ , وهذا التحليل للتعددية العلائقية مع النساء يُضاف إلى ما ذكرناه سابقاً .

لكن سؤالاً ملحّاً يراودنا ؛ هو : لماذا نتجاوب مع الشخصية الدونجوانية و نحاول التماهي بها و نستجيب بشكل إيجابي لقصصه بل إن لقب دون جوان قد اصبح لقباً للتحبب ؟

إن السبب يعود إلى أن فلسفة هذه الشخصية , و القائمةعلى الروح الانعتاقية و التحرر و إرضاء النزوات الحسية الآتية دون التفكير بالعواقب المستقبلية … إلخ . كل هذه الصفات إضافة إلى صفات اخرى أهمها مواجهة السائد من الأفكار و التقاليد بالرفض ؛ كل هذه الأمور موجودة في داخل كل شخص , ونحن كأفراد و إن قمنا بكبتها بسبب وجود عائق اجتماعي ديني و خلفية تربوية إلا أنها موجودة داخلنا و بالتالي فنحن نتجاوب مع الشخصية الدونجوانية في غرامياتها لأنها تدغدغ (( أنانا الأخرى, تلك الأنا التي نركنها في الظلام منسية لكنها حاضرة دائماً و سبب ذلك أن الشخصية الدونجوانية تتجاوب مع نزعة دفينة مكبوتة في نفس كل فرد منا , و تمثل الانعتاق من قيود شريعة الامتداد التي تغلف حياتنا )) \ 42 \ , و المقصود بشريعة الامتداد هو شريعة الامتداد بالحب في إطار مؤسسة الزواج , و بالتالي الحكم عليه بالملل و الرتابة … إلخ .


-8-

إن الشخصية الدونجوانية تقترب من الشخصية الكازانوفية , و تبتعد عنها … فأين أوجه الاقتراب و الابتعاد بين هاتين الشخصيتين ؟

كازانوفا , شخصية تاريخية حقيقية , اسمه جيكامو جيوفاني كازانوفا ولد عام 1725 , و مات عام 1798 , وهو كاتب , كاهن , جندي , دبلوماسي … إلخ .

اشيهر بأمير المغامرين الطليان ,حاول والداه اللذان كانا يعملان في مجال التمثيل أن يدخلاه للدير , لكن تم طرده عندما كان عمره 16 سنة بسبب سوء تصرفاته . انضم للتنظيم الماسوني في مدينة ليون عام 1750 , ثم تنّقل بين عدة مدن أخرى إلى أن عاد لفينيسيا ( مسقط رأسه ) عام 1755 حيث اتهم بممارسة السحر , و سجن لمدة خمس سنوات , لكنه هرب من السجن وتنقل في البلدان الأوروبية , و تقلب في كتاباته بين الشعر و النقد و الترجمة , لكن أهم عمل له كان مذكراته ” قصة حياتي ” , و فيها تسجيل لحياته الفاجرة .\ 43 \

أولاًً … في المسرح . كازانوفا هو العاشق الذي لا يرضى بعشيقة واحدة , إنه يحاول التنقل من فتاة إلى أخرى , و لكنه يهتم بأمر السيدات اللواتي يحاول اصطيادهن , فيحاول أن لا يجرح أية واحدة منهن . تقول شخصية كازانوفا في مسرحية كازانوفا :

(( أنا كازانوفا
العاشق المرح المجنون
أقول لإله الحب هيا
فيذهب دون أدنى تأن ٍ
ليقطف قلوب الجميلات
لدي منهن جماعات
قد صنعت من إله الحب الحزين العاري
إلهاً بشوشاً ضاحكاً
أنا لا أهاجم الفضيلة
و لا أتعدى على العائلات )) \ 44 \

لكن كازانوفا في الحقيقة يهاجم الفضيلة و العفة , و كان يتلذذ بذلك , وهو يعتبر أن التحرش بالنساء كان واجباً عليه , فإذا وجد إمرأة تعيش لوحدها حاول أن يشن غارته عليها , و لكنه في نفس الوقت يعتبر أن ذلك هو نوع من الواجب ؛ إذ لم يهن عليه أن يتركها وحيدة !

تقوم فلسفة هذه الشخصية على العناية بالملذات اليومية , و في مسرحية كازانوفا توجد مشكلة بينه و بين “بللينو ” , لكن كازانوفا لن يبارح مكانه قبل إفراغه كأس المتعة:

( في الغد سأنتقم من هذا البللينو
سأقتله !
لكني اليوم لابد أن أفرغ كأس
المتعة ! )) \ 45 \

إضافة على اعتناء كازانوفا بالملذات اليومية , حرصه على الابتعاد عن الهموم اليومية :

( إني أتعذب , و علي أن أبكي
ليس الآن , و لكن بعد قليل ) \ 46 \

إن هذه الفلسفة الكازانوفية لم تأت من لا شيء , ذلك لأن قراره بالإبقاء على حالة المتعة كان دائماً مسبوقاً بجملة تبين ما يعاكسها . إن وجود هذا التعارض يعمق الخيار الذي يتخذه كازانوفا .

و نضيف بإن شخصية دون جوان , هي شخصية خيالية أدبية يكاد يكون أصلها الأسطوري موجوداً ضمن الذاكرة الجمعية لشعب ما , و دون وجود توثيق مكتوب لها سوى أقلام الأدباء ,و الأفلام السينمائية , و الأعمال الموسيقية ؛ وليس المؤرخين …

ثانياً … في السينما . يظهر كازانوفا في فيلم ” ليلة فارين ” في عمر يناهز الستين , بدأت التجاعيد تملأ وجهه , وهو يحاول أن يخفيها بالماكياج , يسعى دوماً للظهور بمظهره المتألق الارستقراطي الذي عهدته النساء عليه . دوره في الفيلم كان هامشياً و غير فعال .

أما في فيلم ” كازانوفا فيلليني ” تصوير كامل لكل حياة كازانوفا , لكن رؤية فيلليني الفنية تطغى على الشخصية و تسيّرها تبعاً لما يشعر به فيلليني و يعانيه ؛ فنرى كازانوفا في آخر أيامه لا يتذكر إلا ” إيزابيلا ” تلك الفتاة التي لم تقبل بمعاشرته , إنها مازالت في ذهنه حتى اللحظة الأخيرة من الفيلم . و نراه أيضاً كافراً بالدين و الأخلاق ؛ حتى أنه في آخر لقطة يتخيل البابا ركباً عربةً ذهبية مع أمه , و هما يضحكان عليه .

هذا هو كازانوفا , و نظن أننا قد أجبنا على السؤال الذي طرحناه حول أوجه الاقتراب و الابتعاد بين هاتين الشخصيتين .


-9-

يقول ” تيوفيل غوتييه ” عن مسرحية ” دون جوان ” لموليير :

(( إن دون جوان التي أعطاها موليير عنوان : ملهاة ؛ هي و الحق يقال , مسرحية مأسوية , و مسرحية مأسوية حديثة … إنه كافر و فاجر , و آثم تقريباً , و لا نجد لديه سوى آثار ضعيفة لذلك التوحد الغرامي لذلك البحث عن المثل الأعلى النسائي , و عن تلك المرأة التي لا اسم لها )) \ 47 \

فبعد فاوست الذي ينهي حياته وهو يقول : ” أحبوا , لأن كل شيء في الحب ” , يأتي دور دون جوان – حسب غوتييه – ليقول :

( أيتها اللذة الخادعة أنت التي سرت وراءك, و ربما كنت أنت , أيتها الفضيلة , التي تعلمين لغز الحياة . ليتني , مثل فاوست , في صومعتي المظلمة , تاملت الغبش المرتعش على الجدار لعالم مصّغر من الذهب ! ليتني , وأنا أتصفح كتب السحرو الطلاسم , بقرب موقدي , أمضيت الساعات السوداء بحثاً عن الكنز! كنت شديد العناد , و كان يمكن أن أقرأ كتاباً , و أشرب ضحكك اللاذع , أيها العلم , دون أن أسكر , مثل تلميذ صغير.) \ 48 \ تيوفيل غوتييه – ملهاة الموت

إن دون جوان يمثل ( تجسيد الإخفاق الكامل لقيم الغرب المسيحية , و لن يكون مدعاة للتعجب أن يحصل هذا على المسرح الذي تعبر فيه عن نفسها القوة الشيطانية الكبرى لدون جوان . ألم يقطف دون جوان التهورات الجنسية لأبطال و أرباب العصور القديمة ؟ لكنه رب مجرم , غازٍ للطبيعة البشرية ) \ 49 \ .

دون جوان في الحقيقة هو أخٌ لشخصية أخرى أصبحت في عصر النهضة شخصية أدبية و هي الدكتور فاوست فكل منهما (( ينزعان إلى الإفراط , إذ أن طلباتهما و حاجاتهما مفرطة . و مع هذا فإنهما عاجزان عن إشباع طلباتهما التي لا تنتهي بأسلوب التقاليد المسيحية غير الدنيوية . و بات لزاماً عليهما الحصول على ما يبتغون شأنهما في هذا شأن الآخرين من البشر ؛ بيد أن حاجاتهما ليست حاجات الآخرين )) \ 50 \ .

و يقارن كيركجارد بين فاوست و دون جوان , فهما يتساويان من حيث أنهما بطلان , و يجسدان مبدأً فردياً , (( إن فاوست و دون جوان هما عملاقا العصور الوسطى , وهما لا يختلفان في مساعيهما المتغطرسة عن جبابرة الماضي , و يتميزان بوقوفهما وحيدين دون أن يتوحدا مع قوة عامة لاقتحام السماء ؛ فالقوة تتمركز بالكامل في شخصية واحدة )) \ 51 \. إن دون جوان هو (( تعبير شيطاني يتبدى حسّياً , و فاوست تعبير شيطاني يتبدى عقلياً أو نفسياً )) \ 52 \ . إن ظهور دون جوان كان أبكر من ظهور فاوست .

فاوست يرفض الزواج بغريتشن – مارجريت – لأنه يعتبرها شيء يتعلق بالماضي , وهو إن تزوجها فسيبقى أسير الماضي , ومتجمد في قيود المجتمع ؛ هذا المجتمع الذي يسعى فاوست إلى تدميره حتى يستطيع المباشرة في بناء عالمه الجديد , لذلك كان رفضه لغريتشن متعلق بهذه الأمور ؛ فلا مجال للتطور ما دام الماضي حاضر معه بأي شكل من الأشكال , و أيضاً لأنه تعاهد مع الشيطان على أن تصبح روح فاوست ملكاً للشيطان في اللحظة التي يتوقف فيها عن العمل و التطور , و السعي . أي تلك اللحظة التي يشعر خلالها بالراحة و الرغبة في اللا فعل , وهذا ما سيحدث إن هو تزوج غريتشن , لأنها تتبع للماضي , و الماضي ثابت لا فعل فيه .إنه يهجرها و يتابع مسيرته ؛ حتى يلقاها آخر الأمر في السماء مع الملائكة .

في الجزء الأول من المسرحية نرى فاوست يأتي لإنقاذ غريتشن , لا حباً في الارتباط معها , بل رغبة في تحريرها من السجن ؛ لأنه سبب دخولها إليه , فهي قبل سجنها تكون قد حبلت منه دون رابط شرعي , و كانت سبباً في موت أمها بعد أن أعطتها منوماً أودى بحياتها بغية الاختلاء بحبيبها فاوست , و كانت سبباً غير مباشر لقتل أخيها الذي أراد الدفاع عن شرفه فأسرع إلى قتال فاوست ,لكنه قُتل على يده . بعد كل هذه الأسباب يشعر فاوست بالندم ؛ فيسرع إلى إنقاذها من ظلام السجن . إن الشيطان يقول لفاوست : إنها ليست الأولى … !

فيرد عليه فاوست :

(( يا كلب ! يا وحش ! يا كريه ! أيها الروح اللانهائي ! حوّل هذه الدودة إلى شكل كلب من جديد مثلما بدا لي ليلاً عدة مرات وهو يعدو أمامي أنا السائر البريء أو يتكوّر عند قدمي أو يتواثب على كتفي حين اهوي إلى الأرض ! حوله من جديد إلى صورته الأثيرة حتى يزحف أمامي على بطنه في الرمل و أطأه بقدمي هذا الخسيس ” إنها ليست الأولى ” يا ويلتاه … ياويلتاه ,و إنه لأمر يتجاوز تصور كل عقل إنساني إن أكثر من مخلوقة غرقت في أعماق هذا الشقاء و إن الأولى في محنة موتها القاصمة لم تكفّر عن خطايا الباقيات أمام عين الغافر الدائم إن شقاء هذه الواحدة يسري في نخاعي وفي حياتي و أنت تتهاتف راضياً عن مصير الآلاف منهن ! )) \ 53 \

لكنها لا تقبل الذهاب معه و تبقى حيث هي في السجن حتى تأخذ روحها الملائكة ؛ أما دون جوان فيخرج ” ألفيرا ” من الدير بحجة الزواج الكاذبة , لكنه بعد ذلك يهجرها بغية متابعة مغامراته النسائية . يقول كيركجارد :

(( دون جوان تجسيد مطلق للحسية و إذا كان الحب الذي يتضمن عنصراً روحياً يتوجه إلى امرأة واحدة فإن الحسية في أشد مظاهرها تتوجه إلى جميع النساء وهذا التحديد نراه في تصرفات دون جوان الذي لا يمكن إدانته لعدم الوفاء فالوفاء ليس من طبيعته الحسية )) \ 54 \ .

إن كيركجارد يمنح دون جوان الأفضلية لأنه يرى فيه شخصية أكثر طبيعية و حياتية ؛ أما فاوست (( فيفتقد كغاوٍ للنساء إلى العاطفة الملتهبة لدون جوان , ينتصر فاوست بالكلام أو بالكذب )) \ 55 \.

فاوست يبحث عن السعادة في الحب ليس إيماناً به بل لأنه عنصر واقعي للزمن تبثه النشاط فيتحول عن الشك لهذا تفتقر متعته إلى السعادة التي يتميز بها دون جوان .

– 10 –

إن اتفقنا بعد هذا الكشف تحت المجهر على أن الشخصية الدونجوانية تعاني انحرافاً جنسياً , فالعلاج يعتمد إحدى الطرق الثلاث التالية :

(أولاً… التحليل النفسي الفرويدي . يرمي إلى كشف الخلل في حياة المنحرف أثناء الطفولة , و علاقته مع أسرته و مجتمعه , و التجارب البارزة التي أدت إلى هذا المصير . } و يمكن اتباع العلاج النفسي الفردي { .

ثلنياً… العلاج النفسي الوجودي. الذي يتضمن المواجهة الحرة الصريحة الواعية من قبل المعالج و المريض.

ثالثاً… العلاج السلوكي الحديث. وهو يتعمد على هدم المنعكس الشرطي القديم, إي عادة الانحراف الخاطئة وجعل المريض ينساها أو يكرهها, ثم بناء عادة جديدة صحيحة ) \ 56 \ .

بئس ما فعله موليير وغيره من الكتاب أمثال فريش ولافودان, وتيرسو, الذين أقروا العقاب على دون جوان بالموت! إن دون جوان لا يستحق العقاب؛ بل يستحق العلاج… لماذا لا نعاقب شخصاً مجنوناً بالموت إن أقدم على قتل أحد ما؟‍‍ ‍‍ كذلك هو الحال مع مريضنا.. دون جوان .



– انتهت –


هوامش البحث

1- ناجي الجيوش – الانحرافات الجنسية – ص ( 136) .
2- فاخر عاقل – اعرف نفسك – ص ( 117) .
3- سيغموند فرويد – الموجز في التحليل النفسي – ص ( 154 ) .
4- ناجي الجيوش – الانحرافات الجنسية – ص (22) .
5- سيغموند فرويد – الموجز في التحليل النفسي – ص (119) .
6- ناجي الجيوش – الانحرافات الجنسية – ص (26) .
7- ناجي الجيوش – الانحرافات الجنسية – ص (138) .
8- سيغموند فرويد – الحياة الجنسية – ص ( 113) .
9- مصطفى حجازي – التخلف الاجتماعي – ص ( 43) .

مجلة أبواب اللندنية \ دون جوان WWW. GOOGLE.COM \
سيغموند فرويد – الموجز في التحليل النفسي – ص (29-30-31 )
جان بيلمار نويل – التحليل النفسي و الأدب – ص ( 127 ) .
WWW.TASHAFI.COM
عبد الرحمن بدوي – الأخلاق النظرية – ص( 8 ) .
مجلة المعرفة – 431 – ص ( 12 ) .
محمد مندور – المسرح العالمي – ص (185 ) .
مجلة عالم الفكر – ص ( 159 ) .
جان روسيه – أسطورة دون جوان – ص ( 205 – 206 ) .
مجلة عالم الفكر – ص ( 158 ) .
جان بيلمان نويل – التحليل النفسي و الأدب – ص ( 32 ).
عبد الرحمن بدوي – الأخلاق النظرية – ص ( 56 – 57 – 58 – 59 )
عبد الرحمن بدوي – الأخلاق النظرية – ص ( 143 ) .
مجلة عالم الفكر – ص (157 ) .
هيغل – الكتاب الثاني – ص ( 12 ) .
مجلة أبواب اللندنية \ دون جوان WWW. GOOGLE.COM \
النرجسية – راجع الأقسام التالي , من ص (149 ) إلى ص ( 155 ) , و راجع من ص ( 344 ) إلى ص ( 354 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 256 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 273 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 257 ) .
فقرة مترجمة عن الانكليزية من الموقع http://www.don-juan.com
مجلة أبواب اللندنية \ دون جوان WWW. GOOGLE.COM \
مصطفى حجازي – التخلف الاجتماعي – ص ( 90 – 91 – 92 ) .
محاضرات غير منشورة – د. هزار الجندي .
إريك غود , هارفي فاربرمان – الواقع الاجتماعي – من ص( 103 ) إلى ص ( 114 ) .
تيري إيغلتون – نظرية الأدب – ص ( 257 – 258 ) .
محمد الأحمد – السينما تجدد شبابها – من ص( 170 ) إلى ص ( 176 ) .
بيتر كاوي – السينما الإسكندنافية – ص ( 247 ) .
اناتولي ايفروس – البروفة حبي – ص ( 151 ) .
اناتولي ايفروس – البروفة حبي – ص ( 155 ) .
موليير – مقدمة مسرحية دون جوان – ص ( 11 ) .
صادق جلال العظم – في الحب و الحب العذري – ص ( 35 – 36 )
صادق جلال العظم – في الحب و الحب العذري – ص ( 36 ).
the new eucydopaedia britannica
جيوم أبولينير – كازانوفا – ص ( 33 ) .
جيوم أبولينير – كازانوفا – ص ( 69 ) .
جيوم أبولينير – كازانوفا – ص ( 71 ) .
جان روسيه – أسطورة دون جوان – ص ( 277 – 278 – 279 )
جان روسيه – أسطورة دون جوان – ص ( 266 – 267 ) .
فيليب كامبي – العشق الجنسي و المقدس – ص ( 207 ) .
مجلة عالم المعرفة – تشكيل العقل الحديث – ص ( 54 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 255 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 255 ) .
جيته (غوته ) – فاوست 2 – ص ( 174 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 256 ) .
أ . انيكست – تاريخ دراسة الدراما – ص ( 257 ) .
ناجي الجيوش – الانحرافات الجنسية – ص ( 159 – 160 ) .

بيبلوغرافيا البحث

المصادر :
أبولينير ( جيوم ) : كازانوفا – ترجمة و تقديم : د. نادية كامل – مراجعة : يحيى حقي – سلسلة المسرح العالمي – العدد 238 – الكويت – 1989 .
جيته : فاوست 2 – ترجمة و تقديم : عبد الرحمن بدوي – سلسلة المسرح العالمي – العدد 233 – الكويت – 1989 .
جيته : فاوست 3 –ترجمة و تقديم : عبد الرحمن بدوي – سلسلة المسرح العالمي – العدد 234 – الكويت – 1989 .
فرويد ( سيغموند ) : الحياة الجنسية – ترجمة : جورج طرابيشي – دار الطليعة – بيروت – (الطبعة الأولى 1982 , الطبعة الثانية 1993 , الطبعة الثالثة 1999 ) .
فرويد ( سيغموند ) : الموجز في التحليل النفسي – ترجمة : سامي محمود علي \ عبد السلام القفاش – مراجعة : مصطفى زيوار – تقديم: محمد عثمان النجاتي – مكتبة الأسرة –الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر- 2000 .
فرويد ( سيغموند ) : الحرب و الحضارة و الحب و الموت – ترجمة : عبد المنعم الحفني – دار مأمون- مصر – 1977 .
موليير : دون جوان – ترجمة : يوسف محمد رضا – دار كتاب لبنان – الطبعة الثانية – بيروت – 1985 .
هيغل : الكتاب الأول و الكتاب الثاني – ترجمة : إلياس مرقص – (الطبعة الأولى 1979 , الطبعة الثانية 1989 ) – المكتبة الفلسفية – بيروت – د. ت .

المراجع :

الأحمد ( محمد ) : السينما تجدد شبابها – وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما – دمشق – 2001 .
انيكست ( أ ) : تاريخ دراسة الدراما – ترجمة : ضيف الله مراد – وزارة الثقافة – دمشق – 2000 .
ايغلتون ( تيري ) : نظرية الأدب – ترجمة : ثائر ديب – وزارة الثقافة – دمشق – 1995 .
ايفروس ( اناتولي ) : البروفة حبي – ترجمة : ضيف الله مراد – مراجعة : سلام اليماني – وزارة الثقافة – دمشق – 1998 .
بدوي ( عبد الرحمن ) : الأخلاق النظرية – وكالة المطبوعات – الكويت – الطبعة الثانية – 1976 .
الجيوش ( ناجي ) : الانحرافات الجنسية – دار الأهالي – دمشق – الطبعة الأولى – 1988 .
حجازي ( مصطفى ) : التخلف الاجتماعي \ سيكولوجيا الإنسان المقهور \ – معهد الإنماء العربي – لبنان – 1980 .
روسيه ( جان ) : أسطورة دون جوان – ترجمة : زياد العودة – وزارة الثقافة – دمشق – 1985 .
عاقل ( فاخر ) : اعرف نفسك – الطبعة الرابعة – دار العلم للملايين – بيروت – 1977 .
العظم ( صادق جلال ) : في الحب و الحب العذري – الطبعة الخامسة – دار المدى للثقافة و النشر – دمشق 2002 .
فاربرمان( هارفي ) \ غود ( أريك ) : الواقع الاجتماعي – ترجمة : ندرة يازجي – مراجعة : عبد المجيد النشواتي – وزارة الثقافة – دمشق – 1985 .
كامبي ( فيليب ) : العشق الجنسي و المقدس – ترجمة : عبد الهادي عباس – الطبعة الأولى – دار الحصاد – دمشق – 1992 .
كاوي ( بيتر ) : السينما الإسكندنافية – ترجمة : عبد الإله الملاح – وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما – دمشق – 2001 .
مندور ( محمد ) : المسرح العالمي – دار النهضة للطباعة و النشر – مصر \ القاهرة \ – د . ت .
مجموعة مؤلفين : النرجسية – ترجمة : وجيه أسعد – وزارة الثقافة – دمشق – 1989 .
نويل ( جان بيلمان ) : التحليل النفسي و الأدب – ترجمة : حسن المودن – المجلس الأعلى للثقافة – مصر – 1997 .

الدوريات :

مجلة المعرفة – العدد 431 – وزارة الثقافة – دمشق – مقالة بعنوان : الروح – د . هاني نصري – 1999 .
مجلة عالم الفكر – العدد ( 1) المجلد ( 21 ) – مقالة بعنوان : أسطورتان دالتان في الحضارة الأوروبية \ فاوست و دون جوان \ – مجدي وهبة – الكويت – 1991 .
مجلة عالم المعرفة – العدد 82 – تشكيل العقل الحديث – تاليف : كرين برينتون – ترجمة : شوقي جلال – مراجعة : صدقي حطاب – المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب – الكويت – 1984 .

الأفلام:
وخلق الله المرأة : تمثيل : بريجيت باردو – إخراج : روجيه فاديم – 1958 .
موليير : تمثيل : فيليب كوبير \ جوزيفين ديرين – إخراج : أريان منوشكين – 1978 .
ليلة فارين : تمثيل : جان لوي بارو \ مارسيلليو ماستروياني – إخراج : إيتوري سكولا – 1982.
كازانوفا فيلليني : تمثيل : دونالد سوثيلاند \ تينا أومانت – إخراج : فيدريكو فيلليني .
دون جوان : تمثيل : بريجيت باردو – إخراج : روجيه فاديم .
أماديوس : تمثيل : ماري أبراهام \ توم هولسا – إخراج:ميلوس فورمان – موسيقى: جون شتراوس
دون خوان دي ماركو :تمثيل : مارلون براندو \ جوني ديب – إخراج : جيريمي ليفن .


.
Femme au chapeau,
par Alexeï von Jawlensky
alexei-von-jawlensky-femme-au-chapeau.jpg
 
أعلى